الحرب المرتقبة على ليبيا: الأهداف والتداعيات

السنة الخامسة عشر ـ العدد 171 ـ  (جمادى الثانية 1437 هـ ) ـ (آذار 2016 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بعد أن تعرض تنظيم "داعش" الإرهابي لضربات قوية و مركزة من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، والجيش العراقي، في كل من سورية والعراق، منذ النصف الثاني من السنة الماضية وليومنا هذا، سعى هذا التنظيم الإرهابي إلى إيجاد قاعدة خلفية في ليبيا،إذ تشير كل التقارير الغربية والعربية إلى وصول المئات من الإرهابيين التونسيين الذين كانوا يقاتلون في صفوف هذا التنظيم في سورية مؤخراً إلى ليبيا ومطار معتيقة.

ويشار إلى أن ليبيا تشهد فوضى منذ أن أطاح حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالعقيد معمر القذافي عام 2011، وتمكن متطرفو تنظيم "داعش" الإرهابي من السيطرة على مناطق هناك.

وكان تنظيم "داعش"، شن مع بداية شهر كانون الثاني 2016، هجوماً مزدوجاً استهدف بلدتي السدرة وراس لانوف في منطقة الهلال النفطي شمال ليبيا، في محاولة جديدة منه لدخول هذه المنطقة النفطية الأساسية في البلاد بعد سيطرته على مدينة سرت.وأطلق هذا التنظيم الإرهابي على الهجوم اسم "غزوة الشيخ أبو المغيرة القحطاني"، أي "أبو نبيل الأنباري"، القيادي في التنظيم الذي قتل في غارة أميركية استهدفته في مدينة درنة شرق ليبيا منتصف تشرين الثاني 2015. وذكر"داعش" أن هجومه، يأتي بعد سيطرته بـ "الكامل" على بلدة بن جواد الواقعة على بعد 600 كيلومتر شرق طرابلس، وعلى بعد نحو 145 كيلومتراً شرق مدينة سرت الخاضعة لسيطرة التنظيم منذ حزيران الماضي.

ويحاول "داعش" منذ أسابيع التقدم من سرت شرقاً باتجاه المناطق المحيطة بها ومنطقة "الهلال النفطي" التي تشمل سدرة وراس لانوف، حيث تقع أكبر موانئ تصدير النفط الليبي. وكان التنظيم قد شن هجوماً مماثلاً في تشرين الأول الماضي، ولكنه فشل في تحقيق أي اختراق.

ويتواجد "داعش" في منطقة النوفلية الخاضعة لسيطرته منذ شباط 2015، وهي منطقة ملاصقة للسدرة التي تحوي أكبر موانئ النفط في ليبيا، والمكونة من أربعة مراس مجهزة لسفن الشحن، و19 خزاناً بسعة تصل لـ 6.2 ملايين برميل من النفط الخام. كما يتمركز في منطقة هراوة القريبة من سرت.

ويُقدّر عدد مقاتلي تنظيم "داعش" في الوقت الراهن بين 3500 و5000 مسلّح أغلبهم من الليبيّين، والتونسيين. هذا العدد المحدود من المقاتلين المُحاصَرين غرباً من كتائب مصراته وشرقاً من الجيش الوطني الليبي، حدّ من قدرة داعش على المضي قدماً في قضم الأراضي المحيطة، رغم سعي هذا الأخير على التمدّد نحو مصراتة وتوجيه التحذيرات لأهاليها. ولكن الهدف الأبرز لمقاتلي داعش في الوقت الراهن ينصب على تدعيم قدراتهم الماليّة المحدودة حالياً، وهو ما يفسّر التوجه غرباً للسيطرة على الهلال النفطي الممتدّ بين سرت وأجدابيا والذّي يحتوي على 60% من الاحتياطي النفطيّ للبلاد. وقد نجحت داعش فعلاً في السيطرة على النوفليّة والتقدّم بإصرار نحو البريقة وأجدابيا لإحكام السيطرة على خليج سرت بأسره(1).

