الإعدامات الميدانية.. إرهاب تشرعنه القوانين الإسرائيلية

السنة الخامسة عشر ـ العدد 173 ـ  (رجب - شعبان 1437 هـ ) ـ (أيار 2016 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في ظل صمت المجتمع الدولي وعلى أرض الخليل وبالقرب من المسجد الإبراهيمي تحديداً. تناثرت دماء الطفلةِ ياسمين الزور (14 عاماٌ), وأعقب ذلك صعود روحها لباريها إثر منع الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول إلى موقع الجريمة بعد الإعدام الميداني المباشر بتهمةِ محاولة تنفيذ عملية طعن.

فالإعدام الميداني بدون محاكمة يعتبر جريمة في المجتمع الدولي، حيث صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 163-44 في 15 يناير 1989 والذي يجرم الاعتداء والقتل بدون محاكمة. وتعتبر من أنواع جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1994.

فكيف يُبرَّرُ بقتلِ طفلةٍ بريئة لا تحمل ذنباً سوى أنها فلسطينية. وبلغ ضحايا الإعدام الميداني نحو أكثر من 14 من بين بعضهم الجرحى وأكثرهم ممن لاقى حتفه، فالنازية الصهيونية لا تتوقف عند هذا الحد بل هي تتمادى لتحتفظ بجثامين الشهداء لأيام وربما لشهور! فمنذ بدء الانتفاضة الحالية مارس الاحتلال صوراً مختلفة من الإعدام الميداني بحججٍ مختلفة، مرة بحجةِ محاولة تنفيذ طعن وأخرى بحجةِ التسلل، وانتهاك الاحتلال للقانون الدولي اليوم يُواجَهُ بصمْتٍ غريب مريب محلياً ودولياً. فعلى ما يبدو أًنَهُم يَخافون من الأموات أكثر من خوفهم من الأحياء.

سياسة إسرائيلية قديمة

أعادت جريمة إعدام الشهيدين الفلسطينيين عبد الفتاح يسري الشريف ورمزي القصراوي، بتاريخ 25/3/2016 في الخليل على يد جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى الأذهان سياسة الإعدامات الميدانية التي كان قد اعتمدها الاحتلال أول مرة في زمن الانتفاضة الأولى، وإن كان عدم التطور التكنولوجي والإعلامي في حينه، قد أضعف من القدرة على إبراز تلك السياسة في ذلك الوقت، وأيضاً بفعل أن وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك كان إسحاق رابين من حزب "العمل".

إلا أن العودة إلى سنوات الانتفاضة الأولى تُبيّن أن سياسة الإعدامات الميدانية، كانت مُتّبعة منذ السنة الأولى للانتفاضة الأولى، وإن كانت تتم بشكل خاص في ساعات الليل وتحت جنح الظلام عبر فرق موت أطلق عليها الفلسطينيون القوات الخاصة، ثم لاحقاً قوات المستعربين، بعد أن بدأ أفراد هذه الفرق، ممارسة عملهم في تصفية نشطاء الانتفاضة الفلسطينية في وضح النهار. وقد اشتهرت في جيش الاحتلال فرقتان رئيسيتان في تنفيذ عمليات الإعدام والقتل داخل القرى والبلدات الفلسطينية، هما فرقتا دوفودفان (الكرز) وشمشون (نسبة إلى أسطورة اليهودي شمشون). ووصل نشاط هاتين الفرقتين إلى أوجّه في السنة الثالثة للانتفاضة عام 1990، عندما بدأ أفراد الفرقتين، يتخفّون بالزي الفلسطيني، وباستخدام سيارات تحمل لوحات ترخيص فلسطينية (إذ كان الاحتلال يميز سيارات الفلسطينيين من الضفة الغربية بلوحات خضراء، مقابل لوحات ترخيص صفراء للسيارات الإسرائيلية) ودخول البلدات الفلسطينية وهم يتخفون بلباس محلي أو يضعون الكوفية الفلسطينية، ويشارك بعضهم في التظاهرات، قبل أن ينقض على نشطاء الانتفاضة لاعتقالهم في البداية، ثم إطلاق النار عليهم بهدف القتل لاحقاً.

