الثورة الإسلامية في إيران:
37 عاماً من الانتصارات والإنجازات

السنة الخامسة عشر ـ العدد 171 ـ  (جمادى الثانية 1437 هـ ) ـ (آذار 2016 م)

بقلم: الشيخ جمال الدين شبيب

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

12 شباط ليس يوماً للذكرى وكأنه حدث من الماضي، بل هو حاضر مستمر ومتجدد بالتحديات والانتصار المتراكم. 37 عاماً من عمر الثورة الإسلامية في إيران كانت كافية لتحقيق الكثير من الانتصارات في مواجهة قوى الاستكبار العالمي وصدق من قال: إن الثورات الحقيقية تتجدد في كل عام لا تشيخ ولا تهرم، بل تكسب من الخبرات والقدرات ما يصلب عودها، ويثبت بنيانها.

والثورة الإيرانية هي من هذا النوع بالذات. فهي كانت عظيمة وتاريخية عندما قهرت الدكتاتورية والرجعية والتبعية للأجنبي التي كان يمثلها الشاه الأخير محمد رضا بهلوي. ولكن المعركة لم تنته، بل كانت الثورة دائماً أمام تحديات لا تقل خطورة وأهمية، وأنجزت في كل منها انتصاراً جديداً.

ثماني سنوات من الحرب الظالمة في مواجهة عرب النفط والرجعية بقيادة صدام حسين ولم تسقط.. واثنا عشر عاماً في المفاوضات مع الغرب الظالم تخرج منتصرة بعد سنوات طويلة من الحصار والحرب الباردة. فيتهافت الغرب والشرق بشركاته الكبرى ليخطب ودها وينال لقمة من كعكتها الشهية.

أخفق الغرب في ردع الثورة الإسلامية، لكنه عاد اليوم ليطور شعار "تصدير الثورة" لزيادة جرعة الخوف لدى الحكام العرب، من تدخل إيران في شؤونهم الداخلية، وراحت منظومة الإعلام العربية والصهيونية والأمريكية تكرر هذه المعزوفة لجعلها مسلمة فكرية لدى شعوب المنطقة.

ثم في مرحلة لاحقة صار التدخل في الشؤون الداخلية نفوذا إيرانيا، ورفعت الأنظمة الرجعية العربية شعار التصدي للنفوذ الإيراني. هذه الشعارات جرى ضخها وتعميمها في خضم المعركة التي افتتحها الغرب ضد الثورة الإسلامية، التي لم يستطع حصارها ولا حرفها عن هدفها ولا تشويهها في وجدان الشعوب المسلمة.. وفي إطار إعداد مسرح المواجهة لضرب الثورة وجمهوريتها وتدميرها.

وتستمر الحرب: الخطر الإيراني

وضع الغرب إيران في محور الشر ثم في خانة الدول الداعمة للإرهاب والتي تقف خلف عدم الاستقرار في المنطقة.. وبات المسرح جاهزاً للانقضاض على الجمهورية، بدفع حثيث من إسرائيل من جهة، وأنظمة الاستبداد والرجعية العربية من جهة ثانية.

ولكن المطلوب كان الاستعداد الأمريكي لخوض المعركة، ذلك أن القوى الإقليمية ظهرت عاجزة عن القيام بالمهمة وإنجاح العدوان نظراً للتطور المتسارع لمنظومة التسلح الإيرانية بشكل أعاق كل المخططات لتدميرها.

في هذا السياق يمكن قراءة الأزمة الكبيرة التي تكاملت حول ما يسمى البرنامج النووي الإيراني. فهو لم يكن إلا ذريعة للعدوان لإسقاط الثورة، وإنهاء حلم الجمهورية الإسلامية، بما هي جمهورية أي أنها تستلهم كل منجزات المجتمعات البشرية في الحكم، وتأخذ بهذا التطور في شكل السلطة وآليات إنتاجها، من جهة، وبما هي إسلامية أي ارتباطها بالمقدس الديني المرتبط بوجدان الأمة والمعبر عن ثقافتها وتاريخها وثوابتها الإيمانية. وفي النهاية سقط الغرب ولم تسقط إيران.

لقد استطاع الغرب أن يقيم أسوار الخصومة والعداء حول إيران مع دول عربية، واستطاع أن ينقل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع مع الجمهورية الإسلامية، وتبنت معظم الحكومات في المنطقة هذه السياسة التدميرية المجنونة. وفي النهاية سيسقط الجميع وتبقي لإيران لسبب بسيط أنها تعرف ماذا تفعل ولأن سياستها ذاتية غير مستوردة ولا مرتهنة.

