مماليك الخليج العربي: على من تتلو مزاميرك يا ظريف

السنة الخامسة عشر ـ العدد 174  ـ (شعبان ـ رمضان  1437 هـ ) ـ (حزيران 2016 م)

بقلم: جنان العلي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تمتلك مماليك الخليج العربية فلسفة وجود خاصة، ومرتكزات للسياسة الخارجية أيضاً خاصة، لا صلة لها بتاريخ العروبة والإسلام. كذلك الأمر في تطلعاتها وأهدافها. فكيف لا تصطف دول الخليج العربية، ومعها كل المنتفعين من البترو/دولار من دول عربية وإسلامية، خلفها صنفاً مرصوصاً أمام الخطر المزعوم الآتي من إيران؟.

إشارة إلى أن المقصود بدول الخليج العربية هي: السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، سلطنة عمان، قطر، الكويت.

ظروف ولادة الممالك الخليجية

بحسب اتفاقية سايكس بيكو في 16 أيار 1916 بين بريطانيا وفرنسا كانت حصة بريطانيا هي منطقة الخليج العربية (الجزء العربي منها) ومنذ العام 1820 وحتى انسحابها عام 1971، كانت بريطانيا هي القوة المهيمنة في منطقة الخليج.

ولمزيد من الدقة، فإن الاهتمام البريطاني بمنطقة الخليج بدأ منذ القرن السابع عشر بهدف تطوير المصالح التجارية ثم تحولت من النفوذ الاقتصادي إلى الهيمنة السياسية وخاصة على الجانب العربي من الخليج.

وعقب إبرام المعاهدة البحرية العامة سنة 1920 صدق الحكام العرب المحليون على معاهدات منحت الهيمنة البريطانية في المنطقة طابعاً رسمياً وقلصت من قدرة الحكام على التصرف بشكل مستقل دون الموافقة البريطانية، وسعت الأسر الحاكمة آنذاك للحصول على الحماية البريطانية كوسيلة لتأمين حكمهم وحماية بلدانهم.

عقب خمسينات القرن التاسع عشر صار للخليج حاكم بريطاني لقبه: المقيم السياسي في الخليج الفارسي.

وبالتوقيع على معاهدة الهدنة البحرية عام 1853 تنازل الحكام العرب رسمياً عن حقهم في شن الحروب البحرية في مقابل الحصول على حماية البريطانيين ضد التهديدات الخارجية الموجهة لحكمهم.

في القرن التاسع عشر صدق البريطانيون عدداً من الاتفاقيات الثنائية مع حكام المشيخات العرب منفردين، مما منح البريطانيين السيطرة على العلاقات الخارجية للحكام بالإضافة إلى مسؤولية الدفاع عنهم.

ولم يكن البريطانيون متساهلين أبداً إزاء تأمين مصالحهم، فكانوا يفجرون حصون وقصور الحكام العرب، إذا لم يلتزموا بالقدر الكافي بتأمين المصالح البريطانية.

بعد العام 1947 استقلت الهند، واستمرت الحكومة البريطانية بالمحافظة على النفوذ البريطاني في الخليج، واكتشف النفط مما أكسب الخليج أهمية جيو/إستراتيجية ولم تعد أهمية الجغرافيا بموقعه من الهند ذات قيمة.

وبين العام 1913 و1923 حصلت بريطانيا على تأكيدات من حكام الخليج يمنح امتيازات نفطية. وعلى الرغم من مغادرة بريطانيا منطقة الخليج عام 1971 إلا أنها احتفظت بقدر كبير من النفوذ واستمرت الصلات الوثيقة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين بريطانيا ودول الخليج العربية إلى يومنا هذا.

إذاً، فالاستعمار البريطاني منذ ما قبل القرن التاسع عشر أسس وعمق نفوذه في الممالك العربية في الخليج، فبنت ثقافتها على الولاء والتبعية للبريطانيين والانقياد وراءهم إلى حيث يريدون في السياسة الخارجية والاقتصادية والعسكرية، مقابل الحفاظ على حياة الحكام وبقاء عروشهم.

