|
|||||||
|
تتعرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهجمة صهيونية أمريكية منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة الإمام آية الله الخميني، ضد نظام الشاه الذي كان يدعم الكيان الصهيوني الغاصب وجعل إيران سوقاً للمنتجات الإسرائيلية. وبعد نجاح الثورة الإسلامية أصبحت إيران رأس حربة للمشروع الإسلامي في مواجهة قوى الاستكبار والهيمنة والاستغلال، وقاعدة للمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان، حيث رفع الإمام الخميني راية الكفاح بشهامة وعزة إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المسلوبة في أرضه ومقدساته. وكان لصمود الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور كبير في تحقيق النصر الاستراتيجي على أعداء إيران، المتمثل أولاً في إبرام الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وثانياً، في رفع العقوبات الاقتصادية العقوبات الأممية والأمريكية رسمياً عن الجمهورية الإسلامية وسط توقعات بأن تعود قريباً إلى إنتاج كميات من النفط قريبة من حصتها في أوبك قبل حوالي 30 عاماً.. أي ما بين 3 و4 ملايين برميل يومياً.. ومن المقرر أن تحترم الولايات المتحدة والدول الغربية تعهداتها تجاه إيران وأن ترفع الحظر الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري وأن توقف التجميد الذي تفرضه منذ عقود على أرصدتها المالية في البنوك والمصارف العالمية. وسوف تسمح هذه المستجدات لإيران بتوفير سيولة تساهم في الحد من أزماتها الاقتصادية والمالية المتعاقبة التي فرضت عليها منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي وليومنا هذا. العقوبات وتأثيراتها المختلفة على الاقتصاد الإيراني المجتمع الإيراني لديه مستوى دخل للفرد منخفض، ويعاني الاقتصاد الإيراني من صعوبات اقتصادية وانخفاض في مستوى النمو، النمو الحقيقي للإنتاج المحلي الإجمالي يبدو في انخفاض، طبقاً لأحد التقديرات فإن درجة نموه قد تنخفض إلى 3%(1). استناداً لتحليل صادر عن البنك الدولي، فإن على إيران أن تخلق 700 ألف فرصة عمل سنوياً، غير أنه تم خلق500 ألف فرصة عمل جديدة سنوياً في معدل النمو الاقتصادي الحالي(2). ليس من المفاجئ رؤية أنه خلال الخمس سنوات الماضية كان معدل البطالة في إيران مرتفعاً نسبياً: أكثر من 10%. علاوة على ذلك، خلال الخمس سنوات الماضية عانت إيران من نسبة تضخم بلغت 14%(3). إيران هي مجتمع استهلاكي كلاسيكي خصوصاً فيما يتعلق بالطبقة الوسطى المدنية، التي تحاول أن تجاري المجتمعات المتقدمة في العالم في مستوى معيشة الفرد. وهذا يخلق ضغوطاً في الطلب، إذا لم تتم الاستجابة لها يمكن أن تقود إلى تضخم سريع أو إلى سخط اجتماعي يقوم على هذه العوامل الاقتصادية. الاعتماد على التجارة مع العالم أمر هام (في عام 2005 بلغت واردات إيران حوالي 43 مليار دولار) ذلك أن إيران يمكن أن تتضرر لدرجة خطيرة بتركيز قدرتها على تصدير النفط أو منع التزود بالمنتجات المكررة كالغاز المقطر. إيران تستورد 40% من استهلاكها من منتجات الوقود، كما أنها تدعم البنزين لدرجة كبيرة، حيث يتم استيراد نصف كميته بسبب محدوديته في القدرة التكريرية. وهذا ينطبق على قائمة طويلة من منتجات أخرى كالغذاء، حيث نسبة الاستيراد منه تعادل 50%، والآلات الصناعية، ومنتجات الاستهلاك الإلكترونية حيث عدم تزويد إيران بها يمكن أن يشل نشاطها الاقتصادي. في حزيران (يونيو) 2007، قامت إيران بتقنين الغاز، ما قاد إلى حدوث أعمال شغب وتخريب في طهران(4). هناك ميدان آخر يعتمد فيه الاقتصاد الإيراني لدرجة كبيرة على العلاقات مع العالم وهو ميدان الخدمات المالية. ولكي تبقي إيران على شبكة علاقاتها الاقتصادية