التصورات الإسرائيلية للمواجهة المقبلة مع حزب الله:
حرب أم رزمة معارك استنزاف؟.

السنة الخامسة عشر ـ العدد 174  ـ (شعبان ـ رمضان  1437 هـ ) ـ (حزيران 2016 م)

بقلم: مأمون كيوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

شكلت الجبهة الشمالية ركناً من أركان التحديات والتهديدات الإستراتيجية لما يسمى بـ"الأمن القومي الإسرائيلي". ولمواجهة الخطر القادم من الشمال شنت إسرائيل خلال العقود الأربعة المنصرمة من الزمن سلسلة أعمال عدوانية وحروب واجتياحات وعمليات عسكرية اتخذت تسميات مختلفة منها: "عملية الليطاني"؛ "سلامة أمن مستوطنات الجليل"؛ "تصفية الحساب"؛ "عناقيد الغضب" وحرب 2006 أو حرب تموز أو حرب لبنان الثانية.

وتمحورت كافة العمليات العدوانية الإسرائيلية التي شنت خلال الفترة (1986-2006) حول محاولة تصفية حزب الله وقيادته. وخلال السنوات الخمس المنصرمة (2011-2016) وعلى خلفية تطورات الأزمة السورية تعددت الأشكال والأساليب الإسرائيلية لمواجهة التهديد الذي يمثله حزب الله الذي أصبح يشمل الجبهتين اللبنانية والسورية معاً. وتراوحت تلك الأساليب بين عمليات الاغتيال لقيادات الحزب وقصف مواقعه العسكرية وخطوط إمداده في لبنان وسوريا، وإجراء مناورات عسكرية واسعة على الحدود الشمالية، وبناء جدار إسمنتي على الحدود مع لبنان. وترافق ذلك مع لجوء الإعلام الإسرائيلي إلى  "شيطنة" الحزب من خلال المبالغة في تقدير قدراته القتالية والتسليحية. والتحذير من خطر كبير قد تتُعرّض له البنية التحتية والجبهة الداخلية في إسرائيل.

نموذج الطائرة بلا طيار

استخدم حزب الله طائرة دون طيار حلقت في الأجواء الفلسطينية يوم 6/10/2012، ووصلت فوق منطقة النقب جنوبي البلاد حيث يوجد المفاعل النووي في ديمونا. وقد تضاربت المعلومات والتقديرات والنقاشات الإسرائيلية، حول مخاطر هذا الاستخدام.

وقد ادعى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي العميد يوآف مردخاي أن الطائرة، على مدى طيرانها، كانت تحت مراقبة مطلقة من قبل الطائرات الحربية، وكان بالإمكان إسقاطها في كل مرحلة، لكن لاعتبارات عملية ولاعتبارات الدفاع عن المستوطنات تقرر اعتراضها في منطقة غابة ياتير (ياطر) جنوب جبل الخليل. وزعم الناطق أن "جدول العمليات كان صحيحاً وسليماً ومهنياً في كل مرحلة؛ خلال الكشف والتمييز والاعتراض"(يوآف زيتون، يديعوت 7/10/2012).

وأكد تقرير نشره موقع "تيك دبكا" الأمني الإسرائيلي في 7/10/2012، أن تسلل طائرة كبيرة ومتثاقلة، مثل المروحية دون طيار، إلى داخل المجال الجوي لإسرائيل هو إخفاق استخباراتي واستراتيجي إسرائيلي من الدرجة الأولى، وكشف حقيقة أن الجيش الإسرائيلي ليس مستعداً رغم التدريبات والمناورات لهجوم مفاجئ ضد إسرائيل.

