|
|||||||
|
صحيح أن الإعلام بالأصل أمر ضروري لما فيه من فوائد للمجتمع الإنساني، لكن اليوم يستفاد منه بشكل سلبي. حيث بات سلاحاً فعالاً بيد القوى الكبرى المهيمنة التي تمتلك إمكانات غير عادية توظفها في الإعلام من خلال رسائله المختلفة لتحقيق غاياته وأهدافه. وبما أن الهجمة الشرسة على المجتمعات الضعيفة من قبل المجتمعات القوية واضحة لكل متابع، ارتأيت أن أركز أكثر على الآثار السلبية للإعلام على الأسرة والأمن التربوي لنلتفت لما فيه تحصين مجتمعنا. وسيتضح دور الإعلام في دعم هذين الأمرين. وأبدأ بقول لمدير المكتب الأبيض للاتصالات توكراسيكو: "نحن نخوض حرباً مع الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب. لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للاختراق". وسأشير في هذه الكلمة إلى الأمور التالية: 1- تعريف الأسرة والحقوق فيها 2- تعريف الإعلام ووظائفه 3- آثار الإعلام على الأسرة 4- كيف نعمل من خلال الإعلام لدعم الأسرة في البداية كان لا بد من توقف عند تعريف الأسرة ومفهومها في علم الاجتماع حيث تعتبر الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولى. وتتكون من أفراد تربطهم صلة القرابة والرحم وتساهم في النشاط الاجتماعي من كل جوانبه المادية والروحية والقانونية والاقتصادية. لذلك يعطي المجتمع الحريصين على استقراره حقوقا منها حق الصحة والتعلم، حق السكن، حق الأمن وبكل أشكاله. وعليهم واجبات منها نقل التراث واللغة والتكامل مع بعضهم لتشكيل المجتمع القوي والمحصّن والاشتراك مع الآخرين في كل ما يؤدي إلى التكامل والنمو والدفاع عن مقومات البقاء للعيش بعزة وكرامة. وقبل الحديث عن أثر الإعلام على الأسرة، كان لا بد من الحديث عن وسائل الإعلام ووظائفها الحالية: تعريف الإعلام الإعلام هو عبارة عن الاتصال بين المرسل والجمهور عن طريق وسيلة إعلامية تنقل من خلالها الرسالة الإعلامية من طرف لآخر، وهو نشر الأفكار والأخبار والآراء بين الناس بواسطة وسائل الإعلام الجماهيرية المعروفة (الصحافة، التلفزيون، السينما، الإذاعة، الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي). استعمل هذا المصطلح لأول مرة عام 1958 مقابل المصطلح في اللغة الإنكليزية Information. والغاية من الإعلام هي توجيه الجماهير وتزويدهم بالمعلومات والحقائق والأخبار لتكوين رأي عام محدد بمعزل عن كونه ايجابياً أو سلبياً. ويقال أيضاً أنه الإقناع عن طريق المعلومات والحقائق والأرقام. ويهتم الجمهور عادة بالإعلام باعتباره مصدراً أساسياً لتحصيل المعلومات التي يعتقد بضرورتها. لذا كان للإعلام دور بارز في الحياة العامة بشكل عام بحيث سمّي بالسلطة الرابعة، لكن أصحاب الطموحات والنفوذ والأفكار الاستعمارية استغلوا هذا الموضع لتحقيق آمالهم وطموحاتهم فعمدوا إلى الاهتمام بالإعلام وطوّروه خصوصاً بعد التقدم التكنولوجي ليصبح السلطة الأولى لما له من تأثير على توجيه الشعوب سواءً داخل مجتمعاتهم لما له من تأثير على الرأي العام أو على الشعوب الأخرى لما له من تأثير على حياتهم العامة، من خلال اللعب على المفاهيم والمقاصد والمصطلحات. وهكذا يستفاد من الإعلام كوسيلة بدل أن تكون لإفادة المجتمعات ، وسيلة هدّامة وخطرة. وبات اليوم من الحقائق التي لا نقاش فيها أن تأثير وسائل الإعلام سواءً في الأفراد أو المجتمعات بات أمراً غير عادي، حتى يمكن القول أن هناك معادلة منطقية مفادها أن ما نراه من سلوك بشري سببه الأساس وسائل الإعلام على قاعدة السببية. وهذه الآثار لوسائل الإعلام قد تكون قصيرة الأمد وقد تكون طويلة، وقد تبدو ظاهرة أو تكون مستترة قد تظهر بعد فترة، وقد تكون دينية، نفسية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية... وهذه الآثار بالعموم قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية. وقد ركّزت الأبحاث التي عملت على تأثير رسائل الإعلام