"صندوق الأدوات" خالٍ من الرد المناسب على العمليات الفردية

السنة الخامسة عشر ـ العدد170 ـ ( ربيع الثاني ـ جمادي اول 1437 هـ) شباط ـ 2016 م)

 ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مجلة نظرة عليا – مركز أبحاث الأمن القومي
          بقلم: كوبي ميخال

اندلاع الهجمات الفلسطينية قبل نحو شهرين فاجأ إلى حد بعيد الجمهور والقيادة في إسرائيل، بسبب تتابع العمليات، وبسبب تواترها واختيارها، في معظم الحالات، لأسلوب أعمال الطعن.

إن الدافع لاندلاع العمليات هو خليط، قومي – ديني – اجتماعي، والشعلة التي أشعلته كانت العاطفة الدينية، والتي تركزت في الصراع على المسجد الأقصى. يتحرك الشبان منفذو العمليات من دوافع الشعور بالإحباط القومي، الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك من الإدراك بأن جميع الطرق مغلقة في وجوههم، وان ليس لديهم ما يعتمدون عليه بالإضافة إلى فقدان الثقة في جميع فئات القيادة الفلسطينية. وكل ذلك، من خلال الرغبة في تفكيك النظام القائم، بدون أي التزام بنظام مستقبلي معروف.

نجم جزء من العمليات أيضاً عن الشعور بأن "ليس هناك ما يمكن أن نخسره"، فالقيادة، سواء في السلطة الفلسطينية أو في حماس في قطاع غزة، منشغلة بنفسها وببقائها، لذلك يضاف أيضاً فقدان الاهتمام الإقليمي، خصوصاً من جانب مصر والأردن، بما يدور في الضفة الغربية وقطاع غزة. والمنظومة الدولية من جانبها فقدت هي أيضاً الاهتمام بالقضية الفلسطينية وتنشغل حاليا في محاربة الدولة الإسلامية، وخاصة بعد الهجمات الإرهابية في فرنسا. جميع ما تقدم يزرع في نفوس الفلسطينيين الشعور بالإهمال واليأس.

الكثيرون من الجمهور في إسرائيل، ومن ضمنهم السياسيون والشخصيات العامة، يجدون صعوبة في مواجهة الواقع المستمر لهجمات السكاكين والدهس وإطلاق النار. وفي نفس الوقت، الكثير من هؤلاء الذين يطلبون عمل الكثير جداً ضد هذه الظاهرة يعودون إلى صندوق الأدوات القديم والمعروف، وهو ما كان فاعلاً وذا صلة في سنوات الانتفاضة الثانية، حيث واجهت إسرائيل وقتها الإرهاب المنظم. وعلى الرغم من ذلك، فإن اندلاع الهجمات الحالية ليس شبيهاً بالانتفاضة الثانية، فهي تفتقد للتنظيم وتحركها أيادي فردية، والتي في غالبيتها لا يتم فيها استخدام الأسلحة النارية. بالإضافة إلى أن الأغلبية الساحقة من السكان الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في القدس غير مشاركين في الإرهاب الحالي (على الرغم من أنها تسمى شعبية) وحتى إذا أمكننا تشخيص الكثير من التعاطف مع منفذي العمليات، إلا أنه من المشكوك فيه أن يتم تعريف ذلك بالدعم الواسع للجمهور الفلسطيني للعمليات. وعلاوة على ذلك، فإن العمليات والرد الإسرائيلي يعملان ضد المصالح الأساسية لغالبية السكان الفلسطينيين ويشوش مجرى حياتهم الطبيعية.

حقيقة أن الكثير من بين منفذي العمليات هم أولاد وشبان تشير إلى تفكك الهيكل الاجتماعي والقيادي بالمجتمع الفلسطيني ومنظومة الكبح التقليدية له (العائلة، الجهاز التعليمي، "كبار الطائفة" والقيادة السياسية). في واقع الضعف الهيكلي الاجتماعي والسياسي، وفي ظل إلهام ديني وعلى خلفية غياب أفق سياسي، فإن التحريض الممنهج والمؤسسي للقيادة الفلسطينية، يستخدم كقاعدة خصبة للتأثير ولتشجيع القيام بالعمليات ويتم نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أبناء الشبيبة الذين يعيشون في الواقع الافتراضي للشبكات الاجتماعية، يتغذون من الهام أبطال الجيل الجدد – فتية حملوا سكاكين وآمنوا أن طعن يهودي وقتله، حتى ولو دفعوا حياتهم ثمناً لذلك، فإنه عمل ذو قيمة.

