إسرائيل وأمريكا والاتفاق مع إيران حول الموضوع النووي
رؤى وعبر ممكنة 

السنة الخامسة عشر ـ العدد 173 ـ  (رجب - شعبان 1437 هـ ) ـ (أيار 2016 م)

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

زاكي شالوم - نشرة التقدير الاستراتيجي الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي

خلافاً لتنبؤات الكثيرين، فقد نجحت إدارة الرئيس اوباما في نهاية الأمر في منع رفض الاتفاق النووي مع إيران من قبل الكونغرس بسهولة نسبية، ومن دون أن يضطر لاستخدام حق النقض الفيتو.

ولم ينجح معارضو الاتفاق بتشكيل تيار سلبي في الرأي العام تجاه الاتفاق. عدا عن أن اقتناع الكثيرين أن الحديث يدور حول اتفاق جيد، ويخدم المصالح القومية للولايات المتحدة، ساهم في تعزيز دعمه، ومن بين هؤلاء، الجهات الرئيسية التالية:

الأولى – لم يكن لمنتقدي الاتفاق رد فعلي لادعاء رؤساء الإدارة، وخاصة الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري، انه ضمن الواقع الحالي لا يوجد عملياً أي عنصر بديل فعلي آخر للاتفاق. ولم يكن بإمكان اي شخص دحض هذا الادعاء، الحقيقي واقعيا، والذي حتى قبل الاتفاق نجحت إيران بتنفيذ برنامجها النووي بصورة كبيرة، من دون أن يتمكن أحد من إيقافها.

الثانية – تهديدات الرئيس أن غياب الاتفاق سوف يؤدي إلى التدهور وربما أيضاً إلى مواجهة عسكرية ردعت الكثيرين في الولايات المتحدة من رفض طلب الرئيس. فلقد خلقت الصدمة الصعبة في أعقاب تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان وفي العراق، رادعا أمام تدهور الوضع الذي يستوجب تدخل عسكريا أمريكيا في الشرق الأوسط.

الثالثة – حقيقة أن الرئيس اوباما، الموجود في نهاية ولايته، وقفت بصورة صارمة خلف الاتفاق، والذي اعتبره تتويجا لعمله السياسي، جعلت من الصعب على الكثيرين الوقوف ضده، تخوفاً من أن يفسر الأمر كمس بمؤسسة الرئاسة.

وأخيراً – توضيحات الإدارة والتي على أي حال – انه حتى ولو تم رفض الاتفاق من قبل الكونغرس- ستذهب دول أوروبا، روسيا والصين في طريقها، وتتمكن من الرفع التدريجي للعقوبات، ساهمت هي أيضاً في تعاظم التأييد للاتفاق. وحذر قادة الإدارة في الولايات المتحدة، من أنها ستكون منعزلة على الساحة الدولية.

الاتفاق بين الدول العظمى وبين إيران، خلق واقعاً جديداً في مكانة إيران على الساحة الدولية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ومن شبه المؤكد انه سيكون له تبعات على علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة. في إطار هذا المقال سنحاول أن نتفحص بالحذر المطلوب، تأثيرات محتملة للاتفاق في اتجاهات متنوعة.

هجر سياسة العزوف وتبني سياسة الاحتواء

على مدار سنوات ومنذ انتخاب الرئيس اوباما فقد أكد، وبصيغ مختلفة، انه مصمم على منع إيران من الوصول إلى القدرات النووية. ومع ذلك، فقد أكد، الرئيس انه سيحاول تحقيق هذا الهدف أولاً وقبل كل شيء بالوسائل الدبلوماسية – السياسية. وفقط في حال فشل هذه الوسائل، فهو سيدرس استخدام الخيار العسكري. ومن اجل إعطاء أقواله هذه مفعولها، فقد أوعز منذ بداية ولايته للبنتاغون أن يقوموا بجميع الاستعدادات، حسب قوله، لاستخدام القوة، إذا كان هناك ضرورة لذلك. وفي المقابل فقد عمل على تعزيز القوة العسكرية للولايات المتحدة في الخليج، بما في ذلك مرافقة حاملات الطائرات. كذلك، فقد أوعز للجهات الأمنية بإظهار الاستعداد لمساعدة إسرائيل في مجال التسلح والاستخبارات. وحتى أيضاً بعد التوقيع على الاتفاق مع إيران، أعاد التأكيد أنه إذا لم تتوقف إيران عن تطوير قدراتها النووية لأغراض عسكرية، فإن جميع الخيارات، بما في ذلك الخيار العسكري "موضوعة على الطاولة".

