|
|||||||
|
"يأتي يوم القدس العالمي في وقت مهم من تاريخ القضية الفلسطينية والأمة تمر بمأزق كبير حيث يجهد العالم المستكبر لتوجيه ضربة قاضية للقضية من خلال الفتنة التي يعمل على تسعيرها داخل الأمة والقضاء على إمكانات الشعوب العربية والإسلامية، بحيث بات العالم الإسلامي والعربي المفترض أن يكون في ساح المواجهة مع العدو الصهيوني منشغلاً بالاقتتال والتدمير وكأنه أداة من أدوات الكيان الصهيوني وفي خدمته". هذا ما قاله الدكتور الشيخ حسان عبد الله رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين في مقال له بمجلة الوحدة الإسلامية العدد 174 حزيران 2016. بعد ذلك يتحدث الدكتور عبد الله عن مسيرة المعاناة الفلسطينية المستمرة حتى اليوم، وكيف امتشق الشعب الفلسطيني السلاح الأبيض للدفاع عن القدس الشريف ومنع تهويده وسط صمت عربي مشبوه ومريب فكانت الانتفاضة الجديدة سبباً في تحول قرار التقسيم الزماني والمكاني للقدس الشريف وبالاً على الكيان الصهيوني، وبات المسؤولون هناك يُحَمّل بعضهم البعض مسؤولية ما حصل، وارتقى الجهاد إلى أن نفذ البطل الشهيد عبد الحميد أبو سرور عمليته الاستشهادية داخل القدس الشريف ليعلن أن المقاومة حاضرة ولن يثنيها شيء عن القيام بواجبها حتى لو أنصرف العالم أجمع إلى خيارات أخرى. وأخيراً يضع الشيخ حسان اقتراحات عملية يراها مناسبة للخروج من المأزق الذي تمر فيه القضية الفلسطينية, يمكن تلخيصها بضرورة اضطلاع علماء الأمة بدورهم, وبأهمية تعزيز صمود المقدسيين في بيوتهم, وبالعمل على إيقاف الحروب في المنطقة, ودعم المقاومة في العالم الإسلامي, والدعوة للوحدة الفلسطينية وتشكيل غرفة عمليات موحدة وتصعيد عملياتها, ودعوة السلطة الفلسطينية لإيقاف كل الاتفاقات وإعادة إنتاج منظمة التحرير الفلسطينية على أساس التمثيل الحقيقي لقوى الشعب الفلسطيني, واستمرار الانتفاضة والعمل على تطويرها وتبني شهدائها وإعادة بناء البيوت المهدمة ورعاية عوائل الشهداء والجرحى. أهم قضايا الأمة الكثير منا يبحث عن الوسائل العملية لنصرة قضية فلسطين, والتي يستطيع أن يقوم بها الفرد بسرعة, فيرى أثراً ملموساً في خط سير القضية, أو يجد أن الأمر قد تحسن, وأن الكابوس قد انتهى, وأن فلسطين قد عادت حرة أبية, فما هي الوسائل العملية التي يستطيع كل فرد منا أن يقوم بها لخدمة القضية الفلسطينية؟. تعتبر قضية فلسطين من أهم القضايا التي تشغل أمتنا الإسلامية في زماننا الآن, بل إنها من أهم القضايا التي ظلت تشغل الصالحين من أبناء هذه الأمة على مدار العصور المختلفة؛ ذلك لأن أطماع المعتدين فيها لا تنتهي؛ فهي الأرض المباركة, والأرض المقدسة, والأرض التي شهدت مسيرة الأنبياء, والأرض التي حوت الكثير من المقدسات, والأرض التي رويت بدماء الشهداء, وبها أُولَى القبلتين وثالث الحرمين, وإليها أُسْرِيَ برسول الله, وعلى ترابها صلَّى حبيبنا المصطفى إماماً بعامة الأنبياء والمرسلين. إنها الأرض التي لا يصلح أن تخرج من أذهاننا, ولا يصحُّ أن تُهْمَل مهما كانت مشاغلنا وأعمالنا. وعلى الرغم من هذه القيمة العالية, والدرجة السامية التي وصلت إليها هذه الأرض الكريمة إلا أننا نراها – وللأسف