وإذا كان البذار بريطانياً رعته لعقود من الزمن تربيه على الخضوع والتبعية، فقد جاءت الولايات المتحدة الأمريكية لتكمل ما بدأته بريطانيا، ولتتعهد الممالك الهجينة بمزيد من الإخضاع والهيمنة.

وجاءت اتفاقية كوينسي عام 1945 تيمناً باسم السفينة الحربية التي تم على متنها اللقاء في البحيرات المرّة في مصر، بين الملك عبد العزيز بن سعود والرئيس الأمريكي روزفلت،ونصت على حماية الأمريكيين سلطة الملك من أي خطر داخلي أو خارجي مقابل استمرار تدفق النفط المكتشف حديثاً.

وكان الملك عبد العزيز بن سعود قد تعهد بمساعدة البريطانيين والأمريكيين بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مقابل أن تجعل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ابن سعود ملك ملوك العرب، وأن لا تشارك السعودية في أي حرب مقبلة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذا قام العرب بأي حرب لتحرير فلسطين،إضافة إلى تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بحماية العرش السعودي طالما أنه يؤدي وظيفة تجاه أميركا وإسرائيل .

عام 1957 سميت هذه العلاقة شراكة ودخلت مرحلة تحالف استراتيجي ازداد قوة وصلابة مع تعاقب الإدارات السعودية والأمريكية.

الوجود العسكري الأمريكي في الخليج

أولى ثمرات التصنيع البريطاني ثم الأمريكي لممالك الخليج العربية هي ضياع فلسطين. ثانيها: تحول ممالك الخليج العربية، إلى ثكنات عسكرية أمريكية ومدتها إلى مناطق عسكرية، مطاراتها ومرافقها تحولت إلى خدمة القواعد العسكرية الأمريكية.

نعم ما عاد خافياً على أحد أنه يوجد قواعد عسكرية أمريكية في الكويت والسعودية وقطر والبحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة والأردن.

فالبحرين: تعتبر منذ 4/1/1993 المقر العام للقوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأمريكية للمنطقة الوسطى من العالم الواقعة ما بين آسيا الوسطى والقرن الأفريقي.

وكان هناك سبعة مرافق عسكرية أمريكية في الخالص ( البحرين) وللأمريكيين حق استخدام مئة وعشرة مرافق عسكرية بحرينية حالياً.

وتقع معظم المراكز القيادية البحرية الأمريكية في العاصمة المنامة ويعتبر مطار البحرين الدولي منفذاً رئيسياً للحركة العسكرية الأمريكية.

أما قاعدة الشيخ عيسى الجوية فهي الحقل الجوي الرئيسي للأمريكيين في المنطقة، وتستضيف طائرات الاستطلاع والمخابرات الأمريكية بشكل أساسي.

قطر: أهم القواعد العسكرية الأمريكية تجدها في قطر، حيث توجد أهم بنية عسكرية أمريكية في كل المنطقة، وقد أنفقت قطر ما يزيد عن 400 مليون دولار لتحديث منطقة "العديد" حيث أقيمت قاعدة جوية مقابل الحماية العسكرية الأمريكية لقطر.

وفي قطر تجد "سنوبي" ليس الشخصية الكرتونية بالذات بل هو اسم مشّفر للنشاطات العسكرية في قطر، ضمن المعسكر، ويضم هذا المعسكر سنوبي:

- مطار الدوحة الدولي، قاعدة العديد الجوية، نقطة تخزين ذخيرة في قاعدة فالكون 87، ومحطة أم سعيد للدعم اللوجستي.

السعودية: وهي من أهم المراكز الأمريكية في الخليج: وللقوات الأمريكية الحق باستخدام 66 مرفق تابع للقوات المسلحة العسكرية (وحدة حال بينهم وبين الأمريكيين).

