|
|||||||
|
شكلت الانتفاضة الفلسطينية التي دخلت شهرها الثاني، حلقة في السلسلة الطويلة من السياق النضالي والكفاحي لشعبنا الفلسطيني منذ العام 1919. ولكن اليوم ما يجعلها تشكل العلامة الفارقة أنها أتت في لحظة سياسية تعيشها المنطقة بدولها وأقطارها من تطورات وأحداث لم تشهدها منذ مائة عام، ما فرض حالة شبه كاملة من التخلي والتراجع في الاهتمام العربي والإسلامي بالموضوع الفلسطيني، لتتحول في سلم الأولويات إلى مرتبة متدنية. ذاتها اللحظة هي ما شكلت بالنسبة للكيان الصهيوني، التي لن تتكرر من إتاحة المجال أمامه ومستوطنيه وغلاتهم من أجل الذهاب عميقاً في فرض الوقائع الميدانية على الفلسطينيين، وتسريع الخطوات باتجاه تهويد مدينة القدس والسيطرة المطلقة زمانياً ومكانياً على المسجد الأقصى مقدمة لإشادة "الهيكل" المزعوم كهدف استراتيجي، وفق فلسفة لطالما يتم تردادها بأن "لا معنى لإسرائيل من دون أورشليم، ولا معنى لأورشليم من دون الهيكل". مضافاً لذلك استفحال الاستيطان، واتساع دائرة الاعتقالات والقتل، ولاسيما على يد ما تسمى بعصابة "تدفيع الثمن" الصهيونية، التي ارتكبت الاعتداءات على دور العبادة الإسلامية والمسيحية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وممتلكات وأرزاق وأرواح الفلسطينيين، وحرق الفتى المقدسي محمد أبو خضير في أواخر حزيران 2014، وحرق عائلة الدوابشة في نابلس مثال صارخ على العقيدة الصهيونية المشبعة بالإجرام والمحارق والمجازر والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني. وبالتالي مثل القهر السياسي والأمني والاقتصادي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وانغلاق الأفق أمام ما يسمى بـ"عملية السلام" والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، فيما مثله من عوامل ضاغطة باتجاه أن يذهب الشباب الفلسطيني نحو تفجير كل ما يعتملهم من ألم ومعاناة وقهر في وجه الاحتلال والمستوطنين. هذه الانتفاضة التي بدأت إرهاصاتها تتجلى منذ زمن في أعمال مقاومة فردية ومظاهرات قريتي بعلين ونعلين في مواجهة الجدار العازل، كانت تحول بينها وبين مواجهة الاحتلال على الدوام "اتفاقات أوسلو" بملحقاتها الأمنية "التنسيق الأمني". وكان من الممكن أن تشكل عملية إحراق الشهيد محمد أبو خضير الشرارة التي بدأت نارها في هشيم الاحتلال وحكومة نتنياهو الذي سرعان ما ذهب إلى شن الحرب الثالثة على قطاع غزة، هرباً من الهبة الشعبية التي بدأت تتسع دائرتها. وعلى الرغم من ذلك بقيت روح الانتفاضة حاضرة في نفوس الشباب وعزائمهم وبين أضلع إراداتهم في انتظار اللحظة، التي جاءت قبل شهر لتبدأ باكورتها مع الشهيد مهند حلبي ابن ألـ19 ربيعاً، الذي نفذ عملية وسط مدينة القدس. مضافاً لذلك سياسة الاستيطان والتهويد للأراضي في الضفة والقدس، وازدياد أعمال الاقتحامات الممنهجة التي ينفذها المستوطنين بحماية الأجهزة الأمنية، التي فرضت التقسيم الزماني خطوة على طريق التقسيم المكاني. وكذلك شكل انسداد أفق التسوية عبر المفاوضات العبثية، ووصولها إلى مأزقها الراهن مما عرّض الحقوق الوطنية إلى مزيدٍ من التبديد والضياع، عاملاً مؤثراً في دفع الشباب الفلسطيني نحو التحرك الذي نعايشه