التغلغل الصهيوني في أفريقيا: الواقع والآفاق

السنة الخامسة عشر ـ العدد 176  ـ (شوال ـ ذو القعدة 1437 هـ ) ـ (آب 2016 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجولة أفريقية منذ يوم الاثنين 4 يوليو/تموز 2016، وشملت أربع دول أفريقية من منطقة حوض النيل، هي: كينيا، وأوغندا، ورواندا وإثيوبيا، وهي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي منذ أكثر من 40 عاماً في أفريقيا.

وعقد نتنياهو يوم الثلاثاء 5 تموز 2016، في أوغندا لقاء "قمة"، التقي خلالها مع مسؤولي سبع من الدول الأفريقية، وهم بالإضافة لزعماء الدول التي زارها، رئيس جنوب السودان، وزامبيا، ووزير خارجية تنزانيا. ويتضح مما كتبه المعلّقون الإسرائيليون حول جولة نتنياهو من أنها تشكل محاولة إقناع الدول الأفريقية بالتصويت لصالح الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، وهو ما يعد الهدف الرئيسي للجولة. ويقول معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان إن وزارة الخارجية في تل أبيب ترى في الدول الأفريقية "كتلة ذات تأثير حاسم أثناء التصويت على القرارات المتعلقة بإسرائيل في المحافل الدولية". ويستغل الكيان الصهيوني توجه بعض الدول الأفريقية للتصرف بعكس القرارات التي تصدرها منظمة "الاتحاد الأفريقي"، الذي يمثل جميع دول القارة، وتحاول توظيف هذا التوجه في إقناعها بدعم مواقف إسرائيل وتأمينها في الساحة الدولية.

والحال هذه، تندرج زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو إلى عدد من البلدان  الواقعة في شرق القارة الأفريقية في سياق اعتبارين :

الأول، ويخصّ رئيس الوزراء الإسرائيلي وأسرته، وهو حلول الذكرى الأربعين لمقتل شقيقه الأكبر الكولونيل جوناثان نتنياهو في "عملية عنتيبي" في يوليو/ تموز من عام 1976. كان فصيل من المقاومة الفلسطينية المسلحة(تنظيم الدكتور وديع حداد) قد اختطف طائرة "إير فرانس" في طريقها إلى باريس من مطار اللد الإسرائيلي، وقاموا بتحويلها إلى مطار عنتيبي في أوغندا. قامت إسرائيل بإنقاذ الرهائن في عمليةٍ جريئة، تجاوزت فيها أعرافاً دولية كثيرة، واخترقت طائرتها أجواء عدد من البلدان، لتصل، بتواطؤ كيني مفضوح، إلى المطار الأوغندي. الضابط الإسرائيلي الوحيد الذي لقي حتفه في تلك العملية، قائدها الكولونيل جواناثان نتنياهو، شقيق بنيامين نتنياهو. ويشكل إحياء ذكرى مقتله فرصة يعزّز خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي مكانته السياسية في الداخل.

الثاني، إستراتيجية واضحة ومحددة قوامها توسيع نطاق التغلغل الصهيوني في القارة الأفريقية، وتحسين مكانة  إسرائيل الدولية، وتوظيف الحضور الأفريقي في المؤسسات الدولية، لاسيما هيئة الأمم المتحدة، لإحباط أية محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الصهيونية. إضافة  إلى ذلك، توثيق التعاون الأمني والاستخباري، وفتح الأسواق الأفريقية الواعدة، وتطوير التبادل التجاري معها.

المصالح الإستراتيجية للكيان الصهيوني في أفريقيا

المصالح الدبلوماسية: لقد مهد تراجع المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني على جبهات القتال المختلفة، وزيارة الرئيس السادات التاريخية للقدس في نوفمبر1977، وتوقيع اتفاقية السلام المصرية- الصهيونية في عام 1979، طريق الانفتاح مرة أخرى لتقارب الجانبين الأفريقي والصهيوني، وتحسين إلى حد كبير العلاقات الأفريقية - الصهيونية. ولكن تطبيع العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني، وانسحاب القوات الصهيونية من سيناء في 25 نيسان 1982، والاجتياح الصهيوني للبنان في شهر حزيران 1982، وسقوط جبهة الصمود والتصدي، وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت في خريف العام عينه، وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وعدم احترام الدول العربية بالتزاماتها حيال تقديم المساعدات المالية للبلدان الأفريقية، قد أنهى نظرياً وعملياً بصورة متدرجة مبررات مقاطعة دول أفريقيا لدولة الكيان الصهيوني. فاتجهت معظم الدول الأفريقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية رسمياً مع الكيان الصهيوني، بعد أن أزاح العرب والفلسطينيون الحرج عن أفريقيا من تقاربها مع الكيان الصهيوني. وبذلك عاد الكيان الصهيوني إلى أفريقيا، وعادت أفريقيا إلى الكيان الصهيوني، وبقوة.