أما مقر القوات الأمريكية فهو قاعدة الأمير سلطان الجوية حيث طائرات التجسسU-2 ، وهناك قواعد في الظهران والرياض وخميس مشيط وتبوك والطائف.

ويقّسم الأمريكيون السعودية إلى 8 مناطق عسكرية هي:

1- المنطقة الشمالية الغربية (تبوك).

2- المنطقة الجنوبية (خميس مشيط).

3- المنطقة الغربية (جدة).

4- المنطقة الشرقية (الظهران).

5- المنطقة الوسطى (الرياض).

6- منطقة الطائف (مركز الطائف).

7- المنطقة المدينة (المدينة المنورة).

8- المنطقة الشمالية (حفر الباطن).

إلى تحول السعودية إلى مناطق عسكرية أمريكية، فإن في السعودية مدناً عسكرية أمريكية!. أولها مدينة الملك خالد العسكرية في الشمال (حفر الباطن). وهي أكبر المدن العسكرية في البلاد، ومن أكبر المدن العسكرية في العالم بلغت تكاليفها 18 مليار ريال، وتستوعب 50 ألف شخص، ومساحتها 2400 كلم2، تضم مقراً لأركان القوات المسلحة البحرية والبرية والجوية، وغرف عمليات تحت الأرض، مركزاً للقيادة العامة، ومدرسة لسلاح الهندسة، وتحميها أنظمة صواريخ وأسراب من الطائرات.

- مدينة الملك فيصل العسكرية في المنطقة الجنوبية (خميس مشيط).

- مدينة الملك عبد العزيز العسكرية في المنطقة الشمالية الغربية (تبوك).

- مدينة الملك فهد العسكرية في الظهران.

- مدينة أم الساهك العسكرية لقوات الدفاع الجوي.

وبالعودة إلى القواعد العسكرية، يكفي القول إن قاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران، وهي القاعدة الأم لجميع القواعد الأمريكية في الشرق والرابط الأساس بين القواعد الأمريكية في أوروبا وغرب آسيا، وقد أنشأها الجيش الأمريكي باتفاق مع الملك عبد العزيز ابن سعود ضمن شروط بين الطرفين أبرزها تعهد أمريكا حماية النظام السعودي من أي تهديد داخلي أو خارجي.

وهناك قاعدة الرياض الجوية في مدينة الرياض للطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والمحلية وطائرات التزود بالوقود وطائرات الأواكس ومنها انطلقت صواريخ الباتريوت في حرب الخليج الثانية.

وتجد في قاعدة حفر الباطن الجوية طائرات التجسس أف111 المتقدمة في أعمال التجسس.

وفي قرية النعيرية (شمال شرق) تمتد سلسلة من التلال على بعد 60 كيلو متر من الحدود، حيث تم حفر الكهوف في بطون المرتفعات لتموين الوقود والذخائر بأنواعها.

وفي السعودية تجد المطارات المدنية الواحد والعشرين، قد أضيفت إليها مدارج جديدة وتم تعديلها لمستقبل طائرات النقل العملاقة C-5 ، كما تم إنشاء مهابط إضافية في المنطقة الشرقية، وفي مدينة الملك خالد العسكرية بحفر الباطن، كذلك الأمر في مطارات القصيم وحائل وجدة ومطار الملك خالد ومطار الإحساء القيصوفة.

هذه فكرة موجزة وبأقل تفصيل عن واقع الاحتلال العسكري الأمريكي الذي ترضخ تحت نيره ممالك الخليج، وتحولت إلى ثكنات عسكرية وقواعد مجهزة بأحدث المعدات والأسلحة وينفق عليها حكام الخليج من مال المسلمين. هذا هو واقع علاقة ممالك الخليج بالولايات المتحدة الأمريكية!!.

