|
|||||||
|
تشعر تركيا بمرارة شديدة من التقدم الذي يحرزه كرد سوريا ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً على وقع يوميات الأزمة السورية، حيث تخشى أنقرة من أن ينتقل هذا التقدم إلى مسار الحدث الكردي في تركيا في وقت يشن فيه الجيش التركي حرباً بكافة أنواع الأسلحة ضد كردها في الداخل بعد أن رفعوا شعار الحكم الذاتي مطلباً لتحقيق تطلعاتهم القومية عقب تنصل الرئيس رجب طيب أردوغان من العملية السلمية التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في الحادي والعشرين من آذار عام 2013. فتركيا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة في المنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ومن ثم انضمامها إلى الحلف الأطلسي في عام 1952 باتت تجد في الانفتاح الأمريكي والروسي على كرد سوريا في إطار محاربة داعش وباقي التنظيمات الإرهابية كجبهة النصرة وغيرها، باتت تجد في هذا الانفتاح انهيارا لدورها في منظومة العلاقات الدولية، وتأكلا لدورها الإقليمي، وخسارة لأدواتها من المجموعات المسلحة التي عملت وتعمل لاستخدامها في الأزمة السورية والقضية العراقية بغية توسيع نفوذها ودورها الإقليمي في المنطقة، ولعل ما يزيد من معاناتها هو إحساسها بالخسارة الإستراتيجية بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، وتداعياتها هذا التدخل على الإستراتيجية التركية التي وصلت إلى الإفلاس حيث بات من المستحيل إقامة منطقة أمنية عازلة في شمال سورية رغم كل الجهود التي بذلتها أنقرة بهذا الخصوص. في أبعاد الانفتاح الأمريكي على كرد سوريا قام بتاريخ الأول من شباط / فبراير بريت ماكفورك موفدا من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة إلى المناطق الكردية في سورية، وهو عمليا أرفع مسؤول أمريكي يزور هذه المناطق وسورية منذ إغلاق السفارة الأمريكية في دمشق في شباط عام 2012، وقد سبق الزيارة لقاء بين مساعد وزير الخارجية الأمريكية انتوني بلينكن وصالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في جنيف، دار الحديث بينهما خلال اللقاء حول مشاركة حزب مسلم في محادثات جنيف ثلاثة بعد أن أصرت تركيا على إبعاد الحزب الكردي من مفاوضات جنيف. اللافت في زيارة المسوؤل الأمريكي، أن ماكفورك قدم إلى المناطق الكردية في سورية عبر طائرة هليكوبتر حطت في مطار رميلان، وهو مطار حديث بناه الأمريكيون، وبات اشبه بقاعدة عسكرية صغيرة، وقد كان في استقباله أكرم حسو رئيس مقاطعة الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية الكردية، وقام المسؤول الأمريكي برفقة مسؤولين كرد بزيارة عامودة وكوباني – عين العرب والقامشلي، ثم عقد لقاءات مع القيادات العسكرية لقوات وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية، وتركز الحديث حول الوضع العسكري في هذه المناطق وكيفية تعزيز القوة العسكرية لمحاربة داعش. دون شك، زيارة الموفد الأمريكي إلى المناطق الكردية السورية، يدشن عهداً جديداً من الانفتاح الأمريكي والغربي عموماً على كرد سورية، في وقت يبحث الكرد عن اعتراف إقليمي ودولي بهم، وتمكينهم من المشاركة في الجهود الدولية لتسوية الأزمة السورية، وهو ما يثير قلق تركيا التي وضعت منذ بداية الأزمة السورية هدفين لسياستها، الأول: إسقاط النظام السوري. والثاني: إبعاد المكون الكردي من المشهد المستقبلي لسورية . وفي الحالتين المجيء بحلفاء من المجموعات السياسية التابعة لها إلى الحكم خدمة لسياساتها الإقليمية ونفوذها في المنطقة. مدخل إلى العلاقة شكلت الحرب ضد داعش في العراق