الدولية، وتضمن بأن رأس المال الذي تجمعه من تصدير النفط قد تم استثماره بصورة مثالية، يتطلب منها أن تقوم بنشاط مالي مكثف في العالم الخارجي. وهذا يتم القيام به من قبل المصارف الإيرانية الكبرى، التي يترأسها البنك المركزي، والبنك الوطني "بنك مِلّلي"(Bank Melli)، وبنك التصدير "صادرات" (Saderat)، وعن طريق الإيداعات في البنوك الكبيرة في العالم. إن الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية هو أحد المكونات الهامة لتبعية إيران للاقتصاد العالمي. حقاً إن إيران تفخر بذاتها لإنجازاتها التكنولوجية ولعلمائها الذين استطاعوا إنتاج أسلحة متقدمة نسبياً وعبور المراحل التكنولوجية في المجال النووي. مع ذلك، فإن هذه الإنجازات لم تكن ممكنة من دون مساعدة خارجية كبيرة. كانت مساعدة روسيا والصين وكوريا الشمالية ضرورية لإنتاج أنواع مختلفة من الصواريخ والإنجازات النووية، كما ويبدو أن إيران قد استفادت من المعرفة الباكستانية. في الحقل المدني، كذلك، وخصوصاً فيما يتعلق بقطاع النفط، فإن إيران تحتاج إلى المعرفة الأجنبية، وخصوصاً الغربية، لتطوير عمل نظامها الاقتصادي ولتعزيز إنتاجها النفطي لكي تلبي الطلب المتزايد. إن نقاط الضعف الإيرانية في قطاع النفط قد تزداد في الواقع. فإيران بحاجة إلى أن تستثمر حوالي 10 مليارات دولار سنوياً في قطاع الطاقة للإبقاء على الإنتاج الحالي من حقولها النفطية، على أية حال، فإن طهران تنفق من هذا المبلغ مقدار الثلث(5). لهذا السبب، فقد أعلن وزير النفط الإيراني السابق كاظم وزيري خامنئي في أيلول(سبتمبر) 2006 بأن إنتاج نفط البلاد يمكن أن يهبط 13% سنوياً ما لم يتم توظيف استثمار جديد في البنية التحتية للطاقة(6). وينبغي التذكير بأن نصف واردات الحكومة الإيرانية يأتي من صادراتها النفطية التي تتراجع بشكل مثير(7). في الوقت ذاته كان على الحكومة الإيرانية أن تزيد ميزانية الدولة بصورة حادة في السنوات الأخيرة لتلبية الحاجات المتنامية، ومن ضمنها الإعانات المالية. إن صناعة النفط الإيرانية بحاجة مُلحَّة إلى الاستثمار الأجنبي لتطويره؛ استناداً إلى تقدير مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية غلام حسين نزاري، فإن قطاع الطاقة الإيراني بحاجة إلى 94 مليار دولار في الاستثمار الأجنبي حتى عام 2014 للإبقاء على معدلات الإنتاج الحالية(8). لكن في المناخ السياسي الدولي الراهن، فإن مجمل الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران قد هبط من حوالي 500 مليون دولار عام 2004 إلى 30 مليون دولار عام 2006(9). التداعيات الإيجابية لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران من التداعيات الإيجابية للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي تم في فيينا يوم 14تموز 2015، أنه سيجري إنهاء تجميد مليارات الدولارات من أرصدة إيران، وإنهاء العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على إيران، والتي ستُرفع عندما يبدأ تطبيق الاتفاق... الحظر والقيود المفروضة على التعاون الاقتصادي مع إيران سترفع في جميع المجالات بما في ذلك الاستثمار في النفط والغاز. سيجري الإفراج عن مليارات الدولارات من أرصدة إيران المجمدة... وسيجري رفع الحظر المفروض على الطيران الإيراني بعد ثلاثة عقود، والحظر المفروض على المصرف المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية الإيرانية وخطوط الملاحة الإيرانية وإيران للطيران والكثير من المؤسسات الأخرى والأشخاص. كما سينتهي حظر شراء بعض التقنيات والآلات ذات الاستخدام المزدوج سينتهي. يمكن لإيران أن تحصل على ما تحتاجه من خلال مفوضية مشتركة بينها وبين مجموعة (5+1)... سيجري رفع حظر الأسلحة عن