اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الخامسة عشر ـ العدد 176  ـ (شوال ـ ذو القعدة 1437 هـ ) ـ (آب 2016 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


لمدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

طريق النجاح

للنجاحِ دروبٌ متعددة، وتفاصيلُ متنوعة، وعلى الإنسان أن يسلُكَ درباً ما يحتاجُ فيها إلى أن يكونَ جاهزاً وحاملاً لكل الملكات والمواصفات التي تجعلهُ مستحقاً للسير بأمان على درب النجاح اللامتناهي.

وقبل المضي في طريق النجاح علينا أن نبدأ أولاً بعلاجِ نفوسِنا، فنبحثَ عن الفشل وأسبابِهِ وأعراضِهِ في هذه الطريق ونحاول القضاء عليه.

وهذا العلاج يكونُ بأيدينا، فلا الطبيبُ ولا الدَّواءُ يفيدان في هذه الحالة، لأننا إذا تمكّنَّا من التَّغلُّبِ على الشعورِ بالنقْصِ في أنْفُسِنا ووضعنا الهدَفَ أمامنا، وعمِلْنا من أجلِهِ وسعينا لبلوغهِ، فحتماً سيكونُ النَّجاحُ حليفَنا.

لقد أظهرت الأبحاثُ العلميةُ التي أُجريتْ على كثيرٍ من التلاميذِ، أن أكثرَ من تسعين بالمائة منهم ضُعَفاءُ النُّفوسِ، خائري العزيمةِ، يتيهونَ بمستقبلِهِم، ويشُكُّونَ بمَقدِرَتِهِم على بلوغِ ما يطلبون...

هذا الشُّعورُ بالنَّقْصِ لهُ أثرُهُ في صِحَّةِ المرءِ ومَقْدِرَتِهِ على المقاومةِ عندما يُداهِمُهُ مرضٌ أو يتولاَّهُ شرٌ... ولهذا كانَ همُّنا أن نزيلَهُ ونقضيَ عليهِ حتى إذا ما نجحْنا في محاولَتِنا هذه كان طريقُ النَّجاحِ والسعادةِ ممهَّداً أمامَ الفائزين المؤمنين..

يمكنُ أنْ نرُدَّ النَّقصَ للمدَنيَّةِ الحاضرةِ، والحياة الجديدةِ التي نحياها... فالمرءُ اليومَ يقِفُ على قدَمَيهِ أمامَ دنيا صاخِبةٍ ثائرة... لا مكانَ فيها للضَّعيفِ العاجز.. فمَنْ أخْفَقَ أو توقَّفَ في مُنْتَصَفِ الطريق داسَهُ السَّائرونَ خلْفَهُ دونَ أنْ يُحاوِلَ أحدُهُم مساعدَتَهُ أو سؤالَهُ عن شأنِهِ.. لذا فعلى المرءِ أنْ يعتمِدَ على نفْسِهِ وأنْ يقِفَ على قدميهِ.. وأن يبحثَ عن عملٍ لهُ.. أن يخْلُقَ لنَفسِهِ عملاً.. وأن يحاوِلَ تقْوِيَتَهُ وتغذِيَتَهُ حتى يستطيعَ العيشَ من خلاله..

إن بعضَ هذه المحاولات ينجحُ.. وبعضَها الآخر يفشل.. وإن بعض هؤلاءِ الرُّوَّادِ المجاهدين يبلغون القِمةَ.. وهم دوماً قليلونَ جدَّاً.. وبعضُهُم يحصلون على الثروةِ والبعضُ الآخر يصيبونَ كفافَهُم.. والأكثريةُ تظلُّ في مكانِها تعيشُ على أعصابِها في زاويةٍ من زوايا الحياة.. حياةُ هذه الأكثريةِ قاسيةٌ متجَّهِمة.. ويومها متعِبٌ شاقٌّ.. وموارِدُها قليلةٌ ضعيفة.. ومُتطلِّباتُ الحياةِ لديها أكثرُ مما تُطيق... هذه الأكثريةُ يغلِبُ عليها الشُّعورُ بالخيبةِ والعجْزِ والإرهاقْ...