في الانتفاضة الشعبية الثالثة. ناهينا عن حالة الخذلان التي يعيشها الشعب الفلسطيني، بسبب التخلي الذي تمارسه الدول العربية والإسلامية -(إلاّ ما رحم ربي)– بما يتعلق بقضيته الوطنية عموماً، وقضية القدس والمسجد الأقصى على وجه الخصوص. الهبة أو الانتفاضة بغض النظر عن التوصيف حول ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من مواجهات واشتباك مع قوات الاحتلال الصهيوني في القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948 وقطاع غزة، أجد من غير الحكمة بمكان أن تشكل نقطة خلافية أو تباين بين الفصائل الفلسطينية، التي أطلقت معظمها اسم الانتفاضة، من خلفية أنها بدأت في القدس وهي اليوم تعم الضفة ونقاط اشتباك في القطاع بسبب أن قوات الاحتلال تقف على تخوم القطاع لا في داخله، ومناطق فلسطين المحتلة عام 1948، والبعض القليل لا يزال يرى فيها هبة شعبية لم تصل بعد إلى أن تكون انتفاضة، لأنها بحاجة إلى عناصر لم تؤمن بعد لهذه الهبة لتتحول إلى انتفاضة.وكتب "جدعون ليفي" في "هآرتس" العبرية معتبراً أنّ "الانتفاضة الثالثة قائمة بالفعل، ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل التي حالت دون اندلاع انتفاضة حتى الآن، وهو الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون في الانتفاضة الثانية، وغياب القيادة التي تحرك الشعب للقيام بانتفاضة جديدة واسعة النطاق، والانقسام الداخلي الفلسطيني. فضلاً عن العزلة الدولية للفلسطينيين وسط لامبالاة دولية متنامية، والتحسن الطفيف للوضع الاقتصادي في الضفة الغربية". وهنا لا بد من التنبه أن هذه الإشكالية لها محاذيرها في التوصيفين (الهبة أو الانتفاضة)، ففي الأولى أي الهبة، المحظور يكمن بأن لا نعطي الاحتلال كسباً سياسياً أو إعلامياً ودعائياً، بمعنى لا يجوز أن نساعد حكومة نتنياهو في تسويق توصيفهم عن أن ما يجري هو حالة احتجاجية ليست على ذي أهمية، وهي ذاهبة نحو الهدوء التدريجي وصولاً لخمودها وانتهائها، وهي لا تشي بأي حال من الأحوال على ذلك بل هي في تصاعد وإن ببطء وهذا يُعد من نجاحاتها لا إخفاقاتها. وأن ليس من الحكمة تطمينه أي للاحتلال، على أنها هبة يجب تحقيق بعض المطالب أو التعهدات وتنتهي، وهذا ما يُعاكسه نتنياهو وحكومته فـ"مشهد الاقتحامات للمسجد الأقصى لا يزال على حاله، وسن القوانين العقابية ضد راشقي الحجارة، والإعدامات بحق الفلسطينيين مستمرة، واستخدام الرصاص الحي من قبل جنود الاحتلال في مواجهة المنتفضين متواصل، وعزل الأحياء العربية في القدس يجري على قدم وساق، والاستيطان وبناء الوحدات الاستيطانية في وتيرة متصاعدة". وبالتالي أن لا نسمح للاحتلال في النجاح بتسويق ذلك إعلامياً ودعائياً في تطمين حلفائه الدوليين أن الأوضاع لا تدعو إلى القلق، والمسألة مسألة وقت وينتهي كل شيء. وأصحاب هذا التوصيف ينطلقون من خلفية إعطاء الفرصة للمجتمع الدولي والدول النافذة وتحديداً الإدارة الأمريكية من أجل التحرك وإنقاذ العملية السياسية المتصلة بالمفاوضات بسبب السياسات "الإسرائيلية". وبذلك هم لا يريدون إغلاق الأبواب أمام الجهود السياسية. أما فيما يتعلق في التوصيف الثاني أي الانتفاضة، فإن المحظور يكمن في عدم