الشديد – رهن الاحتلال البغيض منذ حوالي مئة عام, فقد احتلها الإنجليز عام 1917م, ثم سلموها إلى الصهاينة في عام 1948م, وما زالت في أيديهم إلى الآن, ولا شكَّ أن هذا يُصِيب قلوب المؤمنين بجرح عميق, وألم دفين. إن قضية فلسطين بميراثها الديني والتاريخي والواقعي لَتُمَثِّل إحدى أهم القضايا التي اهتمَّ بها المؤمنون والصالحون, بل إنها في حدِّ ذاتها إحدى محرِّكات الإيمان, وإحدى بواعث الهمة في نفوس المسلمين؛ لذلك ليس مستغرَبًا أبدًا أن يكون السؤال الأعمُّ والأشهر الذي نسمعه في وقتنا الآن هو: ماذا يمكن أن أفعل حتى أُسْهِم في تحرير فلسطين؟!. لقد جعل الله سبحانه وتعالى قضية فلسطين مقياسًا دقيقًا لإيمان الأمة؛ فهي تسقط في براثن الاحتلال - أيًّا كان هذا الاحتلال - إذا ابتعد المسلمون عن دينهم, وفقدوا هُوِيَّتَهُم, ولم يَتَّبعوا شرع ربهم, كما أنها تعود إلى سلطان الإسلام إذا عاد المسلمون إلى دينهم المحمدي الأصيل, فلحظات ارتفاع المقاومة للاحتلال, ولحظات النضال والجهاد والقوة هي لحظات الإيمان, أمَّا إذا ظهر الاستسلام والخنوع فهذه إشارة إلى غياب الدين من حياة المسلمين. ولن يتغيَّر حالنا من ذِلَّةٍ إلى عِزَّة, ومن ضعف إلى قوة, ومن هوانٍ إلى تمكين.. إلاَّ إذا اصطلحنا مع ربنا, وطبَّقنا شرعه, وتُبْنَا من ذنوبنا, وأخرجنا الدنيا من قلوبنا, وعَظُمَت الجنةُ في عقولنا. والله لا ينصر إلا من ينصره: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾(الحج: 40), ويقول تعالى: ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم﴾(محمد: 7). وعليه فإن المسلمين يجب أن يبحثوا عن الوسائل التي بها ينصرون الله؛ وذلك حتى ينصرهم الله نتيجة لذلك, وهذه الوسائل كثيرة جداً. لعلَّ من أعجب الأمور في قضية فلسطين أن الكثير ممن يتحرَّكون لها, بل ويُضَحُّون من أجلها لا يفهمونها على الوجه الأكمل! ولا ريب أن أُولَى خطوات العمل هي الفهم, وإلا ففي أي طريق سنسير؟! وبأي شيء سنطالب؟! بل إنَّ الله ذكر في القرآن الكريم طائفة من البشر يدخلون النار مع أنهم كانوا يظنُّون في أعمالهم كل الخير.. ونقصد هنا الحكم الشرعي لكل للأراضي التي فتحها المسلمون, وهو أمر بالغ الأهمية, ولا نعني به أرض فلسطين فقط, بل كل الأراضي التي فتحها المسلمون وحكموها, فهذه الأراضي جميعاً لها حكم في الشرع ليس بيدنا أن نُبَدِّله أو نغيِّره, وقد أفرد له الفقهاء مكانة كبيرة في الفقه, وأرض فلسطين بهذه الحيثية أرض إسلامية من أَوَّلها إلى آخرها, لا فرق في ذلك بين الضفة الغربية ويافا, ولا فرق أيضاً بين غزة وعكا. أما فيما يتعلق بالحكم الشرعي عند احتلال البلاد الإسلامية, فهذه قضية محسومة عند الفقهاء, وليس فيها خلاف بينهم؛ وهي أن تحرير هذه البلاد المغتصبة فرض على المسلمين, ويُبْذَل في ذلك كل وسيلة شرعية ممكنة, وعلى رأس هذه الوسائل يأتي الجهاد في سبيل الله, ولا يُنْظَر في ذلك إلى فَقْدِ الأرواح والأموال؛ فإن فقد البلاد المحتلَّة تفريط في الدين, وفي سبيل حفظ الدين يضَحَّى بكل غالٍ ونفيس, ودراسة هذا الحكم تُطَمْئِن قلوب المسلمين إلى أن الأرواح التي نراها تُفقد على أرض فلسطين في سبيل التحرير لم تذهب