حزب الله من مقاومة محلية إلى قوة إقليمية

السنة الخامسة عشر ـ العدد 176  ـ (شوال ـ ذو القعدة 1437 هـ ) ـ (آب 2016 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

جاء قرار التدخل العسكري لحزب الله في سورية منسجما مع مواقفه ومبادئه السياسية والأخلاقية، كما أن قرار التدخل هذا لم يخرجه عن خطه السياسي والنضالي كحركة مقاومة مسلحة، واستطاع الحزب أن يبرر دفاعه ووقوفه إلى جانب سورية ضمن مفهوم العلاقة الإستراتيجية والأمنية بينهما نظراً إلى ما تمثله الدولة السورية من حماية لظهر المقاومة اللبنانية والفلسطينية معاً.

فتدخل الحزب عسكرياً وبدأ الحسم على الأرض بالتعاون مع الجيش السوري. وبعد الكم الهائل من الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحزب الله في المناطق المشتعلة في سورية، ابتداء من معارك تحرير القصير في صيف 2013، إلى معارك تحرير القلمون في ربيع 2015، إلى نعارك تحرير تدمر في شتاء 2016, بات من الطبيعي أن تصيب هذه الانتصارات الكثير من قوى التيار المعادي للدولة السورية بحالة هستيريا.

خاض الحزب حرباً مفتوحة في الزمان والمكان والمراحل وتمكن خلالها من إلحاق هزيمة مدوية بالجماعات المسلحة، وقد أكد ذلك الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. كما استطاع الحزب الذي يخوض حرباً شرسة ضد مقاتلين هم خليط مما يسمى "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" وتنظيم "داعش"، أن يحقق سلسلة من الانتصارات ويلحق هزيمة كبرى بالجماعات المسلحة في المنطقة التي تحيط بها جبال القلمون الفاصلة بين لبنان وسورية، تلك الانتصارات التي مكنت الحزب من طرد تهديد الجماعات المسلحة المسلط على الحزب في جنوب لبنان وفتح طريق مباشر بين لبنان وسورية. هذا ما أكدته صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير لها نشر مؤخراً.

التقرير أكد أن مقاتلي الحزب سيطروا على 120 ميلاً من المنطقة المتاخمة للحدود اللبنانية طاردين ميليشيات جبهة النصرة.

وأضافت الصحيفة أن حزب الله بات في هذه المرحلة يخوض سلسلة معارك كبرى على الصعيد الإقليمي فهو يشارك في الدفاع عن الدولة في سورية، وفي موازاة ذلك يشن الحزب معركة سياسية وإعلامية في اليمن، كما يشارك الحزب وبإشكال مختلفة في العراق وفي الصراع مع عدوه الأساسي، العدو الصهيوني، من خلال العلاقة المميزة مع قوى المقاومة الفلسطينية. 

 فحزب الله الذي نجح في السنوات الأخيرة في زيادة قدراته العسكرية والأمنية واللوجيستيه واكتسب مقاتلوه مهارات قتالية عالية، لا يزال يعتبر أن المعركة مع العدو الصهيوني هي الأساس وأن استعداداته مستمرة لمواجهة الجيش "الإسرائيلي" في أي معركة. وأعلن ذلك السيد نصر الله الذي أشار إلى أن "المقاومة لم تصب بأي خلل أو ضعف أو وهن ولم تتأثر قدرتها ولا جاهزيتها في مواجهة العدو الإسرائيلي". فحزب الله بدخوله في ساحات قتالية متعددة أكسبته العديد من التجارب والكفاءات وتحول إلى قوة إقليمية عظمى، وبات الشغل الشاغل لصنّاع القرار في الدول الغربية وأصبح العديد من التقارير العسكرية والسياسية الأمريكية و"الإسرائيلية" تتحدث عن تعاظم قوة الحزب العسكرية، معتبرة ذلك نكسة كبيرة لإعادة رسم موازين ومواقع القوى في المنطقة. فمع قوة حزب الله اللوجستية وقوة الردع والتنظيم المنضبط لمقاتليه، يؤكد المراقبون انه أصبح له دور متعاظم على مستوى المنطقة، وبات جزءاً أساسياً من محور إقليمي يستطيع أن يحدث تغييراً كبيراً في موازين القوى بين أطراف الصراع في المنطقة.