شموليتها واتساعها وانخراط جميع القوى والفصائل وبشكل أساسي (حركة فتح ذات الثقل الرئيسي في الضفة والقدس)، وفق إستراتيجية وطنية تحدد هيئاتها ولجانها الوطنية الميدانية، والأهداف والوسائل وفعالياتها اليومية، "وهنا ليست بالضرورة أن تشمل كل المخيمات والمناطق دفعة واحدة". لأنه من دون ذلك، وفي ظل مساعي الإدارة الأمريكية والغربية وبعض الإقليمية الهادفة إلى إنهاء ما تشهده الأرض الفلسطينية من أعمال انتفاضة، والخشية من نجاحها، وبذلك سيكون مصير الانتفاضة في مهب الريح، وهذا سيترك من التداعيات الشيء الخطير على الشارع الفلسطيني، ويعطي الاحتلال جرعة قوية في اتجاه المضي ببرنامجه في فرض وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان.. الخ. وأصحاب هذا التوصيف ينطلقون من خلفية أنه آن الأوان لقلب الطاولة في وجه الاحتلال، وإنهاء العملية السياسية العقيمة والتي أتت على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية الثابتة والمشروعة وفي مقدمتها حق العودة. لذلك يجب أن تُوضع التسمية والتوصيف في ميزان الحسابات الوطنية الدقيقة, وألاّ تشكل هذه الإشكالية نقطة خلاف وسجال سياسي أو إعلامي، وأن تبقى على راهنها، وأن تذهب الفصائل والنخب إلى الأساسيات بما يتعلق بالانتفاضة. محاذير ومعوقات بعد مضي ما يزيد على الشهر والنصف على اندلاع الانتفاضة، يجب المحاذرة والتنبه من الآتي: 1. عسكرة الانتفاضة التي هي بحد ذاتها فعل مقاوم، وإبقاء تحركاتها في إطارها الشعبي والجماهيري، وترك موضوع التوافق حول الأساليب والوسائل للفصائل, وهذا لا يعني إسقاط الكفاح الشعبي المسلح. 2. التصعيد العسكري في قطاع غزة، حتى لا يُعطى نتنياهو وجنرالاته فرصة الهروب إلى حرب جديدة ضد القطاع. وإبقاء التحركات في إطار الإسناد من خلال التظاهرات والفعاليات الجماهيرية، وفق برنامج تحدده القوى الوطنية والإسلامية في القطاع. 3. القيام بفعاليات فصائلية خاصة، وإبقاء هذه الفعاليات في إطار الجهد الجماعي الموحد للفصائل، تحت راية الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية. 4. استمرار السجالات السياسية والإعلامية في الساحة الفلسطينية، وتجميد كافة الخلافات الناجمة عن الانقسام، إذا لم يكن في المقدور إنهائه وهو المطلوب، وبالتالي الوقف الفوري لعمليات الاعتقال للناشطين من مختلف الفصائل، تحت أحجية وتهم لا تستند إلى مبررات أو مسوغات قانونية، وذلك لصالح إبقاء التناقض والصراع الأساسي مع العدو الصهيوني ومستوطنيه. 5. تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة أقله في المرحلة الراهنة، واقتصار الأمر على لجان متابعة محلية، وذلك لسببين الأول لا يجوز إعطاء الاحتلال عناوين يُسّهل عليه توجيه ضربة لها من خلال الاغتيالات أو الاعتقالات، والثاني طالما أن الانقسام لم ينتهي فقد تتحول القيادة الموحدة منبراً جديداً للتراشق السياسي والإعلامي، مما ينعكس سلباً على الانتفاضة. 6. إبقاء الانتفاضة في مناطق محددة، الأمر الذي يستوجب اتساع رقعة انتشارها لتشمل كافة المناطق وإن تدريجياً. والعمل على وضع آليات تنظيمها. 