ويسعى الكيان الصهيوني إلى كسب دعم الدول الأفريقية في المؤسسات الدولية حيث تتعرض الدولة الصهيونية لكثير من الضغوط بسبب احتلالها واستيطانها الأراضي الفلسطينية. فقد قال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، بدوره، "إن علاقتنا مع إسرائيل صعبة على مستوى القارة. إلا إن العالم تغير ولا يمكننا أن نبقى في الماضي". وأضاف "من الضروري أن تقيم إسرائيل علاقة جديدة مع أفريقيا". وكانت دول أفريقية عدة ابتعدت عن الكيان الصهيوني في الستينات وتقربت من الدول العربية خصوصا خلال حربي العام 1967 و1973، وبسبب العلاقة الخاصة التي كانت تربط الكيان الصهيوني  بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ورحب الكيان الصهيوني في بيان بتعهد رؤساء الدول الأفريقية الذين التقوا نتنياهو في جولته الأفريقية الأخيرة بـ"إعادة إسرائيل كدولة مراقب إلى الاتحاد الأفريقي". وكانت "إسرائيل" بقيت عضواً مراقباً في منظمة الوحدة الأفريقية حتى العام 2002، عندما تم استبدال المنظمة بالاتحاد الأفريقي. وتزعمت الدول العربية الأفريقية وعلى رأسها الجزائر، والسودان، وليبيا حملات لمقاطعة الكيان الصهيوني على مدار العقود الأربعة الماضية. ويرى نتنياهو أن الوقت أصبح مناسباً لتجاوز هذه الظروف، واستغلال العلاقات الاقتصادية والعسكرية بدول وسط أفريقيا ومنابع النيل لفتح آفاق سياسية جديدة أمام بلاده. كما يراهن نتنياهو على هذه الدول في مساندة "إسرائيل" أمام أي انتقادات أممية أو إقليمية بسبب سياساتها ضد المدنيين العزل في الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى توسيع مظلة التستر خلف ادعاءات مكافحة الإرهاب.

وتقيم السلطة الفلسطينية علاقات مميزة مع الاتحاد الأفريقي، ويتلقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوات للمشاركة في قمم هذا الاتحاد. وتؤكد قمم الاتحاد الأفريقي على الدوام "تضامنها مع الشعب الفلسطيني وإدانتها لسياسة الاحتلال الإسرائيلية". والحال هذه أصبحت الاعتبارات الدبلوماسية تأخذ الأولوية بالنسبة للكيان الصهيوني، من أجل توظيف ثقل  تصويت الدول الأفريقية في المحافل الدولية  لمصلحة إسرائيل.

وما يدلّ على أن الاعتبارات الدبلوماسية تقع على رأس أولويات نتنياهو خلال جولته الأفريقية حقيقة أنه طالب السفراء الأفارقة في تل أبيب صراحة بالتصويت بشكل جماعي لمصلحة الكيان الصهيوني في المحافل الدولية. ونقل بيان صادر عن ديوان نتنياهو قوله للسفراء الأفارقة  أثناء مشاركتهم في حفل نُظّم، في شهر أيار/مايو الماضي، في الكنيست بمناسبة تدشين "لوبي أفريقياۥ" في البرلمان قوله إنّ "إسرائيل عادت إلى أفريقيا وأفريقيا عادت إلى إسرائيل، وبقوة. أتوقع أن يؤثر التقارب بيننا على طابع تصويت الدول الأفريقية في المحافل الدولية". ولفت نتنياهو أنظار السفراء إلى ما وصفه بـ"الإستراتيجية الأفريقية" التي يتّبعها، والتي تقوم على توظيف الثقل الأفريقي في المحافل الدولية لصالح إسرائيل. وقال "أعي أنّ ممثلي دولكم سيصوّتون في المحافل الدولية بما يتماشى مع مصالح أفريقيا، وأنا أرى أن مصالح إسرائيل ومصالح أفريقيا تقريباً متطابقة، ما يعني أن التصويت لصالح إسرائيل هو بالضرورة تصويت لصالح أفريقيا"(1).