ماذا عن إسرائيل؟

الاتصالات والعلاقات الخليجية العربية مع إسرائيل لها حكايا وفصول تظهر تباعاً وحسب توفر أذن الرقابة السياسية في البيت الأبيض، كما تظهر في تقارير الصحفيين الأمريكيين ومذكرات السفراء والسياسيين والصحفيين الصهاينة.

هذه الاتصالات تعود إلى زمن بعيد، حيث كان قد تم تأسيس قناة خلفية سعودية – إسرائيلية، عُهدت إلى الشيخ كما أدهم عندما كان مديراً للمخابرات العامة السعودية بين عامين 1965 و1979 قبل تولي تركي الفيصل هذا المنصب.

وقد نشر هيرش غودمان في صحيفة الجيروزاليم بوست في 12-10-1980 أن السعوديين كانوا يدركون أنه إذا تعرضت السعودية لأي تحرش من مصر في الأعوام 1967- 1973 أي قبل وفاة الرئيس جمل عبد الناصر الذي توفي العام 1970، فإن إسرائيل ستتدخل للدفاع عنهم لحماية المصالح الغربية.

ويذكر الباحث في معهد ترومان الكسندر بلاي، في مقالة له في مجلة جيروزاليم كوارترلي أن السعودية وإسرائيل قامتا ببناء علاقة متينة وكانتا على اتصال مستمر في أعقاب حدوث ثورة اليمن عام 1962 بهدف (ما أسماه الكاتب) منع عدوهما المشترك أي عبد الناصر، من تسجيل انتصار عسكري في الجزيرة العربية.

وفي لقاء لهذا الكاتب مع السفير الإسرائيلي السابق في لندن آهارون ريميز أخبره هذا الأخير أن الملك سعود والملك فيصل كانا على علاقة وطيدة مع إسرائيل وعلى اتصال وثيق معها.

ليس مستغرباً إذ ذاك، ما قاله الجنرال الأمريكي جورج كيفان رئيس مخابرات سلاح الجو الأمريكي في مؤتمر في واشنطن عام 1978 لدراسة التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

ماذا قال؟: "حدثت خلال 15 سنة المنصرمة ثلاث محاولات على الأقل للإطاحة بالعرش السعودي عن طريق اغتيال الملك، ونحن على دراية بأن المخابرات الإسرائيلية تدخلت وأحبطت محاولتين منها".

وفي هذا المشهد تظهر سلطنة عمان وقد وقعت اتفاقاً العام 1996 مع إسرائيل اتفاقاً يفتح بموجبه كل منهما مكاتب تمثيل تجارية ومثلها فعلت قطر في العام نفسه.

وللفاهم أن يفهم وللعاقل أن يعقل أنه ثمة تاريخ من الاتصال والتواصل بين العمانيين والإسرائيليين قبل أن يصبحوا جميعاً جاهزين لتوقيع اتفاق عمل وتمثيل متبادل وهذا ينطبق بلا أدنى شك على القطريين وغيرهم.

وفيما تتظاهر الكويت بالعداء لإسرائيل فإن لها وجهة نظر مختلفة في الاتصالات السرية ويلمح سايمون هندرسون (الكاتب الأمريكي) إلى الكويت باعتبارها الدولة التي يوجد فيها بعثة دبلوماسية إسرائيلية ولكن... سراً!

وفي شهر تشرين الثاني 2015 منحت الإمارات العربية المتحدة إسرائيل إذناً رسمياً لإقامة مكتب دبلوماسي في أبو ظبي تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فيما حرص مسؤولو الدولتين (إسرائيل  والإمارات) على التأكيد أن المكتب الجديد يهدف إلى "تسهيل" عضوية إسرائيل في الوكالة التي يقع مقرها الرئيسي في أبو ظبي.