عملياً، فإن تصرفات الرئيس اوباما، لغاية الآن، فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية، تشير إلى ميل، في مرحلة متقدمة نسبيا، باتجاه الاحتواء وليس العزوف أو الابتعاد.  ويؤكد السيناتور السابق جو ليبرمان، حقيقة أن الإدارة الأمريكية كانت تعارض بصورة حاسمة على مدار سنوات مبادرة الكونغرس لفرض عقوبات على إيران: "فقد أدعو أن العقوبات سوف تعزل الولايات المتحدة وتتسبب بنفور حلفاء الولايات المتحدة منها". ويقول ألان درشويتس، الذي دعم ترشح الرئيس اوباما للرئاسة، فيما يتعلق بالاتفاق مع إيران، إن الوقائع تدعم الافتراض أن الرئيس قرر تنفيذ سياسته التي تمسك بها دائما. وعليه، فقد تصرف بصراحة اقل تجاه أولئك الذين قال لهم أن الخيار العسكري موضوع على الطاولة، وانه أبداً لن يسمح لإيران أن تصل إلى القدرات النووية.

في مقال شامل نشره دينيس روس أشار فيه إلى انه في بداية ولاية الرئيس اوباما نشبت خلافات صعبة حول السياسة اتجاه إيران. فوزير الدفاع روبرت غيتس ورئيس هيئة القوات المشتركة مايك مولين، لم يدعما خيار استخدام القوة العسكرية ضد إيران، حتى ولو تبين أن الجهود الدبلوماسية والعقوبات لم تسفر عن وقف سعي إيران للحصول على السلاح النووي.

وأضاف روس أن كليهما أكد على أن الثمن الباهظ سيكون مرتبطاً مع استخدام القوة العسكرية ضد إيران. ويقول روس: إن الرئيس حافظ على صمته  استعداداً لزيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن لإسرائيل في آذار 2010 حيث طلب الرئيس أن يبذل بايدن جهدا لإقناع الجمهور في إسرائيل حول مسألة تصميم الإدارة الأمريكية بمنع إيران من الحصول على قدرات نووية. واقترح الرئيس صيغة ضبابية ، تقتصر على تحديد أن الوصول إلى قدرات نووية من قبل إيران غير مقبول من قبل الإدارة، وفقط بعد أن تم التوضيح له أن هذه صيغة فاترة للغاية، مال الرئيس إلى قبول صيغة قاطعة بصورة اكبر بموجبها "أن الولايات المتحدة مصممة على المنع".

 تبين، أن الاثنين من كبار المسؤولين المكلفين بتحريك عملية عسكرية ضد إيران - وزير الدفاع غيتس، الذي بقي في منصبه لغاية الأول من تموز 2011، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مولين الذي بقي في منصبه لغاية أيلول 2011 - يعارضان ذلك. عمليا فقد دعم الاثنان سياسة الاحتواء. ووزير الدفاع الذي خلف غيتس، ليئون فانتا، أعرب عن شكوكه حول مدى فاعلية الخيار العسكري. في مؤتمر "صبان" الذي عقد في كانون الأول 2011 أكد أنه في أحسن الحالات فإن الخيار العسكري سوف يحقق تأجيل النشاط النووي الإيراني لسنة وربما سنتين.

من المهم التأكيد، أنه بصورة رسمية بإمكان الرئيس أن يقرر عملاً عسكرياً خلافاً لرأيهما. ومع ذلك، من الممكن الافتراض إلى حد بعيد من التأكيد أنه لا يوجد رئيس أمريكي ـ وبالتأكيد لا يوجد أي رئيس ـ يتحفظ بشكل صريح على استخدام القوة العسكرية مثل الرئيس اوباما، لن يجرؤ على المبادرة بهجوم عسكري معقدة كل هذا التعقيد وتحمل في طياتها مخاطر في مثل هذه الظروف. على الأقل حتى نهاية العام 2011، عندما أعلن الرئيس اوباما أن جميع الخيارات "مطروحة على الطاولة"، بما في ذلك الخيار العسكري، وهو على علم أن خيارات استخدام الخيار العسكري، عملياً هي منخفضة جداً.

