العلاقات السعودية الإسرائيلية من السر إلى العلن

السنة الخامسة عشر ـ العدد 175  ـ (رمضان ـ شوال  1437 هـ ) ـ (تموز 2016 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

دائماً كان طوق النجاة للكيان الصهيوني يأتي من النظام الرسمي العربي, فكلما كانت "إسرائيل" في أزمة امتدت لها أيادي هذا النظام لتنقذها, ففي الوقت الذي يخلص فيه المتحدثون في مؤتمر صحيفة "جروزاليم بوست" السنوي، الذي انعقد هذا العام في نيويورك، إلى توقع "مستقبل مظلم لإسرائيل"، تأتي اليد الخليجية و"دول الاعتدال الخليجي" لتمتد من تحت الطاولة وبعيداً عن شعوبها، فتعطي أملاً ومزيداً من المدد المادي والاقتصادي لإسرائيل، عبر صفقات بلغت حتى الآن مئات الملايين من الدولارات.

هذه الصفقات، التي تنشر تباعاً في الإعلام الغربي والعبري، أعاد محلل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "جيروزاليم بوست" و"معاريف"، يوسي ميلمان، تأكيدها، عبر مقالة تحليلية عن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في السنوات الماضية 28\5\2016، محاولاً نقض ما ورد من رؤية تشاؤمية ومستقبل مظلم، ورَدت على لسان عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست الإسرائيليين الذين تحدثوا في مؤتمر "جيروزاليم بوست".

في إطار العرض المضاد، كشف ميلمان، مباشرة هذه المرة، عن الآتي: "أعداء إيران من العرب تحولوا باتجاه إسرائيل، وتوصلوا معها إلى اتفاقات سرية، عسكرية واستخبارية، تقدر بمئات الملايين من الدولارات، لمصلحة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة".

وفي نفس السياق نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية، الجمعة 20 مايو/ أيار، عن مصادر غربية قولها، إن السعودية ودولاً خليجية نقلت رسائل إلى تل أبيب بشأن استعدادها لتعديل مبادرة السلام العربية. وذكرت المصادر، أن رسائل بهذا الشأن نقلتها السعودية وبعض الدول الخليجية إلى الإسرائيليين عبر مبعوثين دوليين منهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ووفقاً للقناة، فإن الدول العربية المعنية تنتظر رداً إسرائيلياً رسمياً على اقتراح التعديل، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة هضبة الجولان وحق العودة المنصوص عليها في مبادرة السلام العربية. وذكرت القناة العاشرة، أن مباحثات التعديل ستنطلق بقيادة مصرية فور حصول الدول العربية المذكورة على رد إسرائيل على أن يتم الاعتماد على نتائجها، استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.

إلى ذلك أكد المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية "دوري غولد" قيام علاقات سرية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية المعتدلة "حسب وصفه". ووصف غولد تلك العلاقات "بسيول مياه دافئة من تحت الجليد". وأضاف "إن هناك فرصاً كثيرة سانحة حالياً في هذا المضمار، إذ أن العديد من هذه الدول تخشى من تعاظم إيران".

وأشار "غولد" إلى أن الملف الفلسطيني لم يعُد يتصدر سلم الأولويات؛ مُستدركاً "لكن ذلك لا يعني أننا في حل من السعي إلى إيجاد انطلاقة في العملية التفاوضية مع الفلسطينيين".

من السرية إلى العلن

لم تعد العلاقات الحميمة بين العدو الإسرائيلي ومملكة آل سعود، كما اللقاءات والزيارات الرفيعة المستوى، سراً. ولم تعد تل أبيب تجد حرجاً في إخراج هذه اللقاءات إلى الضوء، طالما أن السعودية "بملكها وأمرائها، لا يخجلون من العلاقة مع إسرائيل".