ولو بحثت في وثائق سرية (كانت سرية) نشرها موقع ويكيليكس، لوجدت في برقية سرية أن مندوب وزارة الخارجية الإسرائيلية لشؤون الشرق الأوسط ياكوف حاداس، قد علل العلاقات السرية التي تقوم بها دول الخليج مع إسرائيل، بأنها نتاج لخوف دول الخليج من إيران، ولاعتقاد العرب بأن إسرائيل لها تأثير على واشنطن ولشعورهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستمع إليهم، لذا فهم يحاولون تمرير الرسائل لأمريكا عبر إسرائيل!. ولاحظ حاداس، أن العمانيين عادة ما يكونون منضبطين في علاقتهم مع إسرائيل، غير أنهم يختلفون عن بقية الدول الخليجية في أن مخاوفهم من إيران هي أقل حدة،معللاً ذلك بموقع عُمان الجغرافي.

والوثيقة تذكر أيضاً أن علاقة جيدة تربط وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني وأن الإمارات العربية أصبحت أكثر عداءً لإيران.

وعلق حاداس ساخراً على دوافع الخليجيين في إقامة علاقات مع إسرائيل: هم يعتقدون أن إسرائيل تستطيع أن تأتي بأفعال سحرية، وفيما يشكل البرنامج النووي الإيراني (برأي حاداس) مبعث قلق لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وحدهما، يشعر الخليجيون بالقلق حيال إيران لأسباب تاريخية وطائفية.

مصدر آخر تنبعث منه المعلومات التي كانت هي أيضاً سرية، هي وثائق بنما في جزئها الثاني، ونشرت في 9/5/2016 حيث تذكر أن الملك سلمان أودع 80 مليون دولار(من أموال الحج ونفط المسلمين) في حساب شركة فيرجن التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي تيدي ساغي وذلك لدعم حملة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو العام الماضي. الهلع السعودي والخليجي عموماً من إيران، يمكن أن يدفعهم إلى فعل أي شيء على الإطلاق.

فلا خوف لديهم من نووية العدو الإسرائيلي الغاصب، التي بدأت في وقت مبكر من الستينات من القرن الماضي، في حين أن برنامج إيران النووي السلمي (الذي تثّبت العالم من سلميته) يمكن أن يدفع حكام الخليج (الهلعين دائماً) إما إلى امتلاك أسلحة نووية، أو السماح بتمركز أسلحة نووية في منطقة الخليج لتكون بمثابة رادع للإيرانيين.

وهذا ما ورد في كلام مسؤول سعودي أمام رئيس الجهاز الأمريكي لمكافحة الإرهاب فرانسيس تاونسند، حيث أعرب المسؤول السعودي عن مخاوف سعودية من إطلاق إيران صواريخ سكود على منشآتها النفطية، وهو التهديد الأكثر خطورة برأيه، وأشار المسؤول السعودي (المطلع على ما يظهر!) أن هدف الإيرانيين هو المرافق السعودية في رأس تنورة والجبيل وربما القواعد الأمريكية في قطر والبحرين. ويذهب الخليجيون بعيداً عن إيران إلى"أمان إسرائيلي" فيزداد ارتماؤهم عند أعتاب دولة العدو الصهيوني، في خط موازٍ لشيطنة إيران في إعلامهم وسياساتهم وحشد الأكاذيب والافتراءات ضدها. ولا تخفي الصحف الإسرائيلية سراً مما يجري. فجريدة علهمشمار ذكرت في 30-9-1996 أن الحكومة السعودية ترتب زيارة رجال أعمال للتعاقد حول معدات تستعمل للري ( واللافت هنا، أنه عند قراءة مثل هذا الخبر، لك أن تطلق العنان لخيالك في تصور ما سبق هذا الترتيب وكيف يتم ومع من ومن قبل من!!).

صحيفة معاريف في 29-10-1993 ذكرت أن شركة سعودية اتصلت بمكاتب المجلس المحلي كرني شمرون وأبدت استعداداً لشراء شقق في المستوطنة.