ومن شبه المؤكد، أنه على هذه الخلفية طلب الرئيس اوباما تسريع الخيار الدبلوماسي والسياسي. فمنذ كانون الأول 2011، كتب الصحفي ديفيد آيغنشيوس، أن الرئيس اوباما أرسل جون كيري (كان وقتها لا يزال سيناتورا) إلى عُمان، لكي يقترح عليها أن تقود عملية وساطة تؤدي إلى مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران.

وفي ختام مباحثاته طرح كيري للمرة الأولى الاقتراح حول تجربة مفيدة من قبل الإدارة تجاه طهران - أن توافق إيران على السماح بالمحافظة علي جزء من قدرات التخصيب لديها، في حال تمت بلورة اتفاق شامل. وعلى هذا الأساس، من الممكن الافتراض، أن مسؤولين كباراً في الإدارة الأمريكية (جايكوف سليبان ووليام برنس) أجريا اتصالات سرية مع إيران في العام 2012. كتب آيغنشيوس، أن انطلاقة المفاوضات كانت في منتصف العام 2013 ، مع انتخاب روحاني رئيساً لإيران. حيث أرسل له الرئيس اوباما رسالة شخصية واقترح عليه إجراء مفاوضات. ورد روحاني بالإيجاب وهكذا بدأت اتصالات سرية بين البلدين، وكل ذلك قريب للتأكيد على قاعدة التفاهم أن الاتفاق سوف يتيح لإيران قدرات تخصيب إلى حد ما. ولم يُشر آيغنشيوس إلى معدلات التخصيب إلا أنه من الممكن الافتراض أن الحديث يدور عن مستويات تضع بأيدي إيران خيار نووي عسكري. إذا كانت هذه هي صورة الوضع، فإنها لا تتلاءم مع تصريحات الرئيس لأن الاتفاق مع إيران بناء على ذلك سوف يتيح لإيران نشاطات نووية لإغراض سلمية فقط.

وفي نفس الفترة الزمنية كتب الرئيس اوباما رسالته لإيران بصياغة مباشرة وقاطعة: ففي مقابلة مع احد مقربيه، الصحفي جيف جولدبيرغ في 2 آذار 2012، أكد الرئيس:

أ- إيران النووي تشكل تهديدا وجوديا، على الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، حتى بدون علاقة للتهديد المعلن من إيران ضد إسرائيل.

ب- بناء على ذلك، فإن تلك هي مصلحة قومية أمنية بارزة للولايات المتحدة، لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.

ج- الشرق الأوسط النووي يشكل خطراً على العالم بأكمله.

د- هجوم إسرائيلي على إيران سيساعد إيران في عرض نفسها كضحية، ومن شأن ذلك أن يخرجها من عزلتها الغارقة فيها حالياً.

ه- من الممكن أن نتفهم مخاوف إسرائيل من إيران، إلا أن هذه المخاوف لا يمكن أن تستخدم أساساً لأي هجوم.

و- حكومة إسرائيل تدرك جيداً أن رئيس الولايات المتحدة لا يغش ولا يخدع.

وبعد يومين من ذلك ألقى الرئيس خطابه أمام منظمة الإيباك. وكرر في خطابه، نفس النقاط ولكن بشكل أكثر عدائية. وأكد أن إيران النووية هو تطور يتعارض مع المصالح القومية لإسرائيل والولايات المتحدة معا، وان الولايات المتحدة سوف تستخدم جميع الوسائل المتاحة لديها من أجل منع إيران من أن تصبح دولة نووية. وأشار دينيس أن هناك دافعين رئيسيين وراء تفوهات الرئيس هذه:

الأول- ضرورة تعزيز موقفه في أوساط الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، استعداداً للانتخابات المقبلة

الثاني- منع هجوم إسرائيلي على إيران في تلك الفترة الزمنية. وذلك على خلفية توضيح وزير الأمن أيهود باراك أن إيران تقترب من "منطقة الحصانة" التي سيصعب على إسرائيل عندها العمل ضدها. والاستنتاج ذو المغزى هنا أيضاً هو أن تهديدات الرئيس لاستخدام القوة العسكرية للولايات المتحدة ضد إيران لا يعني بالضرورة النية الفعلية لتنفيذ هذا الخيار في تلك الفترة الزمنية.