وقدم الفلسطينيون شهادات لجهات دولية مختلفة حول سياسة الإعدامات الميدانية، إلا أن أول توثيق (إسرائيلي) رسمي لها جاء في تقرير خاص أصدره مركز "بتسيلم" الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة في يوليو/تموز 1990 تحت اسم "تعليمات إطلاق الرصاص في المناطق".

وبحسب التقرير المذكور، فإن الجيش الإسرائيلي وإن كان قد أعلن رسمياً عن عدم تغيير في أوامر إطلاق النار، إلا في حالات وجود ملثمين، إلا أن الممارسة على أرض الواقع كانت مخالفة كلياً، فقد حصل تغيير في الأوامر الشفهية، أي في التوجيهات المباشرة التي يصدرها قائد القوة قبل كل عملية لجنوده. واعتبر التقرير ذلك تحايلاً، إذ لا يتم إدخال تغييرات في الأوامر الرسمية، (خلافاً لما جرى في العام الحالي من تغيير رسمي وقانوني يجيز إطلاق النار على كل من يعترض أو يمكن أن يسبب خطراً لحياة عناصر الشرطة وقوات الأمن) وإنما يجري تغيير سياسة إطلاق النار، وتقديم شهادة بعد عملية إطلاق النار لتبرير الأمر بأثر رجعي.

ويوثّق تقرير "بتسيلم" أول جريمة إعدام ميدانية بهدف القتل، بدلاً من السعي لاعتقال المطاردين، بتاريخ 9/10/1988، أي بعد نحو سنة من انطلاق الانتفاضة الأولى، عندما قتلت قوات الاحتلال بشكل مقصود ومن دون حصول مواجهات عامة بين الاحتلال وشبان الانتفاضة، الشهيدين كمال الطبيخ وفضل النجار في بلدة يطا جنوبي الخليل، حيث أطلق جنود النار عليهما من مركبة عسكرية بعد تحديد هويتيهما والتأكد منهما، ومن على مسافة قصيرة، فيما ادعى الاحتلال أن الاثنين استشهدا خلال محاولة الجنود الدفاع عن أنفسهم من جمهور فلسطيني غاضب رشقهم بالحجارة.

بعد ذلك بشهر تقريباً، حاول جندي من الاحتلال قتل إبراهيم طقاطق، في حي قصبة في نابلس عندما اختبأ في عربة لبيع الكعك والفلافل وأجبر الطفل الذي يجرها على أن يدفعها باتجاه طقاطق ثم أطلق النار عليه من داخل العربة. عمليات استهداف عناصر الانتفاضة الذين أطلق عليهم الاحتلال مصطلح "مطلوبين"، فيما عُرفوا في أدب الانتفاضة الأولى بالمطارَدين، تكررت خلال العامين 1989 و1990 من خلال استخدام سيارات فلسطينية أو الاختباء في عربات لبيع الكعك، أو من خلال وحدات المستعربين. وكان هدف حكومة الاحتلال تحت قيادة اسحق شمير ووزير الأمن اسحق رابين آنذاك؛ وقف الانتفاضة بكل الطرق، واعتقدت أن القضاء على المطارَدين، الذين اعتُبروا القادة الميدانيين، وخصوصاً مجموعات "الفهد الأسود" التابعة لحركة (فتح) في منطقة قباطيا وجنين، و"النجم الأحمر" التابعة لـ(الجبهة الشعبية) في نابلس، إلى جانب خلايا "صقور الفتح" في قطاع غزة، كفيل بوقف الانتفاضة أو على الأقل الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية.

