آل سعود بين البذخ والعدوان على اليمن

السنة الخامسة عشر ـ العدد 173 ـ  (رجب - شعبان 1437 هـ ) ـ (أيار 2016 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

قبل ربع قرن من الزمن، قال وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي اليماني: "من الغباء أن لا نستفيد من الدجاجة التي تبيض ذهبا، والتي هي دجاجتنا، ولكن ليس لكل العالم أن يشترك في الوليمة.

النفط الذي هو دجاجة آل سعود ذات البيض الذهبي يتم استخراجه من أراضى جزيرة العرب منذ سبعة عقود لصالح آل سعود الذين يمنعون شعبهم من المشاركة في وليمة النفط. ويتركونه خلف أبوابهم الموصدة بانتظار فتات موائدهم والفائض عن حاجاتهم بعد امتلاء جيوبهم وبطونهم بعوائد النفط.

يحق للمرء أن يتساءل، بعد هذه العقود الطويلة من استخراج النفط السعودي بصورة استنزافية، وبالحد الأقصى الذي يهدد الثروة الوطنية: ما الذي فعله آل سعود بثروة شعب الجزيرة العربية وأين ذهبت مئات المليارات من عائدات النفط. وكم كانت حصة الشعب من ثروته الوطنية؟.

في مملكة آل سعود، حيث يتسلط أبناء عبد العزيز وأحفاده على رقاب الشعب ومقدراته، يتم اقتسام عائدات النفط بين أفراد العائلة الحاكمة وشركة "أرامكو" الأمريكية، ويجري تبديد هذه العائدات على ترف وملذات أمراء آل سعود تنفق المليارات على بناء القصور وشراء المنتجعات في أوروبا و أمريكا لصالح الأمراء المتخمين من آل سعود، كما يتم إهدار مبالغ مضاعفة على مجون وفسق الأمراء وعلى موائد القمار في لاس فيغاس بينما تعاني الغالبية العظمى من أبناء شعب الجزيرة العربية من الفقر والجوع والأمية، وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

النفط، الذي كان ينبغي له أن يكون وسيلة فعالة لتطوير البلد وتنميته، وأداة لانتشال شعب الجزيرة من ظروف الفقر والتخلف. وهذا النفط نفسه، تحول على أيدي أبناء عبد العزيز آل سعود إلى وسيلة إضافية لقمع شعب الجزيرة وتكريس فقره وحرمانه ومنع تطويره. فالقسم الأكبر من هذا النفط يجري استخدامه لشراء المزيد من الأسلحة وأنظمة الرقابة ووسائط القمع والتعذيب لأجهزة الأمن السعودية، التي بات همها الوحيد تشديد الرقابة والقيود السياسية والإدارية على الشعب ومنعه من حقه في التعبير عن رغباته وتطلعاته المشروعة، وحرمانه من حقه الطبيعي في المشاركة السياسية وفي الاستفادة من ثرواته الوطنية الهائلة.

السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، وصاحبة أكبر احتياطي نفطي على وجه الكرة الأرضية، لا زال مئات الألوف من مواطنيها يعيشون حياة الفقر والبداوة والأمية، بعيداً عن مظاهر الثراء الفاحش والتخمة وأنماط الحياة الغربية التي يعيشها أمراء آل سعود وحلفاؤهم وزعماء القبائل الموالية ومن رجال الأعمال الوكلاء لآل سعود.

ففي مقابل القصور الفاخرة والسيارات الحديثة ووسائل الراحة والرفاهية العصرية التي يغرق فيها آل سعود وأعوانهم، ثمة بيوت من الصفيح وأكواخ طينية ضيقة موزعة على هوامش المدن الكبرى، وعلى أطراف الصحراء القاحلة، حيث ينحشر فيها مئات الألوف من أبناء شعب جزيرة العرب الذين يعيشون خارج العصر النفطي، في ظروف إنسانية صعبة يندى لها الجبين.

ولا يكتفي آل سعود بتبديد ثروة الوطن على أهوائهم وملذاتهم، بل يوظفون قسما كبيرا من هذه الأموال في شراء الذمم والولاء لنظام حكمهم القبلي وكذلك في حبك الدسائس والمؤامرات ضد القوى التقدمية في العالم العربي والإسلامي، ولشراء رضى السيد الأمريكي، حيث توجد مئات المليارات من عوائد النفط بصفة ودائع طويلة الأجل وبلا فوائد في بنوك الولايات المتحدة مقابل تأمين الحماية الأمنية والسياسية لنظام آل سعود.