إيران وإحلال بعض القيود الجديدة. سيكون بإمكان إيران استيراد وتصدير السلاح حالة بحالة. وها هي العقوبات الاقتصادية ترفع نهائياً مع بداية سنة 2016، وتعيش إيران اليوم لحظة تاريخية، بعد أن دخل الاتفاق النووي المبرم مع الدول الكبرى حيز التنفيذ، ما يسمح لها بالعودة إلى الساحة الدولية بقوة وفاعلية أكثر في الملفات الإقليمية والدولية. ويعتبر رفع العقوبات بمثابة صفعة مجلجلة جداً للكيان الصهيوني، بعد ما حاولت "إسرائيل"، بالتعاون مع نظام آل سعود، بشكل مباشر أو غير مباشر، إفشال الاتفاق. ويرى المراقبون في منطقة الشرق الأوسط إن ما قبل هذا الاتفاق ليس كما بعده على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، مشيرين إلى أن الاتفاق يبشر بإمكانية أوسع على الفاعلية[لإيران] من جانب، فيما يؤكد قدرة الشعوب على استعادة حقوقها من خلال الصمود والتمسك بتلك الحقوق. ففي هذا اليوم دخل التاريخ بأمر من الشعب الإيراني، فهو يوم انتصار الإرادة الإيرانية، التي لم تلن ولم تكل، في معركتها الطويلة مع القوى الكبرى، التي حاولت ثنيها وإضعافها، فما زادتها تلك المعركة إلا قوة وصلابة. سيسمح رفع العقوبات على القطاعين المالي والاقتصادي لإيران بتوسيع تجارتها الخارجية وحركة رؤوس الأموال، ورفع التجميد عن 100 مليار دولار (حوالي 70مليار جنيه إسترليني) من أرصدتها في الخارج، والأهم من ذلك رفع إنتاج النفط من نحو 800 ألف برميل يومياً إلى نحو 4 ملايين برميل يوميا بشكل تدريجي، وهذا بدون شك سيزيد من مداخيلها بالعملة الصعبة وسيضاعف من تقديم الدعم لحلفائها الإقليميين، غير أنه سيساهم أيضاً في انهيار أسعار النفط، ما يقلّص مداخيلها على غرار بقية البلدان النفطية. أما الغاز الطبيعي، فمن المتوقع أن تزيد إيران من استثماراتها في هذا القطاع، خصوصاً وأنها تملك ثاني أكبر احتياطي غازي بعد روسيا، كما أنها قريبة من أسواق الغاز في آسيا، خصوصاً الهند والصين وباكستان، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية في الشرق الأقصى وحتى تركيا في آسيا الصغرى، التي تسعى للتخلص من تبعيتها للغاز الروسي وقد تكون إيران إحدى تلك الخيارات. من شأن رفع العقوبات الاقتصادية، وبخاصة العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة، أن يمكن إيران من الدخول مجدداً إلى سوق الطاقة العالمي. بدوره، سيتطلب ذلك فتح سوق الطاقة الإيراني أمام الشركات الكبرى، والأمريكية ضمنها، للتطوير والاستكشاف والتنقيب والإنتاج والنقل، والتي تملك تكنولوجيا متطورة حرمت العقوبات إيران من الوصول إليها، فاكتفت حتى الآن بتكنولوجيا صينية وروسية. ولما كانت إيران ثاني أكبر احتياطي مؤكد للغاز الطبيعي في العالم، فمن المنطقي أن ينصب الاهتمام الدولي والإيراني على تطوير حقولها من الغاز الطبيعي بالتكنولوجيا الجديدة، وتأمين طرق إيصاله إلى مستهلكيه في أوروبا والعالم. وتتشارك إيران وقطر (ثالث أكبر احتياطي مؤكد في العالم) في حقل غاز هو الأكبر في العالم وتتقاسمانه، بحيث يعود لإيران الجزء الشمالي منه، وتطلق عليه "بارس الجنوبي"، ولقطر الجزء الجنوبي منه والذي تطلق عليه "حقل الشمال". ويمتد الحقل، البالغ الضخامة، بعرض الخليج بمساحة عشرة آلاف كيلومتر مربع، وتقدر احتياطاته المؤكدة بنحو 1300 تريليون قدم مكعب (ما يوازي 221 مليار برميل من النفط). ولأن الحدود البحرية بين إيران الواقعة إلى شمال الخليج والدول العربية الواقعة إلى جنوبه تجري بنسق معين وفقاً للقانون الدولي، فقد تم تقسيم الحقل وفقاً للحدود البحرية المذكورة، فكان نصيب قطر منه مساحة قدرها ستة آلاف كيلومتر مربع تحوي 800 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ونصيب إيران منه مساحة