وأثار توسع وتمدد هذا التنظيم الإرهابي مخاوف الدول المجاورة لليبيا، لاسيما تونس والجزائر وكذلك دول الساحل الإفريقي الواقعة في منطقة الصحراء الكبرى، لأن هذا التمدد يشكل حلقة وصل مع التنظيمات الإرهابية العاملة هناك، مثل "بوكو حرام"  و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الأمر الذي ينعكس سلباً على أمن تونس والجزائر ومصر وتشاد والنيجر وعلى الدول الأوروبية نفسها.

تشكيل حكومة الوفاق الوطني

وعلى الرغم من توقيع "اتفاق الصخيرات" للسلام برعاية الأمم المتحدة في المغرب، وتشكيل مجلس الرئاسة في 16ديسمبر/كانون الأول 2015، من قبل أعضاء في برلمان طبرق وفي البرلمان الموازي غير المعترف به دولياً في طرابلس، إذ ينص الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة فايز السراج، توحد السلطتين المتنازعتين على الحكم منذ منتصف 2014، فإن حكومة الوفاق الوطني الجديدة تشكلت في 16 شباط 2016، على قاعدة المحاصصة المناطقية والجهوية. وحسب المؤشرات الأولية في تشكيلة الحكومة الجديدة توجد إرادة قوية لتدارك نقائص الهيئات السابقة التي اتهمها معارضوها بكونها كانت أساساً "محاصصة بين رموز حركة 17 فبراير" أي أنها أقصت كل المسؤولين الإداريين والحكوميين البارزين الذين تحملوا مسؤوليات عليا قبل إسقاط نظام القذافي. وقد عين في هذا الفريق لأول مرة وزيران سبق أن توليا مسؤوليات حكومية في عهد القذافي هما وزير الخارجية الجديد محمد طه سيالة ووزير التخطيط الهادي الطاهر الجهيمي وقد سبق لهما تحمل مسؤولية "أمين مساعد" ـ أي كاتب دولة ـ في نفس الاختصاص قبل ثورة17 فبراير 2011. كما عينت على رأس وزارة الدفاع شخصية قيادية في الجيش الوطني عندما كان تحت قيادة اللواء خليفة حفتر الذي لا تزال الأنباء متناقضة حول دوره المستقبلي.وفي المقابل يعتبر وزير الداخلية الجديد أقرب إلى مجموعات "فجر ليبيا" ووزعت الحقائب بين "لوبيات فاعلة" في مصراطة وطرابلس غربا وبنغازي شرقاً وسبها جنوباً.

وتواجه حكومة فايز السراج تحديات، في مقدمتها تحدي السيطرة على الدولة، وإدارة  شؤونها، ما يثير الجدل حول شرعية الحكومة واستيعابها للأطراف الليبية، ويزداد تفاقم مشكلة الشرعية مع الضغوط الدولية، تحت دعاوى مواجهة التنامي السريع لـ"داعش" باعتبارها أكبر منظمة جهادية بعد الاستيلاء على سرت. ويخشى كثير من المراقبين داخل ليبيا وخارجها من أن توكل لهذه الحكومة مهمة إعطاء "شرعية وهمية" للتدخل العسكري الدولي وللحرب الشاملة المتوقعة.ولن يقتصر التدخل العسكري على ضرب معاقل تنظيم "داعش" وفق قرار مجلس الأمن 2213، بل ستشمل أيضاً التشكيلات المسلحة المنضوية تحت المؤتمر الوطني والتحالفات الموالية لـ "فجر ليبيا"، ما يجعل خريطة الصراعات معقدة، ويشكل حالة من غياب الدولة والسلطة.