أكد روس أن ذلك كان أيضاً إحساس رئيس الحكومة نتنياهو، في أعقاب المكالمة مع الرئيس اوباما في 8 تشرين الثاني 2013. فقد أوضح نتنياهو لروس أن الرسالة التي نقلها له الرئيس اوباما كانت أن الوضع الداخلي والأجواء القائمة في الولايات المتحدة لا تسمح باستخدام القوة في مواجهة إيران. وحاول روس أن يقنع رئيس الحكومة أن هذه ليست هي وجهة نظر الرئيس، إلا أن نتنياهو بقي متمسكاً برأيه أن رسالة الرئيس كانت أن الواقع السياسي في الولايات المتحدة لا يترك خياراً أمام الرئيس، إلا بالتوصل إلى اتفاق مع إيران. وبالمناسبة، ومن الجدير ذكره انه في مقابلة شاملة لكاتب الرأي في Foreign Policy حدد وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هيغل، الذي تولى المنصب بين 26 شباط 2013 لغاية تشرين الثاني 2014، ودعم، كما هو معلوم، رؤية الرئيس اوباما تجاه استخدام القوة العسكرية، وان سياسة الرئيس تجاه إيران كانت سياسة الاحتواء. ويعتقد من أجرى المقابلة أنه ببساطة مخطئ في أقواله حقاً.

وبعد وقت قصير من تحقيق الاتفاق أكد الرئيس اوباما أنه يعلم جيداً أن الاتفاق لن يلغي المخاوف الثقيلة للولايات المتحدة ودول المنطقة. وفي مقدمتها إسرائيل، العربية السعودية ودول الخليج، من إيران ونواياها. ومن أجل مواجهة التهديد الإيراني تقترح الولايات المتحدة على حلفائها في المنطقة رزمة مساعدات ملفتة، وخصوصاً في المجال العسكري. الحقيقة أنه مباشرة بعد التوصل إلى الاتفاق، كتب السفير جون بولتون، أن الرئيس أرسل إلى الشرق الأوسط وزير الدفاع إشتون كارتر، بهدف إجمالي صفقات أسلحة مع دول المنطقة المقربة للولايات المتحدة، وفي مقدمتها العربية السعودية، إسرائيل ودول الخليج، وهو تعبير بارز على أنه جهد لسياسة الاحتواء وليس سياسة العزوف تجاه إيران.

استبعاد الخيار العسكري

الاستنتاج المطلوب من هذا النقاش هو أن سياسة الرئيس اوباما تجاه إيران ونشاطاتها النووية، في معظم مراحل تكوينها، تعبر عن اتجاه بارز للاحتواء وليس العزوف. وبنظرة واسعة من الممكن تحديد أن هذا الموقف لإدارة اوباما يشكل تعبيراً عن رؤية واسعة الاتجاه بالنسبة لمكانة البعد العسكري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

في خطاب الرئيس اوباما في الكلية العسكرية في ويست بوينت في 28 أيار 2014 أوضح موقفه حول مسألة استخدام القوة العسكرية، وحظي الأمر بعد ذلك بوصف "عقيدة اوباما". منذ الحرب العالمية الثانية، قال الرئيس، استخدمت الولايات المتحدة قوتها العسكرية بصورة غير منضبطة، لفترات متقاربة، ومن دون أن تدرس الأمر بشكل عميق فيما إذا كان الأمر يحقق المصالح القومية لها. والنتيجة كانت أن الولايات المتحدة جرت لفترات متقاربة إلى مواجهات عسكرية كانت مرتبطة بالكلفة العالية جدا بالأرواح والممتلكات، إلا أنها لم تحقق بأية صورة المصالح القومية للولايات المتحدة.