واقتصر تعليق الجيش الإسرائيلي المقتضب على تبجيل سلاح الجو بنجاحه في إسقاط الطائرة عبر ثلاث مراحل، هي اكتشاف الطائرة قبل أن تدخل سماء إسرائيل، ثم مرافقتها ومراقبتها في أثناء مواصلة طيرانها، ومن ثم إسقاطها في منطقة مفتوحة خالية من السكان. لكن هذا النجاح لم يُقنع الكثيرين، والأجواء التي سادت نقاش الخبراء الأمنيين والعسكريين الذين انشغلوا في محاولة فهم أهداف هذه الطائرة وما تحمله من رسائل، لم تُخْفِ ذلك القلق الإسرائيلي من المستقبل. يقول مدير مركز الحوار الإستراتيجي والخبير العسكري رؤوفين بدهتسور حول هذه المفاجآت الجوية: "إن وصول هذه الطائرة يؤكد امتلاك حزب الله تكنولوجيا متطورة لم نعرفها من قبل، فقد سبق أن اخترقت طائرات دون طيار الأجواء الإسرائيلية، وبعضها عاد من دون أن نتمكن من إسقاطه، لكن اليوم، وبعد وصول الطائرة دون طيار إلى عمق الأجواء الإسرائيلية، اختلف الوضع، فصحيح أن حزب الله لم يصل بعد إلى التكنولوجيا التي تساعده على صناعة طائرة من دون طيار من هذا النوع، وصحيح أيضاً أنه لا يملك القدرة الذاتية على تسييرها وفق مسار دقيق يتضمن أهدافاً من شأن الوصول إليها المس بمنشآت إستراتيجية وحساسة لإسرائيل، لكن صحيح أيضاً أن حزب الله يمكنه أن يحقق كل هذا بدعم إيران، التي تزوده بهذه النوعية من الطائرات. إن قدرة حزب الله على إسقاط طائرات إسرائيلية، وخصوصاً في الأراضي اللبنانية، هو خطر يجب أن يقلقنا.

وعلى الرغم من الادعاءات الإسرائيلية المرتبطة بالنجاح في إسقاط طائرة حزب الله، إلا أن عملية إرسال الطائرة وتحليقها في الأجواء تثبت سقوط النظرية الأمنية الإسرائيلية.

الانعكاسات الإستراتيجية للربيع العربي

يعتقد الإسرائيليون أن حزب الله أظهر ميلاً أقل من حركة حماس للتطوير، ولم يبد أي تغيرات جوهرية في خطابه السياسي. ففي البداية انحاز إلى "الشارع العربي" وأيد الثورات التي تلاءمت مع إستراتيجيته السياسية، غير أنه غيّر موقفه فيما بعد، ووقف إلى جانب القيادة في سورية وضد المعارضة السياسية. وكان التأثير السياسي "للربيع العربي" على حزب الله ملحوظاً، لارتباطه بتحالف مع النظام في سورية. ما ساهم في تدهور العلاقات، التي هي سيئة أصلاً، مع حركة 14 آذار. كما أدى إلى تصعيد الانقسام السياسي والمذهبي. حيث تتصاعد التوترات، في بعض الأحيان، إلى مستوى الصدامات المسلحة الفعلية ، ما يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار الداخلي ويتهدد مكانة حزب الله داخلياً. إضافة إلى ذلك، يبدو أن حزب الله بدأ يفقد بعضاً من نفوذه السياسي لدى حلفائه السياسيين ذاتهم، حيث يختلفون حول قضية سورية.

ولقد أثر التصاعد المضطرد للأزمة الداخلية في سورية في حزب الله. وبخلاف حماس، لا يستطيع حزب الله تحمل الانفصال عن سورية. فاعتماده اللوجيستي على سورية وروابطه اللوجيستية والإيديولوجية مع إيران يشكلان مصدرين حاسمين للقوة بالنسبة لهذا التنظيم ضمن الطائفة الشيعية، وبالتالي في لبنان ككل. وفي الحقيقة، يبدو أن حزب الله ليس لديه داعم بديل فعال في المنطقة باستثناء سورية وإيران. حتى أن علاقاته مع قوى المعارضة السورية عدائية للغاية. ومن هنا فإن الاضطرابات في سورية والتهديد الذي يواجهها قد وضعا حزب الله في موقف حساس جداً(د. عنات كورتس(مديرة أبحاث وزميلة باحثة متقدمة في معهد دراسات الأمن القومي) - بنديتا بيرتي(زميلة باحثة في المعهد) - مارسيل كونراد(باحث مقيم في المعهد). التحولات المؤسساتية لدى حماس وحزب الله، تقدير استراتيجي، المجلد 15، الرقم 3، معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب، تشرين الأول 20129).