7. أن تلعب السلطة وأجهزتها دوراً محايداً بين شبان الانتفاضة وقوات الاحتلال. بل الواجب وقفاً لتنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى أن تلعب السلطة ومعها الفصائل دوراً في توفير الرافعات الوطنية للانتفاضة، من خلال احتضانها وشهدائها وجرحاها ومعتقليها. 8. إبقاء سلاح المقاطعة الفلسطينية مقتصراً على المنتجات الصهيونية المستوردة من المستوطنات، بل لكل السلع والمنتجات الصهيونية القادمة من داخل الكيان إلى مناطق السلطة. 9. وعلى أهمية ما سبق، فإن الانتفاضة وإن كانت شرارتها قد بدأت على خلفية الاعتداءات والاستباحات الصهيونية للمسجد الأقصى. فإن إغفال بقية العناوين الوطنية الفلسطينية، إنما يشكل خطورة حقيقية على تلك العناوين، والتي يقع في أولوياتها حق عودة شعبنا إلى دياره التي طرد منها في العام 1948. تأثيرات الانتفاضة على الصعيد الفلسطيني يمكن الحديث عن: 1. وضعت الانتفاضة حد الحالات التراشق والسجال السياسي والإعلامي، ووقفت حملات الاتهامات المتبادلة بين حركتي حماس وفتح . 2. حركت الجمود السياسي الذي ساد الساحة الفلسطينية لفترات طويلة، من خلال دفع قيادات الفصائل إلى التلاقي وعقد الاجتماعات التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت في الآونة الأخيرة، من دون أن نمني النفس أن الانقسام سيجد طريقه للانتهاء، وإن كنا نحرص على ذلك، ولكن الطرفين الفاعلين في الانقسام بعيدين كل البعد عن تحقيق المصالحة. 3. كسرت الحاجز النفسي عند الشبان الفلسطينيين في التأكيد على القدرة في مواجهة قوات الاحتلال ومستوطنيه، وإيقاع خسائر في صفوفهم، من خلال عمليات الطعن والدهس التي تشهدها أحياء القدس ومناطق الضفة. وأيضاً القدرة في الدفاع عن النفس. 4. أثبتت القدرة الفلسطينية على مواجهة سياسات الاحتلال، ومنعه من تحقيق أهدافه، فيما لو توفرت الإرادة السياسية لدى السلطة في أن تسير نحو المواجهة مع حكومة نتنياهو. 5. أعادت الأضواء للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية والإقليمية، بعد أن جرى عمداً تهميش حضورها على جدول أعمال المجتمع الدولي والكثير من الدول العربية والإسلامية. 6. وحدت جهود الشعب الفلسطيني من القدس إلى الضفة والقطاع إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، في إطار الانتفاضة من خلال مسيراتهم وفعالياتهم تحت مظلة العلم الفلسطيني في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين. 7. عرت منطق التسوية السياسية المرتكزة على المفاوضات العبثية، وهذا ينسحب أيضاً على التنسيق الأمني الذي وفرَّ الحماية للمستوطنين وقوات الاحتلال، التي جعلت من احتلالها الأقل كلفة. وبذلك وجهت الانتفاضة ضربة قاصمة لمشروع الجنرال "دايتون" الذي راهن على خلق أجيال تعمل من خارج سياقها الوطني لصالح أمن فُصِلَّ على مقاس الأمن "الإسرائيلي" ومستوطنيه وقوات احتلاله. أما على الصعيد الإسرائيلي فيمكن القول: 1. أن الانتفاضة وضعت مشروع نتنياهو وغلاة المستوطنين الصهاينة موضوع السيطرة على المسجد الأقصى في مهب الريح، بسبب الإصرار الفلسطيني على منعه من تحقيق أحلامه وأهداف حكومته وحركته الأم الحركة الصهيونية. 