استطاعت الولايات المتحدة وحلفها الشيطاني أن تبقي إيران خارج المنظومة الدولية، بشيطنتها حينا وحصارها حينا آخر.. فتقلص الحضور السياسي والدبلوماسي والاقتصادي وبالتالي الثقافي الإيراني من المسرح الدولي والمنظمات والمؤسسات الدولية.ولكن اليوم فتحت كل الأبواب وسقط الحصار وبدأت مرحلة جديدة على العالم كله أن يستوعبها وبالذات عرب النفط وتجار الحروب.

وهنا لا بد من التساؤل: لماذا لم تنجح سياسة الغرب هذه إلا في بعض الدول العربية؟ وليس في باكستان أو تركيا أو اندونيسيا أو حتى أفغانستان؟ وهي من كبريات الدول الإسلامية.

ببساطة لأن الأمر مرتبط بعاملين: الأول هو المصلحة الإسرائيلية في المخطط، والثاني يتعلق بشرعية الأنظمة ومدى خوفها من التغيير والثورة.. والتي اعتبرت الجمهورية الإسلامية تحدياً وجودياً وعقائدياً نقيضا لها.

في هذا السياق يمكن فهم أزمة البرنامج النووي الإيراني، وفي ذات الإطار يمكن فهم خصوصية الاتفاق المنجز حوله. فالصراع الحقيقي كان حول الثورة الإسلامية في إيران، والدولة الجديدة بكل خصوصياتها. أما البرنامج النووي فليس إلا لافتة وعنواناً للصراع، وليس جوهره.

نصرة فلسطين ومشروع المقاومة

واليوم قطعت إيران شوطاً طويلاً في تحقيق مشروعها الكبير المتعلّق بتحرير فلسطين، فدعمت الحركات المقاومة في فلسطين ولبنان بشكلٍ خوَّلها من مواجهة العدو الإسرائيلي وتسجيل انتصارات عديدة عليها، ولا زال الموقف مبدئياً وحاسماً في هذا المجال.

وتبنت الثورة الإسلامية الشعارات الجامعة والقضايا التي تهم الأمة جميعاً على الصعيد السياسي، ومنها تحرير فلسطين باعتبارها ميراثاً مقدساً للأم، واعتبرت الكيان الصهيوني العدو الوحيد للأمة في هذه المرحلة، فلا اعتراف به ولا مساومة معه ولا تنازل أمامه، لأن القضية الفلسطينية هي العامود الفقري لوحدة الأمة وضميرها الحي.

 واستطاعت أن تحدث نقلة كبيرة وهامّة في موضوع المقاومة، فأصبح مشروعاً متكاملاً قادراً على مقارعة أعداء الأمة في كل الساحات من فلسطين ولبنان إلى سوريا والعراق واليمن.

التزام بوحدة الأمة

ومن النّاحية الأخرى، بذلت الدَّولة الإيرانية وتبذل جهوداً حثيثة فيما يتعلّق بقضايا التقريب والوحدة، وهي تواظب سنوياً على عقد مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة. وقد كان للسيد علي الخامنئي فتوى بارزة تحرّم شتم الصّحابة وحرمة الإساءة لزوجة الرّسول(ص) وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر(ر)، ومنذ اليوم الأول كان على الثورة الإيرانية أن تخوض معركة الهوية الإسلامية، وهو المفهوم الذي يتجاوز الأعراق والأقوام والحدود القطرية وبالطبع المذاهب والحزبيات الطائفية، لأن الإسلام في جوهره هو هكذا عابر للقوميات وفوق المذهبية والقبلية والانتماءات الجاهلية.

فطرحت الجمهورية الإسلامية مبدأ التقريب بين المذاهب، والوحدة الإسلامية، والتكامل الإسلامي. وأكدت باستمرار أنها لا تخوض أي صراع داخلي مع أي دولة إسلامية بل تسعى إلى التكامل والتعاون معها جميعا بصرف النظر عن طبيعتها ضمن منهج الوحدة والتعدد داخل الوحدة.