تصورات المؤسسة العسكرية

تعددت تصورات المؤسسات العسكرية والأمنية والأكاديمية والسياسية في إسرائيل لسبل المواجهة المحتملة المقبلة لحزب الله. وربطت تصورات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بين التهديدين الإيراني والسوري وأثرهما على المواجهة المقبلة مع حزب الله. وفي هذا السياق قال رئيس الأركان، غادي أيزنكوت في خطاب ألقاه أمام مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي (INSS) : "إن أكبر تهديد بالنسبة للجيش اليوم هو حزب الله"( هآرتس19/1/2016). 

 وكتب نائب وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفرايم سينه مقالاً في صحيفة "يديعوت أحرونوت" قال فيه: "إمكانية المواجهة مع حزب الله على الحدود الشمالية لا تُشطب من جدول الأعمال، والأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا تشهد على أن مثل هذه المواجهة لديها إمكانية معقولة. فإن حزب الله يمتلك أكثر من 100 ألف صاروخ ومقذوفة صاروخية، وقد صرح (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله مؤخراً بأن صاروخ فاتح 110، القادر على أن يحمل رأساً متفجراً وزنه نصف طن، ليس الأكثر تطورا بين الصواريخ التي بحوزة منظمته"("يديعوت أحرونوت" 28/04/2015).

 وقال العميد موني كاتس، وهو القائد السابق لفرقة الجليل العسكرية (الفرقة 91) في الجيش الإسرائيلي، في مقال كتبه سوية مع الباحث نداف بولك، نشر في موقع "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط" الالكتروني، إنه لأول مرة في تاريخ حزب الله يقوم الحزب بتنفيذ اجتياح هجومي في إطار القتال الذي يخوضه في سوريا. وأضاف الكاتبان، أن الوجود العسكري الروسي المتزايد، سيعزز خبرة حزب الله ويمنحه القدرة على استخلاص دروس ذات قيمة عالية للمواجهات العسكرية المقبلة. وإن إستراتيجية حزب الله اعتمدت حتى الآن على الدفاع والاستنزاف في المواجهات ضد إسرائيل، وأن الحزب كان يعتبر أنه طالما لا ينهار أمام ضربات الجيش الإسرائيلي فإن بإمكانه البقاء ويصف ذلك بالانتصار، لكن الحرب في سوريا غيرت النموذج الدفاعي للحزب.

وأشارا إلى أن حزب الله اضطر في سوريا إلى تغيير أهدافه والاستيلاء على منطقة والسيطرة عليها لفترة طويلة، خلال قتاله ضد التنظيمات التي تحارب في سوريا. ويزج الحزب بوحدات تضم مئات المقاتلين في هجمات معقدة في مناطق ليست معروفة له جيدا، وهذه الوحدات تستعين بوسائل قتالية متنوعة جدا.

وبالنسبة لمقاتلي حزب الله، فإن تجربة كهذه بإمكانها أن تغير رأيهم حيال الطريقة الأكثر فاعلية من أجل الانتصار في المعركة، والتدخل الروسي يعني أنهم يتعلمون هذه الدروس من أحد أفضل الجيوش في العالم. وأن حزب الله سيطلع على أسلوب التفكير والتجربة للضباط الروس، كما تبلورت في الحرب في الشيشان، وسيتمكن من التعلم منهم كيفية تفعيل القوات بصورة فعالة خلال الهجمات التي تنفذ في مناطق مأهولة ومكتظة بالسكان. كذلك فإن حزب الله قد يكتسب خبرة في استخدام أسلحة لم تكن بحوزته في الماضي (موقع عرب48، 18/01/2016).

 وحدد رئيس الأركان سياسة الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية في المرحلة المقبلة بناء على وثيقة تقدير الاستخبارات وعلى صورة الوضع على الأرض، وأسسها هي التالية:

- محاولة المحافظة على حدود هادئة في هضبة الجولان: وهذه مهمة صعبة لأنه في الجانب الثاني من الحدود تدور حرب أهلية دموية، يتدخل فيها حزب الله وإيران و"داعش" وغيرهم. وتُنسب إلى إسرائيل سياسة ترمي إلى إنشاء نوع من "منطقة أمنية" جديدة في الجانب الثاني من الحدود، تشمل قرى سورية لها مصلحة في النجاة من الجحيم المشتعل. وتساعد إسرائيل والجيش هذه القرى على الصعيد الإنساني: من خلال تأمين العلاج، والنفط والغاز للتدفئة في الشتاء، والسهر على الأمن والشعور بالأمان. وحتى الآن عولج في مستشفيات إسرائيل أكثر من 2000 جريح سوري. ويرد السوريون الجميل ويساعدون في المحافظة على حدود هادئة قدر الممكن. وبينما تحول نصف سكان سورية إلى لاجئين، فإن الوضع على الحدود مع إسرائيل أفضل بكثير.