فيما ذكرت صحيفة دافار في 1-2-1994 أنه يبدي رجال الأعمال السعوديون الذين يزورون إسرائيل، اهتماماً ببيع الغاز لها واهتماماً بالصناعات الزراعية واستغلال الإمكانات التجارية والسياحية الكامنة في البحر الأحمر الذي تشترك إسرائيل ومصر والأردن والسعودية في سواحله.

وتخبرنا صحيفة معاريف في 4-1-1995 تمت تسويق الحمضيات الإسرائيلية في السعودية عبر الأردن، ومن الأردن نحو الدول العربية الأخرى.

وهكذا فإن العلاقات الاقتصادية تنمو باستمرار وعلى درجة من الأهمية، وبأرقام مثيرة للدهشة (حسب تعبير الباحث الأمريكي هندرسون).

ويذكر السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية مايكل أورين، في كتابه: حليف، رحلتي عبر الانقسام الأمريكي، أنه من بين الامتيازات الخاصة بسفير إسرائيل لدى واشنطن، القدرة على لقاء شخصيات عربية ودبلوماسيين عرب بشكل غير رسمي وبعيداً عن الأنظار.

وشكا سفير خليجي مرة للكاتب هندرسون أن اورين (السفير الإسرائيلي) استمر في إرسال الدعوات إليه للمشاركة في احتفالات العيد الوطني الإسرائيلي!!..

والإسرائيليون يصّرحون عن مقاصد الخليجيين ومخاوفهم بحكم علاقات التواصل والجلسات والمؤتمرات المشتركة والزيارات المتبادلة، فمدير الأمن القومي الإسرائيلي إيلان مرزاحي يوضح (حسب مجلة ايكونوميست البريطانية) أن السعوديين قلقون مثلنا- مثل الصهاينة- من إيران وتنظيم الدولة، وهم خائفون من عدم التزام أمريكا بحمايتهم.

حسناً، كل هذا التواصل والتحاب والتعامل التجاري والاقتصادي والمكاشفة بين الإسرائيليين والخليجيين كأفراد من أسرة واحدة، لها عدو واحد وأهداف ومصالح مشتركة، كل هذا يجري ولم تفتح كبرى دول الخليج (أي السعودية) سفارة لها في كيان العدو، فمتى يحدث هذا يا ترى؟.

سؤال طرح على الجنرال المتقاعد في الجيش السعودي أنور عشقي (وهو رئيس مركز الشرق الأوسط في جدة للدراسات الإستراتيجية والقانونية والمستشار السابق للأمير بندر بن سلطان).

خلال مقابلة له مع قناة الجزيرة، وورد ذكره في تقرير نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الأربعاء في 27 نيسان 2016.

سئل: متى ستفتح السعودية سفارة لها في إسرائيل؟ فأجاب: عليك أن تسأل نتنياهو. وأضاف موضحاً إذا أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه يقبل المبادرة العربية المطروحة عام 2002، فالمملكة سوف تبدأ على الفور في إنشاء سفارة لها في تل أبيب.

إشارة إلى أن المبادرة العربية عام 2002، تدعو إلى حل الدولتين على أساس انسحاب إسرائيل إلى ما قبل حدود 1967 وجعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية في مقابل إقامة علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

لكن، وعلى الرغم من كل الارتماء الخليجي عند أعتاب العدو الإسرائيلي، يرفض نتنياهو أن يقدم لهم ولو عذراً أو خدمة بسيطة يتمنونها، فاعتبر أن المبادرة صارت غير مناسبة!!.. أمام هذه البانوراما السوداء من الاتصالات والعلاقات الخليجية- الإسرائيلية. ماذا تقول إيران؟ ماذا تفعل؟.

