سياسة إسرائيلية فعّالة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط

السنة الخامسة عشر ـ العدد 171 ـ  (جمادى الثانية 1437 هـ ) ـ (آذار 2016 م)

 ترجمة وإعداد: محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

عوديد عيران – مركز أبحاث الأمن القومي

يحصل تحسّن مؤثر في السنوات الماضية في التوازن الاستراتيجي، العسكري والسياسي، لدى إسرائيل، ومن الممكن أيضاً أن يحدث قريباً في المجال الاقتصادي. التأرجح الإقليمي وبشكل خاص الهزات الداخلية التي ضربت مصر إلى جانب أزماتها الاقتصادية، عزّزت - برؤية القيادة المصرية - أهمية التعاون مع إسرائيل.

بسبب الأهمية المتصاعدة للساحة البحرية - الأمنية والاقتصادية - زادت أهمية الجزيرة القريبة - قبرص. كذلك زيارة رئيس الحكومة اليوناني لإسرائيل  نهاية تشرين الثاني من العام 2015، تشكّل جزءاً من الشبكة الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة. على الرغم ممّا ذُكر أعلاه، من المهم ألا تألو إسرائيل جهداً لتصحيح منظومة العلاقات مع تركيا، التي ستواصل كونها لاعباً أساسياً على الساحة الآنية القريبة منها وستواصل لعب دور أساسي في رسم صورة ونظام سوريا. من الواضح وجود صعوبة في سدّ الفجوة بين الحاجة لتحسين العلاقات بينهما من جهة، وبين الحاجة للحفاظ وتطوير العلاقات بين إسرائيل واليونان، قبرص ومصر، الموجودة في مواجهة مراقبةٍ مع تركيا، من جهة أخرى. لكنّ هذا بالضبط اختبار للسياسة الخارجية الديناميكية، التي يتمثّل هدفها في خلق المجال الاستراتيجي الأمثل.

تحسّن مؤثر يحصل في السنوات الماضية في التوازن الاستراتيجي، العسكري والسياسي، لدى إسرائيل، ومن الممكن أيضاً أن يحدث قريباً في المجال الاقتصادي. جزء من هذا التحسّن ناجم عن التخطيط والتفكير والجزء الآخر عن تقاذف جيرانها الإقليميين إلى أوضاع، يتسبّبون في جعلها ذات قدرة على دفع مصالحها قدماً. من الناحية الجغرافية، القوس الاستراتيجي الجديد يمتدّ من مصر في الجنوب وحتى اليونان في الشمال الغربي. هذا القوس ليس متكاملاً. ففيه ألوان مختلفة وحتى خصومات تاريخية إشكالية، من بينها الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، على الأقل بوجهه الغزاوي، وكذلك الصراع الإسرائيلي- العربي، لاسيّما بوجهه اللبناني والسوري.

التأرجح الإقليمي وبشكل خاص الهزات الداخلية التي ضربت مصر إلى جانب أزماتها الاقتصادية، التي تفاقمت في السنوات الماضية، عزّزت من منظور القيادة المصرية أهمية التعاون مع إسرائيل. على المستوى الأمني، التعاون الحيوي في كلّ ما يتعلّق بالصراع الذي يديره النظام في مصر ضدّ الإرهاب، لاسيّما في شبه جزيرة سيناء، الذي تمارسه حركات إسلامية داخلية وخارجية. التغلّب على ظاهرة الإرهاب في مصر وتعزيز النظام فيها هو مصلحة إسرائيلية واضحة. كذلك يوجد في قضية قطاع غزّة لدى إسرائيل ومصر مصلحة مشتركة، على الرغم من أنّ كلتا الدولتين فشلتا في تطوير إستراتيجية مشتركة، تُعنى ليس فقط في وقف الإرهاب الذي مصدره قطاع غزّة، إنّما أيضاً إيجاد مخطّط على مستوى الاقتصاد والبنية التحتية، الذي يشكّل مدماكاً أساسياً في حلّ بعيد المدى في هذا الصدد. كذلك على المستوى الاقتصادي لدى الدولتين مصلحة في تعزيز التوصل بينهما، وذلك بسبب الحاجة المصرية لإيجاد مزّود بديل للغاز الطبيعي إلى حين تطوير مصادر الغاز في مصر نفسها. شراء مصر لغاز مصدره في إسرائيل أو استخدام منشآت التحويل إلى سائل الموجودة في مصر ستساعد كثيراً في تطبيق وتمويل الطاقة الكامنة للغاز الطبيعي الإسرائيلي. هكذا سيمّكن التعاون الإسرائيلي المصري في موضوع الغاز وفي رسم حلول في المجال الاقتصادي -سيمكّن- غزّة من الاستفادة المناسبة للغاز الطبيعي الموجود في المياه الاقتصادية للقطاع.