هباءً منثوراً, كما أنه لا يمكن تحرير البلاد بغير بذلها, وهذا أمر يظهر لنا من خلال دراسة القرآن والسُّنَّة, كما يظهر كذلك من خلال دراسة التاريخ, وفقه الواقع الذي نعيشه. ولعلَّ من المناسب جداً أن يتعمَّق المسلمون بشكل عامٍّ في دراسة هذا الحكم, حتى يتكلَّموا به في منتدياتهم, ومن ثَمَّ نَرُدُّ على الهجمات التثبيطية التي تنهى المسلمين عن التضحية من أجل تحرير فلسطين وغيرها من البلاد المحتلَّة. ولعلنا إذا راجعنا النصوص التي جاءت في كتب الفقهاء نفهم بشكل أكبر مَدَى وُضوحِ الرؤية عند عامَّة الفقهاء في هذه القضية, وبالتالي يَتَرَسَّخ الأمرُ في وجداننا بشكل أكبر. وإذا كان الشرع يفرض على المسلمين تحرير أية أرض إسلامية يحتلها العدو؛ فإن لأرض فلسطين خصوصية إسلامية تضاعف الهمم لتحريرها, وتُلهِب الأشواق للاستشهاد على ترابها؛ فأرض فلسطين ليست كبقية أراضي المسلمين: فهي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين, فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين, وثالث الحرمين, ومسرى رسول الله, وفي أكنافها يُرَابط المجاهدون الصادقون إلى يوم القيامة؛ وعلى أرضها دارت مواقع إسلامية خالدة؛ مثل: أجنادَيْن وبَيْسَان, ثم بعد ذلك مواقع التحرير الكبرى؛ مثل: حطين وعين جالوت. إنها ليست أرضاً عادية, وليست كبقية البلاد, إنما لها خصوصية تجعل العمل من أجل تحريرها له متعة خاصَّة لا يُدركها إلا الصالحون. تعزيز صمود المقدسيين منذ حرب الـ1967 وإعلان إسرائيل بضم مدينة القدس الشرقية إليها واعتبارها "العاصمة الأبدية لإسرائيل" رغماً عن إرادة أهلها الفلسطينيين، ومنذ ذلك الوقت تعاقبت الحكومات الإسرائيلية على العمل لإقرار وتطبيق الإجراءات من جانب واحد، خارقة بذلك القواعد والقوانين الدولية وضاربة بعرض الحائط جميع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة ومختلف المنظمات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي جميعها اعتبرت مدينة القدس جزءاً لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة وأن ما تقوم به إسرائيل في المدينة مخالف لصلاحيات الدولة المحتلة حسب القواعد والقوانين الدولية. ومنذ ذلك الحين عمدت سلطات الاحتلال لتهويد المدينة وتوطيد السيطرة عليها من مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات، حيث اتبعت إستراتيجية التهويد العمراني ومصادرة الأراضي واستخدام أساليب مصادرة الأراضي المتنوعة، ومن أهم هذه الأساليب كانت مصادرة أراضي الغائبين ومصادرة الأراضي لأغراض عسكرية وأمنية، كما هناك مخططات هيكلية تهدف إلى زيادة عدد السكان اليهود عبر التطور الإسكاني، وشملت مصادرة أراضي القدس الشرقية ومنع توسيع الأحياء الفلسطينية وتحويل مساحات واسعة منها إلى مناطق خضراء يحظر البناء فيها، ناهيك عن شراء الأراضي عن طريق الصندوق القومي والتي تعتبر مؤسسة "هيمنوتا" المسؤولة عن عملية الشراء هذه. بناءاً على ما تقدم ومن خلال الاستعراض لوقائع سياسات الاحتلال والإجراءات التعسفية بحق المقدسيين في القدس والتي تعتبر عوامل طارده لهم يتوجب علينا تعزيز صمودهم من خلال ما يلي: على المستوى السياسي: يجب