وأكد الرئيس، أن الإدارة برئاسته لن تتبنى وجهة النظر هذه. من وجهة نظره، هكذا فهم من أقواله، فإن استخدام القوة العسكرية للولايات المتحدة يتم فقط عندما ينشأ تهديد فوري على الولايات المتحدة نفسها، او على مصلحة قومية عليا بالنسبة لها. وحسب تقديري، فإن التهديد النووي الإيراني لا يعتبر من قبل إدارة اوباما تهديداً ينتمي إلى هذا الإطار. فإيران تهدد تحديداً حلفاء الولايات المتحدة – إسرائيل، العربية السعودية ودول الخليج والى حد ما ايضا مصر. ولكن إيران، في الحاضر وفي المستقبل المنظور، لا تشكل خطراً على الولايات المتحدة نفسها. والاستنتاج الكبير هو حسب رأي الإدارة، وحقيقة أن بأيدي الولايات المتحدة قدرات لإلحاق الضرر الكبير بإيران لا تفرض عليها استخدام هذه القدرات. وبلغة الرئيس اوباما: "حقيقة أن الولايات المتحدة تمتلك المطرقة الأفضل في العالم، لا يعني أنها يجب أن ترى بكل مشكلة في العالم مسمارا".

في خطابه أمام مؤتمر الآيباك في 2 آذار 2015 أوضح نتنياهو أنه على علم جيد بوجهة نظر الإدارة هذه. وأكد أن بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يوجد فوارق أساسية تؤدي بالضرورة إلى نظرة مختلفة إلى مدى خطورة الخطر الإيراني وعلى أية حال – إلى مدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران.: "قال نتنياهو "الولايات المتحدة هي دولة كبرى، وهي الأكبر. وإسرائيل هي دولة صغيرة، ومن الأصغر في العالم. وتقع الولايات المتحدة في أحد الأماكن الأكثر أماناً في العالم. وتقع إسرائيل في إحدى المناطق الأخطر في العالم. وأمريكا هي الدولة الأعظم في العالم. وإسرائيل قوية، ولكن متضررة أكثر. القادة الأمريكيون مهتمون بأمن بلادهم. والقادة الإسرائيليون قلقون على وجود دولتهم. وأنا اعتقد أن هذا هو خلاصة الفرق".

استبعاد الخيار العسكري تجاه إيران برز أكثر بعد تحقيق الاتفاق مع إيران. ولكن على الرغم من أن أوباما استثمر جهوداً كبيرة في تجنيد دعم أعضاء الكونغرس للاتفاق، إلا أنه لم يستجب للطلب الذي طرح أمامه – في إظهار تعهد قاطع باستخدام الخيار العسكري مع إيران، إذا تبين بصورة جلية أن إيران تسعى للحصول على قدرات نووية: "الأفضل الأبرز في كتب الرد التي أرسلها اوباما لأعضاء الكونغرس" يقول روبرت ستلوف "هو غياب الاستعداد لمنح هذا التعهد عدا عن صيغة عامة تم تضمينها للاتفاق". واكتفى الرئيس في تحديد الروتين الذي بموجبه إذا قامت إيران بالاقتراب من تحقيق قدرات نووية، عندها "جميع الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة، بما في ذلك الخيار العسكري، تكون ممكنة في إطار وقت الاتفاق وما بعده".

ويقول ستلوف، الرئيس ليس على استعداد للتعهد باستخدام القوة العسكرية، حتى عندما يكون واضحاً أن إيران تسعى لتحقيق قدرات نووية. وإذا كان في هذا الوضع ليس على استعداد للتعهد، فمتى سيكون مستعدا لذلك؟ وعلاوة على ذلك، يقول ستلوف، منذ التوقيع على الاتفاق خرقت إيران قرارات الأمم المتحدة في نقطتين اثنتين على الأقل: إطلاق صواريخ بالستية ونشر قوات إيرانية في سوريا. هذه الأعمال لم تثر أي نقاش في واشنطن تجاه اتخاذ خطوات للرد على إيران.