هذا النوع من الهجمات، وخصوصاً الذي يتم تنفيذه على أيدي الفتية والفتيات، يتلقى على ضوء ذلك دعماً ليناً كثيراً من الإرهاب المنظم الذي يستخدم السلاح الناري. ومن الأسهل كذلك للقيادة الفلسطينية ولمكوني الرأي العام دعم إرهاب الشبان. فعناصر في السلطة الفلسطينية ترى أن هناك ميزة للعمليات الفردية، كطريقة لتحدي إسرائيل ويمنعها من القيام بنشاط عسكري كبير ضد أجهزة السلطة الفلسطينية نفسها والجمهور الفلسطيني. فحماس في غزة، كما هي فتح في الضفة، يستمرون في حملات التحريض – خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي والمساجد – ومن خلال ذلك يحاولون تحديد دور لهم ووعي وطني للأحداث الجارية حالياً.

فـ"فتح" تدعم العمليات، التي تعتبر من قبلها كـ"موجة انتفاضة ضد الاحتلال" ومعنية باستمرارها. وحماس تنظر بارتياح لانتقال مركز الثقل إلى الخليل، قاعدة قوتها في الضفة الغربية منذ سنوات، من خلال منعها أي تصعيد في قطاع غزة.

من أجل بلورة رد فاعل لاندلاع العنف، علينا أن نفهم تقييدات الرد والنشاط الإسرائيلي. وبهذا الخصوص، من المهم التمييز بين الإجراءات وأنماط العمل التي يمكنها أن تساعد في تقليص الظاهرة، وأن تعطي رداً سريعاً وفاعلاً لوقف العمليات، وبين إجراءات تهدف إلى الإثبات أن إسرائيل تعمل بتصميم وإصرار ضد الإرهاب. ونهاية الخطوات القوية هو التصعيد، وزيادة الدافع لدى الأفراد لتنفيذ العمليات، عدا عن الإرهاب الأكثر تنظيما (بما في ذلك مشاركة التنظيم لحركة فتح) والمس بدافع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للعمل ضد الإرهاب والعنف وللاستمرار في التعاون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

لم تفلح إسرائيل في السنوات الأخيرة من إعداد صندوق جديد للأدوات، الذي يتلاءم مع روح الفترة، ويركز على تفعيل الجهود الاقتصادية، والبنى التحتية، الاجتماعية، التعليمية والمعرفية. واقع السنوات الأخيرة قمعت نمو وبروز قيادة فلسطينية محلية، مرتبطة بضائقة السكان، ومشروعة وتشكل عنوانا للحوار مع إسرائيل ولكبح العنف. وفي ظل غياب أدوات جديدة، وعندما لا يكون هناك ردٌّ مناسب لمشكلة إستراتيجية، يتم العودة إلى صندوق الأدوات القديم، ويوجد في إسرائيل من يدفع باتجاه العودة إلى خطط فاعلة مثل ("السور الواقي") والتي تمت بلورتها كرد على وضع مختلف في المضمون وان استخدامها من شأنه أن يبدو كصفقة أخطاء.

إن الضغط الممارس على المستوى السياسي وعلى أجهزة الأمن لعمل شيء ما، كاتخاذ خطوات عنيفة من شأنها أن تغير قواعد اللعبة، ومن شأنها أيضاً أن تمس بحرية تصرف المستوى السياسي، وان تقوض ضبط النفس والرد المسؤول الذي اتخذ لغاية الآن وأن تؤدي إلى تبني منطق عمل لا يتناسب مع جوهر الإرهاب الحالي.