 - منع انتقال سلاح نوعي من سورية إلى حزب الله: لقد وقف حسن نصر الله إلى جانب الأسد في مواجهة المتمردين، والتخوف في إسرائيل هو من المكافأة السورية لهذا التنظيم الشيعي. إن الطريقة الوحيدة التي يستطيع بواسطتها الأسد أن يدفع لنصر الله هي من خلال وسائل قتالية متطورة تنقل إلى لبنان. ولا يوفر الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات جهداً في هذا الشأن انطلاقاً من مبدأ يقول إنه بمقدار ما نستثمر اليوم سيكون الغد أسهل علينا. إن مهمة إغلاق الحدود بين سورية ولبنان أمام عبور السلاح هي مهمة أساسية، ويمكن أن تشكل سبباً لأن ينسق الجيش الإسرائيلي طلعاته الجوية فوق سورية مع سلاح الجو الروسي. والإنجازات في هذا الشأن لا بأس بها، لكن كما هو معروف فلا مجال لإغلاق محكم للحدود.

- الحؤول دون هيمنة إيرانية على الحدود الشمالية: وهذا ليس مرتبطاً بإسرائيل فقط، ويوجد لها شركاء عديدون في المنطقة، لكن الحدود هي حدودها. على سبيل المثال، في الماضي كان لدى الأميركيين أمل، وكذلك لدى إسرائيل، بأن يشكل الجيش في لبنان حاجزاً في وجه حزب الله، وأن يقاتله إذا لزم الأمر، بل إن الأميركيين سلحوا الجيش اللبناني بأسلحة متطورة (يمكن افتراض أنها انتقلت كلها إلى حزب الله). لكن في الحرب المقبلة سيقاتل الجيش اللبناني وحزب الله جنباً إلى جنب في مواجهة إسرائيل.

 وختم هذا المسؤول العسكري السابق: هنا يجب القول إن حزب الله على الرغم من القوة التي راكمها وتنامي قوته وتسلحه، لا يرغب بحرب مع إسرائيل. فالحزب كما أسلفنا غارق في المستنقع السوري، والردع الناتج عن حرب لبنان الثانية ما يزال فاعلاً. لكن إلى متى سيبقى صامداً؟ ومن سيرمي عود الثقاب هنا؟ لا أحد يعرف(http://www.madarcenter.org).

وأشارت تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى تصاعد احتمال أن يؤدي حدث خطير على الحدود إلى تصعيد، وربما إلى حرب، ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن احتمالات حصول ذلك "متوسطة". وأنها "مختلفة عن الحروب التي وقعت في السنوات الثلاثين الأخيرة. وستكون المواجهات معقدة أكثر". وأن حزب الله حوّل غالبية القرى الشيعية الـ200 في جنوب لبنان إلى مواقع عسكرية كبيرة، وأن حزب الله يستثمر في رفع مستوى دقة الصواريخ، وحجم الرؤوس القتالية، ويتجه إلى الحرب تحت الأرض، ونقل المعركة إلى داخل إسرائيل. وأن حزب الله حفر أنفاقاً قتالية قبل حركة حماس، وأن الأنفاق التي يمكن حفرها تحت القرى اللبنانية يمكن حفرها على الحدود أيضاً(موقع عرب48، تاريخ النشر: 26/01/2016).

وعلى الرغم من انشغال العالم بما يجري في أماكن متفرقة من المنطقة العربية، وخصوصاً في العراق وسوريا واليمن، إلا أن أنظار الإسرائيليين استمرت تتجه بشكل أساسي نحو الجبهة اللبنانية. وقام الجيش الإسرائيلي بتدريبات على سيناريوهات حرب مع "حزب الله" بشكل أساسي، واشتق منها سيناريوهات حرب أقل حدة مع أعداء آخرين، سواء في قطاع غزة أو على الحدود السورية. ولم ينفك قادة عسكريون إسرائيليون عن اطلاق التهديدات، فقد هدد قائد فرقة الجليل العميد موني كاتس بإعادة لبنان 200 سنة إلى الوراء.