وكان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله قد أعلن أنّ المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية الإمام علي خامنئي أبلغه في الأسبوع الأول من حرب تموز 2006 بأنّ "حزب الله" سينتصر وأنّ الحزب سيصبح قوة إقليمية. فكيف تحول حزب الله من قوة مقاومة محلية إلى قوة إقليمية؟.

رأي المخابرات الغربية

يتحدث ضابط استخبارات أوروبي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه في تقرير استخباري أوردته صحيفة "يدوعوت أحرونوت" الصهيونية فيقول: "إن ما يجري في سوريا هو موضع اهتمام أجهزة المخابرات العالمية وأكثر من ذلك كان بدعم مباشر من تلك الأجهزة للمجموعات المسلحة إن كان عبر التدريب والتسليح بأحدث أنواع الأسلحة والصواريخ والبنادق والأجهزة الالكترونية المتطورة من مناظير حرارية إلى أجهزة اتصالات ورصد متطورة جداً وأجهزة فك الشيفرات والتشويش المضاد حتى أن بعض الدول قامت بإرسال عناصر بشرية وفرق كوماندوس إلى أرض المعركة". وذكر منها دول مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل والسعودية وقطر وتركيا وعملوا على التنسيق فيما بينهم عبر غرفة عمليات مشتركة.

ويروي الضابط كيف أن المبنى والمتواجدين بداخله في حلب قد استهدفه الجيش السوري بغارة جوية وقتل عدد من العناصر المخابراتية وجرح آخرين بينما نجا ضباط بأعجوبة ما أثار الدهشة عن كيفية حصول الجيش السوري عن أماكن تواجدهم ويقول إن هذا الأمر حصل مرات عدة ورفض التحدث عن المعلومات التي نشرت في وسائل إعلام غربية عن أسر عدد من تلك العناصر.  

وفيما يتعلق بمعركة القصير قال الضابط: "تابعنا بدقة هجوم الجيش السوري ومقاتلي حزب الله الذي اتّبع طريقة غير تقليدية في ساحة المعركة اعتمد خطة عسكريّة متقنة أكثر من الخطط السابقة، وجرى تنفيذ هجوم مُحكم أكثر. فالمعركة بدأت بمحاصرة المسلحين في بلدة القصير بشكل تدريجي، من خلال التقدّم في أرياف القصير، قرية بعد أخرى وبلدة بعد أخرى عبر سياسة تسمى عسكرياً "القضم العسكري البطيء". والمعلومات التي توفرت من ساحة القتال تناولت مشاركة مقاتلي "حزب الله" بقوّة فيها وأنها هي التي حسمت المعركة عبر إرسالها مجموعات خاصة وعالية التدريب إلى الجهتين الجنوبيّة والغربيّة للهجوم على القصير، والقيام بعملية استخباراتية وأمنية في اكبر عملية تضليل وتمويه شهدتها المعارك حتى الآن حين تركّز هجوم وحدات الجيش السوري النظامي من الشمال والشرق. ولأنّ منافذ بلدة القصير شبه مغلقة تماماً، باستثناء بعض المسارب الضيّقة والوعرة، جاءت المعركة دمويّة جداً، نتيجة وقوع المقاتلين الإرهابيين فيها بين خياري الاستسلام أو الموت في ساحة القتال، بسبب عدم القدرة على تنفيذ انسحابات آمنة من البلدة.

