|
|||||||
|
يتساءل المراقب لمسار العلاقات الإسرائيلية العربية: من أين يدخل إلى هذا الموضوع؟ من أين يبدأ؟ من أي تصريح أو زيارة أو لقاء... باتت علاقات بأبواب كثيرة... وخفايا كثيرة!.. يحار المرء ولا يعجز عن سوق ما شاء من الوقائع والتطورات في هذه العلاقات التي بات الجميع يعلم أنها اليوم في ضوء الشمس!. في مقال سابق كتبنا عن تاريخ بداية هذه العلاقة وخاصة مع السعودية الدولة الخليجية الأكبر والأقوى نفوذاً على جاراتها من الممالك الخليجية. ذكرنا وقائع وتصريحات ومعلومات نشرت في تقارير أجنبية، لكن اليوم هذه العلاقات مع إسرائيل تسابق الأحداث وتحمل بوضوح وجلاء معالم مرحلة سياسية وأمنية إقليمية مقبلة. وليس أدل على هذا المسار السريع المريع من تصريح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية: "اليوم للأسف إسرائيل باتت وكأنها ضمن تحالف سني عربي فالكل يتهافت لأجل إقامة علاقات معها" كثير الدلالة هذا التصريح، وخطير الأبعاد بكل ما تحمله الفكرة الإسرائيلية من "حفر أنفاق" في الجسد الإسلامي والتموضع فيها، لتفجيره وتدميره، وقيادة العمليات الإستراتيجية في المنطقة أوليس ذلك إلا بوعي كامل وتام من الحكام العرب وخصوصاً حكام ممالك الخليج العربية. وهو ما يظهره ملك البحرين في كلام قاله خلال لقاء مع رئيس مؤسسة التفاهم العرقي ومقرها نيويورك الحاخام الصهيوني مارك شنير (اللقاء جرى في المنامة): أن إسرائيل لديها القوة للدفاع ليس عن نفسها فقط، بل عن أصوات الاعتدال والدول العربية المعتدلة في المنطقة". فهل يريد الحكام الخليجيون استبدال الحماية الأمريكية لممالكهم بالحماية الإسرائيلية؟ هل في الأفق ما يشير إلى أن المطلوب هو هيمنة إسرائيلية على المنطقة، كبديل للهيمنة الأمريكية؟. الباب هو العداء لإيران وحزب الله، أما المفتاح السحري فهو تحالف إقليمي.. تحالف تختفي فيه الفروقات الثقافية والحضارية وسياسات العدوان، تصبح فيه إسرائيل حليف وصديق وشريك في المسار... والمصير!.. شنير هذا، ليس رسول سلام ولا سفيراً للنوايا الحسنة، إنه حاخام صهيوني "يناضل" لدعم دولة إسرائيل وفتح الأبواب والساحات أمامها تحت عنوان "التفاهم العرقي". هذا الحاخام يوضح واقع التواصل مع الدول العربية، إذ يرى " أن العداء المشترك الذي تحمله دول الخليج وإسرائيل ضد حزب الله ورعاته الإيرانيين ينبغي أن يغتنم الفرصة لخلق تحالف مع البلدان التي كانت تصنف سابقاً على أنها معادية لإسرائيل". في هذا السياق "التحالف" المتناغم بين إسرائيل ودول الخليج تدعو تسيبي ليفني (وزير خارجية سابقة لدولة العدو) إلى إقامة تحالف إقليمي إذ أن حزب الله يشكل التهديد الأكبر على إسرائيل". فمن يحمي من؟ سؤال مشروع وبديهي. هل تحمي إسرائيل دول الخليج والأنظمة العربية الأخرى؟!.. أم أن هذه الدول تحمي مشروع إسرائيل، ووجودها في المنطقة العربية؟!.. الحق يُقال، إن كلاهما يحمي الآخر ويسانده. فإسرائيل تمتلك القوة العسكرية والتكنولوجيا المتطورة المدمرة، ومشروعها لم يعد الوجود، بل تجاوزته إلى فرض الهيمنة الشاملة على المنطقة وثرواتها وقرارها ومصيرها!. ممالك الخليج العربي تحمي إسرائيل بتشريع الأبواب أمامها لولوج الفضاء العربي بكل تنوعاته السياسية والاقتصادية والأمنية والسياحية والعلمية، فقط زيارة قام بها عشرات الطلاب من دول عربية وإسلامية منها السعودية وباكستان والبحرين والإمارات العربية وقطر. الخبر نشرته صحيفة "يديعوت احرنوت" وأن الزيارة كانت علنية حيث وصل الشبان العرب إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، في إطار جولة لمشروع تأهيل"قيادة عالمية" تشرف عليه الإدارة الأمريكية، وفي السفارة استمع الطلاب إلى تقرير سياسي من مسوؤلي السفارة (الإسرائيلية) ووجهوا أسئلة وُصفت بالهامة والجادة "وعرفوا المواقف الإسرائيلية من مصدرها الأول" الطلاب العرب ومعظمهم من أبناء الأثرياء صافحوا الملحق الإعلامي في السفارة، والتقطوا صوراً معه وحصلوا على وثائق إعلامية وكتيبات عن إسرائيل وتسجيلات. التحالف الفتنوي الحديث لا ينتهي عن أحداث ووقائع تراكمت وشكلت الأرضية الخصبة والبيئة الحاضنة والملائمة جداً لتشكيل تحالف تتزعمه السعودية للبطش والهيمنة والتدمير والتطويع!. التحالف أعلن عنه وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في كلمة ألقاها في قاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض، وبحسب الأمير المقدام : "فإن هذا التحالف لن يركز فقط على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية". السعودية أعلنت أن 34 دولة معظمها إسلامية انضمت إلى التحالف الجديد لمحاربة الإرهاب منها: السعودية، البحرين، بنغلادش، بنين، تشاد، جزر القمر، ساحل العاج، جيبوتي، مصر، الغابون، غينيا، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، ماليزيا، المالديف، مالي، المغرب، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، باكستان، فلسطين، السنغال، الصومال، السودان، توغو، قطر، تونس، تركيا، الإمارات العربية واليمن. إنه حشد.. مجرد حشد.. واستجلاب أسماء دول وحشر بلاد تحت شعار محاربة الإرهاب.. وبدون أي تفصيل للمراقب أن يستنتج طبيعة هذا التحالف ونوعية الدول المشاركة، والدول الغائبة عنه، وأن يسأل ضد مَنْ شَكّل هذا التحالف؟.. مَنِ المقصود بالإرهاب الذي يستهدفه التحالف؟ وفيما تتهم السعودية إيران بأنها راعية للإرهاب، يبدو أن التحالف العتيد الذي تشكل بقيادة وجهود السعودية يقود الدول العربية والإسلامية إلى اقتتال طائفي مدمر لصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وتقرأ في الخطاب السعودي الرسمي أنه يحرم الفساد والتدمير في العالم، وأن الإرهاب يمثل انتهاكاً خطيراً للكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، خصوصاً الحق في الحياة والحق في الأمن. وللوهلة الأولى، تحسب أن الكلام صيغ في دائرة إعلامية صهيونية.. والحقيقة أنه صيغ في الرياض! ما يجعل إسرائيل أول الآمنين من بطش التحالف السعودي!!. لم يذكر في إعلان التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب كلمة واحدة أو خرقاً واحداً عن إرهاب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ضد من تشهر السعودية سيف حشدها هذا؟!.. إعلان التحالف جرى في أواخر عام 2015، وما توالى حدوثه في بدايات العام 2016 يشرح ويوضح بما لا يقبل الشك أن التحالف هذا هو ضد إيران وسوريا والعراق وحزب الله. ومن يدري؟ قد لا يكون بعيداً ذلك اليوم الذي تغير فيه طائرات التحالف بقيادة السعودية على الضاحية الجنوبية وعلى مواقع متقدمة للمقاومة على الحدود مع فلسطين المحتلة!. كيف ذلك؟.. السعودية عملت في العام 2016 على تحديد أجندة العمل للتحالف بإعلان حزب الله منظمة إرهابية، ففي 2 آذار أعلن مجلس التعاون الخليجي تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وبعد ساعات أعلن مجلس وزراء الداخلية العرب حزب الله تنظيماً إرهابياً، ثم في 11 آذار إعلان الجامعة العربية الأمر نفسه، ثم سعت السعودية بالتنسيق مع إسرائيل في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بإدانة حزب الله. وكل هذا ترافق مع إجراءات تعسفية بحق بعض اللبنانيين من لون طائفي معين، وتحذير الرعايا الخليجيين من السفر إلى لبنان. إشارة هنا إلى أن مناورات رعد الشمال التي جرت في شمال السعودية بين دول التحالف المعلن هي لدمج القوات والتدرب على العمليات المشتركة ورأى مراقبون أن حزب الله سيكون أحد أهدافها بلا أدنى شك!. في هذه الأجواء يتعزز تموضع التحالف العسكري الجديد بقيادة سعو/إسرائيلية لإشعال صراع طائفي مدمر في المنطقة، ستكون نتيجته تسيّد إسرائيل، بحيث يكون لها الكلمة (هكذا يخططون) وتحمي الممالك الخليجية والأنظمة العربية من إيران وإخراجها من المنطقة. هذا السيناريو ليس متخيلاً ولا مستبعداً أبداً، خصوصاً عندما يكون موضوعاً وموصى به من قبل مجموعة من الباحثين في لجنة التخطيط الإستراتيجية في البنتاغون الأمريكي، التي أوصت بالتحديد بتفجير الصراعات الطائفية في المنطقة، وذلك لحساب إسرائيل، بحيث يبدو فيه الكيان الغاصب مخلصاً وسنداً للممالك والأنظمة الهشة، وتغدو إسرائيل الحليف والصديق..!!. لا مجال للاستغراب والدهشة، فالسعودية سوف تقود المنطقة إلى أي شيء يحفظ لها مصالحها (المتخيلة) ويثبتها زعيمة للعالم السني ومدافعة عن حمى الإسلام!!. علق دبلوماسي ألماني سابق هو غونتر مولاي على تطورات السياسة السعودية، معتبراً أن السياسة الخارجية السعودية تحولت مع الملك سلمان إلى سياسة خطيرة واندفاعية، وأن السعودية ماضية في تحقيق طموحاتها حتى ولو اضطرت إلى استخدام الحل العسكري. وصدر في كانون الأول 2015 تحذير من جهاز الاستخبارات الألمانية بي. أن. دي. في تقرير تحليلي من دور المملكة العربية السعودية لزعزعة استقرار العالم العربي. فيما رأى مراقبون دبلوماسيون أن المملكة تسعى لبناء تحالف سني مع تركيا وقطر والتفلت من الحماية الأمريكية خصوصاً بعد الاتفاق النووي مع إيران. وما يعزز اندفاعة السعودية المتهورة نحو الحروب والفتن، أنها تستحوذ على 7% من إجمالي واردات السلاح في العالم، بحسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلم العالمي، فهي ثاني أكبر مستورد للسلاح بعد الهند، مما يجعلها أكثر إصراراً على تحقيق أهدافها ولو بالقوة!. |
||||||