ومع أن صحيفة "هآرتس" أفادت في 20 مارس/آذار 1990 بأن 11 مطارَداً سلموا أنفسهم للسلطات بعد أن كثّفت حكومة الاحتلال من مطاردتهم وحتى قتلهم ولو سلموا أنفسهم، كما في حالة الشهيد محمد القرع الذي قُتل في بيته في دير البلح بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 1989، إلا أن سياسة الإعدامات الميدانية استمرت ولم تتوقف.

وفي العام 1991 كثّفت حكومة الاحتلال من انتهاج سياسة الإعدامات الميدانية، عندما بدأت تنفذ عملياتها في وضح النهار وأمام جموع من الناس، لتتحوّل سياسة الإعدامات الميدانية إلى نهج يهدف إلى الردع. فبتاريخ الأول من إبريل/نيسان 1992، تمكّنت صحيفة "البيارق" الأسبوعية التي كانت تصدر في فلسطين المحتلة عام 1948، من سرد تفاصيل عملية إعدام الشهيد جمال رشد غانم، من قرية شويكة قضاء طولكرم في ملعب كرة القدم البلدي، خلال مباراة كرة قدم، وأمام جمهور كبير من المشاهدين. وجرت العملية باقتراب قوة مستعربين من اللاعب وإطلاق أربعة جنود النار عليه، حتى بعد أن حاول الاحتماء بحكم المباراة محمد مصطفى حسين. وكشف التقرير يومها، عبر شهادات من أهالي القرية، عن سلسلة عمليات إعدام مشابهة طاولت شهداء من قريتي رامين وعنبتا، إضافة إلى الشهيد علي زغرد من مخيم نور شمس، وأحمد سروجي من مخيم طولكرم، وسمير غانم من دير الغصون.

وشكّلت عملية إعدام الشهيد جمال غانم نقطة تحوّل، إذ لم يعد الاحتلال بعدها يخفي عمليات الإعدام الميدانية، وسمحت الرقابة العسكرية للصحف الفلسطينية بنشر تفاصيل عمليات مشابهة بهدف الإرهاب وحث المطارَدين على السعي لتسليم أنفسهم لقوات الاحتلال لتفادي مصير الإعدامات الميدانية.

واستمرت عمليات الإعدام الميدانية طيلة العام 1991-1992 بموازاة المحادثات السرية التي كُشف عنها لاحقاً بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو ووقف الانتفاضة الفلسطينية. وتبيّن لاحقاً أنه تم التوصل إلى صفقات مختلفة، أُجبر بموجبها عدد من المطارَدين، من "الفهد الأسود" في قباطيا وجنين، ومجموعات "النسر الأحمر" في نابلس، و"الصقور" في قطاع غزة، على الخروج من الوطن، ولجأ قسم منهم إلى الأردن، فيما خرج المطارَدون من قطاع غزة إلى مصر.

إرهاب صهيوني مشرعن

استمرارا للنهج الصهيوني والسياسة الإجرامية التي يتبعها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني لخنق الهبَّة الشعبية، نفذ الاحتلال عملية إعدام ميداني جديدة، استشهدت على أثرها أم فلسطينية لخمسة أطفال فجأة دون محاكمات ولا اتهامات مسبقة، خاصة بعد تشريع الكنيست الصهيوني قانون الإعدامات الميدانية في حالة الاشتباه بأي شخص يحاول تنفيذ عمليات طعن ضد المستوطنين.

أعدمت سلطات الاحتلال أمّاً فلسطينية تبلغ من العمر 34 عاماً؛ بزعم أنها دهست بسيارتها جنديّاً إسرائيليّاً؛ ما أدى إلى إصابته بجروح طفيفة؛ ما استدعى السلطات الإسرائيلية إلى تنفيذ عملية إعدام ميداني مباشرة وتصفية أماني حسني جواد سباتين بالرصاص الحي، وتركها تنزف دون تقديم الاحتلال أي إسعافات أولية للأم، حتى استشهدت.

