|
|||||||
|
في تصريح له عام 1980 تحدث مستشار الأمن القومي الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي عن معضلة تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في "تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى بين العراق وإيران". والهدف هو "تصحيح حدود سايكس بيكو". ما حدث أن البنتاغون الأمريكي كلف المؤرخ اليهودي الصهيوني برنارد لويس وضع خطة لتحقيق الهدف. وهذا ما فعله لويس، لتفكيك عدد من الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وتركيا وافغانستان والسعودية ودول الخليج ودول شمال افريقيا إلى دويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية. وفي جلسة سرية له وافق مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي عام 1983 على مشروع برنارد لويس وأدرجه كخطة إستراتيجية في ملفات وزارة الخارجية الأمريكية. قبل عرض معالم المشروع من المفيد ملاحظة الخلفية التي بنى لويس مشروعه على أساسها ونظرته إلى بلدان العالم الإسلامي. ثمة استكبار وتعالٍ غربيين في فهمه وقراءته للمجتمعات العربية والإسلامية، فهو يصف العرب والمسلمين بأنهم قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم وإذا ترموا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات. أما الحل برأي لويس فهو"بإعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية" وما يسهل تحقيق ذلك حسب لويس هو تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية. هذا الكلام قيل في العام 2005 بعد سنتين على غزو العراق. الذي من المقرر أن يكون" منطلقاً للقوات الأمريكية إلى أي دولة في المنطقة" والكلام هو لأحد مؤسسي PNAC وهو مشروع القرن الأمريكي الجديد، دونالد كاجان. الزحف الأمريكي وفق مشروع لويس، يحتاج إلى عنوان معلن مستساغ لدى الرأي العام العربي والعالمي، فلا بأس إذ ذاك أن يكون "تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية" طبعاً هذا في الظاهر والمعلن فقط. والمفجع في الأمر أن لويس لا يخفي وسائل مشروعه وطرقه ودروبه للوصول إلى الهدف معولاً على أن لا أحد سوف يقرأ من العرب والمسلمين(خصوصاً الأنظمة وأصحاب القرار والسلطة) وإذا حدث وقرأوا فلن يفعلوا شيئاً!!. من هذه الوسائل أوضح لويس بما لا يدع مجالاً للشك، "هو تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها". كل ما يحدث في هذه الأيام في المنطقة العربية هو جزء متين الصلة بخطة برنارد لويس، ويدل على أن الأمور تسير وتتدحرج وفق ما ترسمه هذه الخطة، ولكن بتمهل وخطوة خطوة. هناك مقاومة لهذا التداعي الحاصل في المنطقة العربية، لكن هناك من يقرأها استراتيجياً وبتفاؤل يصفها الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية مايكل هايدن، بالتغييرات التكوينية التي تسبب الزلازل وتحرك القارات وتغير تضاريس الأرض). ووصف ما يحدث بالشرق الأوسط"انهياراً أساسياً للقانون الدولي" ويرى انهياراً في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فرساي وسايكس- بيكو". وأضاف" يمكنني القول بأن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجوداً ولن يعود كلاهما أبداً ولبنان بفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة" يعني أن الأمريكيين مطمئنون إلى سير الأحداث. وليس المقصود هو التهويل وإثارة المخاوف بل لفت الانتباه إلى أن كل ما يحدث ن كل الفوضى والحروب وتفكك المجتمعات يسير وفق نهج مدروس ومراد له الوصول إلى أهداف محددة مسبقاً. والمؤلم أن وسائل الإعلام والقوى الأهلية (المدنية) والأنظمة الماسكة والممسكة بالسلطات تغرق في التفاصيل والأزمات الصغيرة