نعم. كان النفط ولا يزال، هو الدجاجة التي تبيض ذهبا، كما قال زكي اليماني ولكن السؤال: أين يذهب البيض الذهبي، ومن المستفيد من هذه الوليمة؟؟

الملك السعودي يبدد ثروات شعبه

يواصل حكام السعودية تبذير أموال الشعب السعودي (والشعوب العربية) في البذخ والرحلات المكلفة، إذ بلغت تكاليف رحلة استجمام الملك في فرنسا والمغرب نصف مليار دولار (ما يزيد عن حاجة مخيم فلسطيني كبير لمدة سنة كاملة)، وشراء العقارات في عواصم أوروبا وتكديس السلاح الذي يوجهونه نحو البلدان العربية، رغم انخفاض سعر النفط منذ أكثر من سنة بمعدل ٥٠% أي انخفاض الإيرادات.

مواطن سعودي يعرض إحدى كليته للبيع لسداد الديون المترتبة عليه. خبر انتشر في الإعلام منذ حوالي سنة، ولعل وضع هذا الرجل يعبر عن فقر يعانيه ملايين السعوديين مقابل بذخ كبير تعيشه العائلة المالكة في السعودية، حيث تشير دراسات سعودية تعود لعام ٢٠١٤ إلى تقديرات بأن ٢٠% من السعوديين البالغ عددهم ١٧ مليون نسمة تقريبا يعيشون تحت خط الفقر، إضافة إلى وجود أكثر من ٧٥% من مواطني الدولة السعودية مدينين في قروض استهلاكية طويلة الأجل.

في المقابل، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية بالأرقام البذخ القياسي في زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لتركيا خلال مشاركته في القمة الإسلامية، وأوضحت الصحيفة أن فريقاً مكوناً من ٣٠٠ أمني سعودي سبق الملك سلمان إلى أنقرة للتحضير لوصوله، مشيرة إلى أن الوفد حجز جميع غرف فندق (دجي دبليو ماريوت) فندق خمس نجوم، لافتة إلى أن الجناح الخاص بالملك بلغت مساحته ٤٥٠ متراً مربعاً جرت تغطية نوافذه بزجاج مضاد للرصاص ورممت جدرانه بالإسمنت المقاوم للانفجار بتكلفة بلغت ١٠ ملايين دولار.

الغارديان تحدثت عن تخصيص ٥٠٠ سيارة فاخرة من جميع أنحاء تركيا لنقل الوفد المرافق للملك، حيث اصطف طابور طويل من سيارات المرسيدس السوداء، وما وصفته بـ"الجيش الصغير من السائقين" بانتظار الأوامر للتحرك، مضيفة أن المتعلقات الشخصية للملك سلمان من الملابس والمواد الغذائية نقلت إلى أنقرة عبر أسطول من طائرات الشحن.

البذخ وجنون العظمة لم يتوقفا عند الجانب السعودي، حيث أعدت أنقرة استقبالاً أسطورياً للملك قبل قمة ثنائية مع أردوغان عقدت قبل يوم على موعد القمة، حيث رافقت فصيلة خيول سيارة الملك سلمان حتى وصوله إلى مدخل المجمع الرئاسي الفخم والمثير للجدل في العاصمة التركية.

الفساد يستشري في نظام آل سعود

تزامناً مع سياسة التقشف الجديدة التي أمر الملك السعودي بتطبيقها داخل المملكة، كشفت مصادر سعودية متعددة حجم السرقات والنهب التي يتبعها أمراء آل السعود كنهج متوارث داخل الأسرة الحاكمة، تمثلت بالإعلان من داخل النظام السعودي نفسه عن أرقام خيالية لحجم الهدر في الخزينة العامة والتي تمت بدون وجود سندات رسمية أو غطاء شرعي، بالإضافة إلى عمليات النهب الكبيرة للمال العام وبذخ خيالي يصرف على لإرضاء النساء وشراء القصور الفاخرة.