وسورية، مدخلاً لانفتاح الولايات المتحدة على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، فقد أظهرت معارك سنجار ضد التنظيم بعد سيطرته على الموصل، ومن ثم معركة كوباني – عين العرب شمال سورية الخبرة الكبيرة لمقاتلي وحدات حماية الشعب في الميدان، وبالتالي أهمية دور هذه الوحدات في الحرب ضد داعش كحليف عملي ومجرب يمكن الوثوق به. وعليه يمكن فهم أو تفسير سبب الانفتاح الأمريكي التدريجي على حزب الاتحاد الديمقراطي واللقاء الذي أجراه المسؤول الأمريكي المكلف بالملف السوري السفير دانيال روبنشتاين مع مسؤولين من الحزب في باريس في منتصف عام 2015، ومن قبل اللقاء الذي جرى بين جنرال أمريكي وقياديين من الحزب المذكور في سنجار بالعراق عقب احتلال داعش الموصل، قبل ان تقوم الطائرات الأمريكية بنقل أسلحة وذخائر من إقليم كردستان العراق إلى المقاتلين الكرد في كوباني في معركة متبادلة الأدوار والفوائد، على الرغم من ان مثل هذه العلاقة ستشكل تحديا للعلاقات الأمريكية – التركية، بل ولمستقبل العلاقة المتينة بين البلدين لأسباب لها علاقة بالقضية الكردية والموقف منها. دون شك، الكرد السوريون الذين يعيشون في محيط يفتقر إلى الثقة والإيجابية، يطمحون إلى نوع من الحماية في ظل مخاوفهم الدفينة بسبب ما تعرضوا له من هجمات من قبل المجموعات المسلحة ولاسيما داعش والنصرة حيث مناطقهم الغنية بالنفط والغاز والمياه في شمال سورية وشرقها، كما يتطلعون إلى الحصول على أسلحة متطورة في إطار الصراعات والحروب الجارية في المنطقة، فضلا عن طموح قديم في الحصول على اعتراف دولي بحقوقهم القومية. في المقابل تدرك واشنطن أهمية تحول الكرد إلى لاعب إقليمي في المنطقة على وقع التطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة، وبالتالي أهمية استثمار دور هذا اللاعب في الحرب ضد داعش خصوصاً لجهة وجود قوى مجربة على الأرض قادرة على المواجهة والقتال ضد داعش، ولعل ما زاد من أهمية الدور الكردي هنا، هو الجغرافية الكردية المجاورة ( لدولة داعش )، إذ هي ملاصقة لها شرقا وشمالا، بما تشكل ضمانة لمنع توسع نفوذها في منطقة جغرافية حساسة متخمة بالنفط والغاز، ولها مكانة خاصة في الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة. وعليه، فإن الانفتاح الأمريكي على كرد سوريا يحمل معه طابع الحاجة الأمنية لدورهم أكثر من الانطلاق من موقف مبدئي أخلاقي داعم لحقوق الشعب الكردي وتطلعاته، خاصة وان الطرف الكردي المقصود بهذا الانفتاح ( حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم ) كان حتى وقت قريب موضع شبهة أمريكية لجهة علاقته بالنظام السوري وحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الإدارة الأمريكية حزباً إرهابياً، وبالتالي يمكن القول إن الانفتاح الأمريكي يحمل طابع الاختبار لمسار التعاون في الميدان، وهذا في الأساس يشكل الملعب الحقيقي لوحدات حماية الشعب التي أثبتت جدارتها في معركة كوباني ومن قبل في معارك رأس العين ( سريه كانيه ) وجزعة وتل حميس ومعبر ربيعة ( تل كوجر ) على الحدود السورية – العراقية. لكن الثابت أن التطلع الكردي من العلاقة مع الإدارة الأمريكية يتجاوز التنسيق والتعاون العسكريين ضد داعش إلى دعم قضيتهم سياسيا، فمشروع الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي قبل أكثر من سنة يحتاج إلى الدعم والاعتراف، كما أن الحزب ينشد من الانفتاح عليه الاعتراف به ممثلا للحركة الكردية في سورية في ظل الانقسام والخلافات بينه وبين أحزاب المجلس الوطني الكردستاني المنضوية في الائتلاف الوطني