اعتماد مرجعية واحدة موحدة للقدس وذلك من خلال العمل على تعزيز دور المؤسسات المقدسية, وتنسيق العمل السياسي للقدس وفقاً لرؤية إستراتيجية سياسية تستند على أساس أن القدس منطقة منكوبة من الطراز الأول وبناء على ذلك لا بد من رسم الخطط التي من شأنها تعزيز صمود المقدسيين في القدس بكافة الأشكال والإعلان بشكل رسمي وسياسي ومن قبل الجهات ذات الاختصاص عن قانون العاصمة لدولة فلسطين(القدس). على مستوى الجهات الفلسطينية الرسمية: إقرار ضريبة الواحد بألف من موظفي القطاع العام (منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية) لصندوق القدس الوطني، وإصدار طابع القدس، دفع ضريبة القدس على المعابر بمبلغ محدد وضريبة المعاملات المالية والتجارية وضرائب موازية كمتقطعات من القطاع الخاص وإدراج القدس بشكل دائم على جدول أعمال مختلف الهيئات الفلسطينية ما يؤدي إلى استمرارية اتخاذ هذه الهيئات للقرارات السياسية والاجتماعية واتخاذ المعالجات المستمرة لواقع القدس ومتطلباتها. على المستوى القانوني والدولي: مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف النقل القسري المهدد للمقدسيين وتأمين الحماية للفلسطينيين في الأرض المحتلة، ووقف انتهاج سياسة التطهير العرقي التي تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس، وتحريك دعاوى أمام محكمة العدل الدولية ولجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لوقف إسرائيل تنفيذ قرارها المخالف للعرف والقانون الدولي والمطالبة بإلغاء قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، لما ينطوي عليه من تمييز عنصري ضد الفلسطينيين، وضمان حرية الفلسطينيين في القدوم إلى القدس والخروج منها، والإقامة والعيش فيها. على الصعيد التعليمي والصحي: تفعيل دور مديرية التربية والتعليم كمرجعية للتعليم في القدس كشراء واستئجار أبنية لاستعمالها كمدارس وتفعيل المواثيق الدولية ذات العلاقة، تأهيل المعلمين (من خلال المديرية) وزيادة الرواتب والحوافز وتسديد التأمينات الإجبارية. وعلى الصعيد الصحي تعزيز واقع المؤسسات الصحية الوطنية من خلال تعزيز موازناتها المالية. زيادة عدد العيادات والمراكز الصحية في القدس للزيادة الملحوظة في تعداد السكان. العمل على فتح مستشفى في البلدة القديمة والتفكير بغيره في باقي أحياء القدس وتزويد المراكز الصحية بأجهزة طبية متطورة. فتح مراكز إسعاف أولي في مختلف أحياء المدينة . على مستوى الإسكان في القدس: مع ازدياد ضرائب الأرنونا على المقدسيين وفرض إجراءات تعسفية بحقهم لاستصدار أوامر تراخيص البناء يتوجب دعمهم مادياً بالدرجة الأولى دولياً ومحلياً ومن المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال، وذلك من أجل الحفاظ على تواجدهم في المدينة وعدم لجوئهم للنقل إلى قرى ضواحي القدس خارج جدار الفصل العنصري كبلدة كفر عقب – عناتا – سميراميس ... الخ. على مستوى المؤسسات المقدسية: إن سياسة إغلاق المؤسسات في مدينة القدس تهدف إلى حرمان أهالي القدس من حقهم في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي حرمهم الاحتلال منها. إن تلك السياسات غير معزولة عن سياسات