أربعة آلاف كيلومتر مربع، بنصيب 500 تريليون قدم مكعب لإيران. ويعد هذا الحقل بالتحديد أساس الثروة القطرية من الطاقة، إذ يشكل نصيب قطر منه خمس احتياطات الغاز المعروفة في العالم. وحتى الآن كانت قطر سباقة في استخدام الحقل المشترك والإنتاج منه، فبدأت منذ العام 1991، بالتعاون مع "شركة شل"، الإنتاج من الحقل، أما إيران فبدأت الإنتاج منه في العام 2003 عبر "شركة بارس للنفط والغاز"(10). ومع سبقها الزمني، فقد استطاعت قطر، بتحالفها الاقتصادي والدولي، شراء أحدث التكنولوجيات في عالم الغاز الطبيعي، أي الغاز المسال. وفي حين يعتمد منتجو الغاز الكبار: روسيا (أكبر احتياطي مؤكد في العالم) وإيران على أنابيب نقل الغاز الطبيعي ذات التكنولوجيا التقليدية العتيقة، فقد استثمرت قطر مئات المليارات من الدولارات في تكنولوجيا الغاز المسال وسفن نقله، فاستطاعت الوصول إلى أسواق خارجية بعيدة للغاية عن محيطها الجغرافي، وهي ميزة ما زالت تمتلكها حتى لحظة كتابة هذه السطور. وإذ تسربت أنباء خلال السنوات الماضية من مصادر صحافية غربية بأن قطر ربما تستخرج أكثر من حصتها في الحقل، بسبب امتلاكها لتكنولوجيا استخراج أكثر تطوراً من إيران، لن يعود ذلك الأمر ممكناً بالسهولة ذاتها في المرحلة المقبلة. هذا التقدير يستند إلى اعتبارين: الأول أن علاقات طهران المتحسنة بواشنطن سياسياً واقتصادياً ستقلص هامش مناورة التكنولوجيا المتقدمة التي تملكها قطر في ما يدعى استخراجاً "جائراً"، والثاني أن فتح السوق الإيراني أمام التكنولوجيا الأمريكية سيعدل الميزان التكنولوجي بين طهران والدوحة في مجال الغاز الطبيعي. وتحسباً للاتفاق، فقد حاولت الدوحة مد الخيوط مع روسيا، الدولة الأولى في إنتاج الغاز الطبيعي بالعالم، حيث افتتحت شركة "غازبروم" الروسية قبل فترة قليلة مكتباً تمثيلياً لها في الدوحة، على الرغم من الخلافات السياسية العميقة بين الطرفين في قضايا المنطقة، لكن أفق التعاون الغازي بين قطر وروسيا لن تخرج عن الطابع الرمزي لاعتبارات متعددة. باختصار، ستتعدل العلاقة الجيو ـ اقتصادية بوضوح بين قطر وإيران في مجال الغاز الطبيعي لمصلحة الأخيرة بعد إبرام الاتفاق النووي. تتميز العلاقات الإيرانية ـ الإماراتية بخصوصية أساسية، إذ إن الإمارات تعتبر الشريك التجاري الأول لإيران من بين أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، وأحد أبرز الشركاء التجاريين لإيران على مستوى العالم. وتضاعف التبادل التجاري بين إيران وإمارة دبي بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران ثلاث مرات، خلال الفترة بين العامين 2005 و2009 ليبلغ تسعة مليارات دولار سنوياً. ثم عاد التبادل التجاري ليتراجع مع تجاوب دبي لمقتضيات العقوبات الدولية المفروضة على إيران، ليتراجع عن ذلك الحد، إلا أن دبي ظلت شريكاً تجارياً مميزاً لإيران. وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، فقد زادت جاذبية الإمارات في العيون الإيرانية، حيث ارتفع عدد الشركات الإيرانية العاملة انطلاقاً من الإمارات، ومعها التبادل التجاري بين البلدين الجارين. وفي الوقت الحاضر تتصدر الإمارات دول مجلس التعاون الخليجي في التعاملات الاقتصادية مع إيران، وتليها السعودية، في حين تأتي سلطنة عُمان التي تتمتع بعلاقات سياسية متميزة مع إيران في مرتبة اقتصادية متأخرة نسبياً. ولعب موقع الإمارات المتميز على خريطة التصدير وإعادة التصدير العالمية عموماً والآسيوية خصوصاً، دوراً أساسياً في إمالة ميزان القوى الاقتصادي لمصلحة الإمارات في مواجهة إيران خلال العقد الأخير. وفوق كل ذلك أمكن للطرفين بناء "مصالح مشتركة" فوق أرضية تجارية ثابتة، الأمر الذي شكل ديناميكية خاصة لعلاقات