وتركز المواقف الأوروبية والأمريكية على مخاطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتعتبر أن وجود حكومة موحدة يشكل واحداً من مسارات مكافحة الإرهاب، حيث إن حالة الانقسام في ليبيا توفر مناخاً خصباً لتنامي التنظيمات المسلحة والإرهابية. ولذلك، يدعم الاتحاد الأوروبي تشكيل حكومة الوفاق الوطني، لكن ثمة قلقا من تباطؤ مسار تشكيلها، فيما تتفاقم فوضى السلاح. وإزاء هذه المشكلة، تظهر دوافع التدخل لمحاربة التطرف والإرهاب. وقد اتسمت قرارات مجلس الأمن حول ليبيا بمنح فرصة لدعم السلام ورفض التوجهات التدخلية لجامعة الدول العربية، وقد ارتكزت هذه القرارات، على اختلاف مصالح الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لكن مع تقارب روسيا والولايات المتحدة في الأزمة السورية، تتزايد فرص التفاهم على تعاون مشترك لإدارة الأزمة الليبية، لكن المعضلة التي تواجه الدول الكبرى تكمن في اعتبار المسار العسكري بديلاً عن المسار السياسي، خصوصاً بعد الاقتراب من تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وتأرجح الخلافات حولها، كما أن فشل العملية السياسية سوف يجعل تحالف "فجر ليبيا" أقل تأثيراً في المشهد السياسي(2).

ليبيا تعيش في ظل اللادولة

لقد مرّ على رحيل القذافي من المشهد الليبي خمس سنوات، ومع ذلك لم تتخلص البلاد من حالة الفوضى العارمة. وهي حالة تناقض توقعات المشاركين في الحراك الشعبي، كما خيبت تنبؤات من تحمس ووصف ذلك الحراك في بداياته بما يسمى "الربيع العربي" من جانب قوى تدخل حلف شمال الأطلسي. فمن "المجلس الوطني الانتقالي" المؤقت، إلى حكومتي طرابلس و طبرق، عجزت كل الحكومات المتعاقبة عن وضع خريطة طريق عنوانها بناء الدولة المدنية الديمقراطية. ويعود فشل الجميع في إنجاز هذه المهمة من جراء وقوف  المليشيات المسلحة ضد تحقيقها، لاسيما وأن بعض من حصل على حقيبة وزارية، حصل عليها ليس لتميزه ولخبرته في مجال عمله، ولكن لقيادته لمليشيا قوية. وهكذا فرضت المليشيات سيطرتها على المشهد الليبي، وانحصر نشاط الحكومة، وكذلك "المؤتمر الوطني العام" في تنفيذ رغبات زعماء المليشيات التي كانت في بعض الأحيان متناقضة، ومتعارضة مع قواعد المنطق والعقل، ودخلت  البلاد في حالة من  الفوضى العارمة، مما شجع بعض المراقبين بوصف ليبيا بالدولة الفاشلة، تمهيداً للوصول إلى حالة لا دولة.

كان واضحاً، منذ الأيام الأولى، أن بعض من شارك في الحرب ضد القذافي كانت له أجنداته الخاصة، حيث أعلن عنها بصراحة. الشعارات التي رفعتها بعض القوى الليبرالية والوطنية كان من بينها بناء الدولة المدنية والتحول الديمقراطي. لكن بعض الجماعات ذات التوجهات الدينية المتطرفة، التي لا تؤمن بهذه الشعارات، أعلنت أنها تهدف إلى بعث دولة الخلافة الإسلامية من جديد. ظهر هذا الإعلان  في مدينة درنة خلال الأسبوع الثاني من عمر الثورة. وبعد شهرين كان اسم أمير إمارة درنة الإسلامية معروفاً ومتداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك لم ينتبه المجلس للخطر الذي يكمن وراء هذا الإعلان. واستمر تحكم المليشيات المسلحة في المشهد  السياسي. كما سمح بعضهم لنفسه بارتكاب ما يعادل جرائم حرب، ومع ذلك لم تستطع السلطة التنفيذية أن تحرك ساكناً. ارتكبت هذه الأفعال خلال جميع المراحل التي مرت بها البلاد منذ انطلاق الانتفاضة، ولا يوجد ما يشير إلى أنها ستتوقف في المستقبل القريب..