والمحلية والمحددة... وتغيب الرؤية الإستراتيجية للأمور. كلام مايكل هايدن بقدر ما يحمل توصيفاً أمريكياً (وباطنياً) للأحداث في المنطقة العربية، فإنه يخفي(وهذا شأن الاستخبارات) معرفة بمآل الأمور والأحداث وبطبيعة الدور الأمريكي في الحاضر والمستقبل وبطبيعة الحال، الدور المناط بالأنظمة المرتبطة عضوياً بالسياسة الأمريكية. معالم الخطة.. الفتنة من المفيد وضع خارطة العالم الإسلامي وقراءة الأحداث على الخارطة، فمن لا يقدر على قراءة الخارطة لا يفلح في فهم السياسة والأحداث السياسية. وكما في الجيوبولتيك، الصراع السياسي هو على عامل ثابت هو عامل الجغرافيا، والنفوذ والسيطرة لن تكون ولا تكون قط في الهواء والأحلام والكلام، بل على الأرض، على الجغرافيا. فالخطة الإستراتيجية الأمريكية لتقسيم المقَّسم وتجزئة المجزأ (كما بات يحلو لبعض وسائل الإعلام المحلية الترداد والتكرار) تتضمن: 1- العراق: تفكيك العراق على أسس مذهبية وعرقية وفق التالي: • دويلة شيعية في الجنوب وعاصمتها البصرة. • دويلة سنية في وسط العراق عاصمتها بغداد. • دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي عاصمتها الموصل،وتقوم على أجزاء من الأرض العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفياتية السابقة. 2- سوريا: تفكيك سوريا إلى: • دويلة علوية شيعية على امتداد الساحل السوري. • دويلة سنية في منطقة حلب. • دويلة سنية حول دمشق. • دويلة الدروز في الجولان ولبنان ( أجزاء من لبنان). 3- شبه الجزيرة العربية والخليج: • إلغاء الكويت وقطر والبحرين والإمارات وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة بحيث يبقى في شبه الجزيرة العربية والخليج ثلاث دويلات هي: • دويلة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين. • دويلة نجد السنية. • دويلة الحجاز السنية. 4- شمال أفريقيا: تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب إلى: • دويلة البربر على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان. • دويلة البوليساريو. • الباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا. 5- مصر والسودان: تنص الخطة الأمريكية على تقسيم مصر إلى 4 دويلات وهي: • سيناء وشرق دلتا النيل وتكون تحت النفوذ الإسرائيلي. • دولة قبطية وعاصمتها الإسكندرية. • دولة النوبة وعاصمتها أسوان وتتكامل مع الأراضي السودانية. • دولة مصر الإسلامية وعاصمتها القاهرة. أما السودان فتقسم إلى: • دويلة النوبة وتتكامل مع أراضي دويلة النوبة المصرية. • دويلة الشمال السوداني الإسلامي. • دويلة جنوب السودان المسيحي( وقد أُعلن جنوب السودان دولة مستقلة بتاريخ 9 تموز 2011). • دارفور في غرب السودان الحالي (وهي غنية باليورانيوم والذهب والبترول). 6- الأردن: تصفية الأردن ونقل السلطة للفلسطينيين. 7- فلسطين: ابتلاعها بالكامل من قبل العدو الإسرائيلي. 8- اليمن: إزالة دولة اليمن واعتبارها جزءاً من دويلة الحجاز. 9- لبنان: المفارقة المضحكة المبكية أن لبنان أصغر الدول المقسمة، هو أكثرهم أقساماً!! وحسب الخطة يقسم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية: • دويلة سنية في الشمال عاصمتها طرابلس. • دويلة مارونية شمالاً عاصمتها جونية. • دويلة سهل البقاع عاصمتها بعلبك خاضعة للنفوذ السوري شرق لبنان. • بيروت المدولة (دولية). • كانتون فلسطيني حول صيدا وحتى نهر الليطاني وتسيطر عليه منظمة التحرير الفلسطينية. • كانتون كتائبي في الجنوب ويضم مسيحيين ونصف مليون من الشيعة. • دويلة درزية في أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية والفلسطينية المحتلة. • كانتون مسيحي تحت النفوذ الإسرائيلي. 