|
|||||
|
جذور معاداة الإسلام في الغرب
الكتاب الذي بين أيدينا للباحث والصحفي المغربي محمد رضوان الذي ينطلق من قناعة ثابتة مفادها أن الإسلام كان طيلة قرون وما يزال، ضحية نظرة سلبية للثقافة الغربية، تتباين أشكالها ومظاهرها، وتتنوع تبعا لها التمثلات الذهنية عن الشرق الإسلامي والحضارة الإسلامية... لكنه تباين بعيد عن الاختلاف، تباين فقط في درجات العداء قوة وضعفاً. في الفصل الأول، يتتبع المؤلف جذور العلاقة بين الإسلام والمسيحية، والتي بدأت أولى فصولها بانطلاق الدعوة الإسلامية، مع فصل أول مضيء، تمثل في احتماء المسلمين المستضعفين بالنجاشي، ملك الحبشة النصراني.. فعلى امتداد قرون من الزمان، عرف تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب المسيحي، فصولا من التفاعل الديني والفكري والثقافي والاجتماعي.. وهو تفاعل كانت له بعض الصور الإيجابية بالنسبة للطرفين معاً، خصوصا استفادة أوروبا من الحضارة الإسلامية في تحقيق نهضتها العلمية، لكن أبرز فصول هذه العلاقة اتسم بصراع شديد لم ينقطع إلى اليوم. ويعمد المؤلف إلى رسم خطوط هذه العلاقة بشيء من التفصيل، فيبدأ باستجلاء صورة الإسلام في اللاهوت المسيحي الجدلي، من خلال عرض الموقف الرسمي للكنيسة من الإسلام، وجذور هذا الموقف التي تعود إلى المناظرات العديدة التي جمعت بين علماء المسلمين، ورجال الدين المسيحيين، من خلال سرد العديد من الأمثلة على جهود العلماء والمفكرين المسلمين عبر التاريخ، في الرد على الأباطيل التي روجها المعادون للإسلام من أتباع الكنيسة المسيحية وغيرهم... مع التنبيه إلى كون التيار الديني والفكري المعادي للإسلام في الثقافة الغربية، بدا وكأنه يتقوى تدريجياً مع مرور الوقت. ثم ينتقل المؤلف إلى رسم ملامح الإسلام كما تمثلت في التراث الأوروبي، والتي تأسست على تلك الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين ونبي الإسلام عليه السلام، كما شكلتها الكنيسة المسيحية في أوروبا خلال القرون الوسطى وروجت لها. وهذه الصورة السلبية أسرت عموم الناس كما أسرت مثقفيهم، كما حرصت الكنيسة على ثني الناس عن الاطلاع على حقيقة الإسلام، وهو ما جعل الكثير من النصوص الإبداعية الأوروبية التي صدرت في العصر الوسيط، تعكس تلك الصورة المشوهة عن الإسلام، وهي الصورة التي كرسها المؤلفون إتباعاً للكنيسة وتعاليمها، أو فقط لجهلهم بحقيقة الإسلام. وفي الفصل الثاني من الكتاب، المعنون بـ:"الشرق الإسلامي والغرب المسيحي بين المواجهة والحوار"، يعتبر المؤلف أن الشرق ظل منذ ظهور العالم الإسلامي في مركز اهتمام الغرب المسيحي، لذا فإن الاستشراق يمثل قناة للتفاعل الثقافي والفكري بين الغرب والشرق، وجزءا من السلطة المعرفية التي يسعى الغرب بواسطتها إلى تشكيل صورة الشرق وإخضاعه لمفهومه ورؤيته.. وتاريخ العلاقات بين العالمين الشرقي والغربي حافل بأشكال من التفاعل والاحتكاك والصراع، بدافع الاحتواء والسيطرة، خاصة من جهة الغرب نحو الشرق. ومن أبرز تجليات هذا الأمر الحروب الصليبية، التي وإن انطلقت من دعوة دينية مسيحية حاقدة على الإسلام والمسلمين، فأراقت أنهارا من الدماء؛ فإنها ستتحول، بما أتاحته من فرص التدافع والاحتكاك بين الحضارتين، إلى واحدة من أسباب انتشار الإسلام بالعالم المسيحي، والاهتمام بثقافته وحضارته وتاريخه في المجتمعات