داعش وداعشيّة النّظام السّعودي

السنة الخامسة عشر ـ العدد170 ـ ( ربيع الثاني ـ جمادي اول 1437 هـ) شباط ـ 2016 م)

بقلم: سامر المراحي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

إن من يقرأ بشكلٍ علمي وموضوعي، ما آلت إليه ظروف مجتمعاتنا وأوضاع العديد من الدّول العربيّة والإسلامية من ناحية تفشّي التّكفير الإجرامي والعنف الدّاعشي، يدرك أن العامل الفكري والأيديولوجي هو السّبب الأساس لما تعاني منه تلك المجتمعات والدّول، حيث يمكن تلخيص هذا العامل الأيديولوجي بالسّلفيّة الوهّابيّة وثقافتها ومعتقداتها.

ومن الواضح أن السّلفيّة الوهّابيّة ما كانت لتنتشر، وتتمدّد في كثير من المجتمعات والدّول العربيّة والإسلاميّة بل والغربيّة، لولا احتضان النّظام السّعودي لها، وتقديم مختلف أنواع الدّعم المالي والإعلامي والمؤسّساتي والسّياسي، حتّى استطاعت أن تجد لها أكثر من موطئ قدم، وأن تستقطب الكثير من الأتباع، لتتحوّل إلى حركة عالميّة مرجعيّتها الوهّابيّة السّعوديّة.

ولم يكن خافياً على أحد طبيعة تلك المعتقدات التي تتبنّاها السّلفيّة الوهّابيّة، وأنّها تختزن في طيّاتها أسوأ أنواع الشوفينية الدّينيّة، والنّزوع إلى تكفير الآخر وإلغائه،   ودعوة صريحة إلى انتهاج العنف المتوحّش، والاستعداد الفكري والثّقافي لممارسة الاضطهاد والقمع والإجرام، وانتهاك حقوق الإنسان والمرأة والأقلّيات الدّينيّة والمذهبيّة ،وانعدام الحريّة بجميع أشكالها وتعابيرها.

ولقد كان معلوماً أن دعم النّظام السّعودي للسّلفيّة الوهّابيّة، ومساعدته لها على نشر دعوتها والتّبشير بمعتقداتها، هو في الواقع بمثابة ترويج لجميع تلك المعتقدات التي تحملها تلك الدّعوة السلفيّة الوهّابيّة، وأنّه بمثابة تحريض على الإرهاب، ودعوة إلى التّكفير، وحض على ممارسة العنف، ونشرٍ لثقافة الكراهية، وإثارة لجميع معاني التفرقة والعنصريّة، وتشجيع على ارتكاب القتل والإجرام.

السّؤال المطروح هنا: ما الذي يجعل النّظام السّعودي يتماشى مع تلك الدّعوة الوهّابيّة بمعتقداتها ونتائجها؟ هل هو مجرّد تبادل مصالح بينهما، بأنّ تقدم الوهّابيّة للنّظام فروض الطّاعة والشّرعيّة الدّينيّة، على أن يقدّم لها في المقابل مختلف أنواع الدّعم المالي والمؤسّساتي، والاحتضان داخل النظام، وعناصر التّمكين، بما يتيح لها فرض سلطتها الدّينيّة في الدّاخل السّعودي،والدعوة لمعتقداتها في الخارج؛ أم أنّ الأمر يتجاوز معادلة تبادل المصالح إلى ما هو أبعد منها؟

إن من يتمعّن في طبيعة العلاقة بين الوهّابيّة وآل سعود يدرك أن العلاقة بينهما هي أبعد من تبادل مصالح، وأنّها تتجاوز البعد المصلحي إلى البعد الأيديولوجي والثّقافي، حيث يمكن القول: كما أن الوهابية هي سعودية في وظيفتها السياسية، فإن النظام السعودي هو وهابي في معتقده السياسي ومؤثراته الفكرية والثقافية، وهذا يعني أنّ عقل النّظام السّعودي برمّته هو عقلٌ وهّابي في أيديولوجيّته السّياسيّة، وثقافته وفهمه للآخر والأشياء من حوله وكيفيّة التّعامل معها، ونظرته إلى مختلف الأمور.