على مجالات عديدة أهمها: - التغيير المعرفي - التغيير القيمي - التغيير السلوكي - تغيير الموقف والاتجاه 1- التغيير المعرفي: باعتبار أن المعرفة تشمل الاعتقادات الدينية والاجتماعية وغيرها. ولهذه الأمور تأثير مباشر على المواقف والسلوك عند الأفراد والجماعات. وتعتبر من أخطر المسائل التي تعتمدها وسائل الإعلام لو أرادت ذلك، لأن جذور التغيير المعرفي عميقة وإزالتها ليست بالأمر السهل، لأنها قد تنقل المجتمع من مكان إلى آخر لا يتناسب معه. وبالتالي عودته إلى ما كان عليه تصبح صعبة، والبقاء حيث وصلت أمر غير ممكن. 2- التغيير القيمي: تعتبر القيم والمعارف والعقائد من مرتكزات الهوية الثقافية والحضارية لأي مجتمع. وهذه المسائل كانت في السابق في عهدة المدارس والبيوت. أما اليوم أصبحت من مهام وسائل الإعلام التي تؤثر أكثر من غيرها في عملية البناء أو الهدم وفي عملية الإعمار أو التخريب، واليوم من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ومع كون العالم بمثابة قرية واحدة بفعل العولمة، فإن هدم القيم الموجودة وبناء قيم جديدة في مجتمع ما (خصوصاً إن كان ضعيفاً لا مقومات له) أمر سهل من خلال الأفلام والمسلسلات وبرامج الكرتون للأطفال وقد تمر عبر مسائل فكاهية عابرة لا يلتفت إليها الناس وتترك أثراً على النفوس. وهكذا تصبح عملية التنشئة الاجتماعية اليوم بيد الوسائل الإعلامية ويضعف دور الأهل والمدرسة والبيئة الداخلية. 3- التغيير السلوكي: إن تغيير السلوك لا يعتمد على عامل واحد وإنما على عوامل متعددة. فقد يكون نتيجة تغيير معرفي، أو نتيجة تنشئة اجتماعية طويلة الأمد، أو تغيير في الموقف والاتجاه، أو نتيجة تأثير زمني محدد كالتأثر بالإعلانات في السلوك الشرائي وإتباع الموديلات المختلفة والمتغيرة في زمن قصير . ووسائل الإعلام هي من العوامل التي تعمل على تغيير السلوك، من خلال الترويج والجذب. كأن تكون الشخصيات الفنية أو الرياضية أو الاجتماعية، مثالاً للشباب اليوم أو للرجال والنساء. 4- التغيير الموقفي: يمكن القول أنه الأساس في عملية التغيير لأنه يقصد تغيير رؤية الإنسان لقضية ما، أو لشخص ما أو لدين ما، أو لقيمة ما، أو لسلوك ما بحيث يتم اللعب على المشاعر والأحاسيس. فيتعاطف الإنسان مع ما يريده المسيّر للوسائل الإعلامية سياسياً وتربوياً واجتماعياً واقتصادياً... فيغيّر العدو والخصم من خلال التحريك الغرائزي وطمسه حقائق كان لها دور أساسي في مواقف الناس. وباختصار يمكن القول إن لوسائل الإعلام تأثيراً كبيراً على فهمنا للقضايا، ومواقفنا منها وحكمنا على الأشياء. بالإضافة إلى الاستثارة العاطفية من خلال استثارة مشاعر السخط، والتمرد والكراهية والولاء، من خلال التركيز على مشاهد العنف، وإثارة الغرائز كما أنها تعمل على تكريس واقع ما، من خلال تزكية وتمجيد أوضاع قائمة أو أفكار سائدة أو نماذج وشخصيات معينة. آثار وسائل الإعلام على الأسرة كما أشرنا، لوسائل الإعلام آثار ايجابية (فيما لو كانت الجهات المشغّلة لها تقصد بناء الأسرة المتينة) ولها آثار سلبية (فيما لو كانت تريد العكس). وهنا سأشير إلى شكلي الأسرة: الأسرة النواة والأسرة الممتدة. أما فيما يعني الأسرة النواة أشير إلى أمرين: الأول: العلاقة بين الزوجين: - إن الاستغراق غير العادي بمتابعة وسائل الإعلام المختلفة، يؤدي إلى انشغال كل من الزوج والزوجة بالبرامج التي يتابعانها، على القنوات المختلفة وهذا يؤدي إلى برودة العلاقة بينهما والابتعاد عن مناقشة الأمور الملحّة المطلوبة، والتفكير والتخطيط لصالح الأسرة. - متابعة الأفلام والمسلسلات الغربية المختلفة تؤدي إلى استسهال الكثير من الأمور التي كانت تعتبر عيباً وحراماً، كاستسهال الخيانة الزوجية والوقوع في المحرمات أو المحاسبة بناءً على ما يرونه من برامج ومعروف الفرق الكبير بين القيم الغربية وقيمنا. - بات واضحاً أن الإكثار من الجلوس على وسائط التواصل