بسبب الأهمية المتصاعدة للساحة البحرية - الأمنية والاقتصادية - ارتفعت أهمية الجزيرة القريبة - قبرص. رئيس الحكومة الإسرائيلي زارها للمرّة الأولى فقط في العام 2012 ورئيس الحكومة نتنياهو، أجرى زيارة خاطفة لها في تموز من العام 2015. موضوع الغاز الطبيعي كان محور النقاشات بين الدولتين، لأنّ هناك شركات إسرائيلية تملك جزءاً من امتيازات التنقيب والاستخراج في البلوك 12 الواقع في المياه الاقتصادية التابعة لقبرص، والغاز الطبيعي هناك يتخطى الخط الذي يحدّد المياه الاقتصادية للدولتين. بالإضافة للاتفاقية المطلوبة بين إسرائيل وقبرص في مسألة الاستفادة من الغاز في الحقل المشترك، قد تكون قبرص دعامة أساسية في بنية البنى التحتية لنقل الغاز الطبيعي الموجود في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، بسبب تواجدها بالقرب من الدول في المنطقة التي تملك مستجمعات الغاز: مصر، السلطة الفلسطينية، لبنان وإسرائيل، منظومة العلاقات السليمة لدى قبرص مع كلّ واحدة من هذه الدول تسهّل عليها لعب دور مركز النقل الإقليمي. رئيس قبرص أنستياديس قال، إنّه في المحادثات التي تجري في نيكوسيا مع رئيس الحكومة نتنياهو طُرح موضوع التعاون في مجال الكهرباء أيضاً. الاتحاد الأوروبي اعترف بربط شبكات الكهرباء التابعة لليونان، قبرص وإسرائيل، كمشروع ذي أهمية بالنسبة له. الربط سيمّكن من نقل بالاتجاهين لـ2000 ميغا واط عبر كابل يوضع في قعر المياه، على طول 1580 كلم. الشركة القبرصية المختارة لتنفيذ استطلاعات إمكانية التنفيذ لهذا المشروع تلقّت من الاتحاد مكافآت على تنفيذ جزء من المشروع. في لائحة مشاريع الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة يوجد مدّ أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من قبرص إلى اليونان.

زيارة رئيس الحكومة اليوناني لإسرائيل مؤخراً، هي حلقة أخرى في الشبكة الإستراتجية لإسرائيل في المنطقة. أليكسس تسيفراس هو، وفق جميع الآراء وبالتأكيد وفق تصنيفه لنفسه، زعيم يساري. على الرغم من ذلك، وجد أنّه من المناسب زيارة إسرائيل، في الوقت الذي تتزايد فيه الانتقادات في أوروبا على إدارة حكومتها في الشأن الفلسطيني، على خلفية توجيهات مندوبية الاتحاد الأوروبي بشأن وسم المنتجات من المستوطنات، وفي الوقت الذي تحصل فيه موجة العمليات الإرهابية الفلسطينية ضدّ إسرائيليين. في السنوات الماضية ازداد زخم التعاون الأمني بين إسرائيل واليونان. في العام 2015 فقط أجرى سلاح الجو الإسرائيلي في السماء اليونانية مناورتين واسعتين تضمّنتا مقاتلات وطائرات نقل، مروحيات وطائرات جمع استخبارات. جرت المناورتان بالتعاون مع سلاح الجو اليوناني. وزير الدفاع اليوناني قال في الماضي، إنّ مناورات مشتركة بين إسرائيل، اليونان، قبرص، ومن المحتمل مع مصر أيضاً، ستجري قريباً. في زيارة تسيبراس لإسرائيل تمّ الاتفاق على توثيق التعاون الثلاثي وإجراء في الأسابيع القادمة لقاء مشترك بين رؤساء الدول الثلاث. كذلك تقرّر تسريع  عقد لقاء الحكومات بتركيب موسّعة، الذي يُخطّط لعقده في بداية عام 2016.

اليونان وقبرص عضوان في الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أنهما ليستا من الدول الرفيعة بين الدول الأعضاء، فإن الحاجة إلى الإجماع في التصويت في هذه المنظمة حيال المواضيع المرتبطة بالسياسة الخارجية والدفاع يعطيهما مكانة شكلية تساوي مكانة الدول الرفيعة. من الواضح أن اعتبارات اليونان وقبرص حول الموضوع الإسرائيلي تتمحور حول موضوعين أساسيين بالنسبة لهما: تركيا والولايات المتحدة. تفاقم العلاقات بين إسرائيل وتركيا منذ عام 2009، بشكل أساسي بعد أحداث "القافلة التركية" في أيار عام 2010، سرّع عملية توطيد العلاقات بين قبرص، اليونان وإسرائيل. من دون محاولة دراسة أهميتهما الإستراتيجية النسبية حيال إسرائيل بالنسبة إلى تركيا من ناحية واليونان وقبرص من ناحية أخرى، ما من شك أن إسرائيل ترى فيهما عنصر يوازن بمستوى كبير الضرر المتأتي من تواصل تدهور العلاقات مع تركيا. حقيقة أن تركيا تفسد التعاون الإسرائيلي مع الناتو تثير أيضاً الأهمية التي تراها إسرائيل في قدرة العثور على شراكة في المجال الأمني العسكري في شرقي حوض البحر المتوسط.

