التمسك بالهوية وأثره في تحقيق الاستقلال والتقدم والنهوض

السنة الخامسة عشر ـ العدد 174  ـ (شعبان ـ رمضان  1437 هـ ) ـ (حزيران 2016 م)

بقلم: الدكتور الشيخ حسان عبد الله(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

انطلاقاً من العنوان "التمسك بالهوية وأثره في تحقيق الاستقلال والتقدم والنهوض" لا بد في البداية من تحديد ما هو المقصود بالهوية هنا. من الطبيعي أننا نتحدث عن الهوية الإسلامية لأن الهوية بشكل عام هي كل ما يميز أصحابها عن غيرهم..

وبالتالي فإن الهوية الإسلامية هي ما يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى وهي تتمظهر بمظاهر متعددة أهمها: العقيدة والشريعة والآداب والتاريخ والحضارة.

معالم الهوية الإسلامية

1- للمسلمين ميزة خاصة تميزهم عن سواهم وهي منظومة سلوكيات وقيم تجعل منهم في حال سيرهم على النهج القويم أمة واحدة. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(1).

2- الهوية الإسلامية صفة لكل المسلمين ولكنها أيضاً دعوة لغيرهم، فلا تقتصر عليهم بل تدعوهم إلى دعوة الغير إلى ما آمنوا به وتوصلوا إليه.

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(2).

3- الإسلام دين وسطي لا تطرف فيه وبالتالي يمكن أن يكون جاذباً للجميع من خلال هذه الوسطية لا منفراً من خلال التطرف.

" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"(3).

4- الإسلام دين العزة والكرامة وهذه العزة ينالها المسلم من خلال ارتباطه بالله لا استعباده من قبل البشر وهذا هو معنى الاستقلال الحقيقي والسيادة الحقيقية.

"الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً"(4).

والعزة تكون أيضاً بالممارسة الصحيحة للدعوة والتمتع بالأخلاق الحميدة.

﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾(5).

وما ورد عن الرسول (ص): ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله)).

5- المحافظة على العقيدة: لا يمكن على مستوى العقيدة أن تؤمن بغير دين الله كتسوية بينك وبين الآخر المتسلط وهذا ما حصل مع رسول الله (ص) عندما دُعي إلى دين خليط بين الوثنية والإسلام، فرفض الرسول ذلك ونزلت سورة:

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {الكافرون/1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {الكافرون/2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {الكافرون/3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {الكافرون/4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {الكافرون/5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {الكافرون/6}﴾.

وأيضاً على مستوى الأحكام فالإسلام منظومة متكاملة لا يمكن أن تلتزم بجانب منها وتترك الجانب الآخر.

قال عز وجل: ﴿... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾(6).

وهنا لا بد من التحدث عن رفض رسول الله (ص) الجلوس في بيته والتعبد لله، بل أعتبر أن تكليفه نشر الدين كما هو تكليفنا جميعاً، فلا تنفصل الدعوة عن حركة المؤمن وهي عنوان هويته الحقيقية.

لذلك عندما وجد أن إمكانية الدعوة غير متوفرة في مكة هاجر إلى مكان آخر يسهل فيه الدعوة، فكانت المدينة المنورة بنور رسول الله(ص) الملاذ الآمن ومنطلق الدعوة.

﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾(7).

وهنا لا بد من توضيح إشكالية مرتبطة بموضوعي الوطن والدين، فإذا كان حب الوطن من الإيمان إلا أن الحفاظ على العقيدة هو الأولى، وقد أوضح القرآن ذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُوراً﴾(8).

6- عدم التشبه بالآخرين في كل ما هو خارج عن الدين، وهنا يجب أن نعرف أن التقدم التقني في الغرب ليس ناتجاً عن المظاهر وإنما هو ناتج عن عملية تفكير معمقة وجهد، والبناء على ما توصل إليه من كان قبلهم ومنهم نحن المسلمون. وقد قال رسول الله (ص): ((ليس منا من تشبه بسنة غيرنا)).

محاولات الغرب للسيطرة على العالم الإسلامي

لقد حاول الغرب استعمارنا من خلال عناوين متعددة:

1- إبدال لغتنا بلغته (المغرب العربي كمثال).

2- فرض النظم والقوانين التي هي عنده على التي عندنا وللأسف فإن نظم الغرب تطورت وتغيرت، في حين إن الأنظمة التي فرضها علينا الانتداب البريطاني أو الفرنسي ما زالت هي هي.

3- تغريب مناهج التعليم.

4- تربية قيادات على منهجه من خلال إرساليات تبشيرية وجامعات أميركية ويسوعية وغيرها، خرَّجت لنا من سمي بقادة عالمنا الإسلامي وهم يمتلكون فكر الغرب ويؤمنون بتعاليمه.

5- تحريض المرأة على مخالفة تعاليم الإسلام تحت عنوان المساواة.

6- انتهاك القيم والمقدسات تحت عنوان حرية الرأي والتعبير والمعتقد، وهنا لا بد أن نقول أننا مع الحرية، ولكننا لسنا مع أن تتعدى الحرية على القيم والمقدسات وتصبح سبباً لتفكك المجتمع.

واجبنا كي نصل إلى تحقيق الاستقلال والنهوض

1- التمسك بتعاليم الإسلام وشريعته وآدابه وقيمه ومفاهيمه.

 ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(9).

2- نشر التعاليم والمفاهيم الإسلامية في أي مكان وصلنا إليه وأقمنا فيه.

    ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾(10).

3- اجتناب المشابهة الشكلية والذهاب للاستفادة التقنية العلمية.

4- قال(ص): ((لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضبًّ تبعتموه)).

5- مناصرة إقامة الشرع الإسلامي كمشروع حضاري فيه خلاص الناس أجمعين.

﴿قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾(11).

رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين(*)

هوامش

1 - {الأنبياء/92}

2- {الأعراف/158}

3- {البقرة/143}

4- {النساء/139}

5- {فاطر/10}

6- {البقرة/85}

7- {العنكبوت/56}

8- {النساء79/98/99}

9- {الأنعام/155}

10- {الحج/41}.

11- {الأعراف/129}

اعلى الصفحة