غضب مملكة الخير.. ونحيب "لبنان أولاً"!!

السنة الخامسة عشر ـ العدد 171 ـ  (جمادى الثانية 1437 هـ ) ـ (آذار 2016 م)

بقلم: الشيخ محمد عمرو

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "مملكة الخير" وعن تفضُّلها على لبنان واللبنانيين، وعن أخلاقها الكريمة السمحة وعن العفو والسمو والرفعة.

ثم فيما بعد يتحدثون عن غضبها وزعلها وحَردِها على لبنان واللبنانيين، ثم بعد ذلك يبدأ التهديد والوعيد والزمجرة.

نحن في لبنان والعالم لا نعرف كيف يجتمع " الخير" و"الغضب" و"التهديد" وتبقى المملكة "مملكة الخير" ذات الأيادي البيضاء والحسنات والمكرمات؟؟!!..

فلنعد في التاريخ إلى الوراء قليلاً لنرى أيُّ خيرٍ افتقدناه وأيّةُ أيادٍ أزعجنا وكيف ولماذا؟؟

نتذكر أنه في الحرب الأهلية كانت "مملكة الخير" تُرسل السلاح والمال "للكتائب اللبنانية" قبل أن تولد "القوات اللبنانية" من رحم الأولى، وعندما حان موعد القطاف أرسلت رسول السلام والمحبة لديها ليدفع "الخير" لكلا طرفي المعركة في وسط بيروت وذلك لأن موعد ميلاد "السوليدير" يحتاج إلى جراحة قيصرية وتدمير شامل.

ثم كان الطائف الذي جعل لبنان رهينة اقتصادية ودجاجة بيَّاضة لأمراء الخير وحاشيتهم القبائلية، فكانت القوانين تُصاغ على قياس الأمراء حتى أن 25% من جبل لبنان أصبح باسم المعالي والسمو وأصحاب الجلالة.

وقلب بيروت أصبح شركة أسهم خرجت من ملكية أهل بيروت اللبنانيين إلى أهل الرياض ودبي وأبو ظبي و... ، وهذه مكرمات مملكة الخير وأدواتها المحليين: "لبنان أولاً"!!

ونتذكر وبشكل جيد أن "الشهيد رفيق الحريري" وهو بالمناسبة رجل الخير الساعي والقادم من "مملكة الخير" بأيادي الخير. دخل لبنان رئيساً للوزراء وفي جيبه مليار وثمانمائة مليون دولار وخرج بثمانية عشر مليار دولار خلال فترة حكم أربع عشر سنة (هذه الأرقام الرسمية). أما السماسرة المحيطون به من جميع الطوائف فتفاوتت حصصهم وثرواتهم بحسب مناصبهم وفعَّاليتهم في "لبنان أولاً".

والمفارقة الوحيدة أن الطاقم السياسي في زمن الرئيس الراحل كان مسروراً ويعيش في بحبوحة والخزينة الرسمية للبلد هي الوحيدة التي كانت تعاني الجفاف وتراكم الديون "دين عام مقداره ستون مليار دولار"، هذا قبل أن يستلم الشبل حكومة أبيه ليستمر الرفاه والنمو في الجيوب الخاصة فقط.

نتذكر أنهم وضعوا في البنك المركزي خمسمائة مليون دولار كوديعة بلا فوائد لكنهم أخذوا عشرين مليار دولار سندات خزينة بالليرة اللبنانية بفائدة 40% فامتصوا من لبنان أكثر من ثلاثين ملياراً من الدولارات لجيوب أصحاب السمو والجلالة!!.