السوري، حيث يتخذ المجلس من أربيل مرجعية له، فيما التنافس بين حزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني وحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان يخيم بظلاله على الساحة الكردية السورية ويمنع حتى الآن تشكيل مرجعية حقيقية لكرد سورية على الرغم من توقيع الجانبين على أكثر من اتفاق بهذا الخصوص. لكن بغض النظر عن هذه الإشكاليات فإن الانفتاح الأمريكي على حزب الاتحاد الديمقراطي ودعمه بالسلاح يحمل معه عهدا جديدا لهذا الحزب ويفتح الباب على مصراعيه أمام التعاون الغربي معه، وهو ما سيترك تداعيات محلية وإقليمية، خاصة وان الحزب له امتدادات قوية مع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا الذي نجح في دخول البرلمان التركي عقب تجاوز عتبة الـ(10%) في الانتخابات البرلمانية التي جرت في آب/أغسطس الماضي. في التداعيات والعلاقة مع تركيا إذا كان الهدف الأمريكي من وراء الانفتاح والعلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي هو محاربة داعش، فهذا يعني الدخول في مسار طويل يكتنفه الكثير من الاختبارات والانعطافات، وما يترتب على كل ذلك من متطلبات سياسية وفقا لخصوصية كل مرحلة. فواشنطن تتطلع إلى تشكيل جبهة واسعة من القوى التي تصفها بالمعتدلة لمحاربة داعش، ومثل هذا الأمر يطرح تحديات كبيرة على الجميع، خصوصاً وأن العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي وقوى المعارضة السورية والمجموعات المسلحة ليست على ما يرام في ظل تبعية معظم هذه المجموعات للتحالف التركي – السعودي. وعليه، يمكن القول إن ثمة تداعيات كثيرة تنتظر الانفتاح الأمريكي – الكردي على شكل إعادة تشكيل لمرجعيات سياسية وتحالفات ومواقف من القضايا المطروحة، لعل أهمها: 1- على الصعيد الكردي السوري: الاعتراف بتجربة حزب الاتحاد الديمقراطي كتجربة ناجحة قادرة على تحقيق المكاسب، وهذا يعني أن على أحزاب المجلس الوطني التي ظلت تناكف هذا الحزب وترفض التعاون معه التفكير بطريقة إيجابية مع تجربته. 2- فتح باب التعاون واسعا مع القوى والمجموعات التي تتفق على أولوية محاربة داعش، وصولاً إلى تشكيل تحالفات وجبهات مشتركة على الأرض استعداداً لمعركة الرقة معقل داعش وعاصمة التنظيم في سورية، واستعدادا لمرحلة ما بعد داعش والانطلاق نحو تسوية الأزمة السورية سياسياً. في الواقع، ينبغي النظر إلى إن الانفتاح الأمريكي على كرد سورية ودعمهم بالسلاح لم يكن يحصل لولا وصول الخلافات التركية – الأمريكية بشأن محاربة داعش إلى تضارب في الإستراتيجيات العامة تجاه الأزمة السورية، فمقابل تأكيد واشنطن على أولوية محاربة داعش والانتقال إلى الحل السياسي للأزمة السورية تصر أنقرة على ربط الموضوع بإسقاط النظام السوري، ولهذه الغاية تدعم المجموعات المسلحة بما في ذلك داعش والنصرة وتعمل مع السعودية لدفع الأمور نحو المزيد من التصعيد رغم المخاطر الشديدة لمثل هذا التصعيد واحتمال تحوله إلى حرب إقليمية ودولية ستكون لها تداعيات مدمرة على المنطقة. وفي ظل هذا التباين، فان الخلاف الأمريكي - التركي بشأن وضع كرد سورية وصل إلى مرحلة متقدمة، خاصة وان إمداد أمريكا لكرد سورية بالسلاح يلقى رفضاً من قبل تركيا التي تصر على وصف حزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابي فيما ترفض واشنطن مثل هذا التنصيف للحزب ، وعليه فإن قضية تسليح كرد سوريا تركت وستترك تداعيات كبيرة على العلاقات التركية – الأمريكية، إلى درجة يمكن القول إن السياسية التركية تعيش حالة من الهستيريا السياسية التي دفعت بأردوغان إلى رفع الصوت عاليا