|
|||||||
|
عندما نريدُ أن نتحدَّثَ عن الجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ وما قَدَّمَتْهُ لفلسطينَ ولبنانَ لا بد من تحديدِ ماهيةِ هذا الدّعمِ!.. هل هو من بابِ مصالحِ الدولةِ أم انطلاقاً من المبادئ التي على أساسها قامتِ الدولةُ. إذ إن الكثيرَ من الدولِ قد تدعمُ دولاً أخرى أو جهاتٍ انطلاقاً من المصالحِ السياسيةِ لا من المبادئ الإستراتيجيةِ، لذلك نراهم يتخلّفون عن دعمِ هؤلاءِ في الوقتِ الذي تتعرضُ هذه المصالحَ للخطرِ تاركينَ من ادّعَوا دعْمَهم لمصيرهم غير آبهين بما سيكون هذا المصير. إن نُصرةَ الإمام الخميني (قدس سره) للقضيةِ الفلسطينيةِ لم تبدأ عندما دخلَ إيرانَ منتصراً وابتدأ بإرساءِ دعائمِ دولتِه، بل كان قبلَ ذلك وهو يعاني من الإبعادِ الذي فَرَضَهُ عليه الشاهُ المقبورُ بتاريخ 10/4/ 1964. قال الإمام (رضوان الله تعالى عليه): "إن إسرائيل في حالةِ حربٍ مع البلدانِ الإسلاميةِ، والحكومةُ الإيرانيةُ تتعاملُ معها بكلِّ الودِّ والمحبةِ، وتضعُ تحت تصرُّفِها جميعَ القنواتِ الدعائيةِ والإعلاميةِ، وتوفرُ لها التسهيلاتِ اللازمةَ لإدخالِ بضائعها إلى إيران. إن الشعبَ الإيرانيَّ يرفضُ بشدةٍ تلك المساوماتِ الرخيصةَ التي تُنْجزُ مع إسرائيلَ الخبيثةِ، والشعبُ الإيرانيُّ بريءٌ من هذه الذنوبِ الكبيرةِ، إنَّ من يقومُ بذلك هي الحكومةُ التي لا يقبلها الشعبُ مطلقاً.. ومن منفاه في تركيا قال: (فليعلمِ العالمُ بأنَّ جميعَ مشاكِلنا تنبعُ من أمريكا.. جميعَ مشاكِلنا تنبعُ من إسرائيل، إسرائيلُ هي الأخرى جزءٌ من أمريكا، وهؤلاءِ النوابُ هم أيضاً من صنعِ أمريكا وهؤلاءِ الوزراءُ أيضاً كلُّهُم عملاءُ وصنايعُ أمريكا). وفي العام 1964م أيضاً يصدرُ بياناً تعليقاً على مشروعِ تحويلِ نهرِ الأردن الذي ناقَشَهُ الحكامُ العربُ في مؤتمرِ القمةِ.. يقولُ الإمامُ(رض) في هذا البيان: (.. إنني أسألُ المسلمينَ قائلاً: لماذا تُنازِعُونَ إسرائيلَ على نهرِ الأردن؟ إن فلسطينَ كلها مغتصبةٌ، فاعملوا على إخراجِ الصهاينةِ منها أيها المتشاغلونَ بأنفسِكُم، كيف تتركونَ فلسطينَ محتلةً وتذهبونَ للنزاعِ حولَ مياهِ النهر؟، إنكم عندما تختلفونَ معها على ذلك فإنكم اعترفتمْ بوجودِها كحاكمةٍ على فلسطينَ بل كدولةٍ لها الحقُّ في فلسطين)!! إذ أن الإمامَ ومنذ البدايةِ حدَّد الأعداءَ الحقيقيينَ للأمةِ الإسلاميةِ وهم أمريكا والصهاينةُ وعملاؤهم في كلِّ الدولِ التي تقيمُ علاقاتٍ دبلوماسيةً مع الصهاينةِ وتعترفُ بوجودِها. ومنذ البداية لم يرضَ بأية مساومة مع العدو على أي شبرٍ من أرض فلسطين كما يفعل العرب اليوم بمبادراتهم الاستسلامية. من خلالِ ذلك يتَّضحُ لنا أن الإمامَ الخمينيَّ (قده) عندما انتصرتِ الثورةُ لم يَقُمْ بإلغاءِ سفارةِ إسرائيل وإقامةِ سفارةِ فلسطينَ مكانها انطلاقاً من موقفٍ آني، إنما كان ذلك ترجمةً لمبدأٍ على أساسِهِ قامتْ هذه الثورةُ المباركةُ وعندما اجتمعت كلُّ الدول لمحاربةِ الجمهوريةِ الإسلاميةِ في إيران وتعرضت لحصارٍ اقتصاديٍّ وعانى الشعبُ الإيرانيُّ البطلُ من ضيقٍ اقتصاديٍّ لم تتوقفْ هذه الجمهوريةُ المباركةُ عن دعمِ المقاومةِ في