الاجتماعي، والحديث مع أناس غرباء، عبر الشبكة العنكبوتية قد يؤدي إلى إقامة علاقة عبرها وبالتالي قد يرى الرجل من المتواصل معها، ما لا يراه في الزوجة. وكذلك الزوجة وهذا يؤدي إلى البرودة في العلاقة الزوجية إن لم تصل إلى المشاكل. - التواصل عبر الواتس اب من قبل الزوجين مع غرباء، قد يؤدي إلى إقامة علاقات مباشرة بعد أن تبدأ عبر الهاتف وهذا ما حصل عند بعض الأزواج مما أدى إلى الطلاق. - الانشغال بوسائل الإعلام يبعد الأهل عن الاهتمام بالأولاد, وهذا ما يدفعهم للتمرد باعتبار أن الوالدين لا يهتمان بهم ولا يتابعان قضاياهم. ومع وجود هذه الوسائل لديهم قد يتفلتون من مراقبة الأهل وهذا ما قد يؤدي إلى خراب ودمار العلاقة مع الأولاد. الثاني: العلاقة بين الأبناء والأهل: - إن متابعة وسائل الإعلام من قبل الأبناء بعيداً عن أي رقابة، قد يؤدي إلى تغيير في القيم العائلية، التي كانت سائدة في مجتمعنا، وبالتالي قد يذهب الأولاد إلى العقوق. - إن ابتعاد الأهل عن مراقبة الأبناء قد يؤدي إلى تواصل الأولاد مع جهات موجودة على الشبكة العنكبوتية، فيتورطون في مشاكل جنسية. خصوصاً الفتيات الصغار، كما يحصل مع بعض الإناث خصوصاً في المرحلتين الإعدادية والثانوية. وهذا ما يجلب المشاكل للأهل. الأسرة الممتدة من الواضح أن الانشغال بمتابعة وسائل الإعلام، إذا ما أضيف إلى الانشغال بتأمين متطلبات الحياة، يزيد من التباعد بين الأقارب من الجد والجدة، أو العم والعمات والخال والخالات وأبنائهم. وذلك بحجة الانشغال وعدم وجود الوقت الكافي لذلك. وهذا يؤدي إلى قطع الرحم. بالإضافة إلى ضعف العلاقات مع الآخرين. بالإضافة إلى الأفكار الغربية الدخيلة على ثقافتنا وآثارها على التماسك الأسري. وكمثل عام ما يجري في اليمن من حرب غير متكافئة وضروس، ما كان الشعب اليمني، ليصمد لولا اهتمامه القبلي، الذي يعتبر من أوسع أشكال الأسرة الممتدة. الأمور المطلوبة للاستفادة من وسائل الإعلام إيجاباً: على المعنيين بالمجتمع أن يلتفتوا إلى أن الدول المتجبرة تعتمد على إضعاف المجتمع ليسقط ومن ثم ليمسكوا به. كوسيلة احتلال جديدة، بعد زوال الاستعمار المباشر. وإحدى طرق الوصول إلى ذلك إضعاف الأسرة. لما من ذلك من تأثير على ضعف المجتمع لسهولة الإمساك به. لذلك كان لا بد من الالتفات إلى كل ما نحتاجه لذلك. ومن هذه الأمور: 1- دفع طلاب الدراسات العليا والمتخصصين لدراسة آثار هذه الوسائل على الأسرة. لأن هذا يساعد في إظهار نقاط الضعف ونقاط القوة. وبعدها يعمل على نقاط القوة، والتخفيف من نقاط الضعف. 2- العمل على بث الوعي حول أهمية ترابط الأسرة، من خلال العمل على برامج مفيدة وجذابة في هذا الموضوع. وإلفات النظر إلى أن سلامة المجتمع للعيش براحة، لا يمكن تحقيقها إلا بحفظ الأسرة. 3- التفات الأهل إلى مراقبة ما يظهر على هذه الوسائل خصوصاً التلفزيون والشبكة العنكبوتية. وإلى أن ما يشاهدونه من برامج لا يمكن تطبيقه في مجتمعنا المحافظ والمتدين. وعدم السماح للأولاد بالبقاء لمشاهدة البرامج التي لا تتناسب مع أعمارهم. 4- إيجاد صفحات إيجابية جاذبة عن أهمية الأسرة على الشبكة العنكبوتية. 5- إطلاق حملة لتحصيل الأحكام الشرعية حول أشكال التعاطي مع بعضهم، ومع أبنائهم. 6- القيام بكل ما يساعد على تحصين الأسرة بعد تبيان مخاطر تفككها. 7- الإكثار من حسابات التواصل الاجتماعي المهتمة بالإرشاد الأسري. التي تدار من قبل أناس مختصين وأهل للثقة. 8- الإكثار من البرامج التلفزيونية والإذاعية المعنية بالأسرة، وإنتاج الأفلام والمسلسلات الكوميدية وغيرها التي تؤدي إلى جذب المشاهدين إلى القنوات التي تدار من خلال جهات مأمونة خصوصاً القنوات التابعة لنا. 9- العمل على إيجاد وسائل ترفيه للكبار والصغار خصوصاً في ميدان الرياضة، والمسابقات الأدبية والاجتماعية الهادفة. 10- الإكثار من الندوات والمؤتمرات حول الأسرة، وأهمية ترابطها. |
||||||