2. ضربت الانتفاضة نظرية الأمن في الكيان، بحيث باتت حالة الهلع والخوف تطبع الحياة والسلوك اليومي للأجهزة الأمنية والمستوطنين، الذي أشار بحث أكاديمي في دراسة له أن مليون ونصف المليون منهم يعانون من حالة نفسية مضطربة بسبب أعمال المقاومة. وأكد كل من البروفيسور "يوحانان أيشيل ومولي لاهد وشاؤول كيمحي"، من قسم علوم النفس في كلية "تل حاي" إن البحث قد ركزَّ على تأثير الأحداث الأمنية الأخيرة على المجتمع "الإسرائيلي". وهذا ما ذهبت إليه صحيفة "هآرتس" العبرية حين كتبت "نحن أيضاً نجد صعوبة في التمييز بين الخوف من كراهية الجميع لنا وبين الواقع الحقيقي الذي تراجع فيه وضع إسرائيل الأخلاقي بشكل كبير، وبدلاً من فهم أسباب التراجع فإننا نفضل الحديث والغضب بسبب الملاحقة". 3. أثرت الانتفاضة في الاقتصاد "الإسرائيلي"بسبب ما يشهده الاقتصاد من ركود وإغلاق العديد من الأسواق والمحلات التجارية وتحديداً في مدينة القدس، بسبب خوف وهلع المستوطنين والتزامهم البيوت. مضافاً لذلك، فإن رفع حالة الطوارئ واستدعاء الاحتياط قد أرهق الموازنة من جهة، وتهاوي السياحة وإلغاء الكثير من الحجوزات الفندقية. وتأثر البورصة في الكيان. وهذا ما حذر منه مدير وزارة مالية الكيان السابق البروفيسور "آفي بن باست"، من أن دولة الاحتلال تواجه "خطر ضرر اقتصادي كبير". وأوضح قائلاً: "إنَّ آثار هذه الانتفاضة والعمليات التابعة لها أخطر على الاحتلال من الآثار الاقتصادية للانتفاضة الثانية، ويعود ذلك لكون الأحداث الحالية تأتي في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤاً في النمو، وتعاني الاستثمارات من انخفاض حاد". وفي هذا السياق، أضاف "بن باست" أنَّ الموجة الحالية من زعزعة الأمن سوف توقف استعداد المستثمرين لعمل مشاريع، وذلك سيلحق ضرراً بالاقتصاد لسنوات طويلة".وبدورها الخبيرة الاقتصادية "آيليت نير"قالت "إن فقدان الإسرائيليين للأمن انعكس على خروجهم من المنزل، وألحق ضرراً بالمتاجر والأسواق. وأكدت أنه على الرغم من أن صيف 2014 شهد حرباً حقيقية وليس انتفاضة شعبية، فإن الضرر الذي لحق بالسوق الإسرائيلي من جراء الانتفاضة الشعبية أكبر بكثير مما ألحقته الحرب الأخيرة على قطاع غزة". وكانت "منظمة راند" الأمريكية للأبحاث والدراسات، نشرت دراسة حول الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بالكيان الصهيوني في حال اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، أكدت فيها أن حجم تلك الخسائر سيصل إلى (250 مليار دولار، مقسّمة بين خسائر مباشرة وفرص ضائعة). 4. ساهمت في كشف المزيد عن الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني، أمام المجتمع الدولي، والرأي العام العالمي. مما سيزيد من حالة العزلة التي يعيشها الكيان في العالم، بسبب سياساته الإجرامية التي عرضت وتعرض الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته وأرضه للخطر الشديد. 