انجازات "ما بعد الحداثة"

إنَّ المسار العامّ للثورة الإسلاميَّة في إيران استطاع تحقيق الكثير من المنجزات الهامّة التي نقلت الدولة الإيرانية إلى واقع مغايرٍ تماماً لما كانت عليه قبل الثّورة، ما دفع أحد الفلاسفة الفرنسيين "فوكو" إلى القول بأنّها ـ أي الثورة الإسلامية في إيران ـ من أبرز مظاهر ما بعد الحداثة.

وفي الإمكان دراسة منجزات الثورة الإسلامية في مرحلتين زمنيتين مختلفين وفي ذات الوقت بشكلين متفاوتين. وعلى سبيل المثال فإن إسقاط النظام الملكي وإحلال نظام الجمهورية الإسلامية محله والحصول على الاستقلال السياسي هو من منجزات الثورة الإسلامية.

منجزات ثقافية واجتماعية

ويمكننا أن نشير هنا إلى منجزات الثورة الإسلامية في إيران من الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية. ففي المجال الاجتماعي هيأت الثورة الإسلامية الأجواء المناسبة لتنمية القيم الأخلاقية والإنسانية، والعودة إلى الذات. وإزالة مظاهر الفساد من المجتمع مثل بيوت الدعارة وبيع الهوى وحانات بيع الخمور. ورفع مستوى الوعي العام والمعنويات. ومكافحة الأمية، التي حققت أغراضها إلى حد كبير. إضافة إلى توفير الأمن الاجتماعي والقضائي والمساواة لأبناء الشعب. وعملت على تنميه روح الوحدة والإخاء بين كافة مكونات الشعب الإيراني.

وفي الإطار الثقافي عملت الثورة على إشاعة الأدب الثوري – الديني. وأطلقت المجال واسعاً أمام الإعلام فازداد عدد المطبوعات والمجلات والصحف والدوريات. واجتهدت في مجال أسلمة المقررات والقوانين المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والعسكرية والسياسية.

وعملت الثورة الإسلامية في إيران على إحياء الفكر الديني وإيجاد تحولات في القيم الاجتماعية وإحياء مفاهيم الجهاد والشهادة والهجرة والإخلاص والحج السياسي، والتضحية والإيثار. كما عززت الثورة مفاهيم الثقة بالذات وبالثقافة الذاتية في البلدان الإسلامية ومنطقه العالم الثالث واستطاعت التأثير على نظريات العلوم الاجتماعية والنظريات الثورية في العالم.

ولأول مرة بات التنسيق بين الالتزام والتخصص والتدين والثقافة واضحاً في إيران.فتم التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات. وارتقت إمكانات الجامعات ومراكز البحوث والحوزات العلمية. وتحولت القوات المسلحة إلى قوات مؤيدة للشعب وتم إيجاد قوة التعبئة الشعبية الحرس الثوري ليشكل درعاً واقياً يحفظ الثورة من مؤامرات الأعداء..

الاهتمام بالمرأة

استطاعت الثورة الإسلامية في إيران أن تقدم التعريف الصحيح والنموذجي للمرأة المسلمة المعاصرة وأقيمت مهرجانات ثقافية واجتماعية مختلفة حول القضايا التي تهم النساء.

وانتشرت الصحف والمجلات النسوية، وتم تأسيس الكثير من الجمعيات النسوية بالإضافة إلى مشاركة المرأة الفاعلة للمرأة في الألعاب الرياضة وتواجدها في ساحة الحياة السياسية فنالت حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي والمجالس البلدية والقروية.

وهكذا قدمت المرأة الإيرانية نموذجاً جديداً للمرأة المسلمة في العصر الحاضر، وبددت سحب الإعلام المضاد للإسلام الذي يدعي حرمان المرأة المسلمة من ممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها.

في السياسية

لعل من أهم المنجزات السياسية للثورة الإسلامية في إيران القضاء على الحكم الشاهنشاهي ورفع الظلم عن الشعب الإيراني. فمن خلال الاتكاء على عائدات البترول، والجيش والأجهزة الأمنية كان الشاه يسعى وبدعم الأجانب له إلى إظهار نظامه بشكل مقتدر، بحيث يزيل عن الأذهان حتى مجرد التصور بزلزلته فكيف بسقوطه. لكن إرادة الله سبحانه وتعالى قد شاءت غير ما أراد الشاه إذ تمكن الشعب الأعزل من السلاح من إسقاط الحكم البهلوي المستبد. وبسرعة فائقة تبلورت على الساحة الإيرانية تشكيلات سياسية مختلفة مع شفافية في المواقف. وتم تحقيق الاستقلال السياسي للبلاد، وقطع أيادي التسلط الأجنبي عنها.