فقد كشفت تل أبيب، عبر القناة العاشرة العبرية، وبرضى من الرقابة العسكرية، عن زيارة وفد رسمي إسرائيلي رفيع للرياض قبل أسابيع، ضمن سلسلة زيارات مماثلة للمملكة في الفترة الأخيرة. ويأتي هذا الإعلان على وقع التطورات الأخيرة على الساحتين السورية والإقليمية، حيث بات واضحاً أن مصالح الجانبين باتت مشتركة، كما بات أعداؤهما مشتركين. وعندما تتعمّد تل أبيب الإعلان عن مثل هذه الزيارات، فهي تهدف إلى تطويع الرأي العام لدى شركائها من "الدول العربية المعتدلة"، والتمهيد لنقل العلاقات القائمة سراً إلى المرحلة العلنية المطلوبة إسرائيلياً، كما طالب أخيراً، رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويبدو أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية، ومن يقف وراءها من قيادة سياسية في تل أبيب، أدركت أن الخروج بالعلاقات مع السعودية إلى العلن بات هدفاً ملحاً يجب تحقيقه سريعاً في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة، الأمر الذي يمكن تل أبيب من الانتقال الى مرحلة متقدمة مع السعوديين تحديداً، لجهة التنسيق والتحالف، لـ"مواجهة الأخطار المشتركة". 

ويعد هذا الانتقال، بالتبعية، انتصاراً لمنطق اليمين الإسرائيلي الذي يترأسه نتنياهو، تجاه القضية الفلسطينية. إذ يروج الأخير لنظرية أن رفع مستوى العلاقات مع السعودية، وغيرها من "دول الاعتدال العربي"، هو المدخل لحل القضية الفلسطينية وبلا أثمان، بدل أن يكون حل القضية الفلسطينية هو المدخل للتطبيع، الأمر الذي يمكّن العدو من فرض تسوية على السلطة الفلسطينية من دون تنازلات إسرائيلية.

فالسعودية اختارت منذ عدة سنوات طريق التطبيع مع العدو الصهيوني، وتزايدت العلاقات بين الرياض وتل أبيب مؤخراً على خلفية تبني الطرفين رؤى سياسية متوافقة ومشتركة حيال العديد من أزمات المنطقة سواء في سوريا أو حيال البرنامج النووي الإيراني.

كشفت صحيفة "بلومبرج" الأمريكية عن سلسلة لقاءات سعودية إسرائيلية كان آخرها ذلك الذي تم عقده بين ضابط الاستخبارات السعودي السابق “أنور ماجد عشقي” وأحد كبار مساعدي رئيس الوزراء الصهيوني "دوري غولد"، في ندوة مغلقة استضافها مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن.

الاجتماع بحسب الصحيفة جاء تتويجًا لخمسة لقاءات سرّية سابقة بين الجانبين للاتفاق على جملة قضايا إقليمية على رأسها كيفية محاصرة إيران، وخلال الندوة ألقى "عشقي" كلمة باللغة العربية تلاه "جولد" باللغة الانجليزية أمام حشد مغلق لأعضاء المجلس، ولم يفسح المجال لأسئلة الحضور الذي لفت الأنظار إلى اللهجة القاسية التي استخدمها الممثل السعودي في الحديث عن إيران، وتداول الجانبان بلورة "إستراتيجية سياسية واقتصادية مشتركة لمحاصرة إيران إقليمياً". ووفق الصحيفة فإن "عشقي" اختتم كلمته بعرض "خطة متدرجة من سبعة بنود على رأسها تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب"، مناشداً نتنياهو قبول "المبادرة العربية"، كما تضمنت الخطة تفاهم وعزم الجانبين على الدعوة لاستقلال إقليم كردستان بحيث يشمل تواجدهم في العراق وتركيا وإيران.

صحيفة "إسرائيل هيوم" كشفت عن أن هذا اللقاء جاء بعد سنة على تنسيق وعمل مشترك بين ما يسمى مركز القدس والمعهد السعودي الذي يترأسه عشقي، ولفتت الصحيفة إلى أن "عشقي كان المستشار المقرب وكاتم سر الملك فيصل المتوفي، ورافقه في لقاءات قمة دولية وفي مؤتمرات كثيرة، وفي العام 1988 أسّس مركزاً للدراسات الإستراتيجية والقانون في الشرق الأوسط، وعشقي يعتبر محللاً وممثلاً للسعودية في منتديات أكاديمية مختلفة".