أطماع الدول الغربية في ليبيا

تحولت ليبيا إلى ضحية لصراع إقليمي وصراع دولي، يعمل على تأجيج الخلافات الداخلية، بدلاً من المساعدة في تخفيفها. فكل دولة اهتمت بالتدخل في الشأن الليبي، كانت ترغب في الحصول على نفوذ أكبر مما حصلت عليه في السابق. مساحة البلد كبيرة، وعدد سكانه صغير، ومخزونه المعروف من ثروات النفط والغاز ضخم بالمقارنة مع بقية البلدان المنتجة لهذه الثروة. وكانت لكل بلد خطته؛ توجهت أنظار البعض مباشرة نحو المكاسب الاقتصادية، بينما اهتم البعض الآخر بشكل النظام السياسي الذي سيخلف نظام العقيد، بهدف أن تصبح ليبيا تابعة لتلك الدول.

تنافست الدول لحصول شركاتها على نسبة أكبر من عقود النفط والغاز،  تتقدمها  قطر والإمارات وتركيا، إلى جانب عدد من الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا. لقد برزت قطر منذ الأيام الأولى كداعم رئيسي للمليشيات المسلحة، لاسيما تلك التي تنتمي إلى فصائل الإسلام السياسي. أما بالنسبة إلى الدول الغربية، فيبدو الأمر وكأن بعضها يؤيد فكرة استمرار الصراع والتدمير على الأرض، بهدف التخلص من أكبر عدد من الإرهابيين، الذين قد يشكلون خطراً على أمن أوربا والولايات المتحدة، ولفتح مجالات أوسع للشركات الغربية التي ستتولى إعادة بناء البنية التحتية. فالعلاقة بين السياسة والاقتصاد علاقة قوية عند نسبة كبيرة  من رجال السياسة الغربيين. ثم يوجد مشهد التفكيك للدول الوطنية العربية بشكل كامل.

وكان رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة والمستشار العسكري للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الجنرال جوزيف دانفورد، دعا إلى تصعيد عمليات أمريكا العسكرية ضد تنظيم "داعش" في ليبيا وتدريب القوات الليبية لمحاربة التنظيم، إثر توسيع الجماعة الإرهابية عملياتها في البلاد. وأخبر الجنرال الصحفيين أثناء سفره في أوروبا إن الولايات المتحدة تريد "اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة" لوقف "داعش" في ليبيا، بالتزامن مع مواصلة دعم العملية السياسية لتشكيل حكومة فعالة في الدولة، مؤكداً زيادة قلق المسؤولين الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة، بسبب أحدث التقديرات الاستخبارية التي تشير إلى ارتفاع أعداد عناصر التنظيم في ليبيا إلى الآلاف، وتواتر معلومات عن أن بعض كبار قادة "داعش" قد انتقلوا إلى هناك، حسب ما أوردت قناة "سي أن أن" الأمريكية.

كما كشفت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية، أن قوات خاصة بريطانية انتشرت في ليبيا للتحضير لوصول قوات دولية، قوامها ستة آلاف جندي، لوقف تقدم تنظيم "داعش" داخل البلاد ومنعه من السيطرة على الحقول النفطية. وقالت الصحيفة البريطانية، يوم 25كانون الثاني 2016، إن بريطانيا بصدد إرسال نحو ألف جندي إلى ليبيا، بينهم خبراء عسكريون في المراقبة وقوات للاستطلاع، ضمن تحالف قوات دولية: أمريكية، بريطانية وفرنسية، بقيادة إيطالية. وستعمل القوات الخاصة البريطانية، وفقًا للصحيفة، بالتعاون مع القادة العسكريين الليبيين، وتقدِّم المساعدة في ما يخص إدارة العمليات والمعارك باستخدام الأسلحة والقوات والطائرات والسفن البحرية، وتعمل حالياً على جمع معلومات استخباراتية وتقييم الأوضاع وإرسالها إلى قائد العمليات المشتركة في لندن الجنرال جون لوريمر.