وفي ظل الثورة الإسلامية نما الوعي السياسي وازداد الوعي العام عند الشعب الإيراني وأصبح الشعب متواجداً في مختلف المجالات، وانطلقت الحركة نحو التقنين والمجتمع المدني المتديّن.

كما تمّ إرساء دعائم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران فبعد انتصار الثورة الإسلامية، تحققت إرادة الشعب في إيجاد النظام الإسلامي. إن كلمة (الجمهورية) حددت نوع الحكومة، أما كلمة (الإسلامية) فحددت مضمون نظام الحكم الجديد في إيران.

ومن وجهة نظر الإمام (رحمه الله) فإن نظام الجمهورية الإسلامية ينسجم مع نظام الحكم الإسلامي ونظرية ولاية الفقيه العادل. وفي نظام الجمهورية الإسلامية يؤدي أبناء الشعب دورهم في تعيين مصيرهم من خلال إبقاء باب الحريات السياسية مفتوحاً على مصراعيه ومن خلال إجراء الانتخابات العامة الحرة والنزيهة.

وبانتصار الثورة تعزز الارتباط بين الدين والسياسة وتم تقديم النموذج الزاهي للحكومة الإسلامية المعاصرة. ففي وقت كان النظام الشيوعي في العالم يروج لفكرة (الدين أفيون الشعوب) أما النظام الرأسمالي فكان يشيع فكرة (عزل الدين عن السياسة)، وجاءت الثورة الإسلامية لتثبت أن الدين ليس أفيوناً للشعوب بل هو المحرك لها الذي يهبها القدرة على الإدارة السياسية للمجتمع.

وبقيام النظام الإسلامي في إيران انكسرت شوكة الغرب والشرق، بفضل روح التضحية والإيثار وعدم الخنوع والخضوع للظلم والاستبداد في الشعب الإيراني. وتم تجديد الحياة السياسية للإسلام في العالم ومنح العزّة للشعوب المستضعفة والعالم الثالث. نعم لقد حملت الثورة الإسلامية في إيران على أجنحتها الشفافة بشرى الحرية من نير الظلم والاستبداد حتى لغير المسلمين في العالم.

السياسة الخارجية.. لا شرقية ولا غربية

قامت السياسة الخارجية لإيران على أساس الأصول الإسلامية ومبدأ لا شرقية لا غربية، وعلى أساس رفض كل أنواع التسلط والهيمنة وحفظ استقلال البلاد في جميع المجالات ومد جسور العلاقة مع الدول غير المعادية في العالم.

وزاد من فرادة الثورة الإيرانية أنها لم تشأ الاصطفاف في المنظومة العالمية، فرفعت هذا الشعار القرآني شعار لا شرقية ولا غربية بل ثورة إسلامية، والعالم يومها كان منقسماً بين معسكرين، يعرف كل منهما الآخر، ويتناغم في الصراع معه. إيران لم تكن جزءاً من هذين المعسكرين، على الرغم أنها تعرف كيف تميز بينهما، إذ أنهما ليسا في خانة واحدة.

ومن خلال مفهوم تصدير رسالة الثورة ودعم حركات التحرر في العالم استطاعت الثورة الإسلامية في إيران أن تكون المحرك الداعم للحركات الإسلامية السياسية في المنطقة والعالم. وعلى قاعدة تصدير الثورة قدمت الدعم لفلسطين وشعبها وثورتها من منطلق إسلامي لا حزبي، وعلى قاعدة الواجب الديني لا المصلحة السياسية.

لقد تأثرت كثير من دول العالم مثل لبنان وفلسطين والعراق وسوريا ودول الخليج وأفغانستان وباكستان وتونس وفلسطين ودول شمال أفريقيا بشكل مباشر بالثورة الإسلامية، كما تأثرت دول أخرى في العالم بشكل غير مباشر بهذه الثورة  مثل نيكاراغوا وجنوب أفريقيا.

منجزات اقتصادية

لقد حققت الثورة الإسلامية في إيران العديد من المنجزات على الصعيد الاقتصادي ومن هذه المنجزات الحفاظ على موارد الثروة مثل النفط والحؤول دون نهبها من قبل الأجانب الطامعين والحؤول دون الإسراف والتبذير واستغلال بيت المال.