نتذكر أنهم تكرموا على لبنان المقاوم بأن وهبوه "القمة العربية" وكانوا وفي عز انتصار المقاومة على الكيان الصهيوني وفي عز الانتفاضة الفلسطينية يريدون في هذه القمة إنهاء الملف الفلسطيني بالتخلي عن أراضي الـ(48) كاملة و10% من أراضي الضفة الغربية تقدمة (لليهود المساكين)، ويريدون إلغاء حق العودة لخمسة ملايين فلسطيني مشردين في أنحاء وأقاصي الأرض، وذلك تكرماً وفعلاً للخير. ولكن الرئيس اللبناني الوحيد والفريد في صنفه وقف موقفاً مقاوماً واستطاع أن يردعهم فخرجوا والحقد يملأ كيانهم المصطنع ولكن الشهامة العربية والإباء القبائلي لا ينام على ضيم، لذا قدموا لإسرائيل تكلفة حربها سنة 2006م. وأعطوها الغطاء الكامل وحمَّلوا المقاومة المسؤولية واتهموها بالمغامِرَة وعليه يجب أن تدفع ثمن مغامراتها! حتى أنهم لم يقبلوا بوقف إطلاق النار الذي كانت إسرائيل تلهث وراءه ووضعوا الشروط والنقاط عبر وليدهم" السنيورة البكَّاء " وشروطه السبعة التي أراد أن يمررها بواسطة ألاعيبه وخبثه.

نتذكر أنهم عرضوا على الرئيس بشار الأسد عند استلامه مقاليد الحكم أن يتخلى عن علاقته مع المقاومة "حزب الله" وعلاقته مع إيران وهم يدفعون له بسخاء وكرم (المكرمات والأيادي البيضاء) لكن تبين أن الرجل كان رجلاً بكل ما للكلمة من معنى الرجولة والشهامة والكرامة، وهذه المعاني فقدوها هم وأتباعهم في لبنان.

لذا فأيادي الخير تعاونت مع أيادي الخير الفرنسية والأمريكية والبريطانية "جمعية الديمقراطيين بلا حدود" وكان القرار (1559) وإخراج السوريين من لبنان وإدخال لبنان في فتنة داخلية هدفها ضرب المقاومة.

وعندها توالت المليارات الأمريكية والسعودية والقطرية والإماراتية و.. على فئة واحدة من الشعب اللبناني وعلى جهاز أمن لبناني خاص، وعلى تيار سياسي فئوي مسترزق، وكل ذلك الكرم لإيجاد الفتنة والشرخ بين شرائح الشعب اللبناني.

حتى أن الهبات التي قُدِّمت تحت عنوان النزوح للشعب اللبناني الشريف والعزيز قد سرقها وليدهم" السنيورة البكاء" وحولها إلى أموال انتخابية هو وتياره الأزرق فكانت تنك الزيت ثمن الأصوات وشراء الذمم وتحويل فئة من الشعب الفقير إلى رعايا متسولين على أبواب السيادة والنيافة والجلالة.

نتذكر أنهم قدموا الوعود التسويفية للجيش وللدولة، لكن سارعوا إلى القبض السياسي والتوظيف الداخلي والخارجي عبر أزلامهم وأدواتهم.

نتذكر أنهم رشوا رئيس وزراء ماليزيا المستقيل أخيراً بعد أن افتضح أمره حيث أنه أخذ من مملكة الخير مبلغ (680 مليون دولار) من أجل أن يمنع المذهب الشيعي في ماليزيا، وقد استطاع أن يستصدر هكذا قرار ويمنع ويلاحق المنتسبين القلائل إلى المذهب الشيعي.

هذا الكرم لا نعلم ماذا يُسمى دولياً!!، وهذه الأيادي البيضاء لا نعرف ماذا تسمى!!.. هذا غيضٌ قليل جداً من فيضٌ "مملكة خيرهم".

لكن في بلدنا لبنان هناك مجموعة من البكَّائين المتزلفين المسترزقين، قد هالهم غضب وحنق ولي أمرهم فتعالى صراخهم وعويلهم وهم يحسبون أن الضجيج المفتعل وإثارة الدخان والغبار سيحجب الرؤية عن أيادي "الخير" السعودية وأذنابها على الشعب اليمني العزيز وأيادي خفافيشها القتلة في العراق وسوريا وليبيا ومصر.

وإن صراخهم وعويلهم وعجيجهم سيقلق أطفال اللبنانيين الشرفاء فضلاً عن آبائهم وأمهاتهم.. لكن ـ ولأخذ العلم ـ فإن حروب العالم وشروره خلال العقود الماضية لم تزد هؤلاء إلا قوة وثباتاً واطمئناناً بأنهم منتصرون، وإن زمن الهزائم والتراجع والسكوت قد ولى إلى غير رجعة، وإن الانتصارات في كل الساحات هي الرد الوحيد على صراخهم وعجيجهم. 

اعلى الصفحة