وتُعتبَر هذه الحادثة من الوقائع التي ترصد بطولة المرأة الفلسطينية، حيث قررت هذه الأم المشاركة في أعمال المقاومة والهبَّة الفلسطينية عبر اتجاهين: الأول من ناحية مشاركتها بروحها وجسدها كشهيدة، ومن ناحية أخرى كمربية وصانعة للمقاومين الجدد.

وتندرج الإعدامات الميدانية ضمن نهج المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية؛ لتخويف وترهيب الفلسطينيين، وثنيهم عن المشاركة بالمظاهرات والمواجهات؛ بغية إخماد فتيل هبّة القدس. كما رخصت الحكومة الإسرائيلية لليهود حمل السلاح الشخصي؛ وذلك لتسهيل الاستهداف الدموي للفلسطينيين بإطلاق الرصاص صوبهم لمجرد الشك بأن هذا الشخص يشكل خطرًا، أو يعتقد أنه قد ينفذ عملية طعن. وفي ضوء ذلك اعتبرت منظمات حقوقية الإعدامات الميدانية والتمثيل بجثث الفلسطينيين جرائم حرب وانتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والإنسانية.

قصة أماني التي أعدمتها سلطات الاحتلال بدم بارد ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث شهدت الشهور القليلة الماضية عدة حوادث إعدام ميدانية ضد الفتيات الفلسطينيات، أشهرهن شروق دويات وهديل هشلمون.

وخلال شهر أكتوبر الماضي أقدم مستوطن على نزع حجاب الفتاة شروق دويات، ومن ثم أطلق عليها أربع رصاصات عندما قاومته؛ مما أدى إلى إصابتها بجراح خطيرة أوقعتها بعد ذلك شهيدة، ووفقًا لشهود عيان ولمقاطع الفيديو التي نُشرت حول الحادث، لم يتبين أن الضحية أقدمت بالفعل على تنفيذ عملية طعن، كما لم تكن تحمل أدوات حادة.

ولا تختلف حكاية الشهيدة هديل الهشلمون كثيراً عن سابقتها، حيث تم إعدامها في شارع الشهداء بالخليل ثاني أيام عيد الأضحى الماضي، بحسب فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي طريقة إعدام الشابة هديل هشلمون، حيث كانت تمر عبر أحد الحواجز، فطلب منها أحد الجنود باللغة العبرية أن تخرج من الحاجز، لكنها لا تفهم العبرية، عندها تجمع 6 جنود حولها، أحدهم أخذ وضعية القنص، وأطلق على قدمها اليسرى رصاصة، فسقطت الفتاة على الأرض، وبعد 10 ثواني أطلق على قدمها اليمنى، ثم 5 رصاصات نحو بطنها.

وقالت وسائل إعلام فلسطينية، إن تحقيقات أجرتها مؤسسات حقوقية استناداً لشهود عيان وتحليل مشاهد فيديو، تظهر قيام جندي إسرائيلي بإطلاق الرصاص صوب شاب فلسطيني جريح يدعى "عبد الفتاح الشريف"، تؤكد أن الحديث يجري عن جريمة حرب. وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة، في ظل محاولات الاحتلال الإسرائيلي تبرئة ساحة القاتل، واعتبار أن جريمته لا تعد كونها قتل خطأ نتيجة للإهمال.

وأشارت وكالة "معا" الفلسطينية للأنباء، إلى أن شهادات أدلى بها شهود عيان، من سكان المنطقة التي وقع فيها الحادث في البلدة القديمة بالخليل، تؤكد قيام جندي بجيش الاحتلال بإطلاق النار صوب رأس "الشريف" بينما كان مصابًا وساقط على الأرض، جراء رصاصة أطلقها جندي آخر، فضلاً عن تكرار الأمر ذاته بحق الفلسطيني "رمزي القصراوي"، يزعم أنهما هاجما الجنود بسكين. وخلصت التحقيقات، إلى أن الجنديين الإسرائيليين نفذا عمليتي قتل يمكن تصنيفهما بأنهما قتل عمد، يصل لمستوى جريمة الحرب، بحق شابين فلسطينيين، محددة أسباب هذا التوصيف بأن إطلاق النار على رأس "الشريف" جاء بعد فترة تقدر بحوالي 20 دقيقة من إطلاق النار على جسده وسقوطه على الأرض، وتحويله إلى شخص عاجز.