وتم الاهتمام بالقرى وتوفير الإمكانات المعيشية فيها، وتدعم البنى التحتية للتنمية وإعداد الكوادر المتخصصة في المجالات المختلفة وتطوير طرق إنتاج الطاقة وبناء السدود، وتطوير شبكه الطرق والمواصلات والمواني وإشاعة مراكز التعليم في مستويات متعددة. الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري وفي مجالات اقتصادية أخرى.

وهذا التطور في المجال الاقتصادي في إيران سار في طريقه إلى الأمام رغم وجود كثير الموانع والعقبات مثل المقاطعة الاقتصادية وحرب الثمانية أعوام التي كان نظام صدام البائد قد فرضها ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث كانت تلك الحرب الظالمة قد تسببت في خسارة قدرت بـ 1000 مليار دولار أو ما يعادل نفقات البلاد على مدى 70 عاماً.

1-العامل الأهم.. قيادة الإمام

وبعد كل ما تقدم رب سؤال يقفز للأذهان .. لماذا تحقق النصر في إيران ولم يتحقق في البلدان الأخرى؟ لماذا فشلت تلك الدول في إقامة دولة إسلامية حقيقية معاصرة؟؟

ببساطة يمكننا القول: إن التجربة الإيرانية فريدة ووحيدة في التاريخ المعاصر. ولعل سبب انتصار الثورة الإسلامية في إيران يمكن أن نعزوه لعوامل عديدة ولكن يبقى الأهم فيها هو القيادة الفذة للإمام الخميني. فقد كانت لديه نظرة ثاقبة ونظرته عميقة وكان مصرا على إسقاط النظام الشاهنشاهي. ولم يتراجع أبداً. في العام 1963 قاد انتفاضة خرداد، وأراد الشاه إعدامه ولكن الحوزة تدخلت وأنقذت الإمام، فهاجر إلى تركيا ثم استقر به المقام في النجف.

كان الإمام يراهن على المستقبل وكان يقول: أراهن على الأجنة في الأرحام.. طوال سنوات إقامته في النجف كان يعمل بشكل دؤوب لتهيئة الأجواء.

جميل أن نتذكر الإمام الحاضر دوماً بعد كل ما تحقق من انتصارات وانجازات.. كان أيضاً يثق بشعبه، كان يعد جيلاً طوال 15 عاماً ليقود الثورة التي سميت "ثورة الكاسيت". بلغت ضحايا الثورة عشرات الآلاف. كان يحرك مدناً بكلمة واحدة. سمع أن أهل مازندران لا يخرجون في مظاهرة فبعث لهم كلمة: هل مات أهل مازندران؟ فخرجت المنطقة في ثورتها.

لم يستعن بأمريكا ولم يذهب إلى روسيا ولم يلجأ إلى أي من الدول العربية والإسلامية. توكل على الله وحمل مشروعه فنجح في إسقاط ذلك النظام. الإمام الخميني لم يكن يرضى بأنصاف الحلول. الشاه عرض عليه دولة كالفاتيكان في قم، ولكنه رفض. ثم عرض عليه رئاسة الوزراء رفض. عندما قرر القدوم إلى طهران كان بختيار رئيساً للوزراء وهدده بإسقاط طائرته، ولكنه أصر على العودة.

أتذكر مذيع مونت كارلو صباح الـ12 من شباط 1979 ينقل مباشرة الوقائع: عندما ألقى الإمام كلمته وقف أمام الجماهير بلغة الآمر القائد وقال: إنا ساعين الحكومة، ولم يتخلل كلامه سوى هتافات: الله اكبر. الشعب في إيران مرتبط بالمرجعية الدينية. يقال إن الإيراني غير ملتزم، ولكنه مرتبط بالمرجعية لعل هذا الارتباط بقيادة الإمام قاد الثورة إلى النصر...

قبل بناء الدولة وتحقيق النصر في الحروب والمفاوضات وإطلاق عجلة التنمية.. كان أعظم نصر تحقق لإيران هو حصول البلاد على استقلالها. ولولاه لما تحققت المكاسب الأخرى. لم يكن الاستقلال هينا. منطقة الخليج خاضعة للنفوذ الأمريكي والبريطاني. أمريكا هي التي أعادت الشاه بعد الانقلاب على مصدق.

عندما سئل الإمام: لماذا هتفتم بالموت لأمريكا وروسيا وبريطانيا؟ قال أمريكا عينها على نفط إيران، وروسيا على غازه، وبريطانيا على الاثنين.