وفي السياق عينه، صرحت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي في حوار نشر مؤخراً بأن إيطاليا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا يدرسون خيار التدخل العسكري في ليبيا للعمل على استقرار الأوضاع بها.وقالت الوزيرة الإيطالية لصحيفة "كورييري ديلا سيرا": "لا نستطيع تخيل مرور فصل الربيع والوضع ما زال في حالة جمود في ليبيا.. على مدار الشهر الماضي عملنا بصورة مكثفة مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين" في إشارة إلى الخطط العسكرية.

وتستعيد إيطاليا في هذه الأيام ذكرى تحلم لو كان بالإمكان تجنبها، حين دفع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، و"مفكره" الصهيوني برنارد هنري ليفي، باتجاه التدخل الأطلسي في ليبيا، بمساندة بريطانيا التي اضطر رئيس وزرائها خلال الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني 2016 لمواجهة في البرلمان حول عدم إيفائه بالوعود التي قطعها في 2011 لجهة "عدم تحويل ليبيا إلى عراق جديدة". حينها، كانت المعارضة من روما شديدة، معتبرةً أن "لا أحد يعرف التعقيدات الليبية" أكثر مما هي.ويثير أيضاً في هذا الصدد، إعلان فرنسا مؤخراً عن إمكانية سحب قواتها قريباً من إفريقيا الوسطى، وهي من ضمن ثمانية آلاف جندي فرنسي ينتشرون خارج الحدود، فضلاً عن 11 ألف جندي في مجموعة ما وراء البحار التابعة لفرنسا، وما إذا كان مؤشراً عن عزمها على الانخراط أكثر في الفوضى الليبية.ويرى دبلوماسيون وخبراء أن "الريبة" عادت لتسود العلاقات بين فرنسا وايطاليا في ما يتعلق بالسبيل الأفضل لإدارة هذه الفوضى.

وجاء في افتتاحية صحيفة الأعمال "آيل سول 24 أوري" الإيطالية إن "الخطر يكمن في أن تواصل إيطاليا الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية وتدعم الحكومة الوطنية الجديدة، بينما تريد دول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا حرق المراحل"، مشيرة إلى هدف غير معلن للفرنسيين، وهو ضمان مواقع قوة في قطاع الطاقة في ليبيا، مُكَرِّرَة بذلك الأخطاء التي أدَّت في العام 2011 إلى الفوضى المنتشرة الآن. وهو اتهام أيضاً وجهته روما إلى باريس في العام 2011.

وخرجت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي، يوم 14شباط 2016، بتصريح أكدت فيه أن "فرنسا وبريطانيا لن تقدما على حرب منفردة في ليبيا"، وأن بلادها هي التي "ستقود أي تحرك عسكري"، مشيرة إلى أن هذا القرار "جاء خلال الاجتماع الأخير لوزراء دفاع دول التحالف" في بروكسل. وأوضحت أن العملية العسكرية، التي لا يزال غامضاً دور "الناتو" فيها، "ستكون أيضاً لحماية الآبار النفطية التي تستثمرها مؤسسة الطاقة الإيطالية إيني"، لافتة إلى أنها "تتحدث عن حرب على الإرهاب تحتاج إلى تمويل إضافي لمبلغ الـ600 مليون يورو، الذي خصصه البرلمان الإيطالي للحرب على داعش في العراق".

الدعوات للتدخّل العسكريّ المباشر في الصراع الليبيّ المحتدم منذ أكثر من خمس سنوات، جاءت من نفس اللاعبين الأساسيّين. على المستوى العربي تبدو الإمارات مصرّة على الدفع نحو الحلّ العسكريّ ضدّ التنظيمات الإسلامية المنتشرة على طول الساحل الليبيّ انطلاقاً من داعش وصولاً إلى الإخوان المسلمين في سياق سياسة ثابتة معاديّة لحركات الإسلام السياسيّ والتي تجلّت في مواقف الإمارات من حكومات الإخوان في مصر وتونس. وتسير في ركب الإرادة الإماراتية مصر الباحثة عن تصدير أزماتها الداخليّة وتأمين حدودها الغربيّة، حيث تشير بعض المصادر أن آفاق التدخّل المصريّ سينحصر على تأمين حكومة قويّة ومستقرّة في بنغازي أو طبرق، تخضع للنفوذ السياسيّ المصريّ.