10- تقسيم إيران وباكستان وأفغانستان إلى عشرة كيانات عرقية ضعيفة: • كردستان. • آذربيجان. • تركستان. • عربستان. • إيرانستان ( وهو ما بقي من إيران بعد التقسيم). • بوخونستان. • بلوشستان. • أفغانستان ( ما بقي منها بعد التقسيم). • باكستان. • كشمير. والملاحظ أن التقسيم إلى دويلات بالكاد تعيش، يستبطن فرص الصراع المذهبي والعرقي مما يجعل هذه الدويلات متناحرة وضعيفة وخاضعة والخطة لا تقسم دولة العدو الإسرائيلي ولا دولة تركيا، لكنها تنتزع أجزاء منها لتضمها إلى الدويلة الكردية المزمع إقامتها في العراق. الخطة الأمريكية هذه التي هي كما أشرنا سابقاً هي مشروع أعده برنارد لويس، وأقره مجلس الشيوخ الأمريكي، خطة إستراتيجية لوزارة الخارجية، وهي (أي الخطة) لا تقسم الجغرافيا العربية والإسلامية وفق تصور تفصيلي فقط بل تخطط لإشعال تسعة حروب في المنطقة، ربما كانت أولها الحرب العراقية- الإيرانية، ثم حرب الخليج الثانية ضد صدام حسين وحرب تموز 2006 ضد المقاومة في لبنان، ثم الحرب في سوريا، فما هي الحروب التالية؟ فلننتظر. ثمة أهمية خاصة تتسم بها هذه الخطة الشيطانية، وتكمن في كونها معتمدة في دوائر القرار الأمريكي، ويظهر فيها الهدف الاستراتيجي الأمريكي، مع إصرار وتصميم على الإمساك بإحكام بأمور العالم الإسلامي، بما فيه العربي في إطار عالمي كوني للإمساك بالقرار الكوني ، وهذا على صلة وطيدة بما قرأته الدراسات الجيوبوليتيكية في صراع قوى البر (روسيا) وقوى البحر( الولايات المتحدة الأمريكية). والذي يقرأه جيوبوليتيكيون أمريكيون أن النصر سيكون للقوى البحرية (الأمريكية). ويتكامل مشروع برنارد لويس الذي ارتقى ليصبح خطة إستراتيجية أمريكية مع مشروع القرن الأمريكي الجديد PNAC الذي يركز على الإعداد الأمريكي في المجال الاقتصادي والعسكري للهيمنة على العالم من قبيل تأسيس قواعد عسكرية دائمة في جنوب أوروبا وجنوب شرق آسيا وفي الشرق الأوسط،وتطوير ونشر نظم الدفاعات الصاروخية والسيطرة المطلقة على فضاء الاتصالات والانترنت والأقمار الاصطناعية وزيادة الإنفاق العسكري الأمريكي. ثمة وجهات للمشهد العام المعقد والصعب: 1- وجه الأنظمة والقيادات السياسية في العالمين العربي والإسلامي، التي أظهرت عجزاً واضحاً عن التحليل المنطقي للمستقبل، وهذا ما تظهره الأحداث والتطورات، وتبدو البلدان العربية خاصة،وقد أفلت قيادها وتسيبت أمورها وحدودها ومصير شعوبها. وهذا ما يدركه العدو الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، هم يعون جيداً أن إمكانية تصدي الحكومات للخطط التقسيمية شبه معدومة،خطط تنشر علانية، وتملأ صفحات الجرائد والمجلات والكتب، فهم على كل حال(أي الحكام) لن يطلعوا وإذا اطلعوا لن يفعلوا شيئاً! أما لأنها مرتهنة وإما عاجزة. 2- أما الوجه الثاني لهذا المشهد، فهو وجود قوى حيّة وقيادات شعبية تحمل إرثها الفكري الديني، تعمل على استنهاض الشعوب واستقطابها حول مشروع لن يكون خلاص بدونه، هو مشروع المقاومة والممانعة. وما يحدث اليوم هو صراع محتدم بين قوى المقاومة، وتلك القوى الحاكمة التي تقوم بالوكالة بالمهمة الأمريكية، وتنفذ من حيث تدري أو لا تدري الإستراتيجية الأمريكية التي ستطيح بها فور انتهاء دورها. إن قراءة ما يحدث وما يحاك ويخطط لم يعد مهمة المحلل الاستراتيجي بل هي تكليف قومي وديني للكل أفراداً ومؤسسات رسمية وأهلية. وما يجب حفظه وصونه وحمايته من كل الأخطار الداخلية، الفتنوية والمذهبية هو نهج المقاومة، فهو الضامن والأمان والرهان لإفشال خطط التقسيم الأمريكية والصهيوني ولإسقاط الأنظمة العاملة بالوكالة، إنه النهج الذي لا ثاني له ولا آخر على الإطلاق. |
||||||