الاحتلال التي تمارس ضد المقدسيين والتي تهدف بمجملها إلى تهويد المدينة وتفريغها من سكانها ضمن إغلاق المؤسسات المقدسية ومصادرة الأراضي وبناء المستعمرات وهدم المنازل وسحب الهويات وإغلاق المدينة وعزلها عن باقي أجزاء الوطن من خلال الحواجز العسكرية وإقامة جدار الفصل العنصري'، لذلك يتوجب على السلطة الوطنية الفلسطينية تخصيص مبالغ للحفاظ على هذه المؤسسات وإعادة افتتاحها، وذلك كي لا يلجأ المواطن المقدسي للعمل لدى دولة الاحتلال، أو كي لا تسيطر المؤسسات الأجنبية على المدينة بموجب شروطها الخاصة. على مستوى الأسرى الجرحى: دعم أسرى القدس ماديا ومعنويا و ذلك لما يعانيه الأسير المقدسي من قوانين مجحفة بحقه، وأيضاً دعم الجرحى المقدسيين بتوفير العلاج لهم مجانا داخل البلاد أو خارجها. وأخيراً على المستوى العربي والإسلامي: العمل على مطالبة القائمين على الصناديق التي أنشئت من أجل القدس تفعيل عمل تلك الصناديق، دعماً لصمود أهل القدس وتثبيتهم في مدينتهم. وضرورة إجراء عمليات توأمة بين القدس عاصمة دولة فلسطين وعواصم ومدن الدول العربية لدعم صمود الأهل في القدس الشريف في جميع المجالات. المقاومة خيار استراتيجي أثبتت الوقائع والأحداث في فلسطين وسوريا ولبنان أن الغارات الانتقامية والأعمال الوحشية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لم تقض على رجال المقاومة، ولم تقلل من عملياتهم البطولية أو تحد من نشاطاتهم، بل تطورت إلى أن وصلت مرحلة العمليات الاستشهادية التي ينفذها الشباب والشابات في مواجهة الاحتلال والاجتياح الإسرائيلي للمخيمات والقرى والمدن الفلسطينية، كما أثبتت الوقائع والأحداث اليومية أن حرب "إسرائيل" العدوانية وأعمالها الانتقامية ومجازرها الجماعية عديمة الجدوى، ولم ولن تؤدي إلى استسلام الشعب الفلسطيني، بل ستؤدي إلى تصاعد المقاومة والانتفاضة والعمليات الاستشهادية. فشل العدو الصهيوني في القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني واللبناني على الرغم من المجازر الوحشية التي ارتكبها في جنين والبلدة القديمة في نابلس وفي بقية المخيمات الفلسطينية، لذلك لجأت إلى الولايات المتحدة وإلى بعض الرموز الفلسطينية والعربية لمساعدتها في القضاء على المقاومة. قبل نكسة حزيران في العام 1967 بقليل قام الجيش الإسرائيلي بتدمير قرية السموع وغيرها كي يمنع مساعدة سكان القرى الأمامية في الضفة الغربية من تقديم المساعدات لرجال المقاومة، ولكن تدمير القرى أدى إلى تلاحم سكانها مع رجال المقاومة وإلى اندلاع مظاهرات صاخبة تطالب بالسلاح للدفاع عن أرض الوطن ولاسترجاع ما اغتصب من الأرض العربية. وازدادت المقاومة الفلسطينية بعد ذلك لدحر الاحتلال الجديد، فقامت قوات العدو باجتياز نهر الأردن ومهاجمة بلدة الكرامة الأردنية للقضاء على قواعد الفدائيين، ولكن رجال المقاومة الفلسطينية وقوات الجيش الأردني أنزلوا بالمعتدين الإسرائيليين خسائر فادحة، مما زاد من الدعم والتأييد للمقاومة الفلسطينية بشكل منقطع النظير، وزاد من مكانتها العربية والدولية، وحملت نتائجها بعض الحكومات العربية على تغيير موقفها من المقاومة وزيادة الدعم والتأييد لها. رفضت