شمالا، وعلى الرغم من حرص الناتو على تجنّب التورّط في حرب بريّة داخل ليبيا، إلاّ أنّ الدول الأوروبيّة تصرّ على الدفع قدما نحو تدخّل عسكريّ دولي للقضاء على الخطر الداعشيّ وضبط الساحة الليبيّة. إلاّ أنّ حسابات الأوروبيّين تختلف من دولة إلى أخرى، إذ يكمن الهمّ الفرنسيّ بالأساس في التحضير للانتخابات الرئاسيّة في 2017 وأهميّة توجيه ضربات موجعة لتنظيم الدولة الإسلامية داعش يمكن استغلالها فيما بعد كورقات انتخابيّة خصوصا بعد هجمات باريس التي جعلت من معطى الأمن حاسماً في تقرير نتائج الانتخابات القادمة. كما أنّ الحريف الإماراتيّ السخيّ يلعب دوراً مهمّاً في توظيف عقود السلاح والطائرات لصالح الرغبة الإماراتيّة في تشكيل ملامح الموقف الفرنسيّ. من جانب آخر، فإنّ إيطاليا، الدولة الأوروبيّة الأقرب جغرافياً إلى ليبيا ترغب في تصحيح مسار الأحداث الذّي أقصاها من تقسيم غنائم ليبيا سنة 2011. حيث تسعى هذه الأخيرة إلى لعب دور رئيسيّ في مستقبل ليبيا التي تعتبرها منطقة نفوذ تقليديّة، إضافة إلى المعطى الجغرافيّ الذّي يجعلها المتلقي الأول لارتدادات الأزمة الليبيّة.أمّا الموقف الأمريكيّ فيبقى غير متحمّس لمغامرة عسكريّة كبيرة في الداخل الليبيّ، ما لم تتطوّر الأحداث وتتغيّر التوازنات بشكل جذريّ يهدّد مصالحها المباشرة.وفي هذا السياق، وبعيدا عن الراديكاليّة الإماراتيّة، فإنّ الموقفين الأوروبيّ والأمريكيّ الرافضين للتورطّ في دوّامة الرمال الليبيّة مباشرة، تدفع باتجاه عمليات جويّة مكثّفة تكمّل دور قوّات بريّة. وستتشكّل بالأساس من تحالفات آنية بين عدد من الفصائل الليبيّة على رأسها الجيش الوطني وكتائب مصراتة، التي ستقاتل في فسيفساء معقّدة على طول الخارطة الليبيّة(3).

رفض دول الجوار الحرب على ليبيا وسط مخاوف تونس

لقد حذرت دول الجوار الليبي من إمكانية التدخل الغربي في ليبيا، ولاسيما تونس والجزائر، اللتين دعتا إلى اجتماع عاجل لهذه الدول للبحث في السبل الكفيلة للدفع بالبحث السياسي في ليبيا.

وتبدو خيارات التدخل الدولي السريع مطروحة بقوة في حال فشلت طبرق بالتصويت على الحكومة، أما الخيار الثاني فهو انتظار تقديم هذه الحكومة طلباً بحاجاتها الأمنية المستعجلة.