حيث سارع المغرد السعودي الشهير باسم "مجتهد"، والذي عادةً ما تستحوذ تغريداته على اهتمام المواطنين السعوديين، وحتى المراقبين الدبلوماسيين، لما تضمنته من معلومات هامة ودقيقة، حول ما يجري في أوساط الأسرة وأهل الحكم لا يعرفها إلا من كان بداخلها، إلى فضح الفساد المالي الكبير لملوك وأمراء آل سعود، حيث نشر مجموعة من التغريدات فضح هذه المرة وليّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحجم فساده المالي، واستغلاله لمنصبه لنهب أموال الشعب السعودي وصرفها على ملذاته الشخصية.

كشف مجتهد في تغريداته الجديدة عن يوميات وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان الذي نهب أموال الشعب السعودي ليصرفها على الهوى والمجون، إذ قال إنه اشترى قبل فترة لزوجته الجديدة على حساب المالية قصراً بقيمة ٣٠٠ مليون ريال في حي النخيل بالرياض، مضيفاً أن القصر يملكه عبد الله بن مشبب (صديق سلطان بن عبد العزيز) وقيمته لا تزيد عن ١٥٠ مليون، غير أن بن سلمان أراد أن يكافئ بن مشبب لأنه "صديق قديم".

علّق مجتهد على هذا الأمر بالقول: "نعم يشتري بن سلمان لزوجته قصراً بـ ٣٠٠ مليون ويزيد السعر للضعف مكافأة لصديق قديم في الوقت الذي يفرض على الوطن سلسلة إجراءات تقشفية قاسية".

ليس بعيداً عن أجواء النهب والسرقة داخل العائلة السعودية، كشفت صحيفة عكاظ  السعودية عن تقرير ديوان المراقبة العامة في المملكة، والذي أظهر وجود هدر في الخزينة بقيمة ٤١ ملياراً و٩٨٠ مليون ريال لعام ٢٠١٤، دون وجود سند نظامي، في تقرير اعتبرها البعض شاهد إضافي عن حجم الفساد المستشري في المملكة وإن كان هذه المرة باعتراف وسائل إعلام النظام السعودي نفسه.

حيث أكدت الصحيفة أن تكلفة المشاريع في المملكة بلغت المليارات وحجم الخسائر التي تتكبدها المؤسسات كبير جداً نتيجة عدم جودة تنفيذ تلك المشاريع أو تعطيل إكمال تنفيذها والتي تقدر بالمليارات أيضاً.

وذهبت الصحيفة في تقريرها إلى الإشارة بأن الهدر في الميزانية العامة والذي بلغ ٤١ ملياراً و٩٨٠ مليون ريال خلال العام ٢٠١٤ تم بدون وجه حق وسند نظامي أو تم التراخي في تفعيل إجراءات تحصيلها من الجهات المختصة، "وهو مبلغ لا يمكن لنا أن نتخيل حجمه إلا إذا تصورنا أننا فقدنا عددا من المستشفيات والمدارس والطرقات والجسور التي كان من الممكن إنفاقه على تشييدها "، بحسب الصحيفة السعودية.

في ظل زيادة العجز في الميزانية العامة، والتي شملت في خطوطها العريضة تخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والماء وبعض السلع الأساسية الأخرى، وربما إلغائه كليا، ودراسة إمكانية فرض ضرائب على الدخل والتحويلات الخارجية بالنسبة إلى الأجانب، وزيادة بعض الرسوم على تجديد الإقامات ورخص القيادة والخدمات البيروقراطية الرسمية الأخرى، يجد المواطن السعودي أمام سؤال جوهري..هل ستطال سياسة التقشف الجديدة مصاريف الأمراء ومشاريعهم الشخصية والنسائية أم أن الملك أمر بإتباع سياسة التقشف على المواطنين فقط؟

عام على العدوان السعودي على اليمن

تفاجأ الشارع العربي ونخبه السياسية بتاريخ ٢٦ آذار ٢٠١٥ بإعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ومن واشنطن بدء حملة الحزم، وهي الحملة العسكرية للتحالف العربي ضد أعداء الشرعية في اليمن، كما تسمّى، لتطهير اليمن من اليمنيين الانقلابيين الحوثيين، حسب تعبير السعودية، وأنصارهم الذين يشكلون خطراً على الأمن اليمني والعربي، فجاءت هذه الحملة لإعادة هادي إلى منصبه المسلوب من قبل أعداء استقرار اليمن، ولا يهم ما سيحدث بعدها المهم إرجاع حليف الخليجيين والعروبة إلى عرينه في صنعاء.