5. وضعت حكومة وقادة الكيان أمام مأزق "الخيارات السياسية" في رؤيتهم للحل النهائي، الذي تحددت عناوينه بما سمي بـ"حل الدولتين" أو بـ"حل الدولة الواحدة". مع القناعة أن نتنياهو يعمل من خارج هذه الخيارات، لصالح مقولة أن "ليس للفلسطينيين أياً من الحقوق"، التزاماً مع توجهات اعتمدها الصهاينة منذ اغتصاب فلسطين عام 1948. أهداف الانتفاضة حتى الآن لم تُظّهر الانتفاضة أهدافها التي تعمل على تحقيقها، وهذا لا يعود إلى قصورٍ في وعي الشباب الفلسطيني المنتفض في الساحات والشوارع يواجه الاحتلال ومستوطنيه. بل إن من يرسم ويحدد الأهداف هي القيادة التي تمثل المرجعية الوطنية لهذه الانتفاضة، التي لم تتشكل بعد. وبناءاً عليه يجب أن تتحلى الفصائل بالكثير من الموضوعية، أي في عدم تحميل الانتفاضة أكثر مما تتحمل، وإرهاقها بأعباء ومهمات كبرى، لا زالت أصلاً الفصائل تمثل بالنسبة إليها إشكالية حقيقية في تحديد أولويات الصراع مع العدو وعناوينه. خصوصاً أن هناك من يطرح مهمات ويحدد أهدافاً للانتفاضة أراها كبيرة على الانتفاضة التي مضى عليها ما يقرب من الشهر والنصف، وهذه أهداف والمهمات تمحورت حول إنهاء الاحتلال ومستوطناته وطردهم من الضفة، وتحرير القدس والمسجد الأقصى ورفع الحصار عن قطاع غزة، ولربما يُضاف إليها إعادة بناء ما دمره الاحتلال في قطاع. إن التطيير في طرح الأهداف بهذه الطريقة من شأنه أن يضع الانتفاضة وأبناءها في مواجهة الجدار، وذلك بسبب أن الأهداف لا ترفع أو توضع على خلفية إسقاط للتمنيات، وإن كانت مشروعة، بل نحن جميعاً في قوى المقاومة نؤكد أن فلسطين كل فلسطين هي وطن الشعب الفلسطيني وحده. ولكن تلك الأهداف من مسؤولية القيادة الوطنية الموحدة إذا ما شُكلت، والتي يلزمها أو ممرها الإلزامي هي إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وهذا من الواضح أفقه حتى الآن مغلق. وعلى الرغم من ذلك من الممكن أن تعمل الانتفاضة على أهداف مثل منع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى ووقف اقتحامات المستوطنين له، واستعادة الأراضي المصادرة ووقف الاستيطان. وهي قد حققت أهداف خلال شهرها الأول ذكرناها في تأثيراتها "الإسرائيلية"، ونزيد عليها أن مجرد استمرار الانتفاضة،وفشل الأجهزة الأمنية الصهيونية في قدرتها على قمع الانتفاضة وإجهاضها، هو انتصار للمنتفضين وتعتبر خطوة هامة على طريق تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى. الإجراءات القمعية الصهيونية في الأصل الكيان الصهيوني، بأجهزته الأمنية لم تتوقف عن إجراءاتها العقابية، وممارساتها القمعية بحق الشعب الفلسطيني ونشطائه وقياداته. وهو لا يحتاج إلى أية مبررات أو مسوغات حتى يُقدم على التصعيد من أساليبه العقابية، وهي في حالة تصاعدية حتى ما قبل اندلاع الانتفاضة الثالثة، والتي اتخذت في مواجهة المنتفضين أشكالها الردعية من وجهة النظر "الإسرائيلية"، والتي اتخذت أشكال متعددة: 1. احتجاز جثامين الشهداء الذين ينفذون أعمال الطعن والدهس. ومعلومات عن سرقة أعضاء من جثامين الشهداء. 2. هدم منازل عائلات منفذي عمليات المقاومة سواء في القدس أو الضفة الغربية. 3. الاعتقال الإداري للنشطاء في الميادين، أو على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد اعتقلت قوات الاحتلال الطفلة المقدسية (تمارا أبو لبن) على خلفية كتابتها على صفحتها عبارة "سامحوني إذا زعلت أحد". 4. السجن وإطلاق النار بحق كل من يقذف قوات الاحتلال بالحجارة. 5. تشريع إطلاق النار الحي والمطاطي باتجاه الشبان المنتفضين في القدس والضفة والقطاع. 