الأوروبية ودوائرها العلمية والجامعية وحتى في بعض مؤسساتها الدينية... ويتابع المؤلف تتبع هذا التفاعل بين الحضارتين، ليصل إلى مرحلة الحركة الاستعمارية، والتي يعتبرها امتدادا للحروب الصليبية، على الرغم من بعض الاختلافات بين الموجتين. وفي الفصل الثالث: "العالم الإسلامي بين صدام الحضارات وحوار الثقافات والأديان"، يبين المؤلف كيف انشغل الغرب نسبياً عن العالم الإسلامي بأحداث الحربين العالميتين، والحرب الباردة بعدهما؛ لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وصعود القطب الأمريكي، سيجد العالم الإسلامي نفسه في قلب ترتيبات المرحلة الجديدة. في هذه الأجواء ستظهر أطروحة صدام الحضارات للأمريكي صمويل هانتينغتون التي أثارت نقاشا دوليا حادا وردود فعل قوية. تلك هي الأطروحة التي ناقشها المؤلف، كما ناقش تداعياتها على العالم الإسلامي، من خلال ارتباطها بالعديد من الأحداث الدولية والعربية، انتهاء بأحداث 11 سبتمبر، التي تفجرت فيها المشاعر وتكشفت فيها المواقف والرؤى ذات الخلفيات والأبعاد التاريخية والدينية والحضارية بين الغرب والعالم الإسلامي... وهي الأحداث التي ستدفع الغرب إلى سن سياسات دبلوماسية وأمنية جديدة، عنوانها الأبرز الحرب على الإرهاب. هذا على الرغم من أن السيناريو الأمريكي الرسمي لأحداث 11 سبتمبر، تعرض لكثير من التشكيك والنقد، من قبل الغربيين أنفسهم، مما قد يحول تلك الأحداث إلى مؤامرة ضد العالم الإسلامي. وعموماً، يعتبر الغرب الإسلام خطراً محدقاً، لأنه يتعارض مع قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان؛ وحتى المعتدلون من الغربيين، الذين يميزون بين إسلام أصولي متشدد، وإسلام معتدل يقبل قيم الحداثة، يعتبرون أن العالم يشهد صعود الإسلام الأصولي. لكن مع ذلك، لا تخفى الأصوات التي تنادي إلى حوار الثقافات والأديان، بديلاً عن صدام الحضارات، وهو حوار كفيل بدرء العديد من الشبهات الغربية نحو الثقافة الإسلامية. أما آخر فصول الكتاب، والذي يحمل عنوان: "ثقافة الإقصاء والغلو الفكري ضد الإسلام في الغرب"، فيستعرض بعض المؤلفات الغربية التي تتعرض للعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، وهي العلاقة التي تؤطرها تلك الكتابات في مجال الصدام والصراع. ويختم المؤلف بمحاولة استشراف مستقبل الإسلام في الغرب في وقت موسوم بقلق الإنسان المعاصر، نتيجة تناقضات الحياة المعاصرة، والتي رغم التطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي تعرفه، إلا أنها تعرف العديد من المظاهر السلبية مثل استمرار الحروب والمجاعات والأمراض الفتاكة والاضطرابات النفسية والروحية... لذا تبرز الحاجة إلى الإسلام كبديل حضاري مفعم بالإيمان والحكمة والسكينة؛ وهذا ما تبرزه الإحصاءات التي تعكس تضاعف أعداد المساجد والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة، وتزايد أعداد معتنقي الإسلام بها. ما يعكس النتيجة العكسية للحملات المغرضة ضد الإسلام، إذ كلما استعرت حدة هذه الحملات، إلا وتزايد الإقبال على معرفة الإسلام والاطلاع عليه. وفي الأخير، يغلق المؤلف دفتي الكتاب، وهو يفتح باباً للأمل: فهو يقر أن الصراع بين الغرب والإسلام، هو مجرد أطروحة افتعلها الفكر الغربي اللاهوتي، لذا فالتعايش الثقافي والتفاعل الحضاري السلمي ممكن بين الحضارتين.
|
||||