ويروي الضابط الأمني الأوروبي أن حزب الله استعمل أساليب في غاية السرية، ولديه قدرة فائقة ومميزة في التمويه والمناورة على الأرض. ويتابع هذا الضابط حديثه في التقرير قائلاً: "إن مواقع حزب الله وخططه في المعركة سرية ومحصورة بأشخاص في قيادة الجيش السوري وإن قادة أفواج وألوية في الجيش السوري لا يعرفون من هم عناصر حزب الله وأين يهاجمون وكيف يتحركون ويضيف أن مقاتلي الحزب لديهم الكثير من الدهاء والحنكة والمعرفة العسكرية وبعبارة أوضح قال اعترف هم خبراء في الحرب النفسية والعلوم العسكرية ما مكنهم من هزم أعتى قوة عسكرية في العالم وهي إسرائيل ومن خلفها أمريكا وأوروبا وبعض قوى الاعتدال العربي وأن القدرة العسكرية لدى حزب الله لم يتم تقديرها من قبل إسرائيل فوقعت في الهزيمة عام 2006 والأمر الآن هو ذاته بالنسبة لفرنسا وبريطانيا وأمريكا فهي لا تعرف قوة حزب الله الفعلية, كما أن موسكو مهتمة بإقامة علاقة مع حزب الله بعد الدور الذي رأته، والذي اعتبرته قلب المقاييس بدخول حزب الله القتال. ومع ذلك اعتبرت إسرائيل، أنها جرّت حزب الله إلى جبهة أخرى، فيما قال دبلوماسي آخر إن الحرب في سوريا هي أكبر مناورة عسكرية يقوم فيها جيش، وقد قام حزب الله بأكبر مناورات عسكرية عندما دخل المدن والقرى دون أن يعرف أحد به، وقاتل قتالاً عنيفاً وسقط منه شهداء عديدون ومع ذلك لم يتراجع بل ازدادت قوته في سوريا، وهو يسيطر على المنطقة، وأضاف أن من هزم إسرائيل يعتبر أن موضوع المجموعات المسلحة في سوريا أو لبنان هو مجرد نزهة مع الأخذ بالاعتبار أن قيادة حزب الله لا تقول أو تفكر بذلك بل على العكس تماماً تدرس كل الاحتمالات وتقيم وزن لأي موضوع أو جماعة كي لا تقع في الأخطاء وأنهى حديثه وقال: "لقد أدهشتنا وأرعبتنا قوة وبراعة مقاتلي حزب الله في عام 2006 وحرب بيروت 2007 إلا أنه الآن أفقدنا السيطرة وهزمنا جميعاً".

قوّة إقليمية

كيف تنعكس الانجازات العسكرية التي حققها "حزب الله" في سوريا دفاعاً عن وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية على المواجهة المقبلة مع إسرائيل؟ سؤال يقّض مضاجع المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين وواضعي الاستراتيجيات، وخصوصاً في ظل الدور القتالي المهم الذي اضطلع به الحزب في تغيير موازين القوى في سوريا لمصلحة الدولة.

في الحقيقة ثمة وجهتا نظر في إسرائيل بخصوص هذا الشأن: واحدة ترى أن تورط "حزب الله" في حرب الاستنزاف الدائرة في سوريا قد انهكه وأجبره على نشر عدد كبير من مقاتليه على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وتالياً فمن غير المتوقع أن يتورط في مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل. ولا ينكر أصحاب هذه النظرية أن حرب سوريا أكسبت الحزب تجربة قتالية لم يعرفها سابقاَ، وانه بات قادراً اليوم على تحريك فرق كبيرة من المقاتلين وخوض معركة متعددة المستوى تتطلب تنسيقاً كبيراً وتستخدم أسلحة متنوعة. هذا هو رأي بوعاز غانور كما عرضه في الورقة التي قدمها إلى مؤتمر هرتسليا.