المقاومة الفلسطينية بعد حرب حزيران مجرد التفكير بالاستسلام لإسرائيل المنتصرة، وحققت مكاسب كبيرة وخلقت الفوضى والقلق والخوف في أوساط العدو الغاصب والمحتل، وكان نمو منظمات المقاومة الفلسطينية وتصاعد عملياتها العسكرية ومكانتها الدولية من أبرز النتائج الهامة بعد الحرب العدوانية. وأثبتت العمليات الهائلة التي قامت بها أن العدوان والاحتلال يؤديان إلى المقاومة، والمقاومة تؤدي إلى ممارسة القوات المحتلة للعنف والانتقام والذي بدوره يؤدي إلى تصعيد المقاومة وصولاً إلى العمليات الاستشهادية حتى تحقيق النصر واقتلاع الاحتلال. هذا هو منطق التاريخ، وهذه نهاية كل غاصب ومعتد ومحتل، فاستمرار الاحتلال والاستعمار الاستيطاني يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، ويؤدي إلى تصعيد المقاومة إلى أن يتم تحرير الأراضي المحتلة، فالمقاومة هي مجرد رد فعل طبيعي ومشروع وقانوني وإنساني وحضاري على عدوان وحشي وهمجي حديث، وهي مجموع النضال السياسي والعسكري ضد الاحتلال الأجنبي البغيض. إن المقاومة الفلسطينية الحالية ما هي إلا استمرار للانتفاضات والمقاومة المسلحة وغير المسلحة التي بدأها الشعب الفلسطيني، منذ أن دخلت قوات الاحتلال أرض وطنه، وهي استمرار لكفاح الشعب الفلسطيني المسلح الذي بلغ أشده في ثورة الشيخ الجليل عز الدين القسام، فالمقاومة الفلسطينية حالياً استمرار لكفاح الشعب الفلسطيني وتضحياته الغالية التي بدأت منذ وعد بلفور إلى أن يتم تحرير فلسطين من الوجود الصهيوني الاستعماري. لقد أدت جرائم ألمانيا النازية الوحشية إلى إفادة الحركة الصهيونية وقادة الكيان الصهيوني وأغنتها بأساليب جديدة، طورتها "إسرائيل" وهي مستمرة في التفنن بتطويرها وتسويقها بالكذب والخداع والتضليل إلى أن وصلت الآن حداً يفوق جرائم ألمانيا النازية كالإبادة الجماعية والاغتيالات وتدمير القرى والمخيمات والأحياء العربية، وأعمال السلب والنهب والاعتقال والتعذيب والتهجير وقصف المنشآت الصناعية والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف، وترك الجرحى ينزفون حتى الموت، وبذلك تكون "إسرائيل" قد قطعت شوطاً في الإرهاب والوحشية تجاوز وحشية ألمانيا النازية، لأن هذه الجرائم تحدث في بداية القرن الحادي والعشرين، وفي ظل وجود كثير من العهود والمواثيق الدولية التي تحرم ارتكاب مثل هذه الجرائم ولم تكن موجودة إبان الحكم النازي في ألمانيا، وبالتالي فإن قادة إسرائيل أكثر وحشية وهمجية من قادة ألمانيا النازية. ولكن على الرغم من هذه الجرائم الوحشية لم تتمكن "إسرائيل" من وأد الانتفاضة وقتل الروح النضالية، روح المقاومة المسلحة والروح الاستشهادية لدى الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية والإسلامية والتي لا مثيل لها على الإطلاق في التاريخ النضالي للشعوب. اتخذت الأمم المتحدة مئات القرارات التي تؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة، وإلغاء إجراءات تهويد القدس العربية، وتفكيك المستعمرات اليهودية، ولكن إسرائيل رفضت وترفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وكان من المفروض أن تتخذ الأمم المتحدة إجراءات عسكرية واقتصادية