متناغمة اقتصادياً ومتنافرة سياسياً. الآن تتغير صورة المشهد الإماراتي ـ الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الدولية، حيث ستتأثر القوة النسبية لورقة الاقتصاد الإماراتية في إدارة علاقاتها مع إيران، لأسباب ثلاثة؛ الأول أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيطلق يدها في تشكيل علاقاتها التجارية مع العالم، بحيث تنوع إيران تجارتها الخارجية مع شركاء إضافيين، ولا تعود تعتمد بشكل أساسي على دبي. والثاني أن إيران تزمع بالفعل تدشين ست مناطق حرة على سواحلها الجنوبية بموجب خطتها للنهوض الاقتصادي، الأمر الذي سيضع دبي في مواجهة منافسة تجارية غير مسبوقة. والثالث أن خطة إيران للنهوض الاقتصادي المشتملة على توسيع وتحديث مطاراتها القائمة، وبناء أخرى جديدة، للصعود إلى مركز العقدة في الطيران التجاري الدولي بين شرق آسيا والشرق الأوسط، سيهدد المكانة التي تحظى بها دبي على هذا الصعيد أيضا(11). وتراهن حكومة روحاني على السوق الإيراني الواعد بملايينه الثمانين وقدراتها الاقتصادية المتحررة من العقوبات للسيطرة على المنطقة من غير وسيلة السلاح النووي. وتملك إيران من الآن مشروعات جاهزة للعمل عليها للتحول إلى مركز "طريق الحرير الجديد"، عبر إنشاء مشروعات عملاقة تربط إيران بجيرانها الأقربين والأبعدين، مثل إقامة موانئ جديدة على بحر العرب وتوسيع المطارات القائمة لاجتذاب رحلات طيران مباشرة وسائحين من شرق آسيا، ومدّ خطوط أنابيب الغاز الطبيعي جنوباً إلى الهند وباكستان وشمالاً إلى تركيا وأوروبا وبالتوازي معها خطوط سكك حديدية في الاتجاهين. وفي العام الماضي، افتتح خط سكة حديد جديد بملكية إنكليزية تحت اسم "مجوهرات فارس"، يصل بين بودابست وعدد من المدن الإيرانية مثل مشهد ويزد وشيراز وأصفهان، كباكورة لسياحة أوروبية واعدة. كما تزمع إيران إقامة ست مناطق حرة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية بالتركيز على إعادة التصدير وعلى قطاع البترو/كيماويات. باختصار، تراهن إيران على التحول إلى المركز الاقتصادي الممتاز بين شرق آسيا والشرق الأوسط. ولذلك الغرض، تراهن إيران على تحييد أمريكا سياسياً عبر تحسين العلاقات معها، وفي الوقت نفسه الانفتاح على بقية القوى الكبرى في العالم مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والدول النافذة مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية(12). وعلى الرغم من الخلافات السياسية القائمة بين إيران و الولايات المتحدة الأمريكية، فإن القيادة السياسية الإيرانية ستتعامل ببراغماتية عالية في المجال الاقتصادي مع الدول الكبرى الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي سيسيل لعاب شركاتها العملاقة على الاستثمار في السوق الإيرانية الناشئة التي تعد 80 مليون مستهلكاً، فضلاً عن الثروات البترولية والغازية التي تملكها إيران. وما يهم الشركات الأمريكية العملاقة، هو الاستثمار في قطاع الطاقة و الذي تحتاجه إيران من أجل تطوير بنيتها التحتية في هذا المجال ، وقد تصل الاستثمارات في قطاع الطاقة إلى مئات المليارات من الدولارات، وهو ما لا تقدر عليه سوى الشركات الأمريكية، التي تمتلك التكنولوجيا المتطورة و رأس المال. الصين شريك تجاري أساسي مع إيران إن قسطاً أساسياً من قوة الموقف الإيراني يعود إلى الموقفين الروسي والصيني. فإلى وقت قريب بدت روسيا والصين على غير اتفاق مع أوروبا والولايات المتحدة فيما يخص البرنامج النووي الإيراني. ويعود تميزهما هذا إلى أسباب تخص كل منهما على حدة، لكنها مرتبطة في الأحوال كلها بعلاقات التبادل مع إيران. فالصين على تعاون مع إيران منذ فترة طويلة، ولاسيما في ميدان الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وهناك آفاق واسعة للعلاقات الثنائية في المستقبل القريب، في ظل حاجة إيران للخبرات الصينية في تشييد البنية التحتية. ثم إن حيازة إيران للسلاح النووي لا يزعج الصين، مثلما هو الأمر لروسيا. ولم تقدم الدبلوماسية الصينية على أي خطوة من شأنها تعكير صفو العلاقة والصداقة مع طهران التي وجدت أن مصدر انطلاقتها في السنوات الأخيرة هو امتلاكها للنفط. والصين اليوم سعياً وراء امتلاك الطاقة تتوق إلى الانخراط في الرهانات الجيو/بوليتيكية أصبحت منذ عام 1993 مستوردًا صريحاً للذهب الأسود. فهي تشتري ثلث احتياجاتها من الخارج، وسوف يتجاوز هذا المعدل ليصل إلى50% في عام 2020، ومن المحتمل إلى 80 في عام 2030.ويضع هذا الأمر الصين في حالة فقدان للأمن الاستراتيجي، مادام ثلثي هذه الاستردادات مصدرها الشرق الوسط. زد على ذلك حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها المنطقة، النفط يصل الصين عبر الطرق البحرية أي 12000 كم تفصل ما بين شنغهاي ومضيق هرمز الواقع تحت سيطرة القوات البحرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية. هذا يعني أن الحماس الصيني للفكاك من ربقة الحصار الأمريكي عبر إقامة علاقات وثيقة مع دول نفطية لها حساسيتها الخاصة تجاه واشنطن، والهدف هو فتح مزيد من نقاط العبور إلى ممرات آسيا الوسطى التي اشتهرت بالأمان. وفي هذا الصدد تقدم إيران ورقة رابحة مزدوجة. ففي عام 2004، وقع البلدان اتفاقاً تشتري بموجبه الصين مادتي الغاز والنفط بقيمة 70 مليار دولار، ومدّة التسليم تصل إلى ثلاثين عاماً. ومن هذا المنطلق سوف يساهم الصينيون في استثمار آبار يادفاران الواقعة على مقربة من الحدود العراقية، كما تأمل بكين أن تشارك في مشروع خط الأنابيب مروراً بإيران وحتى بحر قزوين، حيث يمكنها لاحقاً الاتصال مع خط الأنابيب الآخر الذي يربط كازاخستان بالصين الغربية. إن الاتفاق الأمريكي لآسيا الوسطى لا يتفق مع تلك المخططات. وهذا بدوره قد أحيا مخاوف بكين حيال الطرق القارية البديلة، يغذيه قلق الصينيين من الوقوع بين فكي كماشة من الشرق والغرب. من هنا عملت بكين وطهران اللتين تواجهان الاستهداف عينه لتصليب جبهتيهما في مواجهة الاندفاع الأمريكي في المنطقة. ويظل هدف إيران المعلن هو جعل الصين في رأس قائمة مسوقي النفط والغاز الإيرانيين بدلاً من اليابان. وفي هذه الظروف لم يكن مستغرباً معارضة الصين في عام 2004 لقرار مجلس الأمن الخاص بالملف النووي الإيراني. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستواظب الصين على حماية إيران حتى ولو أدى التحدي الإيراني الجديد إلى أزمة دولية حادة؟. رفع العقوبات وتأثيراتها على الاقتصاد السوري في ظل العلاقات الإستراتيجية التي تربط بين إيران وسوريا، فإن نظرة طهران إلى سوريا وإلى الإقليم ككل ليست نظرة سياسية، وإنما جيو/سياسية حسب قول دبلوماسي غربي، أي أنها ليست مرتبطة بما يمكن لإيران الحصول عليه اليوم وغداً، بل بما يمكن تحقيقه عبر تحديد أهداف بعيدة المدى. فإيران التي ستستعيد قرابة 100 مليار دولار، ستقدم بطبيعة الحال مساعدات اقتصادية إلى حلفائها في الإقليم. ومعروف أن الجانب السوري وافق منذ الصيف الماضي على تسيير خط دين ائتماني جديد مع طهران بقيمة مليار دولار، سيغطي حاجة قطاعات الطاقة والدواء وبعض المواد الغذائية، ويمكن أن يكون مقدمة لخط ائتماني أطول بقيمة 3.6 مليارات دولار وفقا لما أعلنت مصادر إيرانية لوسائل الإعلام. وتتناقل وسائل إعلام مختلفة أن إيران منحت سوريا قروضاً بما يعادل 3.2 مليارات دولار جلها من الوقود في الأعوام السابقة. وفي هذا الإطار، تذكر تقارير صحافية غربية أن ما يعادل 60 ألف برميل يومياً