فلسطينَ بل استمرتْ في تقديمِ الدعمِ الماديِّ آخذةً من خبزِ الشعبِ لتحيا المقاومةُ في فلسطين، وللأسفِ فإنّ البعضَ يتنكرونَ لهذا الأمرِ اليومَ.. غير أن إيرانَ أيضاً لا تلتَفِتُ إلى مدحِ المدّاحينَ كي تستمرَ في عطائها بل تتطلعُ إلى رضا الله منسجمةً مع مبادئها فيما تقوم به من أعمال. وأنا أقولُ لكم متأكداً ومُقْسِماً بالله العظيمِ أن هذه الجمهوريةَ المباركةَ لو وقفَ العالمُ كلُّهُ في وجهها وقُطِعَتْ عنها كلُّ المواردِ وعاشتْ على الفتاتِ لن تتركَ فلسطينَ وقضية فلسطين. أما لبنانُ فيصحُّ في هذا قولُ القائلِ: "كيف هم أولادُك؟ فيجيبُهُ ها هم أمامَك"، فالشواهدُ كثيرةٌ على ما قدَّمَتْهُ لنا إيرانُ. يكفي أننا وبعد حربِ تموزَ استطعنا أن نبني بمساعدتها ما دمَّرَتْهُ الحربُ بسرعةٍ قياسيةٍ أذهلتِ العالمَ ولو أن تَرَكْنا أمرَنا للعربِ لحَصَلَ لنا ما حَصَلَ مع مخيمِ نهرِ الباردِ الذي ما زالَ ينتظرُ إلى اليومِ مكرُمات العربِ لإعادةِ أعمارِهِ. يكفي أننا نمشي على طرقاتٍ هنْدَسَها لنا الشهيدُ المهندسُ حسام خوشونويس ولم ينقلعْ الزفتُ إلى اليوم فيما مشاريعُ المقاولينَ عندنا لا يبقى الزفت إلا أشهراً ليأتي المطرُ ويقلَعُهُ.. والحفرُ تنتشرُ في كل الشوارع والاوتسترادات. هذا ولم نتحدّث عن يدِ الخيرِ التي امتدتْ إلينا بإرسالِ حرسِ الثورةِ الإيرانيةِ ليدرِّبوا شبابَنا فكانت أشرفَ وأعظمَ وأطهرَ وأنقى مقاومةٍ في التاريخِ، حررتْ لبنانَ من رجسِ الصهاينةِ وأخرجَتْهم مهزومينَ ثم عادت وهزمَتْهم مرةً أخرى هزيمةً نكراء في العام 2006. وهذا أيضاً لم يكن موقفاً جديداً للإمامِ الخمينيِّ أو للثورةِ ِالإيرانيةِ، فقد قال رضوانُ الله تعالى عليه: "يجب علينا جميعاً نحن المسلمين أن نعرِّف الإسلامَ بحقيقتِهِ على العالمِ أجمعْ، وننضوي جميعاً تحتَ رايةِ حزبٍ واحدٍ هو "حزب الله"، فلا نكوننَّ أحزاباً متباينةً وأجنحةً مختلفةً. ليبادرَ العلماءُ في كلّ شعبٍ من الشعوبِ لتوعيةِ شعبِهم بإبعادِ المؤامراتِ الّتي وضَعَها الأجانبُ والمستعمرونَ لبثِّ الفرقةِ بينهم. وهذا تكليفٌ يقعُ على عاتقِ جميع الزعماءِ الدينيّين". وبعد أن تأسسَ حزبُ الله وبعد الاجتياحِ الصهيونيِّ في العام 1982 خاطبَ الإمامُ الخمينيُّ وفدَ حزب الله بقوله: "انتم يا شبابَ أمةِ حزب الله فخرُ الأمةِ الإسلاميةِ فعليكم أن تكونوا من الممهدينَ لدولةِ صاحبِ العصرِ والزمان". لو أردتُ أن أبقى بينكم أعدِّدُ ساعاتٍ لما اتّسعَ ذلك لبعضِ ما قدَّمَتْهُ إيرانُ لفلسطينَ ولنا.. ولكن يكفي أن تعلَموا أن هذه الجمهوريةَ لو وافقتْ على التخلي عنا وعن فلسطينَ لجُنِيَتْ لها خيراتُ الأرضِ، ولكانت شرطيَّ الخليجِ ولما استطاعَ ملكٌ أو أميرٌ أن يرفعَ رأسَهُ بوجهها كما كانت أيامَ الشاهِ ولكنها اختارتْ خطَّ الحقِ وعرفتْ أن عليها أن تعاني ووافقَ شعبُها. فمن صميم قلوبِنا ورَحْبِ أرواحِنا وشُكرنا للإمام الخميني (قده) وللقائدِ الخامنائي ولشعبِ إيرانَ البطلِ ما لا يحصى من الثناءِ والشكر. وإن كنا نعلمُ أنكم لا تريدونَ منا جزاءً أو شكوراَ إنما تفعلونَ ذلكَ ابتغاءَ مرضاةِ الله، فبارك الله بكم ونَصَرَكُم على أعدائكم. |
||||||