من ناحية أخرى، بدأت أوساط في الجيش الإسرائيلي تتحدث عن بدء "حزب الله" بتغيير إستراتيجيته القتالية في الحرب المقبلة مع إسرائيل. ففي حرب تموز استخدم الحزب إستراتيجية الاستنزاف التي تمثلت بإطالة أمد المعارك ومواصلة إطلاق الصواريخ على "المدن الإسرائيلية" حتى اليوم الأخير من هذه الحرب، وبذلك صمد ونجح في أن يسجل انتصاره على إسرائيل التي فشلت في تحقيق نصر حاسم، وقبلت بوقف النار لمنع استمرار سقوط الصواريخ على جبهتها الخلفية.

ففي مقال نشرته مجلة "معراخوت" العسكرية الإسرائيلية، تدل الأحداث التي جرت في الفترة الأخيرة على أن الحزب في صدد تغيير إستراتيجية الاستنزاف واستبدالها بإستراتيجية الهجوم المباغت، التي تقوم على محاولة شن الحزب هجوماً يتوغل بواسطته داخل أراضي إسرائيل، وينجح في إيجاد وقائع على الأرض، مثل احتلال مستوطنة في الجليل، ويغير معادلة الردع المتبادل القائمة حالياً.

على الرغم من المبالغات الإسرائيلية في تصوير تعاظم القوة العسكرية لـ"حزب الله"، ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها هي أن حرب سوريا قد غيرت صورة الحزب من حركة مقاومة لبنانية ضد إسرائيل إلى قوة عسكرية إقليمية تلعب دوراً مهماً في سياسات تتعدى لبنان إلى نطاق أوسع بكثير.

ولعل اخطر ما يقرأه قادة الكيان الصهيوني من تطورات تشير إلى تغيير ملامح المنطقة.. بعد صمود سورية ونجاح "حزب الله" في تغيير المشهد العسكري في الداخل السوري، بالتزامن مع الصعود الروسي الذي بات ممسكا بصناعة القرار الدولي، والدور الإيراني البارز إقليميا ودولياً، وانتكاسة مشروع ما يسمى "ألربيع العربي"، وما تلاه من انكفاء أمريكي - أوروبي - تركي عن تحريك جبهات الداخل السوري، هو التنامي المتعاظم لقدرات "حزب الله" الصاروخية والقتالية التي لا يبدو أنها تأثرت من المشاركة العسكرية الحاسمة للحزب في دعم النظام في سوريا، والحفاظ على ميزان الرعب القائم مع الاحتلال الإسرائيلي.

وكما فعلت الإدارة الأمريكية، التي انتظرت طويلاً لتتورط دول وجهات إقليمية عربية وغير عربية، في الأحداث السورية التي تحولت إلى مستنقع تغرق فيه كل الأجندات الإقليمية التي هدفت إلى إسقاط الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، فإن الكيان الإسرائيلي، يبدو، ووفق ما يعبر عنه محللون وخبراء إستراتيجيون فضلاً عن كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، بدا وكأنه ينتظر المزيد من هذا التورط، على الرغم من وضوح المشهد السوري عند الإسرائيليين الذين قال عنهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء أفيف كوخافي إن الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا جعلتها محجّة لعشرات الآلاف من المتشددين الذين يؤمّونها، ومنطلقاً لعقائدهم، فهذه التطورات برأي المسؤول الأمني الصهيوني "تؤدي إلى تغيير ملامح المنطقة تماما"، لكن أكثر ما يثير مخاوف أركان الكيان الصهيوني، الدور المتعاظم لـ "حزب الله" الذي اجمع كبار المحللين والمتابعين أن مقاتليه استطاعوا تغيير معالم الخارطة العسكرية في الداخل السوري من خلال حسم للعديد من المعارك العسكرية التي خاضها الحزب دعما للجيش السوري، في مواجهة جيوش الجماعات الإسلامية المتشددة التي توجتها منظمات "القاعدة" المتعددة الأسماء بمرجعية واحدة.