وحسب تقديري، فإن هذه النظرة هي التي أدت بالرئيس اوباما للتمسك بالتقدير انه عمليا لا يوجد أي احتمال حقيقي لوقف النشاطات النووية لإيران، إلا أن عن طريق الاتفاق السياسي. يقول الرئيس، أن العقوبات هي التي دفعت إيران إلى المفاوضات، إلا أنها لم تؤدي ولن تؤدي إلى وقف النشاط النووي. وحسب رأي الرئيس، أن الهجوم الجوي على المنشآت النووية الإيرانية من الممكن أن تؤدي إلى تأجيل تنفيذ البرنامج النووي لسنتين او ثلاثة. وحسب تقديراته، لا يوجد شيء مؤكد انه بعد الهجمات الجوية ستقرر القيادة الإيرانية التراجع عن برنامجها النووي. بل العكس هو الصحيح، فهناك احتمالات كثيرة أن تقرر إيران تسريع برنامجها.

حسب تقديري، أن هذه النظرة هي التي أدت بإدارة الرئيس اوباما بالضرورة إلى "الانغلاق" على التسوية السياسية – الدبلوماسية كخيار تقريبا الوحيد لترتيب النشاط النووي الإيراني. وعدا عن ذلك، فإن الإدارة حرصت أن تظهر طوال فترة المفاوضات أن الحديث يدور عن حوار يجري بصورة ودية: "لكلا للطرفين" يقول وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، "كانت القدرة على إظهار مشاعر الاحترام للطرف الثاني، حتى في فترة الخلافات الصعبة بيننا خلال المحادثات. وفي نهاية كل لقاء ابتسمنا وضحكنا، وكنا مقتنعين إننا سنعود ونلتقي ثانية ونستمر في العملية".

في مثل هذه الظروف، فلا عجب في أن إيران حظيت على مدار المفاوضات بمكانة شريك شرعي، يعرض مطالب قاطعة إمام الولايات المتحدة مقابل كل تنازل ستكون على استعداد للقيام به فيما يتعلق بنشاطاتها النووية.

تلخيص

الاتفاق النووي مع إيران والمصادقة عليه عملياً في الكونغرس يرمز إلى انجاز سياسي ودبلوماسي ملفت للرئيس اوباما. محلل الـ"اواشنطن بوست"، ديفيد آينغشيوس اعتبر أن حقيقة التوصل إلى اتفاق ومصادقة الكونغرس عليه يعتبر "نصرا عظيما" للرئيس. وحسب رأيه، أن هذا الانجاز الاستراتيجي الأهم للرئيس اوباما خلال فترة ولايته كرئيس. كما أن محلل نقدي تجاه الاتفاق مثل روبرت ستلوف امتدح تصرفات الرئيس تجاه الكونغرس .

لقد نجحت الإدارة الأمريكية في جعل المجموعة السياسية التي أدارت المفاوضات مع إيران، إلى أن تتجاهل طوال الوقت الخلافات العميقة بين أعضائها، وخصوصاً بين الولايات المتحدة وروسيا، حول قضايا دولية متعددة، وللتركيز على المسألة الإيرانية. إن نجاح نموذج العمل هذا من شأنه أن يؤدي بالإدارة الأمريكية إلى تقدير أنه بالإمكان استخدامه في نقاط مواجهة أخرى، على سبيل المثال فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

إن الاتفاق مع إيران يعطي تعبيرا عن المزاجية والنظرات العميقة والموسعة في مسألة مكانة وطريقة أداء الولايات المتحدة في الزمن الحالي. وفي مركزه يقف الموقف الذي يعترف أن استخدام القوة العسكرية الأمريكية في إطار الحرب المستمرة تتم فقط في الحالات التي ينشأ تهديد فوري وحقيقي على الولايات المتحدة، أو على المصالح الأكثر أهمية لها. والتهديد المرتبط بتصرفات إيران لا يعتبر هكذا، من وجهة نظر إدارة الرئيس اوباما.

يتوجب على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان هذا الواقع. ومغزاه أنه أيضاً إذا تبين أن إيران خرقت الاتفاق النووي، وعملت، خلافاً للاتفاق، من أجل الوصول إلى قدرات نووية، ليس هناك أي تأكيد بأن الولايات المتحدة ستكون على استعداد لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران من أجل إحباط مثل هذا التوجه. وفي الظروف القائمة يتوجب على إسرائيل أن تضع في حسابها أن العبء الأكبر المتعلق بمنع  إيران النووية ملقى على عاتقها لوحدها فقط.  

اعلى الصفحة