ولحظ الجيش الإسرائيلي تكثيفاً من جانب "حزب الله" للتواجد في مثلث الحدود اللبنانية ـ السورية ـ الفلسطينية. وفي هذا السياق قال قائد لواء جبل الشيخ في الجيش الإسرائيلي العقيد أفينوعم ستلوفيتش لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني إن الجيش السوري خسر الكثير من مواقعه على طول الحدود مع الجولان المحتل، لكنه يتشبث بالمواقع الباقية لديه.

ويرى ستلوفيتش أن الجيش الإسرائيلي يستعد لأسوأ الاحتمالات على هذا القاطع، خصوصاً بعد انسحاب مراقبي الأمم المتحدة من عدة مواقع هناك. و يقول إن "حزب الله" يبذل جهوداً كبيرة في الآونة الأخيرة في تلك المنطقة، التي أعلن عنها مؤخراً أنها البوابة إلى لبنان. و ليست للرئيس السوري بشار الأسد مصلحة في استفزاز إسرائيل(وكالة قدس نت للأنباء 11/4/2015).

سيناريوهات حرب محتملة

ضمن تقديرات الجيش الإسرائيلي للتهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل في العام 2016، فإن إسرائيل سوف تخسر عدة طائرات وسفن قتالية، في حين تشل الصواريخ المدن، ويحاول عناصر حزب الله خلالها السيطرة على مستوطنات في شمال البلاد. في المقابل، فإن الرد الإسرائيلي سيكون تدمير قرى شيعية في جنوب لبنان، وتهجير مئات الآلاف من السكان.

وتشير التقديرات إلى أنه على الرغم من أن الوضع الإستراتيجي لإسرائيل قد تحسن في العقد الأخير، وعلى الرغم من أن حزب الله وحماس غير معنيين بالحرب، فإن هناك مخاوف من اندلاع مثل هذا القتال خلال هذا العام نتيجة أخطاء أو فرضيات خاطئة على خلفية حادثة حدودية تؤدي إلى التصعيد.

وبحسب التقديرات الإسرائيلية فإن حزب الله لا يتجه إلى الحرب، إلا أن هناك خطوطاً حمراء قد تدفع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى توجيه قواته باتجاه إسرائيل. وبحسب هذا السيناريو، وفي حال اندلاع الحرب فسوف تكون صعبة جداً، وقد تخسر إسرائيل خلالها طائرات وطيارين وقطعاً بحرية، وتؤدي الصواريخ إلى إيقاع أضرار شديدة في المدن والمناطق المأهولة.

كما يتوقع أن يتم إغلاق مطار اللد، ويقع جنود إسرائيليون أسرى لدى حزب الله. ويعتقد الجيش أن حزب الله قادر على حفر أنفاق داخل إسرائيل، وأنه سيحاول احتلال مستوطنات على الحدود، ونقل ساحة القتال إلى داخل إسرائيل.

ويعتقد الجيش أيضاً أن هذه الحرب لن تكون 48 ساعة، وإنما ستطول. وفي حال اندلاعها فإن رد إسرائيل سيكون قاسياً جداً، وقد يتم تدمير القرى الشيعية التي تحولت إلى مواقع محصنة لحزب الله بالكامل. وفي هذه الحالة لن تقتصر الأضرار على حزب الله، وإنما على كل جنوب لبنان، وأجزاء واسعة من لبنان، وسيتحول مئات الآلاف إلى لاجئين(موقع عرب48، تاريخ النشر: 27/1/2016).