محور اللقاء كان إيران، حيث اتفق الطرفان على أن السعودية ستسمح لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي بعبور مجالها الجوي في طريقها لشن هجوم على إيران إذا اقتضت الضرورة. إجراء هذا اللقاء السعودي الصهيوني، بل التحضير له مسبقاً، أثار الاهتمام على ضوء حقيقة أن إسرائيل والسعودية تتواجدان على جبهة الصراع ضد النووي الإيراني، وخلال العام عمل الطرفان على إجراء نقاشات وتحضير مواد عن التعاون المحتمل بين الطرفين.

في نوفمبر عام 2011، أجرى الصحفي الأمريكي"جيفري غولدبيرغ" مقابلة مع الأمير "الوليد بن طلال"، وخلال المقابلة أيّد الأمير "شنّ عدوان إسرائيلي على إيران"، وقال الوليد "نحن وإسرائيل معنيون بهذه المسألة وقلقون منها، القادة في إسرائيل كما هي حال القادة في السعودية، يتوجّسون من تنامي انحياز أوباما لإيران، إذ يحتاج إلى أسابيع قليلة ويعلن موافقته على السماح لها بصناعة القنبلة النووية".

في فبراير عام 2014، شارك رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق "تركي الفيصل" في إطار حلقات النقاش بإحدى ندوات مؤتمر ميونيخ للأمن إلى جانب وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني"، كما حضر "تركي الفيصل" لقاء آخر بصفته رئيس "مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية في الرياض"، إلى جانب رئيس الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية السابق "عاموس يادلين"، الذي قال له "اقتراحي هو أن يأتي سموّكم إلى القدس، تصلي في المسجد الأقصى، ثم لفة قصيرة جداً وتكون في الكنيست، وتتحدث إلى الشعب الإسرائيلي".

كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في وقت سابق عن اتصالات سرية جرت بين إسرائيل وكل من السعودية والبحرين خلال حرب لبنان، ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أيهود أولمرت"، قوله إن "حكمة الملك السعودي، وحس المسئولية لديه بالإضافة إلى المساعي والتصريحات التي صدرت عن السعودية، سواء علناً أو بطرق أخرى، خلّفت لدىّ انطباعاً قوياً".

في أسرار العلاقات

لم يحظ الكيان الصهيوني منذ إنشائه عام 1948 وللآن، باعترافٍ رسمي من قبل المملكة العربية السعودية، وإن كان الاثنان قد اشتركا في بعض الأهداف: كالحد من السماح لإيران، بالتوسع في برنامجها النووي، وفي نفوذها عامةً في الشرق الأوسط.

خلال الأعوام القليلة الماضية، خرجت عدة تقارير استخباراتية أمريكية، تكشف عن تعاون عسكري سري بين البلدين، حتى إنّ بعض الكتاب الإسرائيليين، أشاروا إلى أن العلاقات بين البلدين، مع سريتها، إلا أنها قوية.

المحلل والمحرر السياسي لصحيفة معاريف الإسرائيلية، بنكسيت, كان قد كتب مقالاً مطولاً يتساءل فيه عن مدى التعاون بين تل أبيب والرياض، قبل أن يُؤكد اطلاعه على ما يثبت وجود تعاون وثيق بين الدولتين، بخاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وتحديداً قبيل توقيع اتفاقه بأسابيع قليلة.

ومن بين ما جاء في المقال الذي نشره موقع "المونيتور" الأمريكي العام الماضي، "والحق أنه، وإلى اليوم، جهات دبلوماسية رفيعة المستوى، تعتقد أن إسرائيل تنسق خطواتها مع السعودية، ليس من قبيل الصدفة أنهم يرفضون الدخول في حوار مع الأمريكيين، وفي المقابل يقوم ملك السعودية بعملية علنية محرجة، ويقول "لا" للرئيس الأمريكي، في إشارة إلى أن المسيرة الإسرائيلية تدعم نظيرتها السعودية والعكس". 