المشهد الذي رأيناه جميعاً قبل سنة من الآن من التجهيزات العسكرية والحشد الاستعراضي الإعلامي، وبيان بأرقام كل دولة بعدد طائراتها الحربية التي سوف تقصف اليمن واستهداف مقار الحوثيين كما يزعمون، كان يبعث على الحيرة وكثير من التساؤلات، هل أصبح الحوثيون وأنصارهم خطراً على الأمن الإقليمي العربي، كما يزعمون؟ وهل حركتهم من أجل الشراكة الوطنية في إدارة شؤون اليمن، والخروج باليمن من الوصاية لأي دولة كانت هو تهديد للأمن القومي العربي؟ إنها أسئلة محيّرة فعلاً لم تجد إجابة من قبل هذا الحلف إلا عن طريق القنابل والصواريخ التي استهدفت طوال عام كامل الإنسان اليمني والبنى التحتية اليمنية. إنها حرب جاءت لتكسر الثورة اليمنية، لأن الثورة كان عنوانها لا لأي هيمنة على اليمن وإن اليمن لجميع اليمنيين بكافة مكوناتهم وأطيافهم الوطنية، ولن تكون اليمن بعد اليوم حديقة خلفيةً لأي دولة مهما كان حجمها.

عام على الحرب في اليمن والمشهد اليوم لم يتغيّر كثيراً عن ذي قبل، فما زالت طائرات التحالف العربي ضد الحوثيين وأنصارهم تخترق سماء اليمن وتقصف أرضه وإن كان التغيّر البارز هو انخفاض عدد الدول التي بدأت حملة الحزم وبعدها الأمل وأصبحت القوة الكبرى لهذا الحلف تتركّز في دولتين أو ثلاث، وانتهت تلك الهالة الإعلامية التي صاحبت الحملة العسكرية في بدايتها وبأنها جاءت لتحقق الوحدة العربية، والكرامة العربية وكلمات طنانة أخرى سمعناها لكنها اختفت وتبخّرت، بعد أن أدركت دول كثيرة أن هذه الحملة تسببت بمآسي للشعب اليمني وأن الدمار لحق بكل جزء في اليمن وليس بجغرافية معينة يوجد فيها أعداء حملة الحزم فقط، وأنها كذلك تسبّبت بظهور الدواعش والقاعديين، إن صحّ التعبير في جنوب اليمن.

عام على حرب اليمن ومن بدأها بشّر بأنها حرب خاطفة سريعة ستعيد الأمور في اليمن إلى نصابها، وستلجم مخالفيها وتعيدهم إلى جحورهم في جبال صعدة وعمران. فقد أخذت الموافقة الأمريكية وما الإعلان عن الحملة في واشنطن إلا إشارة إلى أن أمريكا معنا وتبارك هذا التحرك العربي ضد دولة عربية. ولكن الحرب لم تكن خاطفة وسريعة، كما توقعها قادة حملة الحزم وتقديراتهم كانت خاطئة، والدليل أن الحرب التي كانت مقدرة لها بفترة زمنية لا تتجاوز الشهر الواحد تكمل عامها الأول وتدخل العام الثاني، فقد نقل عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في مقابلة له في قناة فوكس الأمريكية أنه قال "أخطأنا بترك السعودية تهاجم اليمن وكان علينا ألا نصدق وعودهم، فقد أكد لنا سلمان وابنه أن الحرب على اليمن لن تستمر ١٠ أيام وأن الجيش السعودي قادر على دخول صنعاء بعد اليوم السابع من بدء الهجوم والنتيجة كارثية، وكانت بعد ٤١ يوماً من القصف سمعنا صراخ حلفائنا السعوديين يطلبون النجدة، لأن اليمنيين خلقوا مفاجأة لم يتصوّرها أحد بالداخل اليمني وعلى الحدود دخلوا مدناً سعودية وقتلوا الجنود السعوديين وصادروا أسلحة سعودية، على الرغم من أننا قدمنا دعماً كبيراً عسكرياً ولوجستياً للسعوديين وخطأنا أننا راهنّا على جيش ضعيف ووزير دفاع ليس لديه فكرة عن كلمة حرب".