في وجه الإدارة الأمريكية ومطالبة واشنطن بالاختيار بين تحالفها التاريخي مع تركيا أو التحالف مع الكرد، وفي جميع الأحوال تجد تركيا نفسها وكأنها بين حدي سكين، فهي من جهة ترى في الصعود الكردي ضربة قوية لمشروعها في سوريا وانهيارا لأدواتها من المجموعات المسلحة، ومن جهة ثانية ترى في الانفتاح الأمريكي عليهم من بوابة محاربة داعش انهيارا لتحالفها التاريخي مع أمريكا، وفي الحالتين تجد نفسها أمام قضية تزحف إلى بيتها الداخلي الذي يكاد ينفجر على وقع الانقسامات والخلافية المزمنة وتداعيات الأزمة السورية والحرب مع حزب العمال الكردستاني. الخشية الكبرى من الانفتاح الروسي جاء تدخل روسيا العسكري في سورية ليقلب الحسابات التركية رأسا على عقب، إذ تشعر تركيا بمرارة شديدة من التدخل العسكري الروسي، فهي باتت تحس بأنها في مواجهة مباشرة مع روسيا على حدودها الجنوبية التركية في وقت تبدو أنقرة عاجزة عن التصرف وتكتفي بالتصريحات الإعلامية، ولعل ما يزيد من شعور تركيا بالمرارة هو إحساسها بالطعن من قبل حلفائها الغربيين ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي إزاء الأزمة السورية خاصة وان اقتراحها بإقامة منطقة أمنية عازلة لم يلقى التجاوب من قبل الغرب، فيما أدى التدخل العسكري في سورية إلى جملة من التداعيات القاتلة على إستراتيجية تركيا تجاه الأزمة السورية، لعل أهمها : استحالة إقامة منطقة أمنية عازلة في شمال سورية خاصة بعد نشر موسكو منظومة صواريخ أس 400 في شمال سورية، وضرب بنية المجموعات المسلحة المرتبطة بتركيا وخاصة كتائب السلطان مراد التركمانية التي اتخذت من جبل التركمان شمال محافظة اللاذقية مقراً لها وغيرها من المجموعات المسلحة في ريفي حلب وادلب، وثالثا التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في مناطق ريف حلب بالتزامن مع تقدم وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سورية الديمقراطية، بما يعني إمكانية القطع بين تركيا والمناطق الداخلية السورية ولاسيما حلب بشكل نهائي، وهو ما أثار جنون أردوغان الذي يخشى من انتقال الأحداث الأمنية إلى الداخل التركي خصوصاً وأن المجموعات المسلحة لم يبقى أمامها في ظل تقدم القوات السورية والكردية سوى الهروب إلى الداخل التركي، وهو ما يعني احتمال انتقال عنف هذه المجموعات إلى داخلها، كما حصلت مع باكستان عندما مدت يدها إلى حركة طالبان في أفغانستان قبل أن تنقلب الحركة ضدها في الداخل الباكستاني. في ظل هذه المعطيات، برز معطى هو الأخطر بالنسبة للسياسة الروسية تجاه تركيا، إذ فتحت روسيا باب التعاون المباشر مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، فبعد سلسلة لقاءات بين الجانبين فتحت روسيا ممثلية للإدارة الذاتية الكردية في موسكو، وكثفت من تعاونها العسكري مع وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سورية الديمقراطية، وبات الطيران الحربي الروسي يؤمن الحماية الجوية لهذه القوات في التقدم غرب الفرات عقب سيطرتها على سد تشرين في محافظة الرقة وعزمها على تحرير المدن الحدودية مع تركيا ولاسيما اعزاز ومنبج وجرابلس ومارع من سيطرة داعش، حيث تعتبر تركيا هذه المناطق والمدن خطا أحمر لن تسمح بوقوعها تحت سيطرة القوات الكردية، إذ أنها تخشى من تؤدي سيطرة هذه القوات على المناطق المذكورة إلى ربط المناطق الكردية في أقصى الشرق أي الحسكة والقامشلي بمنطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي، وهو ما يعني أن الحدود التركية ستصبح بالكامل مع كيان كردي سيشكل في المستقبل سندا لحركة الكرد في تركيا