قد يكون إعلان وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني"، عن أن المواقف بين إسرائيل والرياض، في عدد من قضايا المنطقة, تسير وفقًا لرؤية مشتركة بينهما؛ يعني أن التنسيق وصل إلى أبعاد أخرى أكثر من وحدة الموقف من إيران وملفها النووي.

على مرة عقود، ظهرت السعودية وكأنها تدعم الحق الفلسطيني في السيادة، مُطالبة بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، وغيرها من الأراضي المحتلة عام 1967، إلا أنّه في عام 2002، اقترح الملك عبد الله بن عبد العزيز "مبادرة السلام العربية", التي اشترطت إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً، على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع كامل لعلاقات الدول العربية مع إسرائيل.

ويُشار إلى أنّه، بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد, قطعت السعودية علاقاتها معها، وقادت حملة التنديد العربية باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، قبل أن تعود العلاقات بين البلدين، عام 1987.

الشاهد في الأمر، عدم وجود أية علاقات دبلوماسية معلنة، أو اتفاقات موقعة بين إسرائيل والسعودية، الأمر الذي يجعل صناع القرار الإسرائيلي ينفون بين لحظة وأخرى، التنسيق بين الجانبين في إطار أي مجال.

في مؤتمر "هرتسيليا"، عام 2014، وهو الحدث السنوي الأهم على الصعيدين الأمني والاستراتيجي في إسرائيل، والذي يحضره عدد من العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، والسياسيين والخبراء الأجانب، وأحياناً العرب؛ خلص بجملة من التوصيات، كانت أولها مطالب إسرائيل: تعزيز علاقتها الإقليمية الحالية، بأكبر قدر ممكن، مع دول أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

في حين، أن إسرائيل يلزمها أيضاً في المجال الاستراتيجي, إقامة علاقات رسمية أو غير رسمية مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، من مدخل مبادرة السلام العربية، واعتبارها ركيزة أساسية في التوجه نحو الدول العربية لتشكيل مجال استراتيجي مشترك.

ويتضح من خلال التقارير المتواترة عبر الصحف العربية وغير العربية، أن الحديث عن التقاء المصالح في العلاقات بين إسرائيل والسعودية، يأتي في سياق مواجهة ما يسمى النفوذ الإيراني في المنطقة، ووضع حد له.

لكن دول مجلس التعاون الخليجي لديها رؤيتها في الحفاظ على مستوى معين، من التنسيق مع إسرائيل، إذ تقوم علاقات لا بأس بها بينهما، باستثناء السعودية، التي كانت علاقتها مرهونة بانفراج حقيقي في العملية السياسية بين إسرائيل وفلسطين.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، خرجت التصريحات السعودية واضحة وصريحة على لسان إمبراطور المال السعودي الوليد بن طلال، مطالباً السعودية بمراجعة مواقفها السياسية، ووضع إستراتيجية جديدة لمقارعة التأثير الإيراني المتعاظم، في دول الخليج، من خلال عقد معاهدة دفاع مشترك مع تل أبيب. لفت حينها ابن طلال إلى ضرورة "تصليب" العلاقة مع إسرائيل، وتشكيل جبهة موحدة لإعاقة أجندة إيران الطموحة، مع الأخذ بعين الاعتبار، تحقيق تسوية مؤقتة، والتي تحول دون اندفاع السياسة السعودية ضمن الصراع العربي الإسرائيلي الجاري حتى اللحظة.

وقبل أيام، أعلن ابن طلال، عن فخره بأن يكون أول سفير سعودي لإسرائيلي، لأجل العمل مع "تل أبيب"؛ لردع الأجندة الإيرانية في المنطقة، حتى سارع بعض صناع القرار الإسرائيلي التعقيب على ذلك بقولهم: "نحن سعداء جداً، أن نرى اليوم، أن التغييرات العقلية العربية والدول العربية، لا يعتبرون إسرائيل عدواً لهم بعد الآن، يجب أن نعمل بجد لمحو ذكريات مريرة من الماضي، ومساعدة الدول العربية على تطوير وتبني الديمقراطية".