نعم، بعضُ هؤلاءِ يحاولُ تغطيةَ هذا النَّقْصِ في نفسِهِ بالأحلام والآمالِ.. بل إنَّ بعضَهُم يلجأُ إلى الخُمورِ والمُخدَّرات محاولاً نسيانَ نفْسِهِ.. وعندما نسألُ أحَدَ هؤلاءِ عن سببِ شُرْبِهِ للخمر يجيبُنا قائلاً: لأنها أقصرُ الطُّرُقِ للهرَبِ منْ حالةِ الفَقْرِ واليأسِ الذي أعاني منهُ.. فقد يتوهَّمُ هذا الإنسان أنهُ بواسِطةِ الخمرِ سوفَ يتخلَّصَ من العناء ِوالإرهاقِ واليأسِ القاتل لِفَشَلِهِ في حياتِهِ، وعدمِ وصولِهِ لغاياتِهِ.. أو عدَمِ بلوغِهِ ما بَلَغَهُ سواهُ من نجاحٍ أو استقرار..

وهناكَ آخرون من أمثالِ مَنْ ذكَرْنا يحاولونَ سبيلاً آخرَ.. يفعلونَ ما فعَلَهُ ذلِكَ الشَّخْص الذي عجِزَ عن الوصول إلى العنَبْ.. فوصَفَهُ بالحموضةِ.. فهؤلاءِ مثلاً.. يبخِّسونَ من قيمةِ كلِّ شيء لمْ يتمكَّنوا من عمَلِهِ.. أو يُقلِّلُونَ من شأنِ كلِّ إنسانٍ سبَقَهُم ونَجَحَ دونَهُم... إنهم يُحاولونَ تَبْريرَ فشَلِهِمْ بالتَّقْليلِ من نجاحِ الآخرين..

إن هؤلاءِ الذين ينتقِدونَ سواهُم أبداً دونَ أن يأتوا بمِثلِ ما أتى بهِ غيرُهم.. أو يحاوِلوا البلوغَ مَبْلَغَهُم.. ينبغي على الساعي إلى النَّجاحِ أنْ لا يحمِلَ أقوالَهُم ونَقْدَهُم على محْمَلِ الجَّدِ.. وأن لا يُلْقِ بالاً لما يقولون..

إذاً .. عليكَ أيها الساعي إلى النجاحِ أن لا تهتمَ لما يقولون أو يفعلون.. دَعْكَ منهم من المتواكِلين.. واحزِمْ أمْرَك على أنْ تُحسِّنَ عمَلَكَ بصَرْفِ النَّظرِ عن قيمةِ هذا العمل.. لأنَّكَ إذا نجحتَ في العملِ الصَّغير.. نَجَحْتَ في الكبير.. وخيرٌ لك أيُّها الساعي إلى النَّجاحِ أن تكونَ نجَّاراً بارعاً من أنْ تكونَ مُحامياً فاشلاً..

وحين تَسْمَعُ نقداً ظالماً من أحدِهِم، فاذكُرْ كلمةَ الإمامِ علي(ع) حين أوصى ابنَهُ الحسنْ حيثُ يقولُ: "احملْ نفْسَكَ من أخيكَ عندَ حرفِهِ عن الصِّلَة.. وعندَ صُدودِهِ على اللُّطْفِ والمُقاربة، وعندَ جمودِهِ على البذْلِ.. وعندَ تباعُدِهِ على الدُّنوِّ.. وعندَ شدَّتِهِِِِِ على الّلِين.. وعند جُرْمِهِ على العُذْر.. حتى كأنَّكَ له عبْدٌ.. وكأنَّهُ ذو نِعْمَةٍ عليك.. وإيَّاكَ أنْ تضَعَ ذلك في غيرِ موضِعِهِ أو تفْعَلَهُ بغيرِ أهلِهِ.. لا تتَّخِذَنَّ عدوَ صديقِكَ صديقاً فتُعادي صديقَكَ.. وامحَضْ أخاكَ النَّصيحةَ حَسَنَةً كانتْ أو قبيحة.. وتجرَّعْ الغيظَ.. فإني لم أرَ جَرْعةً أحلى منها ولا ألَذَّ مغبَّةً.. ولِنْ لِمَنْ غالطَكَ.. فإنَّهُ يُوشِكُ أنْ يَلينَ لكْ.. وخُذْ على عددِكَ بالفضْلِ فإنَّهُ أحلى الظَّفَرَيْنْ.. وإنْ أرَدْتَ قطيعةَ أخيكَ فاستبْقِ لهُ من نفسِكَ بقيَّةً ترجِعُ إليها إنْ بدا لهُ ذلِكَ يوماً ما.. ومَنْ ظنَّ بكَ خيراً فصدِّقْ ظنَّهُ.. ولا تُضيِّعنَّ حقَّ أخيكَ اتكالاً على ما بينكَ وبيْنَهُ.. فإنَّهُ ليسَ لكَ بأخ أضعتَ حقَّه.."

اعلى الصفحة