ولمطالبهم بإقامة حكم ذاتي في المناطق الكردية بتركيا التي تعتقد أن المشروع السابق هو المشروع الحقيقي لحزب العمال الكردستاني الذي حذر مرارا من اندلاع انتفاضة كردية شاملة داخل تركيا ما لم توقف الحكومة التركية حربها ضد المدن والبلدات الكردية في الداخل، وتدخل في عملية سلام حقيقية تؤدي إلى الإقرار الدستوري بالحقوق القومية الكردية في تركيا. وعليه يمكن القول إن تنصل أردوغان من العملية السلمية مع حزب العمال الكردستاني كان قرارا سياسيا مسبقا، هدفه شن حرب استباقية في الداخل التركي ضد الكرد بغية منع إمكانية إقامة حكم ذاتي لهم بعد أن ألهمتهم تجربة الكرد في العراق وسورية إمكانية قيام مثل هذا الحكم في المناطق الكردية داخل تركيا، ولعل هذا ما يفسر سلسلة الإجراءات العسكرية التي اتخذها الجيش التركي قبل فترة ليست بقصيرة، كفرض حصار على المدن الكردية الواقعة تحت نفوذ حزب العمال الكردستاني قبل البدء بقصفها مؤخراً، وتكثيف النقاط والمقار العسكرية في المناطق الكردية خلافاً لعملية السلام بين الجانبين، ومن ثم شن حملة اعتقالات كبرى في صفوف حزب الشعوب الديمقراطي وأنصار حزب العمال الكردستاني بما في ذلك نواب كرد في البرلمان التركي ورؤساء بلديات ومنظمات حقوقية وهيئات مدنية، وصلت إلى حد المطالبة بتجريد رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديميرداش من الحصانة البرلمانية تمهيدا لمحاكمته وحظر حزبه. الذهاب إلى التصعيد مع السعودية لسان حال أردوغان وأوغلو يقول إن بلاده لن تقبل بفرض سياسة أمر الواقع الروسية، وعليه هدد أردوغان مراراً بأن صبر تركيا بدأ ينفذ، وكثيراً ما استدعت أنقرة السفيرين الأمريكي والروسي لديها خلال الفترة الماضية، لإبلاغهما بضرورة وقف تعاون بلديهما مع القوات الكردية وعدم مدها بالسلاح. وعندما وجد أردوغان أن المياه تجري من تحت أقدامه، واستحالة لجوء الولايات المتحدة والحلف الأطلسي إلى الخيار العسكري لإسقاط النظام السوري ومعه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بدأ يتجه إلى المزيد من التنسيق والتحالف مع السعودية، وقد تجسد هذا الأمر في التخطيط المشترك للقيام بعملية برية داخل الأراضي السورية بحجة محاربة داعش. وقد اتخذ التنسيق التركي – السعودي خلال الفترة الماضية شكل اتخاذ سلسلة من الخطوات المشتركة تجسدت فيما يلي: 1- سلسلة الزيارة المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، وكانت من أهم هذه الزيارات تلك التي قام بها رجب طيب أردوغان إلى الرياض نهاية العام الماضي والتي فيها تم وضع أسس التحالف بين الجانبين، فيما تنتظر أنقرة زيارة مماثلة من الملك السعودي لتفعيل المجلس الأعلى المشترك الذي تم التوصل إليه، وباتت عناوين هذه الزيارات التنسيق الأمني والعسكري والسياسي بشأن الأزمتين السورية واليمنية وزيادة التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين حيث وقعت السعودية عقود شراء سلاح من تركيا للمرة الأولى بنحو عشرة مليار دولار. 2- التدخل المشترك في تحديد أسماء وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف3، وتحديد أجندة هذا الوفد والذي بات يعرف باسم وفد الرياض، ونتيجة هذا التنسيق تم إبعاد أكبر الأحزاب الكردية، أي حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم من مباحثات جنيف على الرغم من الإصرار الروسي والأمريكي على حضوره، حيث جاء رفض السعودية دعوة الحزب إلى اجتماع المعارضة في الرياض استجابة لطلب الحليف التركي بإبعاد الحزب. 