التسلسل السابق لفهم طبيعة العلاقة بين السعودية وإسرائيل، جاء بعد تسريب وثائق تفرد بها الموقع الأمريكي "أمريكان هيرالد تريبيون"، والذي كشف عن أسماء قادة في الجيش السعودي شاركوا في تدريبات سرية مع إسرائيل؛ لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر.

ولفت الموقع ضمن الوثائق السرية, إلى وجود تعاون بين السعودية والحكومة الإسرائيلية، في صورة برامج تدريبية عسكرية، وتعاون عسكري مشترك، وإدارة للمناطق الحساسة في الشرق الأوسط.

وأفصح الموقع عن أسماء لكبار الضباط في الجيش السعودي، المشاركين في التدريبات، وهم "محمد بن عبد الله الزهراني، ومحمد بن عبد الله ربيع، ووليد بن عبد الرحمن العبيدي". وقد جاءت التدريبات ضمن مذكرة تفاهم بين الجانبين، وُقّع عليها عام 2014.

وتزامن وقتها الحديث عن مذكرة تفاهم مع حديث العديد من وسائل الإعلام، عن تطور في العلاقة بين البلدين، قبل أن يُكشف عن تعاون عسكري مُشترك بينهما في مياه البحر الأحمر. ومن بين نصوص الاتفاقية، كما يفصل الموقع الأمريكي، أن تقوم الرياض وتل أبيب بإدارة الممرات الحساسة، مثل مضيق باب المندب، وخليج عدن وقناة السويس، وكذلك الدول المطلة على البحر الأحمر، واستخدام جزيرة تيران، كمركز لعملية مشتركة بين تل أبيب والرياض في البحر الأحمر.

وفي أول تعقيب سعودي على الخبر المتداول، والتأكد من صحته، هاتف "ساسة بوست"، ضابط المُخابرات السعودية السابق، والمُستشار السابق لمجلس الوزراء السعودي، "أنور عشقي"، لينفي كل ما جاء في الموقع الأمريكي، مُؤكداً أن نفي السعودية الرسمي، سيخرج بعد أيام قليلة.

وقال عشقي: "أنا أنظر إلى أن هذه الأخبار غير صحيحة ومفبركة، والسعودية لا يمكن أن تطبع مع إسرائيل، ما لم تلتزم الأخيرة بسحب قواتها من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والموافقة على المبادرة العربية".

ويرى عشقي أن مثل هذه الوثائق، هدفها إضعاف دور السعودية. "ما تفعله المملكة في المنطقة حالياً من دور ريادي لم يرق للأمريكيين والإيرانيين معاً"، على حد تعبيره.

يُكذّب عشقي، المحسوب على دوائر صنع القرار السعودي؛ لقربه منها، الأسماء المعلنة للضباط السعوديين المشاركين في التدريب العسكري، مُتهمًا إيران بالوقوف خلف هذه الأخبار، بخاصة بعد نجاح السعودية في إعادة ترسيم حدودها مع مصر.

تشديد أنور عشقي على نفي وجود أي تدريبات عسكرية بين ضباط سعوديين وآخرين إسرائيليين، في البحر الأحمر، خلال الآونة الأخيرة، دفع "ساسة بوست"، إلى إجراء اتصال هاتفي مع الصحافي والمحلل السياسي الإسرائيلي، "إيلي نيسان"، والذي لم يستغرب مثل هذه الأخبار "لوجود علاقات بالفعل بين السعودية وإسرائيل"، إلا أنه يُرجح أن تتجاهل كل من إسرائيل والسعودية الحديث عن الأمر، أو حتى الرد عليه.

يبدو إذاً أنّ السر في عدم الإعلان عن صحة الوثائق المسربة، يعود إلى عدم وجود علاقات رسمية من أي مستوى بينهما، فضلاً عن الالتزام الرسمي للسعودي بالقضية الفلسطينية، وما يتعلق كذلك بالمبادرة العربية، وتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كشرط لإقامة علاقات رسمية.

وذكر الصحافي الإسرائيلي، أن خروج الوثائق للعلن، يشير إلى وجود قاسم مشترك بين الدول العربية، أو السعودية تحديداً، وتل أبيب، وذلك بما يتعلق بالتعاون المشترك ضد النفوذ الإيراني، بخاصة مع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.