بنك أهداف المقاومة

حدد أمين العام "لحزب الله" السيد حسن نصر الله "بنك أهداف" المقاومة في الرد على أي عدوان إسرائيلي على لبنان، ليرفع بذلك من منسوب قوة الردع في مواجهة العدو الإسرائيلي، حيث كشف في حديثه التلفزيوني عن أن الكيان الصهيوني على كل مساحة احتلاله لفلسطين، هو تحت نيران السلاح الصاروخي للمقاومة الذي لا حدود له.

ولقد استدعى كلام السيد نصر الله ردود فعل متوقعة من قادة العدو الإسرائيلي على المستويين السياسي والعسكري وقد فاجأهم بأنه وسّع من الأهداف التي ستطالها صواريخ المقاومة بعد أن كان تحدث في خطاب سابق له قبل أسابيع عن مستودعات "الأمونيا" الموجودة في حيفا، والتي تحوي على 15 ألف طن من المواد المتفجرة، بما يوازي قنبلة نووية ستكون لو قصفتها المقاومة، أضرارها كبيرة في البشر والحجر، وهو ما ترك المستوطنات القريبة من المكان أن تطالب الحكومة الصهيونية بنقل هذه المستوعبات التي سينتج عنها مقتل حوالي مليون مستوطن ودمار شامل.

هذه الرسالة الثانية التي وجهها السيد نصر الله إلى قادة العدو وفي أقل من شهرين، بدأت تتفاعل في المؤسسة العسكرية الصهيونية التي تجري المناورات وتقيم التدريبات، وتستعد لحرب ثالثة على لبنان، استبعدها الأمين العام "لحزب الله" لان كلفتها على العدو ستكون عالية وسيحسب ألف حساب لأية مغامرة يلجأ إليها حيث يقول خبير عسكري لبناني يهتم بالشأن الإسرائيلي، إنه بعد الحرب الثانية على لبنان صيف 2006، لم يعد الصهاينة يستسهلون العودة إلى الحرب من جديد، وباتوا يعلمون أن المقاومة جاهزة، وباتت تملك ترسانة صاروخية متطورة، يقدرون عددها ما بين 100 و150 ألف صاروخ، ويتوقعون سقوط ألف صاروخ يومياً، ومنها ما يحمل رؤوساً متفجرة وفق التقديرات العسكرية الإسرائيلية التي لم تعد الحرب على لبنان نزهة، أو ترسل "فتيات على دراجات هوائية، لتأديب اللبنانيين، وتحديداً أهل الجنوب" فهذا كان في زمن الهزائم العربية أمام الغطرسة الإسرائيلية، أما في زمن انتصارات المقاومة، والتي كان تحرير الجنوب عام 2000 عنوانها، وصمود عام 2006 ودحر العدوان، مضمون ما أصبحت عليه المقاومة من قوة توقف العدو الإسرائيلي عند الحدود، وإن توغل تكون له بالمرصاد، وهذا يسمى تغيير المعادلات.

فلبنان تحول إلى بلد يقلق العدو الإسرائيلي، الذي شكلت حروبه عليه، فشلاً له فهي لم توقف المقاومة، وقد ظن في اجتياحه عام 1982 ووصوله إلى العاصمة بيروت وإخراجه منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، سيؤمن له سلاماً معه، وحدوداً آمنة، من خلال حكم يؤمن وصوله، فيكون لبنان البلد الثاني بعد مصر الذي يوقع "معاهدة سلام مع إسرائيل" لكن حسابات العدو لم تطابق مع بيدر المقاومة يقول الخبير، التي كانت انطلاقتها اللبنانية سريعة، فلم تترك المحتل يرتاح، فبدأت تلاحقه من الجنوب إلى بيروت التي أخلاها سريعاً، بعد عمليات مكثفة ومتسارعة للمقاومة استهدفت ضباط وجنود الاحتلال وآلياته في أكثر من شارع وحي. وما أورده السيد نصر الله في حديثه التلفزيوني على "الميادين" مع الزميل غسان بن جدو وقبله في خطاباته، وكشف فيها عن "بنك أهداف المقاومة"، إنما شهر فيها سلاح الردع أو السلاح الكاسر بوجه العدو، ومنع وقوع الحرب حتى إشعار آخر، وترك القادة الصهاينة يفكرون في ما يحاولون أن يُقْدِموا عليه من مغامرة عسكرية إذ يرى الخبير أن لبنان المقاوم أقام توازن الردع مع الكيان الصهيوني وان الرعب الذي كان ينتاب اللبنانيين مما قد تقدم عليه إسرائيل من حرب تراجع كثيراً، وانتقل إلى الضفة الإسرائيلية، التي تتعرض القيادة الصهيونية، لضغط المستوطنين بأن أوقفوا الحرب التي باتت كلفتها عالية الثمن.