3- واستناداً إلى التنسيق السابق بين الحليفين لم تنجح مباحثات جنيف ثلاثة في الانطلاق عمليا، فبعد أيام من المكوث والشد والجذب في جنيف تم استدعاء الوفد من قبل الدولتين تزامنا مع زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلى الرياض، فغادر وفد المعارضة السورية الذي تشكل في الرياض جنيف مسرعاً دون أن تنطلق المحادثات، ولعل هذا ما يكشف حقيقة رفض البلدين لخيار الحل السياسي للأزمة السورية وإصرارهما على إسقاط النظام السوري، سواء من خلال عملية سياسية أو عسكرية، وهذا ما يقوله وزيرا خارجية البلدين مراراً وتكراراً بمناسبة ومن دونها. 4- انطلاقاً من المعطى السابق، فإن التنسيق السعودي - التركي للتصعيد ظهر إلى العلن تحت عنوان عملية برية ضد داعش داخل الأراضي السورية، وسرعان ما بدأت السعودية بنقل طائرات حربية وقوات استطلاع جوية إلى داخل الأراضي التركية حتى دون انتظار قرار بعملية برية من قبل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، في محاولة لفرض العملية العسكرية على أرض الواقع وخلط الأوراق، ومنع انطلاق مفاوضات جنيف ثلاثة من جديد. 5- بموازاة هذا التصعيد استبقت أنقرة بتسخين جبهة الشمال السوري، إذ قصفت مدفعيتها الثقيلة العديد من مواقع وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سورية الديمقراطية في شمال سورية بحجة عدم السماح لهذه القوات بالسيطرة على اعزاز وجرابلس، وكأن هذه المناطق هي أراضٍ تركية وليست سورية، في حين أن الهدف الحقيقي من هذا القصف هو عدم هزيمة الجماعات المسلحة التابعة لها بما في ذلك داعش بعد التقدم الذي حققه الجيش السوري وقوات سورية الديمقراطية، وبروز دلائل كثيرة تشير إلى قرب هزيمة هذه الجماعات في الشمال السوري تمهيدا لمعركة الرقة معقل تنظيم داعش. في الواقع، الخطوات التركية التصعيدية هذه، تشير إلى جملة من الوقائع الخطرة التي ستكون لها تداعياتها كبيرة، لعل من أهم هذه التداعيات: 1- إن الدخول العسكري التركي المباشر في الحرب السورية قد يؤدي إلى حرب إقليمية مدمرة، فالثابت أن روسيا لن تسمح لتركيا بتحقيق مآربها في سورية، خصوصاً وأن قرار روسيا بالتدخل العسكري في سورية هو قرار إستراتيجي وحاسم، وعليه فإن مخاطر الصدام بين الجانبين تبقى قائمة وقوية خاصة إذا واصلت تركيا نهج التصعيد على الأرض واستهدفت القوات الحليفة لروسيا. 2- إن التدخل البري السعودي - التركي في سورية تحت عنوان الحرب ضد داعش ليست سوى عملية مكشوفة هدفها ليس داعش بقدر ما هو دفع الأمور على الأرض لإسقاط النظام السوري عسكريا، وهو ما يعني فتح الباب أمام حرب عالمية في ظل تحول الأزمة السورية إلى أزمة عالمية وتورط معظم القوى الدولية والإقليمية فيهاـ ولعل مخاطر مثل هذا الأمر ستكون كارثية على جميع الأطراف باستثناء إسرائيل التي ستكون المستفيدة الأكبر من كل هذا. 3- إن مثل هذا التدخل لن يساعد على الحل السياسي ومكافحة الإرهاب، بل على العكس تماماً سيعقد من جهود الحل، ويزيد من نفوذ الجماعات الإرهابية، إذ أن هذه الجماعات هي نفسها ستشكل الأدوات القتالية في المعركة التي تحضر لها الرياض وأنقرة. من الواضح، أن التصعيد التركي – السعودي يدفع بالمنطقة إلى مرحلة هي الأخطر على صعيد التطورات المتعلقة بالأزمة السورية، ولعل اللافت في هذه المرحلة هو الموقف الأمريكي الغامض والذي يبدو وكأنه بطريقة ذكية جدا يفتح الباب أمام صدام القوى الإقليمية في المنطقة في إطار إستراتيجيتها القائمة على استنزاف جميع القوى الإقليمية ولاسيما عدوتها التاريخية روسيا حتى لو كان ذلك عبر توريط حليفتها التاريخية تركيا في حرب مدمرة . كاتب وباحث متخصص بالشؤون التركية(*)
|
||||||