وأضاف نيسان: "أنا غير متفاجئ من هذه الأخبار؛ لأن تأكيد وزير الخارجية السعودي عادل الجبيرـ التزام السعودية بكل الاتفاقات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين، ومنها اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين القاهرة وتل أبيب، يعني أن العلاقات بدأت تأخذ طابعاً آخر".

ويُشار هنا إلى أن هذه الوثائق، تأتي في ضوء اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بشأن جزيرتي صنافير وتيران، بعدما كانت محل نزاع لعشرات السنين؛ كونها تعد حدودًا فاصلة بين الإمبراطورية العثمانية ومصر، التي كانت تحتلها بريطانيا.

فضلًا عن أنها كانت تحت السيادة المصرية منذ خمسينات القرن الماضي، فيما عدا الفترة التي أعقبت حرب ١٩٦٧ مع إسرائيل، ثم استعادتهما مصر، بعد اتفاقية كامب ديفيد، في عام ١٩٨٢.

لذلك، فإنه من خلال تغطية الصحف الإسرائيلية, كان هناك قبول إسرائيلي مبدئي تجاه الاتفاقية، خصوصاً وأنها لا تستلزم إجراء تعديلات في معاهدة السلام.

كان من اللافت أيضاً تأكيد عدد من الصحف الإسرائيلية اطلاع الحكومة الإسرائيلية على الاتفاقية، قبل إبرامها بين مصر والسعودية بأسبوعين، في إشارة إلى طبيعة العلاقة السرية بين تل أبيب والرياض.

المختص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد لم يفاجأ هو الأخر بما نشره الموقع الأمريكي، قائلاً: "وجود مثل هذه التسريبات، إن كانت صحيحة أصلاً، فإنها تكشف عن الكثير من التناقضات الجارية بين دول المنطقة وإسرائيل، وإن كانت دقيقة فإن جهازاً أمنياً قوياً على اطلاع كامل بهذه التفاصيل". 

ووفقاً لشديد، في حديث الخاص مع "ساسة بوست"، فإن الوثائق تكشف عن اختراق منظومة أمنية كبيرة، تعرفها كل من إسرائيل وأمريكا والسعودية ومصر، وبالتالي لا أحد ينكر في الوقت الحالي، أن السعودية لم تعد ترى تل أبيب عدوها الرئيس بل إيران، على حد قوله.

وأضاف: "في السياسة الدولية، يمكن أن نرى أسوأ التحالفات لتنسيق أهداف سياسية، وفقًا للمصلحة الشخصية، وهذا ما بدا واضحاً في العلاقات بينهما، بخاصة أن دولة الاحتلال لم تعد اليوم العدو للدول العربية، بل أصبحت لاعباً رئيساً في المنطقة، تحدد دور كل دولة من حيث ضعفها وقوتها، بما يتوافق مع مصلحتها أولاً". 

ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أنه من مصلحة الاحتلال استثمار التناقضات العربية وتوظيفها لخدمته، عبر بناء تحالفات بينه وبين دول المنطقة العربية وفقاً لمصلحته، مردفًا "الزيارات الأخيرة لبعض ضباط المخابرات السعودية إلى دولة الاحتلال، وإجراء العديد من اللقاءات بينهما تكشف عن سر العلاقة بينهما، ووجود الكثير من التناقضات في المواقف السعودية تجاه إسرائيل". 

زيارات سريّة بين الطرفين

نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيليّة مقالاً ليوسي ميلمان تحدّث فيه عمّا وصفها بالعلاقات السرية بين إسرائيل والسعودية، وأشار إلى أنّ الاتفاق المصريّ والسعوديّ بشأن نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر وموافقة إسرائيل على الاتفاق من المرجح أنّه نتيجة للاتصالات السرية المتواصلة والمصالح المشتركة.

وزعم الكاتب الإسرائيليّ أنّ موافقة تل أبيب على التحرك المصري بإعادة الجزيرتين للسعودية مجرد غيض من فيض عندما يتعلّق الأمر بالعمليات السرية التي تحدث خلف الكواليس.