وإذا كانت الداعشية هي التعبير العنفي والحركي عن السلفية الوهابية،عندها سوف ندرك أنّ العقل السياسي للنّظام السّعودي هو عقل داعشيّ بامتياز، وإنّ ثقافته السياسيّة هي ثقافة داعشيّة في العمق، والفارق بينهما أنّ النّظام السّعوديّ يمارس داعشيّته كنظامٍ قائم، يحمل غطاء أمريكيّاً وغربيّاً تفصله المصالح الاقتصادية ودور النّفط، في حين أنّ داعش تمارس داعشيّتها كحركة إرهابيّة، لا تجد من داع إلى تبرير أو تلطيف ممارساتها الدّاعشيّة، كما يفعل ذلك النّظام، الذي يستثمر جميع إمكانيّاته لستر داعشيّته، أو تجميلها وتلميع صورتها، وإعطائها مشروعيّة الدّولة.

إن المشابهة بين الداعشية والنظام السعودي تقتضي بيان حقيقتها، حيث ينبغي القول إنّ الدّاعشيّة هي بالدّرجة الأولى ثقافة وقيم سلوكيّة، تقوم على الأحاديّة ونفي التّعدّديّة، وترتكز على الإلغائيّة وليس التّنوّع، وتمارس التّسلّط وليس المشاركة، وتنتهج العنف المتوحّش وتقصي جميع معاني الإنسانيّة، وتختزن عنصريّة مفرطة تجاه الآخر، أي آخر. هدفها السّلطة والتّوسّع فيها، وليس البناء والتّنمية، تجنح إلى الاستئثار بكلّ شيء، وتحتكر المال والثّروات وحتّى البشر، وتنزع إلى القمع والاضطهاد، لا مكان لديها لأيّ معنى من معاني الحريّة، كلّ ما تحت يدها ملك لها، أو خادم لسلطانها ودوام تسلّطها.

هذه هي الدّاعشيّة التي خرجت من رحم السّلفيّة الوهّابيّة، والآن ماذا عن النّظام السّعودي، هل تتوفّر فيه هذه المواصفات أم لا؟

بداية لا بدّ من القول: إن قصّة النّظام السّعودي، هي قصّة عائلة تسلطت على الحكم بقوّة السّيف وفعل التّغلّب، حتّى سادت على تلك البلاد. ونتيجة لتعاونها مع الاستعمار الإنكليزي ثمّ الأمريكي، وفعل الذّهب الأسود(النّفط)، فقد استطاعت أن تبني لنفسها نظاماً يقوم على استغلال الدّين، وتوظيف المال، وتقمّص دور الأداة للمشروع الأمريكي، بما ساعد على دوام تسلّطها واستمراره.

وعوداً إلى ذاك السّؤال، أنّه هل تتوفّر في النّظام السّعودي تلك الجينات الدّاعشيّة أم لا؟ لا بدّ من طرح الأسئلة التّالية كتمهيد للجواب المفترض:

- هل جاءت تلك العائلة إلى السّلطة بفعل الانتخابات؟

- هل تستمرّ في السّلطة نتيجة لرضا الشّعب وقبوله؟

- أية شرعيّة دينيّة أو دنيويّة لاستئثار عائلة واحدة بالسّلطة ولعقود متطاولة من الزّمن؟.

- أية أدلة دينية، أو أيّة نظريّة سياسيّة، تبرّر أن تكون السلطة في تلك الأرض لمن ينتمي حصراً إلى آل سعود؟.

- هل يوجد برلمان منتخب من الشّعب، لديه صلاحيّات واسعة، تنبثق عنه باقي السّلطات؟.

- هل يوجد تعدّديّة سياسيّة، أو ثقافيّة، أو إعلاميّة أو... في تلك البلاد؟.

- هل يوجد أحزاب متنوعة في المملكة السّعوديّة، أم أنّه لا وجود إلّا لحزب العائلة الواحد؟.

- هل من هامش لحريّة فكريّة، أو سياسيّة، أو دينيّة، أو طائفيّة... في تلك الأرض؟.

- ماذا عن حقوق الإنسان في المملكة، والحقّ في المعتقد، وإبداء الرّأي والتّعبير، وحقوق الأقلّيّات والمرأة، هل هناك من هامش كاف لهذه الحقوق؟.

- هل من دور للشّعب(شبه الجزيرة العربيّة) في اختيار من يحكمه؟ وممارسة الرّقابة والمحاسبة للحاكم؟ أم أنّه لا دور له إلا تمجيد الحاكم، وإعلان الولاء والبيعة؟.

- ألا يحقّ لشعب الجزيرة العربيّة أن يقرّر مصيره، أم أنّه لا معنى لوجوده إلا تقديم فروض الطّاعة لمن يملك كلّ شيء من البشر والحجر؟.