بلا إنذار مسبق

أوضح الباحث الإسرائيلي جال فينكل لموقع "والا" الإخباري الإسرائيلي، أن طبيعة الحرب القادمة ستكون عبارة عن عمليات متشابكة تتخللها تفعيل القوة النارية المكثفة الدقيقة في الوقت ذاته. ورأى أن الحرب التي قد تخوضها إسرائيل في المستقبل لا يجب أن تعيدها لحروب الماضي، معتبرا أن الحرب القادمة في غزة لا تشبه حرب غزة 2008 و حرب غزة 2014،  أي بمعنى آخر أنها ستكون أكثر تعقيدا من الحربين السابقتين. وتابع فينكل: "الاعتقاد السائد في إسرائيل أن المواجهة القادمة في لبنان أو غزة قد تندلع بدون إنذار مسبق وهو الأمر الذي يدفع الجيش الإسرائيلي للقيام بعمل عسكري مكثف وسريع مع بقاء قواته العسكرية في المنطقة المستهدفة من الحرب"(http://www.amad.ps/ar).

ونشر موقع "والاه" الإخباري تقريراً عن استعدادات حزب الله للحرب المقبلة مع إسرائيل وكيفية رد الجيش الإسرائيلي على السيناريوهات والمفاجآت التي ستواجهه في ظل تهديدات بدخول حزب الله إلى الجليل بعدما غيّر الأخير من تفكيره العسكري من الدفاع إلى الهجوم على ضوء التجربة التي راكمها في الحرب السورية. ونقل الموقع الصهيوني عن مصدر أمني بارز قوله: "اليوم أكثر من أي وقت مضى، نصر الله مستعد للمخاطرة في المواجهة مع إسرائيل والذهاب حتى النهاية، وذلك فقط كي لا يظهر ضعيفاً أمام الإسرائيليين. ومرور سبع سنوات فقط على تصفية (الشهيد القائد) عماد مغنية، هو في المفهوم الشيعي وقت قليل وعليه فإن الرغبة بالانتقام لا زالت قائمة. وأضاف أن حزب الله يسعى أيضاً لإعادة الجدل حول ملكية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر لتصبح جميع الاحتمالات مفتوحة. فحزب الله وفقاً لما هو متفق عليه في المؤسسة الأمنية الصهيونية، هو التهديد الحسي الأبرز على إسرائيل في الوقت الحالي، لاسيما وأنه بات يمتلك مقاتلين أكثر تمرّساً على القتال وصواريخ ذات مدى بعيد يحاول من خلالها توجيه ضربات دقيقة لمطار "بن غوريون" ومقر "الكريا" (وزارة الحرب وهيئة الأركان العامة)"(http://news.walla.co.il).

حرب أم معركة؟

 تباينت الآراء في قيادة الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بالمعركة المقبلة مع حزب الله. فرئيس هيئة الأركان الجديد، الجنرال غدي آيزنكوت، سيضطر إلى حسم قضايا كثيرة ومهمة بشأن طريقة مواجهة الحزب الآخذ بالتعاظم. هل ستكون حرباً أم معركة؟ هل يجب السماح لحزب الله بالهجوم أولاً لتنقض بعد ذلك قوات الجيش الإسرائيلي على تشكيلاته؟ هل ستشخص الاستخبارات "الإسرائيلية" تغييراً في أسلوب عمل حزب الله من "مردوع" إلى "مبادر"؟.

 وتُظهر معطيات الجيش الإسرائيلي أن الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو ألقت على مدى 50 يوماً من القتال إبان عملية "الجرف الصلب" نحو 7250 قنبلة على قطاع غزة. وفي عملية "عامود السحاب" هاجم الجيش 1350 هدفاً في ثمانية أيام، وفي عملية "الرصاص المسكوب" 1789 هدفاً في 22 يوماً، وفي حرب لبنان الثانية 3200 هدفاً في 33 يوماً. متسائلة عن ما هي الأرقام التي ستشهدها حرب لبنان الثالثة.

 واستعد سلاح الجو لوتيرة هجومية أعلى بكثير منها خلال عملية "الجرف الصلب". فقدرته على العمل تتيح له تنفيذ هجمات غير مسبوقة ضد أهداف تابعة لحزب الله. لكن هجوماً كهذا سيكون له ثمن بالضرورة، فهناك طائرات ستسقط واحتمالات أن يأسر حزب الله طيارين صهاينة موجودة.