وتحدث عن أنّ الولايات المتحدة وافقت على نقل الجزيرتين, فالثلاث دول المعنية بالأمر حلفاء لواشنطن، كما أنّ إسرائيل ومصر تمتعتا بعلاقات وثيقة منذ وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة، كما أنّ العلاقات الأمنية بينهما تشهد تحسنًا مستمرًا، الأمر الذي دفع العديد من المُحللين إلى القول إنّ العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تمُرّ في شهر عسلٍ، وأنّ هذه العلاقات لم تكُن حسنة، كما هي اليوم، منذ توقيع اتفاق (كامب ديفيد) بين الدولتين. وذكر ميلمان أيضاً أنّ الجانبين لديهما مصالح مشتركة تتمثل في محاربة الإرهاب بسيناء والتصدي لحماس وخصوصاً جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام.

واعتبر أنّ الوضع مع السعودية أكثر تعقيداً، فالبلدين لا تربطهما علاقات رسمية ولن يحدث ذلك طالما أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يحل. وكشف النقاب عن أنّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يعرف جيداً يهود أمريكا عندما كان سفيراً للمملكة في واشنطن والتقى بهم.

وتحدث المُحلل الإسرائيليّ عن تقارير غربية تفيد بأنّ البلدين لديهما علاقات اقتصادية عبر طرف ثالث حيث تصل المنتجات الزراعية والتكنولوجيّة الإسرائيلية إلى المملكة عبر السلطة الفلسطينية أوْ الأردن أوْ قبرص، وهناك تقارير تتحدث عن اتصالات وحتى اجتماعات بين مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية وإسرائيل.

واعتبر ميلمان، نقلاً عن مصادره الأمنيّة الإسرائيليّة الرفيعة، أنّ على قمة المصالح المشتركة بين الرياض وتل أبيب هو الاعتقاد بأن التهديد الأكبر لهما يتمثل في إيران، وهناك تقارير تفيد بأنّ المملكة سمحت للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي إذا قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

ووفقاً لتقارير أجنبية، أضاف المُحلل ميلمان، فإنّ رؤساء الموساد الإسرائيلي ومن بينهم مائير داغان وخليفته تامير باردو التقوا بمسؤولين في الاستخبارات السعودية في الماضي، كما التقى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بالأمير بندر بن سلطان واجتمع معه.

وتوقّع المُحلل، نقلاً عن المصادر عينها، ألّا تظهر تلك العلاقات السرية بين إسرائيل والمملكة على السطح على الأقل حتى تكون هناك دولة فلسطينيّة وتتمكن المملكة من رفع علمها على المسجد الأقصى، على حدّ تعبيره. وقال ميلمان أيضاً إنّه خلال ولاية تامير باردو كرئيس للموساد تعزز التعاون الوثيق مع أجهزة استخبارات صديقة للموساد، في دولٍ قريبةٍ وبعيدةٍ، على خلفية وجود مصالح مشتركة للجم إيران، ببرنامجها النووي وسعيها للهيمنة في المنطقة.

مُضافاً إلى ذلك، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيليّة خبراً مفاده أنّ باردو سافر إلى إحدى الدول العربيّة المُهّمة، والتي لا تُقيم علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، واجتمع هناك إلى نظيره العربيّ، ذلك أنّ الموساد يرى بعينٍ واحدةٍ ما تراه الدول العربيّة المُعتدلة، وفق المعجم الصهيونيّ، بأنّ إيران هي العدو المُشترك.

وفي هذا السياق، يذهب الكشف عن العلاقات الإسرائيلية بدولٍ عربيةٍ، إلى مقاربة تقول إنّه يُمكن اعتبار إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة لها الحق في الوجود والأمن، وبذلك يمكن الاشتراك معها في مواجهة ما أسمته المصادر السياسيّة والأمنيّة في تل أبيب بالنفوذ الإيرانيّ.

باحث في القضايا الإقليمية(*) 

اعلى الصفحة