ويقيم الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية مع 40 دولة أفريقية، من ضمنها عشر دول تملك تل أبيب فيها سفارات، وهي: جنوب أفريقيا، والكاميرون، وكينيا، ونيجيريا، وأنغولا، وأثيوبيا، وأرتيريا، وغانا، وساحل العاج، والسنغال، في حين تم تعيين سفراء غير دائمين في بقية الدول. في المقابل، فإن 15 دولة أفريقية لها سفارات في الكيان الصهيوني. وقد شرعت الدول الأفريقية في استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع  الكيان الصهيوني، التي قطعتها في أعقاب حربَي 1967 و1973 بعد التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر والكيان الصهيوني.

ويزداد النفوذ الصهيوني سياسياً واستخباراتياً في رواندا وجنوب السودان، إذ بات معروفاً من أدبيات صهيونية عديدة من بينها كتاب ضابط الموساد السابق، موشيه فرجي عن موقف الكيان الصهيوني من حركة تحرير جنوب السودان، أنّ الموساد "الإسرائيلي" كان أحد الروافد المالية واللوجستية والتنظيمية للانفصاليين. وارتباطاً بهذه العلاقات التاريخية، خصص الكيان الصهيوني ميزانية 13 مليون دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع الدول الأفريقية، تتضمن التدريب في مجالات مكافحة الإرهاب والصحة، بحسب رئاسة الوزراء الصهيونية.

ولا تعمل "إسرائيل" من خلال هذه التحركات فقط على ملء فراغ تركته مصر والسودان والدول العربية القادرة في جزء مهم من محيطها الإستراتيجي، وفقاً لمراقبين، بل تسعى أيضاً إلى تجنيد هذه الدول بغرض إعادتها إلى المحيط الأفريقي لأول مرة منذ عام 2002، إذ تم حرمانها من صفة "العضو المراقب" في منظمة الوحدة الأفريقية بالتزامن مع تأسيس الاتحاد الأفريقي.

المصالح الأمنية: وعد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اليوم الثاني من جولته الأفريقية، بتعزيز التعاون مع القارة السمراء في مجال مكافحة الإرهاب، محاولا تثبيت وجود "إسرائيل" في قارة لطالما نأت بنفسها عن الدولة العبرية. وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي عقده في نيروبي في ختام لقاء مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا "بعملنا معا سيكون بإمكاننا التحرك بشكل أسرع للقضاء على هذه الآفة التي اسمها الإرهاب". وأضاف "ليس لدى أفريقيا أي صديق أفضل من دولة إسرائيل خارج أفريقيا، عندما تكون هناك حاجة لأمور عملية متعلقة بالأمن والتنمية"، مستطرداً بالقول: "إن النتيجة العملية لتعاوننا ستكون أمناً أفضل وازدهاراً أكبر". وشارك نتنياهو الثلاثاء 5 تموز الجاري في أوغندا في قمة إقليمية مصغرة تركزت حول الأمن ومكافحة الإرهاب. وتعتبر كينيا أحد الحلفاء التاريخيين النادرين للكيان الصهيوني في القارة الأفريقية.

وبشأن مكافحة الإرهاب قال الرئيس الكيني إن "إسرائيل واجهت هذا التحدي قبلنا بكثير"، مشيدًا بالتعاون مع "إسرائيل" على مستوى تبادل الخبرات خصوصا في مجال التدريب والتقدم التكنولوجي وتبادل المعلومات. وأضاف "لا يمكننا ضمان التنمية الاقتصادية التي نتمناها لشعبنا ما لم نكن قادرين على ضمان الأمن لأمتنا". وذكر كينياتا ونتنياهو أن كينيا قدمت مساعدة للكيان الصهيوني عام 1976 خلال عملية الكوماندوس الصهيونية في أوغندا لإطلاق سراح ركاب طائرة إسرائيلية خطفت بينما كانت تقوم برحلة بين تل أبيب وباريس ونقلت إلى مطار عنتيبي، حيث استقبلهم الديكتاتور الأوغندي السابق عيدي أمين دادا.

ويشكل تهديد الأمن القومي العربي عامة والأمن المصري خصوصاً، محوراً إستراتيجياً في السياسة الخارجية الصهيونية، لذا دأب الكيان الصهيوني على تعزيز علاقاته الثنائية والأمنية مع دول شرق أفريقيا، لاسيما أثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وإريتريا، وجيبوتي، من أجل تحقيق هذا الهدف. وكان الكيان الصهيوني يستهدف من خلال هذا التحرك ولا يزال تحقيق السيطرة الإستراتيجية على مضيق باب المندب الذي يعتبره منفذاً حيوياً لتحركاته الملاحية من وإلى آسيا وأفريقيا حتى يضمن مصالحه الاقتصادية والتجارية.