الرؤية الإيرانية للعلاقة بين دول الخليج العربية

مثل الأخ الأكبر، العاقل، المتزن بعيد النظر يؤلمه نزف أخيه وحماقاته المتكررة وقلة تبصره بالأمور.. يوبخه، ينهره، ولكن لا يؤذيه، ومن ثم يدعوه ليحاوره ويظهر له ما لديهما من أرضية مشتركة ومصالح مشتركة وأهداف مشتركة.

هذه مقاربة مبسطة لرسالة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف التي وجهها إلى العرب في 3-8-2015، داعياً إياهم إلى البحث عن آليات اجتثاث التوتر في المنطقة والحوار والتعاون لما فيه خير شعوب المنطقة، ففي رسالة الوزير ظريف:

- دعوة إلى تشكيل مجمع للحوار الإقليمي في المنطقة وفق أهداف مشتركة ومبادئ تعترف بها دول المنطقة أهمها:

• احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها.

• الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

• تسوية الخلافات سلمياً.

• منع التهديد أو استخدام القوة.

• السعي إلى السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة.

لكن ممالك الخليج تمعن في عسكرة بلدانها، وشيطنة الجمهورية الإسلامية في إيران، في وقت يتزايد تواصلها مع العدو الإسرائيلي وتأخذ " العلاقة الطبيعية" معه مختلف الأشكال والمجالات والمستويات.

- دعوة إلى تحقيق تفاهم أفضل لدراسة وتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف ومنع نشوء حروب مذهبية وطائفية، فيما تندفع ممالك الخليج بشكل مطرد، في إنفاق مليارات الدولارات للتسلح وتسليح الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تدمر بلاد المسلمين وتنشر الرعب والدمار في كل مكان.

- دعوة إلى تنويع أشكال التعاون العلمي والصناعي والتنموي وللارتقاء بمستوى العلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة لكن دول الخليج العربية، تجد إسرائيل أقرب إليها من إيران، فيسعى رجال أعمال سعوديون وخليجيون لإقامة علاقات وأعمال في المجالات الزراعية والسياحية والصناعية مع إسرائيل.

- تحدث الوزير ظريف عن قواسم مشتركة كثيرة مع العرب في الدين والثقافة والسياسة والجغرافيا، وهي مستلزمات لإقامة تعاون بنّاء ومفيد لجميع شعوب العالم، فيما تتمترس ممالك الخليج خلف القواعد العسكرية الأمريكية ولا تطلع من هناك قيد أنملة!!.

- دعوة إلى الاعتماد على النفس من قبل دول المنطقة لمعالجة جذور الأزمات في المنطقة، "وأن لا نعقد الآمال على أن يحل مشاكلنا من كان لهم الدور الأساس في خلقها". وهي إشارة إلى الأمريكيين بالذات، وهذا ما لا يقبل به حكام الخليج، ولا يسمحون بقوله ولا يتسامحون أبداً مع إيران لقولها هذا!!.

- نفي نظرية الهيمنة التي تشيعها ممالك الخليج عن إيران تجاه دول المنطقة، فنحن "إما رابحون معاً وإما خاسرون معاً" لأن المركب واحد والعدو واحد، لكن كل ما يفعله حكام الخليج يؤكد أن مركبهم مختلف، وإبحارهم وجهته مختلفة، وعدوهم مختلف.

- تقديم نظرية التعاون بين إخوة وأعضاء في أسرة واحدة ابتعدوا عن بعضهم.. وهذا الكلام في منتهى الحكمة والتعالي عن الحساسيات والإساءات.

- وهو ما لا يقدر حكام الخليج على استيعابه، بسبب برمجتهم النفسية في غرف الاستخبارات الأمريكية.

إنها ممالك صنعت وفق مواصفات المصالح الأمريكية والإسرائيلية وركبت أنظمتها هجينة في منطقة لها تاريخ طويل في مقارعة الاستكبار والظلم... هذه هي دول الخليج العربية... فعلى من تتلو مزاميرك يا ظريف؟ 

اعلى الصفحة