خروج إيران عن الفلك الأمريكي جعلها تستعيد كرامتها وقوتها ونفطها وغازها ومواردها. لم تعد تستلم أوامر من البيت الأبيض كما كانت تأتي لشاه إيران. قرارها يتحقق بقرار وطني. المطلوب أن تكون دول المنطقة تابعة لأمريكا ومسيرة. من اجل ذلك حورب النموذج الإيراني منذ انطلاقته.وكان ذلك سببا كافيا لكل لتحديات اللاحقة.

2- إحياء المشروع الديني

الجانب الآخر نجاح إيران في إحياء المشروع الديني. البعض قد يختلف مع علماء إيران حين يقولون إن التجربة الإيرانية هي ثمرة تجارب الآخرين. أحيت إيران مشروع الدولة الإسلامية ليس في إيران فحسب، بل أثارت الآخرين، وان كانوا قد طلبوا الحق فأخطأوه، سواء عبر الوسيلة أو النظرية كما حدث مع طالبان في أفغانستان. وكذلك مع داعش الذي يريد إقامة الدولة الإسلامية بالشكل البشع الذي لا يعتمد على العلم بل على القتل.

أما النموذج الإيراني فقد قام على مبدأ "اقرأ". اعتمد الإيرانيون على قدراتهم الذاتية وعلمهم. تحدي الحرب والحصار علمهم الكثير. هذا التحدي واجهه الإيرانيون بمبدئية وإصرار. التحديات الداخلية كانت كبيرة مثل مجاهدين خلق التي فجرت المؤسسات وقتلت رؤساء الجمهورية مثل رجائي وباهنر

حين وقعت الحرب العراقية – الإيرانية.. قال الإمام: "الخير في ما وقع".. الإمام لم يقم بحل الجيش، بل أعد جيشاً رديفاً من الحرس والمتطوعين وأبقى على الجيش وحوّله إلى جيش وطني يوالي البلد. قال للجيش: أنتم وظيفتكم الدفاع عن البلد.

الانتصار النووي جاء بعد أن أخذت إيران بأسباب العلم والقوة، وعرفت أن الأخذ بأسباب القوة وأن التفوق الغربي لم يكن ليحصل لولا حماس الغرب للعلم بينما الدول العربية والإسلامية تغط في النوم. لذلك تم التركيز على العلم وبناء الجامعات.

حين هاجم العراقيون الفاو، جاء مسؤول من الحرس وقال: نريد متطوعين. خرج الطلاب الإيرانيون من الدراسة وذهبوا ليقاتلوا على الجبهة. الاهتمام بالعلم موجود حتى لدى الطبقة المسؤولة... السياسة لم تله الشعب عن التوجه العلمي.

النووي مشروع الإمام الخميني

لم يكن أحد يتوقع أن يحيي الإمام الخميني المشروع النووي. البرنامج تعود جذوره إلى الخمسينات لبناء مفاعلات بحثية. توقفت كل هذه العقود مع انتصار الثورة الإسلامية. عبقرية الإمام وإبداعه تمثل بالمشروع النووي، بغض النظر عن صناعة القنبلة. إيران تمتلك القوة والقدرة على التصنيع النووي. وهذا يدل على فعل ذلك ولو لم تكن قادرة على فعل ذلك لما حدثت الضجة ولما قامت قيامة الغرب.

النجاحات التي تحققت على مختلف المستويات. في النانو تعتبر من الدول المتطورة، وكذلك زرع الخلايا الجذعية. إيران اليوم من أكثر الدول اهتماماً بالبحث العلمي. الغاز الذي يستخدم للتدفئة والطبخ وصل إلى أقصى القرى. الإعمار وبناء الجسور، كل ذلك يعكس قوة.

جاك سترو ذهب قبل عامين إلى إيران وكتب مقالاً قال فيه: "طهران مدينة كالمدن الأوروبية من حيث التطور.. وليعلم الجميع سيتم التعامل مع إيران كقوة كبرى في المنطقة، فقد استطاعت إثبات نفسها كقوة متطورة تحاور هؤلاء لمدة عامين".

وإيران اليوم أمام تحديات جسام، لا تقل عن سابقاتها. ولكننا على ثقة أن الثورة التي حققت الانجازات المعجزة في أيام الحصار، سوف تتمكن من إكمال معجزات الانتصارات والانجازات المتجددة على كافة التحديات بعد رفع الحصار.

اعلى الصفحة