وأكدت التحقيقات، أن إطلاق النار جاء بعد صيحات المستوطنين التي قالوا خلالها إنه "لا زال حيا"، أي أن الهدف من إطلاق النار هو القتل، ولاسيما أنه كان قد أصيب بأعيرة نارية في جسده أسقطته أرضاً، وشلت قدرته على الحركة.

وطالبت منظمات حقوقية فلسطينية بمساءلة مرتكبي جريمة القتل العمد بحق الشابين الفلسطينيين، مؤكدة أن مرتكبي الجريمة ليسوا الجنود فقط، وإنما كل من شارك فيها سواء بالتخطيط أو إعطاء الأوامر أو السكوت عنها، لافتة إلى أن المسعفين والأطباء الإسرائيليين لا يقوموا بدوهم الإنساني وفقا لما يمليه القانون الإنساني الدولي، ما قد يجعل منهم مشاركين غير مباشرين بالجريمة. وتابعت أن "قيام سلطات الاحتلال بتوقيف الجندي المتهم بالقتل قد يكون للتغطية على الجريمة، وإظهار دولة الاحتلال على أنها تحترم القانون وتحاسب المخالفين. كما أن توقيف جندي وترك آخر يوحي بأن ما قام به الجندي لا يعتبر جريمة، لأن عدسة الكاميرا لم تلتقطه، وهذا كله يشير إلى أن توقيف الجندي الذي انتشرت صوره وهو يقتل لم يأت إلا على خلفية تحاشي الإحراج أمام العالم".

وفي غضون ذلك، تظاهر مئات اليهود المتطرفين المؤيدين للجندي الإسرائيلي أمام المحكمة العسكرية في منطقة "القسطينة" التي بحثت تمديد اعتقاله، وعلى رأسهم عضو الكنيست الإرهابي "أفيجدور ليبرمان"، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليمني الصهيوني، والذي يعارض مجرد إخضاع الجندي القتال للمحاكمة.

وطالب المتظاهرون بإطلاق سراح الجندي، معتبرين أنه بطل يؤدي الخدمة العسكري دفاعاً عن الشعب الإسرائيلي، منتقدين ما قالوا إنه تخلي الجيش عن الجنود، فيما طالبت نيابة الاحتلال بتجديد حبسه والتعمق في التحقيقات بشكل موسع، نظرا للتناقض في أقواله. وقال مراقبون إسرائيليون، إن ثمة احتمال كبير بأن لا توجه إليه تهمة القتل العمد، وأن يتهم بالقتل الخطأ والإهمال.

واتهم مراقبون فلسطينيون الجيش الإسرائيلي بمنح جنوده تصريح بقتل الفلسطينيين أو إعدامهم ميدانياً، وقالوا إنه أعد روايات مسبقة تبرر جميع عمليات الإعدام الميداني التي ارتكبت أو تلك التي سترتكب مستقبلاً، وهو أن الفلسطيني كان يحمل سكيناً. وقال الخبراء، إن إعدام "الشريف" الذي وثقته الكاميرات بالصدفة، ليفضح جرائم الاحتلال، جاء بالتزامن مع احتفالات اليهود بعيد "المساخر"، الذي تمارس فيه طقوس تقوم على تمثيل مشاهد القتل والتعذيب وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، خاصة في القدس والخليل، مرجحين أن يكون الجندي قد نفذ طقسا دينيا يهوديا، بمباركة الحاخامات اليهود، مدللين على ذلك بأحداث عديدة وقعت من قبل.