تجربة قتالية غنية

وتشير القناة العاشرة في تلفزيون العدو إلى أن الجيش الإسرائيلي يحاول الاستعداد بما يتناسب مع اسماه "الحرب الأهلية" التي تجري وراء الحدود مع سوريا، ومع الفوضى التي تزداد في لبنان، وكذلك العبوات التي تنفجر في شوارع بيروت، ففي الشهرين الأخيرين جرت في الشمال (الفلسطيني المحتل والمحاذي لجنوب لبنان) تدريبات للواء غفعاتي، الذي بدل مكانه بعد سنوات من الخدمة في المنطقة الجنوبية، ويقول قائد كتيبة "تسبار" المقدم ليران حجبي، "أتينا إلى الشمال لرفع مستوى الأهلية للمحيط الشمالي.. هذه المنطقة تسمح لنا بالتعامل مع المناطق المشابهة للأراضي في لبنان، مبانٍ مدمرة، جلول، صخور ومناطق مغلقة.. إن هذه التدريبات مهمة، بفضل قدرتها على محاكاة القتال في لبنان، في زمن تفاقمت فيه الأوضاع في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة". فيما نقلت القناة عن العقيد عوفر فينتر، قائد لواء غفعاتي، قوله "نحن على استعداد أيضا في هضبة الجولان، في حال وقوع تطورات، وهناك عمل تنفيذي طويل جدا، تدريبات قصيرة جدا، وكل ذلك في فترة غير بسيطة. هذا تحدّ ليس ببسيط". 

في موازاة ذلك، وبحسب موقع جيش الاحتلال الإسرائيلي، فان منظومة جديدة للإنذار من سقوط القذائف والصواريخ في هضبة الجولان سوف يتم نصبها خلال الأشهر القادمة، وقال الموقع ان هذه المنظومة سوف تُكمل المظلة الدفاعية في مواجهة عمليات إطلاق القذائف نحو مواقع ومنشآت الجيش الإسرائيلي في المنطقة، وذلك في إطار تغيير مفهوم الدفاع على الحدود المتغيرة مع سوريا. ويقول أحد قادة سلاح الهندسة في إحدى الفرق العسكرية الصهيونية "في نهاية هذه العملية، سوف يكون في كل موقع وفي كل محطة وسائل وقائية كاملة وذات فعالية، والتي يُمكن الاحتماء بها في ساعات الخطر، كما أنه سوف يكون في كل موقع منـظومـة لإطلاق صفارات إنذار خاصة به، وأن لهذه الخطوة أهمية تكتيكية وإستراتيجية كبيرة.. لقد عملت الفرقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية في مجال الحماية بصورة مستمرة، وذلك بالاعتماد على الفرضية التي تقول أن العدو سوف يقوم في مرحلة لاحقة على تبني عمـليـات إطلاق القذائف تجاهنا، وذلك في إطار تكتيكه الهجومي".  

