|
|||||||
|
يقول رينيه ديكارت الفيلسوف، والرياضي، والفيزيائي الفرنسي، المُلقب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، وذلك في بحثه عن الأدلة والبراهين العقلية عن إثبات وجود الله: " أنا أفكر، إذن أنا موجود". ونحن لسنا بحاجة إلى أن ننتظر الموت حتى نرى حقيقة ما يجري حولنا، لكي نفكّر أين كنّا من قبل؟ والى أين نذهب؟ ومتى؟ ولماذا عند المصائب والأمراض الشديدة نستغيث بالله لإنقاذنا؟ ولماذا عندما يحين أجلنا أو يقترب منا نبدأ بمحاسبة أنفسنا؟ ولماذا عندما ينقطع رزقنا، فإننا تلقائياً ندعو الله عز وجل؟ كما أننا لسنا بحاجة لأن نكون أذكياء لكي ننظر حولنا، فنرى حجم الكون الكبير، وصور مئات ملايين المجرات، لنعرف كم نحن صغار أمام عظمة الخالق. ولكن الحقيقة أن المرء يحاول طيلة حياته ألا يفكّر من شدّة خوفه، فيتحول إلى طفل كبير يلهو ويلعب إلى أن يأتيه الموت بغتة، في حين أن الله عز وجل يأمر الإنسان بعكس ذلك لقوله تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾(الأنعام: 70). كما أن هنالك من يقول بأنه ما لم يثبت شيء ما بالعلم فإنه لن يستطيع أن يؤمن، أو ما لم يرَ بعينيه فلا يستطيع أن يصدّق، ولكن الله عز وجل يرد عليه بقرآنه الكريم فيقول: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾(سورة ياسين: 78)، وكذلك: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(سورة البقرة:28). أي أن الهارب من التفكير أو الهارب من النظر إلى المحيط الذي يعيش فيه، ليس سوى شخص ضعيف بقدراته العلمية ولا يملك حتى القدرة على التحليل المنطقي والمنهجي البسيط، ذلك أن أبسط نظرة إلى جنسنا البشري من المفترض أن تجعلنا نتساءل عن حقيقة أول رجل وأنثى على وجه الأرض؟ أو عن أول جنس بشري أو على الأقل أول جنس حيواني، من أين أتوا ؟ وكيف أتوا؟ ولماذا لا يأتي مثلهم مجدداً؟ كما أن إلقاءنا لنظرة واحدة إلى السماء، من المفترض أن تدفعنا لأن نتساءل: أين نحن؟ وأين تتواجد كل هذه الكواكب والنجوم؟ وكيف أتت؟ وما سرّ هذا التنظيم الكوني المتناسق؟ ولماذا لا تصطدم الكواكب والنجوم ببعضها البعض ولو لمرّة واحدة؟ وكيف تلقائياً تعرف مسارها؟ والى متى ستستمر الحياة على وجه الأرض؟ والى متى ستستمر الشمس بالإضاءة؟ وتباعاً متى سوف يُفنى جنسنا البشري كليّاً؟ ولذلك يقول تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾ (سورة الإسراء: 85)، وقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(سورة غافر: 57)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾(فاطـر:41)، ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾(سورة يس:40) وروى البخاري (7418) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أن نَاسا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دخلوا على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ.. ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ). وفي رواية: (كان الله ولم يكن شيء غيره)، وفي أخرى: (ولم يكن شيء معه) راجع الفتح (6/289) وعند مسلم (2713) مرفوعاً: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ). كذلك فمن يؤمن بسيدنا موسى عليه السلام يؤمن بكافة الرسل الكُثر الذين كانوا من قبله، ومن يؤمن بسيدنا عيسى المسيح عليه السلام، يؤمن كذلك بكافة الرسل الذين كانوا من قبله، ومن يؤمن بسيدنا محمد(ص)، يؤمن كذلك بكافة الرسل الذين كانوا من قبله، وجميع هؤلاء بشروا بأن الله عز وجل خلق كل هذا الكون العظيم، وأنه خلق أيضاً كافة البشر والحيوانات وكل شيء، وأننا سنحيا مرّة أخرى، كما أن هنالك حساباً بعد الممات. فهل يعقل أن هؤلاء الرسل الذين أتوا بالكتب السماوية كلها والموجودة أضرحتهم وأماكن عبادتهم في كل بقاع الأرض، كلهم كاذبون! وأنهم عانوا ما عانوه طيلة حياتهم لتحقيق غايات دنيوية رخيصة؟ أي عاقل يؤمن بذلك؟ ولماذا كافة تبشيراتهم كانت متناسقة؟ وألم يروا بأن الرسالة ذاتها كانت تتكرر معهم جميعاً؟. لذلك من الضروري أن نعلم جميعاً بأن خالقنا واحد، فمن خلقك خلقني، ومن خلقني خلقك، ولذلك يقول تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(العنكبوت :46)، فأن يفتح المرء عينيه وأن يطهّر قلبه وأن يفكّر هو بداية الطريق للإيمان الحقيقي، لقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾(الروم: 8)، أما الباقي فسوف يكون سهلاً بالتأكيد، لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ (الأنفال:23)، ما معناه بأن الإنسان ما إذا كان بطبعه محبّاً للخير وللفضيلة، فإن الله سوف يهديه مستقبلاً إلى طريق الإيمان بالتأكيد، وسيعرف الصراط المستقيم بدون أدنى شك. وأخيراً، في حياة الواحد منا ألوف الناس قريبون وبعيدون كثيرون عاشوا دون أن يفكروا ودون أن يفهموا، فمروا كما تمر الرياح على أوراق الشجر أو على رمال الصحراء، وكما تمر السيارات على الطريق، أو كما تنفذ أشعة الشمس إلى الغرفة المظلمة. ولذلك، وحتى لا يكون الإنسان مجرد رقم زائد لا قيمة له، فعليه أن يبدأ بالتفكير فوراً، وأن يسعى الى معرفة حقيقة وجوده، لقوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (سورة الحديد:20)، ولقوله أيضاً: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (يونس: 24-25) |
||||||