مؤشرات أولية لذلك، من الممكن رؤيتها في قرار فحص جميع المركبات الفلسطينية في محيط الخليل – بيت لحم، وبصورة انتقائية في باقي مناطق الضفة الغربية، وبالتأكيد لسحب تصاريح العمل في إسرائيل من أقرباء منفذي العمليات، ومنع دخول العمال الفلسطينيين إلى مستوطنات غوش عتسيون، وفحص إمكانية الفصل بين حركة المركبات الفلسطينية عن حركة المركبات الإسرائيلية على شوارع الضفة الغربية، وزيادة معدل الاعتقالات للفلسطينيين على أساس شبهات بسيطة فقط، وفي فحص خطوات إضافية مثل محاصرة مناطق جغرافية ومدن، مثل الخليل. إجراءات من هذا النوع من شأنها أن تنقل مراكز الإرهاب إلى مناطق أخرى (نابلس وجنين) ولحض السكان غير المشاركين في الهجمات لدعم أكثر فاعلية للعمليات والعنف. بالإضافة إلى أن، إجراءات كهذه من شأنها أن تثقل جداً على الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي لغاية الآن لم تشارك في الإرهاب كما أنها تكبح جماح العنف تجاه الإسرائيليين، ويعملون ضد البنى التحتية للتنظيمات الإرهابية في مناطق السلطة الفلسطينية، ويمنعون احتكاك السكان الفلسطينيين مع قوات الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الإسرائيلية.

إن احتمال تغيير الواقع الحاضر يكمن في وضع أفكار منافسة وعملية ضد التطرف والعنف الديني الذي يسيطر على قلوب الشبان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. ولهذا الغرض، يجب القيام باستخدام سليم لشبكات التواصل الاجتماعي والانتباه إلى الجهاز التعليمي الفلسطيني ولمضامين الرسائل التي تبث عن طريق وسائل الاتصال المختلفة للجمهور وبشكل خاص للشبان، حتى من قبل القيادة الفلسطينية أيضاً. وعلى الرغم، من أنه في حال فقدت القيادة الفلسطينية شرعيتها في نظر الجمهور الفلسطيني وتصبح غير ذات صلة، فإنها ستجد صعوبة في إقناع الجمهور الفلسطيني في ترك العنف والإرهاب كما أنها تنضم إلى الأجواء الداعمة للإرهاب. القيادة الفلسطينية موجودة الآن في منحدر زلق، حيث أن الإحباط واليأس في أوساط الشباب موجه حاليا تجاهها أيضاً ومن المتوقع أن يتهددها العنف هي الأخرى. ومع ذلك، فإن الجهد الإسرائيلي لإسقاط الظاهرة يستوجب أولاً وقبل كل شيء تجنيد القيادة الفلسطينية، على الرغم من ضعفها وعلى الرغم من الشكوك من استعدادها ومقدرتها على التأثير على الجمهور الفلسطيني.

من اجل إقناع قيادة السلطة للتنكر بشكل قاطع للهجمات، والعنف ولان تعيد تأثيرها على الشارع وعلى الشبان، المطلوب أدوات جديدة، ومن ضمنها إقامة مشاريع عمل للشبان، وبرامج تأهيل مهني، وتعليم مفتوح وشق مسارات لانخراط الشبان بالعمل السياسي. وإسرائيل بإمكانها أن تساعد السلطة الفلسطينية في هذه المجالات.

إن إسرائيل مطالبة أن تثبت صدقها باستعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات وان تسعى إلى تطبيق وضع الدولتين لشعبين، مقابل تنكر السلطة الفلسطينية للعنف والإرهاب. وفي نفس الوقت، من المهم لإسرائيل أن تقدم سلسلة من الإجراءات يكون فيها ما يكفي لتحسين نسيج حياة السكان الفلسطينيين ورفاهيتهم. وخطوة أخرى كمساهمة للسلطة الفلسطينية في كبح جماح الإرهاب تتمثل في توسيع نشاط أجهزة الأمن الفلسطينية وكذلك تعزيزها، وذلك مقابل تعزيز التنسيق الأمني.

وطالما لم يطرأ تغيير على الواقع السياسي، فالمطلوب تواجد واسع لقوات الأمن في المنطقة، وتعزيز وتحصين اليقظة لدى المدنيين بالإضافة إلى تركيز الجهود على إحباط العمليات. وذلك، على أساس التقدير الذي يتحدث عن واقع مستمر ومتواتر للإرهاب، تتجسد مواجهته فقط عبر تبني صندوق جديد للأدوات فاعل من أجل تقليصه.

اعلى الصفحة