عام على حرب اليمن، والنتائج لم تكن كما وعد قادة "الحزم والأمل"، فالرئيس هادي ما زال يتنقل بين عدن والرياض والأهداف التي رسمت للحملة لم تتحقق بعد، فلا الرئيس هادي رجع إلى السلطة ولا عدن أصبحت بديل صنعاء ومنطلقاً لتحرير الشمال، كما كان يروّج في إعلام حملة الحزم.

عام على حرب اليمن، ومن نتائجها التغير الكبير في الساحة السياسية والعسكرية في الجنوب اليمني، فبعد خلو الساحة الجنوبية من الجيش اليمني واللجان الشعبية ومَن كان معهم من الجنوبيين، ها هي اليوم عدن الجنوب ترفع فيها أعلام داعش والقاعدة، والتي يعلم الغرب وحلفاؤه بأنها تحمل أجندات معروفة التوجه وهي خطر كبير على السلم الأهلي في اليمن جنوبه وشماله، وعلى مصالحهم في الخليج.

العدوان السعودي على اليمن وخيبة الأمل

من "عاصفة الحزم" إلى "إعادة الأمل"، تعددت مسميات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن والهدف واحد، تدمير الدولة اليمنية بشعبها ومقدراتها وبناها التحتية ومرافقها الحيوية، فآلاف الغارات على المدن والمحافظات اليمنية لم ترتق إلى مستوى ما تحمل من عناوين " الحزم والأمل " وما بينهما من أحلام بذل ملوك الحرب والدمار جهودا مضنية لتحقيقها على مدى عام ونيف، مما دفع إلى استبدال الإخفاق الميداني بارتكاب مجازر وحشية بحق المدنيين والأبرياء. إن ما أقدمت عليه السعودية في اليمن لم تحقق منه إلا الخيبة، فالأمن في السعودية لن يتحقق ما لم يتحقق الأمن في اليمن.

من المنظور العسكري، أثبت عتو الرياح اليمنية تفوقه على ما سمي ب " عاصفة الحزم " و " إعادة الأمل "، فبعد مضي أكثر من عام على العدوان، لم يحصد النظام السعودي سوى الخيبات المتتالية دون أن يسعفه الحظ في تحقيق العناوين التي رفعها ضد اليمن وشعبه.

في غضون ذلك، أطلق السيناتور الأمريكي كريس ميرفي من الحزب الديمقراطي مبادرة جديدة لمنع تصدير الأسلحة إلى المملكة السعودية، بعد الدمار الهائل الذي خلفته الرياض في حربها على اليمن، على حد تعبيره.

تقول صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية إن مجلس الشيوخ لم يتخذ أي قرار تصويت لمنع مبيعات الأسلحة إلى حليفة الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود. لكن جهود ميرفي تأتي وسط تذمر  بعض المشرعين الأمريكيين الذين يرون أن تصدير الأسلحة إلى المملكة يضر بمصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. تشير الصحيفة إلى أن صدى الإحباط وصل إلى البيت الأبيض، حيث أعرب الرئيس باراك أوباما عن إحباطه من سلوك وتصرفات السعودية في الشرق الأوسط ، حيث وصف العلاقة بين واشنطن والرياض مؤخرا في لقائه مع صحيفة الأتلانتك بأنها " معقدة ".

في حديث السيناتور كريس ميرفي لصحيفة الواشنطن بوست اعترف شخصيا أنه مدرك لعدم قدرته على حشد تأييد عدد كبير من أقرانه في مجلس الشيوخ أو داخل إدارة الرئيس أوباما. في حديث السيناتور المذكور لنفس الصحيفة، شكا من أن الحملات العسكرية السعودية في اليمن، التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية بأسلحتها، قد تضر المصالح الأمريكية وتعزز الجماعات الإرهابية التي " لطالما خضنا حربا معها " على حد تعبيره.

النظام السعودي والحسابات الساذجة

على الرغم من المآزق الكثيرة التي وضع النظام السعودي نفسه فيها، يبدو أنه مازال يسعى للانتقال من جبهة إلى أخرى أملاً بتحقيق نصرٍ ما ولو وهمياً يعيده لاعباً مؤثراً في الساحة العربية والإقليمية.