إضافة إلى ذلك، تستهدف الإستراتيجية الأمنية الصهيونية تهديد أمن الدول العربية  المعتمدة على مياه نهر النيل وهما مصر والسودان بالدرجة الأولى، والحال هذه تمثل دول حوض النيل إحدى المصالح الأمنية الكبرى للكيان الصهيوني. فإستراتيجية الكيان الصهيوني تتمحور حول الالتفاف حول هذه الدول (إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، والكونغو، وإريتريا). فالكيان الصهيوني يريد تطوير العلاقات مع كينيا التي تقع على المحيط الهندي، بهدف الحصول على تسهيلات للقطع البحرية الإسرائيلية. أما الاستمرار في فتح سفارة إسرائيلية في اريتريا، على الرغم من أنها دولة فقيرة جداً، فلأن نظام الرئيس الإرتري أسياس أفورقي يسمح للغواصات والسفن العسكرية الصهيونية باستخدام موانئها.

وفضلاً عن ذلك، وأمام بروز الحركات الإسلامية المتطرفة في أعقاب أحداث "الربيع العربي"، لاسيما في بلدان شمال أفريقيا، يعمل الكيان الصهيوني على بلورة حلف إسرائيلي مع بضع دول مسيحية في أفريقيا، كي تشكل نوعاً من حزام ضد الإسلام المتصاعد في دول شمال أفريقيا، درءاً لتداعيات التغييرات الحاصلة في شمال أفريقيا على باقي الدول الأفريقية، التي تخشى من إمكانية تعزيز الإسلام المتطرف، ومن تأثيره على القارة بأسرها. ويدفع الخوف من صعود الإسلام المتطرف إلى إقامة مثل هذا الحلف بين الدول الأفريقية المسيحية والكيان الصهيوني.

 

المصالح الاقتصادية: يتزايد دور التغلغل الاقتصادي الصهيوني في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لأفريقيا في مجال التغذية حيث تبدو فيها البلدان الأفريقية بحاجة إلى التكنولوجيا والخبرات الصهيونية، من أجل تطوير الزراعة و استغلال ثروتها الخشبية واستصلاح الري. ومن الطبيعي أن ينجم عن هذا الوضع تطوير في التبادل التجاري بين أفريقيا و الكيان الصهيوني، في ظل التراجع الكبير الحاصل على مستوى الشراكات الاقتصادية والتجارية العربية - الأفريقية، وانشغال الدول العربية بحروبها الداخلية، وضمور دور جامعة الدول العربية في تعزيز أطر التعاون مع الاتحاد الأفريقي.

لقد كانت دولة ساحل العاج نقطة ارتكاز في السياسة الخارجية الصهيونية من أجل النفاذ إلى باقي الدول الأفريقية، ذلك أن الرئيس الراحل هوفيه بوانيه كانت تربطه علاقات تاريخية وثيقة مع حزب العمل الإسرائيلي منذ ثلاثين سنة، و مع الرئيس الفرنسي الراحل   فرانسوا ميتران منذ أن كان نائباً في البرلمان الفرنسي في إطار التجمع الديمقراطي الأفريقي وحليفاً للشيوعيين الفرنسيين. وحالياً، تتمركز الشركات الصهيونية في أحد عشر بلداً أفريقيا هي: الكاميرون، ساحل العاج، غانا، كينيا، ليبريا، مالاوي، نيجيريا، تنزانيا، زائير، زامبيا وإثيوبيا وتعمل معظم هذه الشركات في تطوير الزراعة والري وفي مجال الفنادق السياحية ومقاولات البناء الخ.

 وعلاوة على ذلك فإن هذه الشركات المندمجة في شركة مساهمة عملاقة يقع مقرها الرئيسي في أمستردام بهولندا يشرف على إدارة أعمالها موظفون كبار تربطهم علاقات وطيدة كبار رجال السياسة في دولة الكيان الصهيوني، ولا تقتصر مهمتهم على الأعمال الاقتصادية فحسب، وإنما يقومون كذلك بترتيب اللقاءات السرية بين القادة الأفارقة والساسة الصهاينة.

وذكرت مجلة "ISRAEL DEFENSE"، أن الحكومة الإسرائيلية ناقشت في جلستها الأسبوعية اليوم الأحد 3 يوليو الجاري، بنود الخطة تمهيداً لإقرارها. وتهدف الخطة بشكل خاص إلى "تعزيز العلاقات الاقتصادية والبدء في تدشين شراكات مع العديد من دول القارة". ونقلت المجلة عن نتنياهو قوله: "هناك طاقة كامنة هائلة من الفرص يمكن أن تستفيد منها إسرائيل في قارة أفريقيا وفي كثير من المجالات. الكثير من دول القارة معنية بفتح أبوابها أمام إسرائيل ونحن سنحرص على توظيف هذا التوجه لصالحنا وصالحها".