وكانت صحيفة "الوسط" الليبية، قد نشرت تقريراً الأسبوع الماضي عن خطط الحرب في ليبيا، "وسط معلومات تشير إلى تحشيد لقوات مصراتة عند مداخل سرت الغربية والجنوبية"، و"توقعات أن تطرح مصراتة نفسها كقائدة لقوة مشتركة من التشكيلات العسكرية الموجودة في المنطقة الغربية تتولى الهجوم الأرضي المسنود بالقصف الجوي الغربي". واعتبر الباحث في الشأن الليبي في معهد "كارنيغي" فريديريك ويري في تقرير نشرته "فورين أفيرز" أن "خيارين أمام الدول الغربية للتدخل في ليبيا يجري مناقشتهما، الأول برنامج تدريب بعد خلق وحدة عسكرية جديدة تقدم ولاءها لحكومة الوفاق، وهو أمر صعب، أما الخيار الثاني، فهو الاعتماد على تقديم الدعم لقوات موجودة على الأرض". وبنظر ويري، فإن أقوى الميليشيات حالياً وأكثرها تجهيزاً هي قوات مصراتة، ولكن ذلك قد يؤدي إلى حمام دم في سرت التي لها تاريخ طويل من المعاناة مع هذه القوات، التي استباحت المدينة وقامت بالكثير من التجاوزات بعد سقوط نظام معمر القذافي. أما التوجه لدعم قوات حماية المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم جضران، فمن شأنها أن تدفع هؤلاء إلى توجيه سلاحهم إلى قوات مصراتة في إطار الصراع على النفط.

يعود تكرار طرح فكرة التدخل العسكري إلى ضعف الدولة وسيطرة العشائر على الحدود، ما أحدث أوضاعاً غير قانونية عديدة، سواء في الأنشطة الاقتصادية وتجارة الأسلحة، كما أدى الصراع السياسي بتشكيلها، من دون توفير الشروط اللازمة لنجاحها، فما تزال السياسات الغربية تراهن على نجاح المسار السياسي والعسكري إلى وقف خطط بناء الجيش والأجهزة الأمنية، وصارت الحكومة رهينة خيار تسليم المهام الأمنية إلى بعض المليشيات والكتائب المسلحة، وانحسار وجود الحكومة في الجنوب. وقوضت الانقسامات داخل الجيش فرص وجود قيادة موحدة تجمع مختلف المقاتلين، وهي انقساماتٌ تتفاقم على الخلفيات الجهوية والسياسية. ويمكن اعتبار الضربات الجوية من أوهام القضاء على "داعش"أو المجموعات المصنفة إرهابية، كما أن نشر قوات داخل ليبيا سوف يكون محفوفاً بالمخاطر. ولذلك، يمكن قراءة الجدل الحالي حول التدخل العسكري، من وجهة أنه بمثابة ضغوط لفرض حكومة التوافق والإسراع.

في ظل الحرب الجديدة المرتقبة في ليبيا، يرفض كبار المسؤولين التونسيين عملية التدخل العسكري الدولي، ويصرون على حل الخلافات بين الفرقاء الليبيين عن طريق الحوار تثير مخاوف التونسيّين والحكومة التونسيّة أكثر من أي وقت مضى. وتنبع المخاوف التونسية التي أعلنها وزير الدفاع التونسي  فرحات الحرشاني، من أن العملية العسكرية بليبيا ستكون لها انعكاسات على دول الجوار وخاصة تونس لعدة اعتبارات منها جيو/سياسية واقتصادية واجتماعية (تداخل اجتماعي بين تونس وليبيا) وتأثيرات بيئية وصحية منها تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الليبيين إلى الحدود الجنوبية لتونس، حيث أن موجة الهجرة الواسعة ستزيد في إرباك الاقتصاد التونسي، الذي لم يعد يحتمل أي ضغط بشري جديد، لاسيما أن البلاد لا توجد فيها البنية الأساسية لاحتضان لاجئين تكون بمستوى ما توفر سنة 2011، باعتبار أن الجيش الوطني غير قادر على القيام بهذا الدور لان سيكون من أولوياته القيام بالدور الدفاعي الموكول له في هذه الحالة.

وتتخوف السلطات التونسية أيضا من تداعيات الحرب ضد التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش)، لأنها ستفسح في المجال لاحتمال تسلّل عناصر إرهابيّة ضمن موجات اللاجئين أو تحريك بعض الخلايا النائمة داخل البلاد يبقى الهاجس الأكبر للأجهزة الأمنية في تونس.