القتل المتعمد للأطفال

تتكرر مشاهد الإعدامات بحق الأطفال الفلسطينيين دون محاسبة الاحتلال, ودون سماع تصريحات دولية وعربية معارضة  ضد ما يحدث من عمليات قتل ممنهجة هدفها فقط القتل والتنكيل بجثث الأطفال.

وأمام العجز الإسرائيلي من قمع إرادة وعزم الفلسطينيين الجبارة, عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى الانتقام باللجوء إلى الإعدامات الميدانية بحق الأطفال والشبان بذريعة محاولاتهم تنفيذ عمليات استشهادية حيث يتم تركب السيناريوهات المخادعة والتي تهدف إلى التأثير على الرأي العام  العالمي وتبرير جرائم القتل المتعمد لكن همجية الاحتلال ومستوطنيه لم تفلح مرة في التواري عن كاميرات الناشطين.

إن ما يحدث في الضفة من انتفاضة السكاكين جعلت الإسرائيليين يعيشون بحالة هسترية وعدوانية بحق الفلسطينيين في مختلف الأراضي المحتلة.

وقد وثقت الكاميرات حادثة الطفل الفلسطيني احمد مناصرة الذي تعرض للدهس بسيارة في مدينة القدس قبل إن يهاجم بالضرب ويمنع الإسعاف من معالجته وفي وقتها ادعت سلطات الاحتلال بان الطفل حاول طعن احد الجنود.

والطفلة مرح بكر أيضاً ظهرت في فيديو وهي ملقاة على الأرض في منطقة الشيخ جراح بالقدس مدرجة بدمائها وحولها مجموعة من الجنود مصوبين أسلحتهم نحوها, والتهمة كانت محاولتها طعن أحد المستوطنين إلا أن شهود عيان أكدوا بان الطفلة كانت تهرب من ملاحقة المستوطنين لها.

وعلى درج الحرم سالت دماء الشهيدة الطفلة دانيا إرشيد التي أعدمتها قوات الاحتلال بدم بارد, بدون أي سبب, والتي كانت متوجها إلى مدرستها, والتي أعدمت قرب المسجد الإبراهيمي

وغيرهم من الأطفال التي سلبت أحلامهم, وانتهكت فيها الإنسانية بتنكيل جثثهم, هما ليسوا بأرقام بل هم الحياة بأكملها في عيون أبائهم, عبد الرحمن خليل عبيد من مخيم عايدة في بيت لحم, الشهيد اسحاق بدران من عقب في القدس, والشهيد مروان بربخ من عبسان الكبيرة في خان يونس, والشهيدة الطفلة التي لم تتعد الخمس سنوات رهف حسان من حي الزيتون في مدينة غزة, والشهيد الطفل أحمد شراكة من مخيم الجلزون في رام الله, والشهيدة الطفلة بيان أيمن العسيلي من الخليل, والشهيد الطفل هيثم البو من مدينة الخليل.

ومن ينسى الشهيد الطفل محمود خضير الذي أختطف وعذب وأحرق, والذي بدمائه فجر الحرب الأخيرة على قطاع غزة والتي أسفرت عن استشهاد  447 طفلاً فلسطينياً, ويوجد بين الشهداء 277 ولداً و170 بنتاً تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً من بينهم 305 أطفال أو 68% تقريباً لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً.

إن ما تقوم به إسرائيل من إعدامات ميدانية بحق أطفال فلسطين في الشوارع هي جرائم حرب ضد الإنسانية والطفولة في العالم، ويكشف عن الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمثل أعلى درجات الإرهاب والعنصرية. وأن من يريد محاربة الإرهاب في العالم، عليه محاربة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية أولاً، ووقف ما تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين من قتل ميداني.