وأشارت المجلة إلى أن الخطة التي أعدها ديوان نتنياهو تتضمن تدشين صناديق خاصة مالية مخصصة للتعاون مع أفريقيا، في ظل الحرص على استغلال المغريات التي يمكن أن تقدمها إسرائيل لدول القارة.

وتتضمن الخطة مبادرة لإقامة منظومة ومؤسسات تعمل على التعاون بين الحكومة الإسرائيلية ومؤسسات مصرفية عالمية وإسرائيلية لتمويل مشاريع تطوير واسعة في القارة السمراء ودول "نامية أخرى. وتستعد الحكومة الإسرائيلية وفق هذه الخطة لإقامة ملحقيات تجارية إسرائيلية في أفريقيا وتوسيع مجالات عملها؛ حيث تنص الخطة في البداية على إقامة ملحقيتين تجاريتين وبعد ذلك يتم تدشين ملحقيتين إضافيتين.

وتشمل الخطة تمويل أنشطة لتسويق البضائع الإسرائيلية للتأثير على وعي صانع القرار والمستهلك الأفريقي من أجل زيادة نسبة الصادرات الإسرائيلية لأفريقيا، إلى جانب منح الشركات الإسرائيلية مخصصات مالية لإجراء دراسات جدوى حول مستقبل أنشطتها في أفريقيا. وسيتم تدشين أربعة مراكز "تميز" لمؤسسة تطوير التعاون الدولي الحكومية الإسرائيلية في كل من أوغندا وأثيوبيا وكينيا ورواندا، حيث ستحرص هذه المراكز على إبراز آخر ما توصلت إليه صناعة التقنيات المتقدمة في إسرائيل وإجراء اتصالات مع رجال أعمال وممثلي أنظمة الحكم في هذه الدول لإطلاعهم على التطورات التقنية في إسرائيل؛ على اعتبار أن هذه الخطة يفترض أن تساعد على زيادة التصدير الإسرائيلي لهذه الدول. وتشير الخطة إلى أن إسرائيل ستسعى للتوصل لاتفاقات مصرفية مع دول أفريقية من أجل تقليص كلفة إبرام الصفقات بين المرافق الصناعية ورجال الأعمال الإسرائيليين وأنظمة الحكم ورجال الأعمال الأفارقة.

وتضمنت الزيارة الحالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبعاداً اقتصادية كبيرة، حيث انضم إلى رئيس الوزراء 80 رجل أعمال من 50 شركة إسرائيلية، بهدف خلق علاقات تجارية مع شركات ودول أفريقية. وخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى كينيا وإثيوبيا سيتم عقد ندوات تجارية تجمع رجال الأعمال، الذين انضموا إلى الزيارة مع رجال أعمال محليين، برعاية الرئيس الكيني ورئيس الوزراء الإثيوبي ونتنياهو.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت، مع بداية شهر تموز 2016، على خطة تهدف لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع دول القارة الأفريقية، وصلت ميزانيتها إلى حوالي 50 مليون شيكل، ومن أهم ما جاء فيها العمل على "تعاون غير مسبوق مع البنك الدولي، عبر إقامة صناديق إسرائيلية في البنك الدولي للاستثمار في أفريقيا، من خلال استغلال الفوائد النسبية الإسرائيلية، فضلاً عن تشكيل آليات للتعاون بين الحكومة والمؤسسات المالية الدولية والمؤسسات الإسرائيلية، لتمويل مشاريع تطويرية واسعة النطاق في الدول الأفريقية وفي دول نامية أخرى".كما تشمل الخطة فتح ممثليات تجارية إسرائيلية جديدة في أفريقيا، والنظر في إمكانية فتح ممثليتين جديدتين لاحقاً، وتمويل العمل التسويقي، و"توسيع العلاقات بين الصناعات الإسرائيلية والاحتياجات والزبائن المحتملين في الدول الأفريقية"، فضلا عن "فتح 4 مراكز للتفوق تابعة للوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي في كلٍّ من أوغندا وإثيوبيا وكينيا ورواندا". وستكون مهمة هذه المراكز "الكشف عن التكنولوجيا الإسرائيلية أمام رجال الأعمال والمؤسسات الحكومية في الدول الأفريقية، لرفع حجم التصدير الإسرائيلي إلى تلك الدول"(2).