اليونان، قبرص وإلى حدّ ما حتى إسرائيل، يجب أن تنظر بقلق إلى تحسّن مكانة تركيا في النظرة الأوروبية. التحسّن ينجم عن الدور التي تتوقّع أوروبا من تركيا أن تشغله في الصراع الدائر في سوريا، بشكل خاص وقف تيار اللاجئين الذي يجتاز تركيا ومياهها الإقليمية وفراره باتجاه أوروبا. وفي لقاء مشترك مع رؤساء الاتحاد الأوروبي ورئيس الحكومة التركية، في 29 تشرين الثاني، دفع الأوروبيون مقدماً حيال الاستعداد التركي لشغل هذا المنصب، وهذا من خلال تعجيل المفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد. المفاوضات في الواقع بدأت رسمياً في العام 2004، ولكن مواصلة النزاع في قبرص، أداء الحكومة التركية حيال مواضيع مهمة بالنسبة إلى أوروبا، من بينها حقوق المواطن وحرية الصحافة، وبشكل خاص زيادة معارضة استيعاب عضو مسلم، يتحوّل في حال انضمت تركيا إلى الاتحاد، إلى الدولة الأكبر في أوروبا، جعل انضمام تركيا إلى الاتحاد لا أمل فيه. في الواقع، استئناف المفاوضات، التي حددت في منتصف كانون الأول، وكذلك النية في حثها خلال الربع الأول من العام 2016، لا يعد بالانضمام. وورد في بيان رؤساء الدول، الذي أعلن في 29 تشرين الثاني عام 2015 أن استئناف المفاوضات سيجري "من دون إلحاق الضرر بمكانة الدول"ـ إشارة إلى اليونان وقبرص وربما إلى دول رفيعة في دول الاتحاد، مثل فرنسا وربما ألمانيا. لكل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي حق الفيتو، واستطلاعات الرأي العام التي ستسبق قبول تركيا رسميا في الاتحاد الأوروبي قد تشير إلى معارضة حاشدة لإجراء درامي إلى هذا الحد. ولكن، لا يمكن إلغاء إمكانية انه كجزء من صفقة شاملة مع تركيا، التي لن تشمل أعضاء كاملة في الاتحاد، أن يمارس الاتحاد ضغط على عضويه اليونانيين لجعل مواقفهما أكثر مرونة حيال حل النزاع في قبرص بموجب الموقف التركي. حتى هذه الأثناء، حث المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي يزود حاجات الطرفين. من ناحية الاتحاد تتعلّق المسألة باستعداد النظام في أنقرة على التعاون، ومن ناحية النظام في أنقرة تتعلق المسألة بدليل أهميته وحيويته، بشكل خاص حيال الداخل.

على الرغم مما ذكر آنفاً، من المهم أن لا تألو إسرائيل جهداً في ترميم منظومة العلاقات بينها وبين تركيا، التي ستستمر بكونها لاعباً أساسياً في الساحة المباشرة القريبة منها. تأثير نشاطات تركيا على السكان المسلمين، السلبية حيال إسرائيل، واضح. من جملة أمور، ما من شك، أنها ستشغل دوراً أساسياً في رسم صورة ونظام سوريا. تركيا مهمة بالنسبة إلى إسرائيل حتى في المجال الاقتصادي ـ ليس فقط بسبب علاقات التجارة الفرعية بينهما، إنما عقب كونها بلد ينقل النفط الذي يصل إلى إسرائيل من وسط أسيا وكونها مستهلك محتمل مهم للغاز الطبيعي لإسرائيل وجيرانها. حتى في حال وصول الأزمة الحالية بين روسيا وتركيا إلى نهايتها، تركيا ستواصل كونها كابحاً للزحف الروسي إلى المنطقة القريبة من إسرائيل؛ على الرغم من العلاقات الإيجابية بين إسرائيل وروسيا، لدى إسرائيل اهتمام بتقليص تواجدها وتأثيرها في المنطقة. من هنا نظرة أخرى لأهمية العلاقات بين إسرائيل وتركيا: من الواضح وجود صعوبة في سدّ الفجوة بين الحاجة لتحسين العلاقات بينهما من جهة، وبين الحاجة للحفاظ وتطوير العلاقات بين إسرائيل واليونان، قبرص وأيضاً مصر، وهي في مواجهة مراقبة مع تركيا من جهة ثانية. ولكن هذا بالضبط اختبار لسياسة خارجية ديناميكية، تهدف إلى خلق المجال الاستراتيجي الأمثل. 

اعلى الصفحة