وسياسية لإجبارها على تنفيذ القرارات، ولكنها لم تتخذ شيئاً من هذا القبيل لوقوعها ووقوع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تحت النفوذ الأمريكي. لقد قامت إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة، واستغلت هذا القرار لصالحها وتنكرت لما ورد فيه من حقوق للدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولا تزال تتنكر للقرارين 181 و194 وبقية قرارات الشرعية الدولية، وعلى الرغم من أن للشعب الفلسطيني كامل الحق في تقرير مصيره، إلا أن "إسرائيل" قد تنكرت لهذا الحق ولقرارات الأمم المتحدة ولم تنفع معها الوسائل السياسية والدبلوماسية لتغيير سياستها العدوانية والإرهابية والتوسعية والعنصرية والاستيطانية، لذلك لم يبق أمام الشعب الفلسطيني إلا خيار المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية لدحر الاحتلال ونيل حقوقه الوطنية. إن الذين يمنعون الشعوب من الحرية والاستقلال والسيادة وممارسة حقها في تقرير المصير، هم أعداء الشعوب، هم دهاقنة الاستعمار والصهيونية والعنصرية، ولكن الشعوب لم تنتظر أبداً من المستعمرين والعنصريين والصهاينة كي تأخذ إذناً مسبقاً منهم للمقاومة المسلحة، ولذلك حملت المقاومة الأوروبية السلاح في وجه الاحتلال الألماني، ولهذا أيضاً حمل الشعب الجزائري والشعب الفيتنامي السلاح من أجل طرد الغزاة وتحرير أوطانهم، فالاحتلال هو ذروة الإرهاب. إن الشعب الفلسطيني يتمسك بحبه وإخلاصه وتفانيه لوطنه ومقدساته ودياره وأرضه وعرضه وكرامته، كأي شعب من شعوب الأرض قاطبة، وإن نضاله نضال عادل ضد المحتل والمعتدي والغازي وضد المجرم الصهيوني وكفاح من أجل الوصول إلى حقوقه الوطنية، ويتعرض إلى أبشع أشكال الإبادة والاغتيالات والاضطهاد والاحتلال ومصادرة الأرض والحقوق، لذلك يؤمن بالمقاومة المسلحة لمواجهة الاحتلال والإرهاب والعنصرية، ويخطئ قادة "إسرائيل" باعتقادهم أن الهولوكوست على الشعب سيجبره على الرضوخ والاستسلام، بل العكس هو الصحيح إذ زادته الوحشية الإسرائيلية تصميماً أكثر من أي وقت مضى على استرجاع حقوقه بتقديم الغالي والنفيس مهما كلف الثمن وطال الزمن. ويستخدم العدو الإسرائيلي أبشع أنواع الإرهاب والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة لتطويع المقاومة الفلسطينية واستئصالها، وبالتالي يسخّر التحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي القوة الغاشمة لفرض الشروط والمخططات والإملاءات الإسرائيلية على القيادة والسلطة الفلسطينية. فلماذا إذن تخلّتْ قيادة عرفات وأبو مازن عن الكفاح المسلح لكنس الاحتلال؟ إن "إسرائيل" تحاول إجبار الشعب الفلسطيني التخلي عن المقاومة والعمليات الاستشهادية في نفس الوقت الذي تمارس فيه الهولوكوست على الشعب الفلسطيني. لقد ثبت بجلاء أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني هو أبشع وأوحش وأشرس أنواع الاستعمار التي ظهرت في التاريخ، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة، لذلك يجب اعتماد المقاومة والكفاح المسلح وحروب التحرير للقضاء على الاستعمار الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة. |
||||||