تطور العلاقات الصهيونية – الأثيوبية لخنق مصر

تعتبر الاستثمارات الإسرائيلية في إثيوبيا نموذجاً للنمو السريع، مثل الاستثمارات الصينية مع الفارق الكمّي لمصلحة الأخيرة، إذ تتولى "إسرائيل" إدارة وإنشاء شبكة الكهرباء الجديدة بالعاصمة أديس أبابا، كما تتولى إنشاء محطات جديدة للطاقة بمختلف مدن إثيوبيا، وفق اتفاق تم توقيعه عام 2012. وتملك إسرائيل في إثيوبيا 70 ألف فدان مزروعة بقصب السكر بتكلفة إجمالية 200 مليون دولار. وتشارك عدد من الشركات الإسرائيلية في إدارة محطات إنتاج حيواني وتنظيم للري بمياه النيل، كما تدور شائعات بين الحين والآخر عن انخراط بعض شركات المقاولات الإسرائيلية في العمل بسد النهضة، وهو المشروع الذي تديره شركة إيطالية وتعمل به شركات إيطالية وصينية وفرنسية وأيضاً مملوكة لمستثمرين سعوديين. وبمناسبة تصاعد الحديث عالمياً عن "التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب"، فمن المنتظر أن توقّع إثيوبيا مع "إسرائيل "اتفاق تعاون أمني في مجال مكافحة التهديدات الأمنية، والتي تسوّق إسرائيل أنها على رأس دول العالم في الخبرة في هذا المجال، باعتبار أنها تواجه إرهاباً من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وفتحت إثيوبيا بعد الإطاحة بالحكم الشيوعي بقيادة منغستو هايلاميريام عام 1987، ومع صعود رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي على رأس الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الحاكمة حالياً، أبوابها للاستثمارات الإسرائيلية بغزارة، إذ شاركت إسرائيل في إنشاء وإدارة 33 مشروعاً للري وتوليد الكهرباء على الرغم من أن إسرائيل كانت داعماً إستراتيجياً لمنغستو الذي كان يجاهر بالعداء لمصر ويتهم رئيسها الراحل أنور السادات بإشعال الفتن السياسية في إثيوبيا. وتدل هذه المفارقة على نجاح "إسرائيل" في خلق مساحات مشتركة من المصالح مع إثيوبيا ظلّت صامدة على الرغم من التغيرات السياسية، على عكس ما حدث مع مصر(3).

اتسمت العلاقات الإثيوبية- المصرية بالبرودة الأقرب للقطيعة منذ حادث محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو/ حزيران 1995، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن مشروع إنشاء سد النهضة والرفض المصري القاطع له، واتخاذ مبارك موقفاً عبارة عن مزيج بين تجاهل ما يتم على الأرض، ورفض مبدئي للمساس بحصة مصر في مياه النيل. وعقب خلع مبارك، وُجدت مساحة لتبادل الوفود الشعبية بين مصر وإثيوبيا للتباحث حول أزمة السد، انتهاءً بزيارة السيسي التاريخية لأديس أبابا وإعلان وثيقة التفاهم الثلاثية حول إنشاء السد.

إلا أن الأشهر التالية كشفت أنّ ما وقّع عليه السيسي وما تعهد به في البرلمان الإثيوبي، رسّخ فقط حق إثيوبيا في إقامة السد، وأسقط من يد مصر كل أوراق الضغط لاسيما مع وجود مصالح اقتصادية واستثمارية ضخمة وواعدة في إثيوبيا، تداعب خيال العواصم الغربية الكبرى.

وتعتبر الأكاديمية المصرية زبيدة عطا في كتابها "إسرائيل في النيل" الذي نشرته مكتبة الشروق الدولية عام 2010، أن الاهتمام الصهيوني بإثيوبيا  جزء من مشروع أسمى لتوصيل مياه النيل إليها عبر سيناء. وتستند في هذا الطرح إلى ما كتبه الرئيس الصهيوني السابق شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عن اهتمام الدولة الإسرائيلية بهذا المشروع. أما كينيا، طرف الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع مصر، فهي وجهة مفضّلة للاستثمارات الصهيونية بسبب قوة العائلات اليهودية العاملة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة في العاصمة نيروبي. كما أن "إسرائيل" تدعم الجيش والشرطة الكينية، مستغلة حالة الخصومة بين الحكومة وبعض التيارات والقبائل الإسلامية المتشددة.

وقد ترافق مع أساليب التغلغل الاقتصادي، تلك الأشكال من الاختراق لجيوش الأنظمة  التابعة والديكتاتورية في القارة الأفريقية. وهنا يكمن الهدف الإستراتيجي للكيان الصهيوني في إبقاء البلدان الأفريقية ضمن دائرة النفوذ والسيطرة الإمبريالية الفرنسية والأمريكية، والوقوف أمام تحرر شعوب أفريقيا كما يتجلى ذلك في "المساعدات العسكرية" التي يقدمها الكيان الصهيوني إلى تلك الأنظمة. وإضافة إلى ذلك، يقوم الخبراء العسكريون الصهاينة المتواجدون في هذه البلدان بتدريب القوات الخاصة لقمع المظاهرات، وإنهاء التمردات العسكرية والشعبية المناهضة لأنظمة الحكم، مثلما حصل في زائير وتشاد خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي.