بدوره قال مدير برنامج الحماية في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال رياض عرار، إن الاحتلال لا يزال يستخدم الإيذاء الجسدي والنفسي والتعذيب بحق الأطفال الفلسطينيين على الرغم من توقيعه على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

وأوضح أن أماكن إصابات الأطفال الشهداء في الطرف العلوي من الجسد تؤكد استهدافهم بهدف القتل، داعيا إلى احترام حقوقهم وحمايتهم ووقف الانتهاكات الصارخة لحقهم الذي كفلته المواثيق والأعراف الدولية.

فها هي الخليل الآن في دائرة الاستهداف من قبل قوات الاحتلال التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي وتعتقد أن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني محمية بالموقف الأمريكي والفيتو والغطاء الأوروبي، ما يجعل هذه الدول تتحمل مسؤوليتها بالمشاركة عن جرائم ما ترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

إن قتل إسرائيل لأطفال فلسطين ميدانياً في شوارع الضفة بدم بارد لن يكسر عزيمتنا، أو يجعلنا نقبل بسياسة إرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، أو يجعلنا نتخلى عن مبادئنا وقيمنا وأهدافنا وثوابتنا، بل سيزيدنا عزيمة وقوة وإصرارا على المضي قدما نحو الحرية والاستقلال والخلاص من الاحتلال البغيض.

فالشعب الفلسطيني ماض في طريقه نحو القدس العاصمة وفلسطين الدولة، ولن نحيد عن طريقنا الذي عمدناه بدماء الشهداء الأبرار، ومعاناة أسرانا البواسل خلف قضبان السجون. وعلى المجتمع الدولي الصامت على هذه الجرائم الإسرائيلية إلى تحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية وإنفاذ القانون الدولي أمام هذه الممارسات الإسرائيلية البشعة، وخاصة بحق أطفال فلسطين اللذين يقتلون بدم بارد على أيدي سلطات الاحتلال.

وكان قد أعلن التجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين أنه بارتقاء الشهداء الخمسة، فقد بلغ عدد شهداء "الهبّة الشعبية" 180 شهيداً. وأفاد التجمع في بيان له، بأن عدد الشهداء الأطفال منذ بداية الهبة إلى 49 طفلا، فيما بلغ عدد الشهيدات 17 شهيدة، موضحا أن عدد الشهداء منذ بداية الشهر الجاري وصل إلى 13 شهيدا، من بينهم ستة أطفال، وشهيدة واحدة، وهي كلزار العويوي.

 وأشار التجمع إلى ارتفاع واضح بعدد الشهداء الأطفال خلال الشهر الجاري، حيث بلغت نسبتهم 46% تقريباً من مجمل شهداء هذا الشهر، مقابل ما يقارب 25% في الفترة التي سبقت هذا الشهر، ما يؤكد ارتفاع نسبة استهداف الاحتلال لفئة الأطفال خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير.

إن سياسة الإعدام الميداني التي تتبعها قوات الاحتلال الصهيوني ليست عفوية، بل جاءت بقرار حكومي، وليست موجهة لجنود الاحتلال فقط بل لكافة المجتمع الإسرائيلي، وهو ما صرح به رئيس بلدية الاحتلال نير بركات.

وإن هذه السياسة ليست بعيدة عن سياسة رئيس حكومة الاحتلال السابق إسحاق رابين الذي أعطى أوامر بتكسير أيدي وأرجل الفلسطينيين، مؤكدا على أن مثل هذه السياسات لن تثني الفلسطينيين عن الدفاع عن حقهم ورفض كل الإجراءات الاحتلالية بحقهم وحق مقدساتهم، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم. وأن الفلسطيني بشكل عام والمقدسي بشكل خاص صاحب إرادة قوية، وسيبقى مدافعا عن وطنه ومقدساته على الرغم من كل السياسات التي يعتقد الاحتلال بأنها رادعة.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) 

اعلى الصفحة