 ويمكن لسلاح الجو أن يكون أكثر فتكاً في لبنان مما كان عليه في غزة، لأن المعلومات الإستخبارية التي تزوده بها "أمان" عن حزب الله أكثر دقة من تلك التي يزوّده بها ذراع الاستخبارات عن حركة "حماس" في غزة. وتسود في سلاح الجو وجهة نظر تقول بأنه يمكن الاكتفاء بمعركة من الجو دون تنفيذ دخول بري (مناورة) قد تضع "إسرائيل" في ورطة، والتسبب بعدد كبير من القتلى وإطالة مدة القتال(http://news.walla.co.il).

 أما المعركة البرية فستكون إحدى المعارك الأقسى والأكثر تعقيداً، وفقاً لما تعتقده جهات في المؤسسة الأمنية الصهيونية أثناء حديثها عن معركة شاملة مع حزب الله. وتوضح هذه الجهات أنه في الوقت الذي سيناور فيه الجيش عميقاً، يحاول حزب الله تنفيذ هجمات على مستوطنات ولذلك يجب أن يكون خط الدفاع قوياً.

 ويقول الدكتور غادي سيبوني الباحث في مركز الأمن القومي، حول احتمالات اندلاع معركة واسعة إن "البقاء لمدة خمس دقائق في حانيتا هو إنجاز هائل بالنسبة لحزب الله عندها". ويضيف:"يمكننا احتلال بنت جبيل ثماني مرات دون أن يدغدغ ذلك حزب الله. لكن في حال احتل هو مستوطنة حانيتا مرة واحدة، فنحن سنتحدث عن ذلك 100 سنة. الأمر شبيه بسقوط صاروخ على سوق عزريئيلي"(http://news.walla.co.il).

 وفي المؤسسة الأمنية يحللون المعركة المقبلة على ضوء معارك سابقة ومحاولة تقدير حجم الضرر الناتج عنها. ووفقاً لجهات أمنية، فإن يوم قتال واحد سيكلف الاقتصاد "الإسرائيلي" مليار ونصف شيكل. وبناء على ذلك، فسيكون على المستوى السياسي الحسم بسرعة كبيرة مسألة ما إذا كان الجيش متجهاً نحو عملية ردع أم حرب، بغية تقليص قدر الإمكان الخسائر في الأرواح والضرر الاقتصادي والمادي. وقدّر مسؤول رفيع المستوى في الجيش إمكانية أن يؤدي حادث تكتيكي إلى تدهور الوضع نحو تصعيد قد يؤدي الى حرب، وقال: "حزب الله مردوع عن حرب لكن ليس عن تصعيد، ولذلك فلا أحد يعرف ما سيحصل عندما سيقرر الرد على حادث تكتيكي" ( http://news.walla.co.il).

وأشار المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى  إنه "في حال اندلاع الحرب، فإن إسرائيل سوف تضطر إلى تفعيل قوة لم يسبق لها مثيل في لبنان، وأن الغارات الجوية الشديدة لن تكون كافية، وسيضطر الجيش للقيام بعملية برية لجباية الثمن من حزب الله، كما يتوقع أن تدرس الحكومة إمكانية مهاجمة البنى التحتية المدنية للبنان، وذلك بهدف تسريع وقف إطلاق الصواريخ على الجبهة  الداخلية"( موقع عرب48،  تاريخ النشر: 4/3/2016).

 ولفت مركز أبحاث الأمن القومي الى أنه من الواضح أن المعركة العنيفة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، في سوريا، ومن الممكن خارج الشرق الأوسط أيضاً، مرشحة للاستمرار بل وربما للتصاعد في السنة الحالية في ظل محاولات سوريا وإيران توسيع هامش نفوذهما في جنوب سوريا وفي هضبة الجولان السورية(يورام شفايتزر – دافيد سيمان طوف، مواجهة إسرائيل مع حزب الله بين الحرب السرّية والمعلنة ،معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب  INSS، مباط عال (نظرة عليا) 2/3/2015).

 ولا تشير التصورات الإسرائيلية المتعلقة بالمواجهة المقبلة مع حزب الله إلى وجود معالجة لإخفاقات وهزائم سابقة منيت بها المؤسستان السياسية والعسكرية في الجبهة الشمالية، ومنها سقوط نظرية الردع التي قد تمهد لسقوط نظرية نقل المعركة غلى أرض العدو. فواقع الحال يشير غلى تغير قواعد الاشتباك، وقد يصبح "العدو" في الداخل الإسرائيلي.

اعلى الصفحة