قالت الكاتبة والباحثة اليمينية الإسرائيلية كارولين غليغ، إن توجه إسرائيل للاستثمار في العلاقات مع أفريقيا يأتي ضمن "استخلاص إسرائيل للعبر من التحولات التي تجري في العالم"، مشيرة إلى أنه في ظل تراجع دور الولايات المتحدة والمؤشرات على بدء تفكك الاتحاد الأوروبي فإنه يتوجب على تل أبيب تعزيز علاقاتها مع تكتلات إقليمية أخرى، وعلى رأسها أفريقيا وأمريكا الجنوبية.وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوم 1 يوليو الجاري، أشارت كليغ إلى أن المحور الدبلوماسي يمثل اعتباراً مهماً جداً في التحرك الإسرائيلي داخل أفريقيا، متوقعة أن يسفر تعزيز العلاقات – الإسرائيلية مع القارة إلى تعاظم مظاهر دعم دولها لتل أبيب في المحافل الدولية، لاسيما في الأمم المتحدة. وشددت على أن تجند الدول الأفريقية لإحباط مشاريع القوانين التي تقدم في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل هدفاً مهماً للدبلوماسية الإسرائيلية.

لماذا حصل هذا الانقلاب الأفريقي نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني؟!.

من الناحية التاريخية كان مؤتمر باندونغ 1955 الذي حضرته ست دول أفريقية: ساحل الذهب "غانا حالياً" مصر، إثيوبيا، ليبريا، ليبيا والسودان أدان بشدة سياسة الاستيطان الصهيونية في فلسطين. غير أن العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الصهيوني على مصر عام 1956، أزاح الستار عن تلك العلاقات المتبادلة الوثيقة بين دولة الكيان الصهيوني و الاستعمار القديم و الأنظمة الرجعية والعميلة مثل كينيا باعتبارها سياسة عنف تعكس من ناحية طموح الاستعمار بين الإمبرياليين الذين خسروا مستعمراتهم من أجل ضرب الحركة القومية العربية وجر البلدان التي استقلت حديثا إلى دائرة التحالف مع الغرب الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة. وكان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أبدى اهتماماً ملحوظاً بأفريقيا  في محاولة عزل الكيان الصهيوني من القارة حيث أقامت الدول العربية مجتمعة علاقات دبلوماسية مع 22 دولة أفريقية من الـ35, كما قامت جامعة الدول العربية بافتتاح عدة مكاتب في شرق وجنوب أفريقيا.

لكن مع حصول العديد من البلدان الأفريقية على استقلالها السياسي، وانتهاج قسم كبير منها خيار "التنمية الاقتصادية" في إطار علاقات التبعية مع الاستعمار الجديد، وطور العدو الصهيوني علاقات التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي مع 26 دولة أفريقية، وأقام معها علاقات دبلوماسية رسمية حتى صدور قرارات منظمة الوحدة الأفريقية في 21 نوفمبر 1973 ,القاضية بتطبيق المقاطعة الكاملة مع دولة الكيان الصهيوني, وإقامة جميع الدول الأفريقية علاقات وثيقة  للتعاون بين أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية. وقد أدى هذا القرار إلى شل علاقات الكيان الصهيوني  بأفريقيا, وأعاد الكيان الصهيوني إلى نقطة البداية. في نهاية 1973.

لا بد من التأكيد على أن حرب أكتوبر في عام 1973، كان لها وقع عالمي كبير في ضوء تحطيم جبروت آلة الحرب العسكرية الصهيونية الأمريكية خصوصاً لما اجتازت القوات المسلحة المصرية قناة السويس بعد تحطيمها خط بارليف والانتصارات العسكرية الأولى على الجبهة الشرقية. وبغض النظر عن الطابع الذي كان يراد في حينه لتلك الحرب، وعن النتائج التي أسفرت عنها إلا أنه يجب رؤية ما نجم عنها من تغيرات هامة أحدثتها على مجرى الأحداث في العالم.

وكان لقرار حظر البترول العربي في 20 أكتوبر 1973 الذي اتخذته منظمة الأوبك على الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية أثر عميق في تثوير أسعار النفط بالنسبة للبلدان المنتجة، وفي احتدام الصراع بين بلدان العالم الثالث والدول الإمبريالية والاحتكارات الرأسمالية على الزيادة في أسعار المواد الخام عامة، حيث تتمتع أفريقيا باحتياطي كبير جداً بالنسبة للمواد الإستراتيجية.