فالنظام السعودي الذي اعتمد منذ تأسيسه أسلوب القوة الناعمة عبر دفع أنظمة وقوى سياسية ودينية متطرفة إلى خوض معاركه بدلاً منه ليتدخل لاحقاً كأحد عرّابي التسويات ضامناً لنفسه حصته ونفوذه فيها، اضطر مع بلوغ المفاوضات النووية الإيرانية-الغربية نهاياتها الإيجابية بالتزامن مع صمود الدولة في سوريا، إلى انتهاج أسلوب جديد قائم على الخشونة الإجرامية في الموقع الذي كان يعتقد أنه الأسهل عملانياً لأنه الأقرب جغرافياً: اليمن.

اعتقد "المحافظون الجُدد" في العائلة المالكة السعودية أن السيطرة على اليمن وبالأخص منه ممر باب المندب الإستراتيجي كإضافة جيو/سياسية إلى مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يسمح للرياض بالاستحواذ على إقليم بكامله ويوفر لها مقعدا فاعلا على طاولة التسويات الدولية المفترضة في حال نضوجها. لكن المفاجآت الميدانية التي رسخها صمود الشعب اليمني وجيشه وقواه الشعبية الحية حوّلت الاعتقاد السعودي إلى معاناة عسكرية وسياسية حادة، والأهم أنها استنزفت مقدرات هذا النظام الاقتصادية والمالية كافة، والأكثر أهمية أنها أظهرت مدى هشاشة البنية القتالية للجيش السعودي ومرتزقته، إضافة إلى التخبط القيادي الذي تعيشه هذه العائلة منذ سيطرة هؤلاء المحافظين على مفاصل قرارها.

في هذا الإطار، تؤكد مراجع دبلوماسية غربية أن القيادة السعودية فاتحت بعض رعاتها الدوليين برغبتها في إيجاد تسوية سياسية مقبولة للأزمة في اليمن تحفظ لها بعضاً من نفوذها المتبقي على الرغم من إشارتها إلى إمكانية التخلي عن دعمها للرئيس المنتهي الصلاحية والفاقد للشرعية الانتخابية عبد ربه منصور هادي كضحية أولى على مذبح التنازلات السعودية مقابل التوصل إلى إخراج سياسي لائق يحفظ ماء وجه وزير الدفاع محمد بن سلمان ويجنبه تحمل مسؤولية تداعيات إغراق بلاده وأهلها في هذا المستنقع الدموي الخطير.

لكن هذه المراجع ترى أن الرغبة السعودية المفاجئة التي يمكن تفسيرها وفق القراءة الواردة آنفا، يمكن أيضاً قراءة ما بين سطورها التي تخفي نيات مبيتة نتيجة قيام النظام السعودي بمراجعة جديدة أفضت إلى معادلة مفادها أن إيقاف الحرب في اليمن والتفرغ لها في ما تسميه "الجبهة الشرقية" أي سوريا سيوفر للرياض فرصة إقليمية سياسية وميدانية جديدة عبر بوابة التحالف مع تركيا يمكن أن تعيدها إلى ساحة الأقوياء في المنطقة وترمم التشوه السياسي والأخلاقي الذي أصاب وجهها نتيجة عدوانها الإجرامي على الشعب اليمني.

تبدو حسابات النظام السعودي الأحادية ساذجة، ذلك أنه لا يكفي لإنجاز أي تسوية رغبة أحد طرفيها وإن كان المعتدي بل يستلزم قبول الطرف الآخر بها والأهم بالتنازلات التي سيقدمها هذا المعتدي، والأعمق من ذلك كله تناسب التوقيت مع مواعيد الحلول والتسويات التي تحددها موازين قوى إقليمية ودولية صارت السعودية في آخر سُلَمِها، إضافة إلى المصلحة التي يقتضيها مبدأ الحفاظ على وحدة المسارات في جبهات محور المقاومة الذي يفترض عدم إراحة العدو أو على الأقل عدم تمكينه من نقل معاركه إلى المواقع التي تمكنه من تحسين شروط حضوره ونفوذه في المنطقة. 

اعلى الصفحة