6. حجز ومصادرة البطاقات الزرقاء من عائلات منفذي العمليات، وتهديدهم بالإبعاد. 7. تشجيع حكومة نتنياهو لقطعان مستوطنيها في مهاجمة منازل الفلسطينيين، والاعتداء عليهم، واستباحة المسجد الأقصى. دور وسائل الإعلام لا شيء يدفع للحزن والأسى من دون الأسف تلك اللامبالاة وحالة التخلي وإدارة الظهر التي يُظهرها الكثيرون إزاء ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من أعمال انتفاضة في مواجهة الاحتلال والمستوطنين الصهاينة. والأسوأ تلك البلادة التي تتعمدها غالبية وسائل الإعلام، وكأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني المنتفض، يجري في بلاد ومناطق لا اسم لها، أو شعب ليس منهم، ولا تربطهم به أية علاقة تتصل بالتاريخ والحاضر والمستقبل، واللغة والثقافة والمصير المشترك. هذه هي حال سلوك الإعلام العربي في تغطيته للانتفاضة الباسلة وجرائم الاحتلال بحق أبنائها وشبانها، الأمر الذي يذكرنا في كيفية تعاطيه خلال واحد وخمسين يوماً من الحرب العدوانية الثالثة في تموز 2014 على قطاع غزة. هذا الإعلام الذي لم يرتقي في مواكبته إلى مستوى الوجع والألم الفلسطيني، ونبض إرادته التي لا تلين ولا تنضب طالما هناك نفس ودماء في عروق أبناء شعبنا. إنّ الإعلام العربي غير المكترث وطريقة تعاطيه مع الانتفاضة الفلسطينية، إنما يقدم خدمة مجانية لصالح الرواية "الإسرائيلية" القائمة على أن ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما هو بحسب توصيف نتنياهو وغيره من قادة الكيان الصهيوني على أنه "إرهاب فلسطيني"، على حساب الرواية الفلسطينية التي يكتبها أهلنا وشعبنا يومياً بدماء أبنائهم الشهداء من فتية وشباب وفتيات. في الوقت الذي تجهد فيه وسائل إعلام الكيان على تظهير صورة المستوطنين الأبرياء الذين تطاردهم أدوات الموت الفلسطيني في كل مكان من القدس والضفة الغربية وحتى الأراضي المحتلة في العام 1948. وبأن رد الفعل "الإسرائيلي" يقع في خانة الدفاع عن النفس في مواجهة ما يصفونه بـ"الإرهاب الفلسطيني". والمفارقة أن وسائل إعلام أجنبية تعمل على تسليط الأضواء نحو الانتفاضة وتصاعدها، وعلى الإجراءات القمعية والإجرامية لقوات الاحتلال والأجهزة الأمنية الصهيونية وقطعان المستوطنين، الأمر الذي دفع أدوات الضغط الصهيوني خارج فلسطين إلى ممارسة ضغوطها على العديد من وسائل الإعلام لثنيها على التراجع عن تغطيتها وتبنيها للرواية الفلسطينية، ومنها من استجاب وأذعن كما فعلت الجزيرة الإنكليزية إلى التراجع والاعتذار من الصهاينة على ما أوردته من تغريدة، حيث جاء في نص الاعتذار في القول"نحن ملتزمون بالمسؤولية والشفافية ونقدر عالياً ردود القراء، وندعوهم لإبلاغنا على الفور عن أي أخطاء وتعريفنا بها". وعلقت صحيفة "معاريف" العبرية إن اعتذار"الجزيرة الانكليزية" جاء بعد موجة احتجاجات وانتقادات شارك فيها آلاف "الإسرائيليين". ومنها من رفض واستمر في تغطيته. من خارج هذا النشاز الإعلامي البائس، تخرج بعض الوسائل التي حملت راية المقاومة والانتفاضة، معاكسة بذلك تيار جارف ممن يقدمون الولاءات وأوراق اعتمادهم إلى دول تتحكم بقطاع واسع من شركات إعلامية فضائية، غير عابئة بما سيجلب إليها من مواقف وعقوبات، و"الميادين" نموذجاً. |
||||||