في الوقت عينه ترسخت علاقات التضامن العربية الأفريقية، باتخاذ منظمة الوحدة الأفريقية قرار المقاطعة لدولة الكيان الصهيوني عشية حرب 1973 باعتبار ذلك مطلباً عربياً، وفعلاً قطعت 26 دولة أفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وكانت ساحل العاج، هي الدولة الأخيرة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية في 8 نوفمبر 1973، على الرغم من عدم حماستها لذلك. ولكن استجابة أفريقيا لقرار المقاطعة، كان مشروطاً بتقديم الدول العربية الغنية مساعدات مالية على البلدان الأفريقية من أجل تسديد فاتورة البترول، وقد لعبت الجزائر دوراً فعالاً مؤثراً، في تحقيق التضامن مع الأنظمة الأفريقية التقدمية وفي لجم مواقف الأنظمة التابعة، وتطوير علاقات التعاون العربية الأفريقية عامة، بحكم مركز ثقلها في حركة دول عدم الانحياز التي ترأستها من 1973 إلى 1976، ومواقفها الراديكالية، المطالبة بسيطرة بلدان العالم الثالث على مواردها الطبيعية ونضالها من أجل نظام اقتصادي عالمي جديد، و دعمها لنضال حركات التحرر الوطنية الثورية في كل من أنغولا، وموزامبيق، وجزر الراين الأخضر "ساوتومي وبرنسيبي حالياً" التي خاضت كفاحاً مسلحاً ضد الاستعمار البرتغالي من أجل نيل استقلالها.

إن السبب الرئيسي في خسارة الموقف الدولي لأفريقيا، يعود بشكل خاص إلى تراجع المواجهة العربية مع العدو الصهيوني على جبهات القتال المختلفة. فزيارة الرئيس  السادات التاريخية للقدس في نوفمبر1977, وتوقيع اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية في عام 1979, مهدتا طريق الانفتاح مرة أخرى لتقارب الجانبين الأفريقي والصهيوني, وتحسين إلى حد كبير العلاقات الأفريقية - الصهيونية.

  وهكذا، أزالت المعاهدة المصرية- الصهيونية الحرج عن أفريقيا من تقاربها مع الكيان الصهيوني, واعتبرت الدول الأفريقية انسحاب الكيان الصهيوني من سيناء مفتاح التطبيع. فاتجهت بعض الدول الأفريقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية رسمياً مع الكيان الصهيوني، كما حصل ذلك مع زائير في 14 مايو 1982، عقب الانسحاب الصهيوني من سيناء، ومع ليبريا في 13 أغسطس 1983، وعملت دول أفريقية أخرى في الاتجاه نفسه, إذ حذت ساحل العاج حذو زائير وليبريا، بعد القرار الذي اتخذه  الرئيس هوافيت بوانيه بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، في لقائه بجنيف مع شمعون بيريز يوم 18 ديسمبر 1985.

وهكذا، يحقق المخطط الصهيوني بنفاذه إلى الحياة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لهذه البلدان الأفريقية، انتصاراً كبيراً، في خدمة الإستراتيجية المشتركة الصهيونية - الأمريكية، الهادفة دائماً إلى التدخل العسكري الصريح للحيلولة دون حدوث تغيير تقدمي جذري لمصلحة تحرر أفريقيا. ولو كان الاهتمام الرئيسي للدول العربية موجهاً نحو المجابهة السياسية والعسكرية مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية، لما كان في وسع بعض الدول الأفريقية أن تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ولما حدث ما يحدث الآن، من تراجع في التأييد الدولي الذي حققته القضية الفلسطينية. لأن كسب المواقف الدولية، وضمان استمرار التأييد العالمي، لقضايا العرب العادلة، مرهون بانتهاج العرب أنفسهم، خط التحرير والتوحيد القومي، وانتزاع الحقوق السياسية للأمة العربية فهل نضيف شيئاً جديداً؟ ربما في الإعادة إفادة.

هوامش:

1- صالح النعامي، عين "إسرائيل" على صوت أفريقيا وموانئها، صحيفة العربي الجديد3 أيار/مايو 2016.

2- نضال محمد وتد، نتنياهو يبدأ اليوم جولة في الدول الأفريقية المناصرة لإسرائيل القدس المحتلة ــ 4 يوليو/تموز 2016.

3- نتنياهو في أفريقيا.. تطويق مصر من النيل، تقرير من القاهرة ــ صحيفة  العربي الجديد ــ 7 يوليو/تموز 2016   

اعلى الصفحة