كل هذه السيناريوهات الخاصة التي يعدها قادة الكيان الصهيوني لمواجهة الجبهات المقلقة، تبقى في المجهول، لأنهم يجهلون ما اعدّ لهم "حزب الله" في ترسانته الصاروخية وقدراته العسكرية والقتالية، وإن قالوا إن سلاح الجو الإسرائيلي سيكون مسؤولاً عن تشغيل هذه المنظومة التي هي استكمال لعمل استمر طيلة ثلاث سنوات، لإتمام عملية حماية القواعد الثابتة. وما نقله موقع "يديعوت أحرونوت" عن صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن "حزب الله" نجح في تهريب أجزاء من منظومة صواريخ بر- بحر متقدمة من نوع "ياخونت" إلى لبنان، وهو السلاح الذي يشل أساطيله البحرية ويطاول طول الشاطئ الفلسطيني المحتل، والأخطر أن صواريخ "ياخونت" الروسية من شأنها، إذا ما أراد "حزب الله"، قادرة على تدمير أية منصة إسرائيلية للتنقيب عن النفط في عرض البحر.

وفي نفس السياق يقول الباحث الإسرائيلي شاؤول شاي، من مركز الدراسات المتعددة المجالات في دراسة عن "حزب الله" أعدها لمؤتمر هرتسليا: أنّه منذ 2006 استخلص الحزب دروسه من المعركة وطوّر إلى حد كبير قدراته العسكرية، وحوّل الحزب معظم القرى في جنوب لبنان إلى مواقع محصنة فوق الأرض وتحتها، كما أنّه بات يملك صواريخ ذات قدرة على الإصابة الدقيقة مع رؤوس متفجرة أكبر من تلك التي كانت لديه في الحرب السابقة. كما وسّع الحزب وحسّن قدراته في مجال الطائرات من دون طيار، وفي الدفاع الجوي، ولديه صواريخ بر- بحر وصواريخ مضادّة للطائرات، وقوّى قدراته في مجال جمع المعلومات الاستخبارية ومنظومة القيادة والتحكم التي لديه، بحسب قوله.

ورأى الباحث الإسرائيليّ إنّه خلال الوجود المتواصل في سورية، راكم الحزب تجربة قتالية غنية تشمل استخدام أطر عسكرية بمستوى كتائب في عمليات هجومية. ويمكن تصور أنّ الحزب يتطلع في المستقبل في الحرب ضد إسرائيل إلى ترجمة هذه القدرة وتنفيذ هجوم بشكل متزامن على عدة مستوطنات وعلى مواقع منتشرة على طول الحدود في بداية الحرب. بالإضافة إلى ذلك، قالت الدراسة: ينشط الحزب عملياً في سورية في مواجهة جبهة هضبة الجولان من أجل إقامة بنية تحتية إرهابية للعمل ضد إسرائيل، وتجري هذه النشاطات بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وبموافقة من الدولة السورية.

وعلى الرغم من تدنّي احتمال نشوب حرب في السنة الحالية، أوضحت الدراسة، يتعين على "إسرائيل" الاستعداد لتقديم ردّ على التحديات التي يطرحها حزب الله بسبب جسامة المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا الاحتمال بالنسبة للسكان والبنى التحتية الحيوية في الدولة، والتهديدات العلنية الصادرة عن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.

كما أشارت الدراسة، التي نقلتها للعربية مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة ببيروت، إلى أنّه في مواجهة الترسانة الضخمة من الصواريخ التي يملكها الحزب ووجود صواريخ دقيقة الإصابة وذات رؤوس متفجرة كبيرة، من المهم تهيئة الجمهور في إسرائيل لمواجهة المواصفات الجديدة للحرب المستقبلية التي ستكون مختلفة من حيث قوة الهجمات والخسائر وسط السكان المدنيين عن كل المعارك السابقة. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت أنّ التهديد الذي ستتعرض له مستوطنات الشمال من ناحية هجوم بري ومن ناحية هجوم بالقذائف الصاروخية، قد يفرض إخلاء بشكلٍ مؤقتٍ لجزء من سكان إسرائيل، وسيتطلب للمرة الأولى تقديم ردّ من أجل حماية البنى التحتية للغاز في البحر المتوسط ضد تهديدات مختلفة من جانب حزب الله.

باحث في القضايا الإقليمية(*)

اعلى الصفحة