- أين تذهب ثروات البلاد من النّفط وغيره، وهل يحقّ للعائلة الحاكمة أن تستأثر بالكثير من تلك الأموال لنفسها دون حسيب أو رقيب؟.

- ما هو مصير من يبدي رأياً، أو ينتقد سياسة، أو يخالف ما عليه المؤسّسة الديّنيّة أو السّياسيّة، وتوجّهات النّظام والعائلة؟.

إن الحق الذي ينبغي أن يقال هو أنّ نظام آل سعود هو نظام الأحاديّة، أحاديّة العائلة التي لا مشروع لديها إلا فرض سلطتها ودوامها وتوسعها، حيث لا مشاركة ولا تعدّديّة، ولا دور للشّعب وفئاته، إنما الملك والحكم والدور هو فقط لتلك العائلة، التي  تحكم بعقليّة زعيم القبيلة، الذي يملك كلّ شيء، ويحقّ له حصراً اتّخاذ القرار في أيّ شيء.

إنّ نظام آل سعود هو نظام القمع، حيث لا حرّية ولا احترام للإنسان وحقوقه، ولا نظامٍ ولا قانون. فهو كما بدأ بالتّغلّب والسيف، فإنّه يعتقد في دفائنه أنّ استمراره محكوم أيضاً بالتّغلّب والقوّة، ولذلك هو يمارس الهيمنة والإرهاب والاضطهاد لشعب الجزيرة العربية، لإرغامه دائماً على الخضوع والسّكون والطّاعة، وحتى لا يفكر ذلك الشعب في يوم من الأيام باستعادة كرامته وحقوقه ودوره وهويته.

هو نظام يمارس العنف المتوحّش بالواسطة(الحركات التّكفيريّة)، وفي هذه الأيّام بالمباشرة من خلال عدوانه على الشّعب اليمني وأبناء اليمن، وعلى الشعب البحريني؛ فضلاً عن إرهابه وعنفه المنظّم، الذي يمارسه على شعب الجزيرة العربيّة بواسطة شرطته الوهّابيّة وأدواته الأمنيّة.

هو نظام غارق حتّى أذنيه بكلّ معاني الفساد المالي والإداري والأخلاقي والسياسي.. ويستعين على دوامه بشراء الذّمم وبذل الأموال، والإيغال في عمالته للأمريكيين، والتّغوّل على شّعب الجزيرة العربية، بل والشعوب العربية، وارتكاب الجرائم بحقها.

- أليست هذه المواصفات مواصفات دّاعشيّة،أليست هذه الأفعال أفعالاً داعشية، أليست هي الداعشية بنفسها؟.

إن من يقرأ تاريخ نظام آل سعود وحاضره، وسلوكه وسياساته الدّاخليّة والخارجيّة، وإسهامه في نشر التّطرّف والتّكفير، وتبنّيه له بشكل مباشر وغير مباشر؛ هل يبقى لديه أدنى شكّ في داعشيّة هذا النّظام؟.

بل أن ما ينبغي قوله، هو أنّ داعشيّة النّظام السّعودي هي أسوأ بدرجات من داعشيّة داعش، والسّبب:

 أولاً: لأنّه يحتضن وما زال، تلك المدرسة الوهّابيّة التي خرّجت - وما زالت- مجمل حركات التّكفير والإرهاب والإجرام من القاعدة إلى داعش وأخواتها.

ثانياً: لأنّ داعشيّته تمتلك الكثير من الإمكانيّات الماليّة وغير الماليّة، وتحمل لنفسها غطاء أمريكيّاً، حيث تستطيع توظيف كلّ ذلك في أهدافها ومشاريعها.

ثالثاً: لأنّ داعشيّة النّظام السّعودي هي داعشيّة مقنّعة، تمارس أسوأ السلوكٍ الداعشي لكنّها في الوقت نفسه تتستّر بالدّين، وتفعل باسم القانون والنّظام، وحماية لولاة الأمر.

إنّ النّظام السّعودي وداعش، هما في الحقيقة وجهان لعقيدة واحدة، وثقافة واحدة، ومقاصد واحدة وإن اختلفت الأشكال والتّعابير والوسائل. بل يمكن القول إنّ داعش وأخواتها هي أدوات لهذا النّظام، ومن صناعته، حيث أنّ الثّابت هو استمرار هذا النّظام، وتوظيفه لأدوات التكفير والإرهاب والإجرام، أما المتغيّر فهو مسميات تلك الأدوات، وأدوارها التفصيلية،وذلك بحسب تغير الظّروف والأحوال.

اعلى الصفحة