يصل إلى سوريا عبر طرق مختلفة مصدرها واحد، وهو الآبار الإيرانية. وبالطبع سيسمح الاتفاق النووي، بعد رفع العقوبات على طهران، من تأمين كميات أكبر من النفط، وبطرق شرعية دون الحاجة للالتفاف، ذلك وإن ظلت العقوبات على سوريا سارية بدورها. ووفقاً لما يعلق به مصدر سوري مطلع فإن "عطاء إيران في أوقات الشدة لم يتناقص، فما بالك وقد رفع عبء النووي وعادت الأموال" التي في الخارج، الأمر الذي يجده كثيرون في دمشق فاتحة خير. وعلى الرغم من أن ازدياد قوة إيران الإقليمية سيعني طردا ارتفاع قوة نفوذها في سوريا، إلا أن أحدا لا يفكر في هذا الأمر الآن. بل يتبادر إلى الذهن السؤال عما إذا كانت هذه التوقعات ستدفع الآخرين إلى إنفاق مماثل على الجبهة الأخرى. لكن وفقاً للمصدر "فإنهم لا ينتظرون أصلا حصول هكذا أمر. قطر أنفقت على حربها في سوريا 3.8 مليارات دولار وفق تقارير أمريكية". في النهاية نستطيع القول: "صحيح أن هذه الحرب هي ضد سوريا، إلا أن جزءاً كبيراً منها هو ضد إيران أيضاً". وكان الرئيس السوري بشار الأسد وصف في الصيف الماضي ، التوقيع على الاتفاق النووي بالمنعطف الجوهري في تاريخ إيران وتاريخ علاقاتها مع دول المنطقة والعالم، وقال الأسد، في برقية التهنئة إلى مرشد الثورة السيد علي خامنئي: "يسرني وقد حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الانتصار العظيم بالتوصل إلى الاتفاق النهائي مع مجموعة خمسة زائداً واحداً بشأن الملف النووي الإيراني أن أعرب باسم الشعب العربي السوري، وباسمي لسماحتكم وللشعب الإيراني الشقيق، عن أحر تهاني القلبية وخالص مباركتي لكم بهذا الانجاز التاريخي". وأضاف: "لا شك أن هذا الاتفاق هو تتويج لصمود الشعب الإيراني بكل أطيافه وتوجهاته، في وجه العقوبات الظالمة التي فرضت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي وعلى الرغم من قساوتها حَوَّلَها الشعبُ الإيراني العريق إلى فرصة لتعزيز مقدراته الذاتية والارتقاء بأبحاثه وجامعاته وانجازاته، إلى أن وصل مرحلة يعترف له العالم برمته بما حققه وأنجزه". وأشار الأسد إلى أن "توقيع هذا الاتفاق يعتبر نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم، واعترافاً لا لبس فيه من دول العالم بسلمية البرنامج النووي الإيراني، الذي يضمن الحفاظ على الحقوق الوطنية لشعبكم ويؤكد سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستقلال قرارها السياسي". وقال: "نحن مطمئنون إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستتابع وبزخم اكبر دعم قضايا الشعوب العادلة، والعمل من أجل إحلال السلم والاستقرار في المنطقة والعالم"(13). الخلاصة لقد أدت سياسة الجمهورية الإسلامية المناهضة للصهيونية والرافضة للهيمنة الأمريكية في المنطقة، وموقفها الداعم للمقاومة الباسلة ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، إلى اصطفاف آل سعود والقبائل العربية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة من أجل إضعاف نظام الحكم الإسلامي في طهران، ومنعه من تطوير قوته الإستراتيجية والعسكرية. أما إسرائيل فقد حرصت منذ نشأتها على احتكار القوة وعلى مواكبة التطور الصناعي وامتلاك أحدث مبتكرات الصناعة الغربية واستخدام العنف وإدامته من أجل التفوق عسكرياً وتكنولوجياً على دول المنطقة قاطبة. لذلك تسعى إسرائيل بكل السبل المتاحة إلى توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، وهي بالتالي في شراكة متضامنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يجعل إيران تفكر في حماية أمنها الإستراتيجي. فإيران تؤكد حقها في امتلاك التكنولوجيا المتطورة وبناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية أسوة