تساؤلات عديدة مشوبة بحالة من القلق والتخوف يتم تداولها في الشارع التونسي حول إمكانية انتقال الحريق الليبي إلى تونس وتنفيذ الدواعش لتهديداتهم واستغلال الضربات الجوية للتسلل إلى تونس معتمدين على العناصر التونسية التي تعرف الصحراء التونسية جيدا ومعتمدة على المهربين الذين خبروا الطرق الوعرة في الصحراء والجبال. أما عن مسار الحرب وملامح الحلّ السياسيّ، فطبيعة التدخّل العسكريّ وضبابيّة التحالفات، إضافة إلى تقارب قدرات مختلف الفصائل، كلّها معطيات تنذر بأنّ الحرب القادمة ستكون أطول من جميع التوقّعات. كما أنّ التركيز على الشرق الليبيّ الغنيّ بالنفط، قد يدفع بالتضحية بغرب ليبيا لتظلّ غارقة في الفوضى دون حسم أو تدخّل ناجع لوقف القتال خصوصا وأنّ التدخّل الغربي سيجذب آلاف المقاتلين إلى ليبيا ممّا يجعل تونس على شافة ثقب أسود قد يبتلع المنطقة ككلّ.

ويرى الخبير الأمني التونسي علي الزرمديني أن العملية العسكرية بليبيا ستكون لها انعكاسات على دول الجوار وخاصة تونس لعدة اعتبارات منها جيو/سياسية واقتصادية واجتماعية (تداخل اجتماعي بين تونس وليبيا) وتأثيرات بيئية وصحية منها موجة الهجرة الواسعة. أما بخصوص الجانب الأمني وهو الأخطر لأن التأثيرات الاقتصادية والأمنية ستنعكس على الأمن العام من ذلك الاختلاط والجريمة وعدم توفر السيولة المالية الكافية لليبيين الذي سيخلق لهم صعوبة الحياة بأسعار قد تكون مخلة بالأمن العام. أما الخبير الليبي عز الدين عقيل فقد أكد أن الحديث عن دخول الحلف الأطلسي في حرب ضد الجماعات الإرهابية بليبيا لا يمكن، لأن هناك اتفاقاً سياسياً صنع في الصخيرات وهناك حكومة وفاق تشكلت والهدف منها استعادة هيبة الدولة الليبية وسيادتها. والولايات المتحدة الأمريكية ساعية إلى إتباع المسائل القانونية، والكونغرس الأمريكي يعلم أن أي هجوم عسكري ضد ليبيا سيكون بمثابة العمل الجنوني وغير الطبيعي مؤكدا أن المجتمع الدولي أصبح يعي خطورة ما حدث في ليبيا وما يجري حالياً.

وأكد أن هناك معلومات تفيد بأن الإرهابي الدموي الخطير أبو عمر الشوشاني قادم إلى سرت لحماية "داعش" ليبيا وبالتالي، فإن المجتمع الدولي سيكون موقفه متجها نحو تدريب قوات ليبية بتونس حتى تكون قادرة على التدخل في ليبيا ومواجهة الخلايا النائمة والدواعش من خلال مساعدتها بالأسلحة والمعلومات والدعم الجوي المروحي، مضيفاً أن عدد الإرهابيين في ليبيا محدود وهم يذوبون بين الناس وستكون الحرب الناجحة ضدهم عبر المطاردات وحرب الشوارع ولن تكون هناك حاجة لهجوم جوي(4).

هوامش:

(1)- محمد سميح الباجي عكاز، الحرب المقبلة على ليبيا: تونس على حافّة الثقب الأسود، صحيفة نواة الإلكترونية، 12شباط2016.

(2)- خيري عمر حكومة التوافق الوطني برئاسة فايز السراج ترفض إعطاء موافقتها بشأن التدخل العسكري في ليبيا، ولا تدع التدخل في ليبيا... مكافحة الإرهاب والسياسة ن صحيفة العربي الجديد، 16 شباط 2016.

(3)- محمد سميح الباجي عكاز، المرجع السابق عينه.

(4)- تعزيزات أمنية في معبري الذهيبة ورأس الجدير، خبراء يحذّرون من خطر التسلّلات والخلايا النائمة، صحيفة الشروق التونسية، 16شباط 2016.

اعلى الصفحة