بباقي الدول الأخرى في العالم، لذلك سارت في برنامجها النووي خطوات متقدمة لا يمكن التراجع عنها. ليس عيباً أن تصبح إيران دولة قوية، ولا يحرم عليها الاستفادة من برنامجها النووي. ومن واجب إيران أن تتقدم اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، ومن حقها أن تخلق ميزانا للردع وأن تبني مشروعها الحضاري. ذلك أن البرنامج النووي الإيراني ليس جديداً، فقد بدأ عندما اشترى الشاه مفاعلاً للبحوث من الولايات المتحدة عام 1959 حين كان لدى الشاه محطات كبيرة لإقامة شبكة من 23 مفاعلاً نووياً، ولم تعتبر الولايات المتحدة ذلك خطراً لأن الشاه كان حليفها في ذلك الوقت. فالمشكلة مع إيران إذاً ليست في محاولتها امتلاك القوة التي تؤهلها للدفاع عن مصالحها وحمايتها على المدى الاستراتيجي، وإنما لمنعها من الظهور كقوة حضارية وإستراتيجية في المنطقة لها دورها وتأثيرها الذي لا يرضي الإدارة الأمريكية ولا الاحتلال الصهيوني. كما يدرك الإيرانيون أنهم يواجهون التحديات لا بسبب استفزازاتهم واتهامهم بانتهاك المعاهدات السابقة، وإنما بسبب بلطجة الولايات المتحدة، التي تؤيد وتدعم سياسة العدوان التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والمقاومة الإسلامية في لبنان، إضافة إلى الاعتداء على المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية. واليوم ونحن نقف على بوابات التكنولوجيا وامتلاك الصواريخ البالستية العابرة، فان الكيان الصهيوني يرى في القوة النووية الإيرانية تهديدا لوجوده، وأن ساعة زواله قد أزفت. وقد عبرت عن ذلك الدراسات التي تصدرها مراكز الأبحاث الإسرائيلية المختلفة، ولأهميتها تقوم حركة الجهاد الإسلامي بترجمتها، مدركين أن هذا الضجيج الإعلامي لن يوقف رايات سود من خراسان حتى تدخل المسجد الأقصى ويعم الإسلام الأرض. هوامش: (1)- استناداً إلى "وحدة المعلومات الاقتصادية"، فإن نمو الإنتاج المحلي الكلي في إيران بلغ 7.5% عام 2002، 7.1% عام 2003، 5.1% عام 2004، 4.4% عام 2005 و4.3% عام 2006.. الهبوط إلى 3% يظهر في دراسة أمير طاهري، "أزمة إيران الاقتصادية"، صحيفة وول ستريت جورنال Wall Street Journal, May 9, 2007 (2)- ملخص البلدان ـ الشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا ـ إيران، مجموعة البنك الدولي، أيلول(سبتمبر) 2006. (3)- جمهورية إيران الإسلامية: الملحق الإحصائي، تقرير البلدان، 7/ 101، آذار(مارس) 2007، صفحة 3. المؤشرات الاقتصادية الكلية. (4)- غاري توماس، "إيران الغنية بالنفط تواجه تقنين الغاز"، صوت أمريكا، 5 حزيران (يونيو) 2007. (5)- كيلي كامبل، "هل تواجه إيران أزمة اقتصادية؟"، معهد الولايات المتحدة للسلام، أيار (مايو) 2007. (6)- ليونيل بيهنار، "الخلل الوظيفي لنفط طهران"، مجلس العلاقات الخارجية، 16شباط (فبراير) 2007. (7)- روجر ستيرن، "إيران هل ينقصها النفط حقاً"، إنترناشيونال هيرالد تريبيون International Herald Tribune, January 8, 2007، أنظر أيضاً: روجر ستيرن، "أزمة النفط الإيرانية والأمن القومي للولايات المتحدة"، قضايا الأكاديمية الوطنية للعلوم للولايات المتحدة الأمريكية، كانون أول 26(ديسمبر) 2006. (8)- جاد معوض، "الغرب يضيف ويشدُّ على شريان الحياة لإيران"، نيويورك تايمز، 13 شباط (فبراير) 2007. (9)- "إيران تقول بأن التهديدات لا تؤثر على استثمارات الطاقة"، بلومبرغ، 1 شباط(فبراير) 2007. (10)- مصطفى اللباد، الاتفاق النووي وتداعياته الجيو/اقتصادية على قطر والإمارات، جريدة السفير 15تموز 2015. (11)- المصدر السابق عينه. (12)- جريدة السفير 13تموز 2015. (13)- زياد حيدر، الربح السوري من التفاهم النووي ،جريدة السفير بتاريخ 15 تموز2015. |
||||||