|
|||||||
|
ما دمت صاحب السلطة وبيدك المال والإعلام فإنك تستطيع أن تصنع الحقيقة كما تشاء في ظل عالم غدت القيمة الأساسية فيه المصالح الاقتصادية والثروات المادية، وأصبح البرهان والدليل الأقوى ما تنطق به فوهات المدافع ومنصات الصواريخ، بإمكانك أن تجعل من احتلال ليبيا من قبل الحلف الأطلسي ثورة شعبية، ولو أدى ذلك إلى تذابح القبائل وأهل الجهات والمناطق وإلى تقسيم ليبيا فعلاً ووضعها تحت سلطة الجماعات التكفيرية. وتستطيع أن تدخل سوريا في جحيم حربٍ غير أهلية تجمع لها مجرمو الأرض جميعاً من مختلف الجنسيات ومن كل أصقاع الأرض، فتكون هناك كتائب للشيشان والتركمان والطليان والأوروبيين والأمريكان، وأن تكون الرعاية أمريكية- إسرائيلية، تركية خليجية، مدعومة بالطائرات والأسلحة الفتاكة، ثم تسمي تلك الحرب ثورة شعبية ضد النظام، مع العلم أنك دفعت بربع الشعب السوري للجوء خارج وطنه وجعلته يعيش في أقسى الظروف ويتسول لقمة العيش بعد أن كان ينعم بوطن البحبوحة الاقتصادية والتأمينات التي أوجدتها الدولة لخدمته. وتستطيع أن تفجر حقدك التاريخي ضد شعب اليمن، الذي كان سعيداً على الرغم من فقره، لكنه كان عزيزاً أبياً، فتدمر له تاريخه وحضارته، وتقتل شعبه وأطفالهم، ثم تُقسّم بلادهم، ثم تسلمها للدواعش يعيثون فيها فساداً، وأنت تزعم أنك تقاتل مع تحالفك العربي لتخرج من اليمن عدواً مزعوماً، لم يدخل البلاد أصلاً وليس فيها مقاتل واحد، بينما أنت تجمع المرتزقة من السودان والبيضان ومختلف الألوان ليخوضوا عنك حرباً على الأرض، تخوضها أنت من السماء. كل ذلك ممكن إذا كان المال والإعلام وخصيان الحكام تحت إمرتك وطوع بنانك. وتستطيع أن تلفق التهم كما تشاء لكل من وقف في وجهك أو رفض ما تقوم به، وفضح الكذب والدجل وخيانة المبادئ والقيم التي تزعم أنت أنك تؤمن بها وتدافع عنها، بل وفضح الجرائم التي ترتكبها، ولكن..... تلك هي حقيقة القرار الذي اتخذته شركة عربسات للأقمار الاصطناعية في حق قناتي المنار والميادين وسابقاً في حق قناة العالم التي تبث من إيران. لم يكن الأمر في حقيقته متعلقاً بمخالفة بنود الاتفاقيات الموقعة بين "عربسات" والقنوات الفضائية المستهدفة بذلك القرار. على الرغم من أن الشركة المشغلة لمحطة عربسات زعمت أن السبب هو مخالفة بنود الاتفاق فقد جاء في بيان عربسات الذي وزعته العربية نت ما يلي:" وأوضحت(عربسات) في بيان صحفي لها بصفتها مشغلاً لأقمار صناعية في المنطقة وتعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية أن العقد التجاري الموقع بين (عربسات) وأي قناة فضائية هو المرجع القانوني والأساسي الذي يحكم العلاقة بين الطرفين ويتم الاستناد إلى بنوده لمعالجة وحل أي خلاف يقع طبقاً لما تراضى عليه الطرفان من بنود ملزمة لكليهما. وأضافت أن قناتي (المنار والميادين) قامتا بالإخلال بشروط التعاقد وبنوده، وتجاوز نصوص العقد وروح ميثاق الشرف الإعلامي العربي الذي ينص بشكل واضح وصريح على عدم بث ما يثير النعرات الدينية والطائفية، أو الإساءة وتجريح الرموز السياسية والدينية المعتبرة وعدم بث ما يؤدي إلى الفرقة بين أبناء الأمة العربية، لذا قامت (عربسات) بإشعار القناتين المذكورتين بفسخ التعاقد معهما كل على حده وبتواريخ مختلفة استناداً على نصوص التعاقد". إذاً، فالواضح من البيان أن الشركة المشغلة(عربسات)تتهم المنار والميادين بمخالفة نصوص العقد وميثاق الشرف الإعلامي العربي عبر: 1- بث ما يثير النعرات الدينية والطائفية 2- تجريح الرموز السياسية والدينية المعتبرة 3- بث ما يؤدي إلى الفرقة بين أبناء الأمة العربية واستدلت الشركة المشغلة بحلقة قدمت منذ أكثر من سبعة أشهر على قناة المنار تهجّم فيها أحد الضيوف على ملك المملكة السعودية ورد عليه مقدّم البرنامج بأن ما يقوله الضيف هو رأيه وليس رأي قناة المنار. إذاً هي التهمة، وكل ما سيق من تهمٍ أخرى لا دليل عليها وهي مجرد إدعاء، وحتى مهاجمة الملك والأسرة الحاكمة لم توافق عليها القناة وبالتالي لا يمكن أن تكون مسؤولة عن كلام ضيف يتحدث على الهواء مباشرةً، وتم التبرؤ مما قاله مباشرة. أين المشكلة إذن؟ المشكلة تكمن في تغطية قناتي "المنار والميادين" للأحداث في سوريا واليمن حيث استطاعت القناتان كشف زيف إدعاءات الحلف العربي- الغربي المتآمر على سوريا واليمن، ومواجهة موجة الخداع الإعلامي- البروباغندا- التي يمارسها الإعلام بما يسمى أموال البترو- دولار. إن شركة "عربسات" هي شركة تجارية واسمها الأساسي هو: المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية، وتزعم الشركة أنها لا تتدخل في محتوى البث التلفزيوني الفضائي الذي يبث عبر أقمارها، وتقول إنها ناقل فضائي عربي تسعى إلى ربط جميع أطراف الوطن العربي بتنوعه الثقافي والديني وإيصال رسالته إلى العالم بصورة مشرقة وبأحدث ما توصلت إليه تقنية البث والاتصالات الفضائية، حسبما نقلت وكالة "واس". فهل التزمت "عربسات" فعلاً بمحتوى ومضمون هذا الكلام الذي تزعمه أم أنها خضعت للضغوط السياسية التي مارستها عليها المملكة العربية السعودية التي أصبحت تناصب حزب الله بشكلٍ خاص وتيار المقاومة بشكلٍ عام العداء ووصل بها الأمر إلى حد وضع عدد من قيادات الحزب على لائحة الإرهاب كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية. وحجة "عربسات" أن الميادين والمنار قد خالفتا بنود الاتفاق ومبادئ تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية. فما هو هذا الميثاق الذي ينظم مبادئ البث الفضائي؟. تم توقيع هذا الميثاق في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة بتاريخ 13/2/2008 وقد وافقت جميع الدول العربية على هذا الميثاق باستثناء قطر ولبنان اللذين رفضا التوقيع عليه. وقد قدّمت الوثيقة كل من مصر والسعودية وتهدف الوثيقة إلى فرض قيود على وسائل الإعلام تحد من حريتها في تقديم المادة الإعلامية، وتعطي الدول في نفس الوقت سلطة التحكم بالقنوات الفضائية عبر اتخاذ عدد من الإجراءات تصل إلى حد سحب الترخيص الممنوح ومصادرة المعدات التكنولوجية. وتضع الوثيقة قواعد عامة مطاطة قابلة للتأويل والتفسير حسب رغبة الرقيب الذي يمكنه أن يقرر بناءً على استنتاجه ما يحلو له من إجراءات. البند الرابع من الوثيقة نص البند الرابع من الوثيقة على ما يلي: تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث الفضائي وإعادة البث الفضائي بمراعاة القواعد العامة الآتية: 1- علانية وشفافية المعلومات، وحماية حق الجمهور في الحصول على المعلومات السليمة. 2- حماية المنافسة الحرة في مجال خدمات البث 3- حماية حقوق ومصالح متلقي خدمات البث 4- توفير الخدمة الشاملة للجمهور 5- عدم التأثير سلباً على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة 6- التقيد بضوابط وأنماط خدمة البث وإعادة البث الفضائي التي تصدر وفقاً لمبادئ هذه الوثيقة، وما نص عليه ميثاق الشرف الإعلامي العربي. إن فقرات هذا البند كلها فقرات تمثل عناوين عامة لا يمكن ضبطها بشكل سليم ولا تحديد حدودها وماهيتها وهي قابلة للتأويل على أوسع نطاق، وليس هناك من جهة أو هيئة قضائية أو تحكيمية يرجع إليها عند النزاع في شأن الالتزام أو عدم الالتزام بالوثيقة وبنودها. البنود الخامس والسادس والسابع من الوثيقة البند الخامس: تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث وإعادة البث الفضائي بتطبيق المعايير والضوابط العامة التالية في شأن كل المصنفات التي يتم بثها: 1- الالتزام باحترام حرية التعبير بوصفها ركيزة أساسية من ركائز العمل الإعلامي العربي على أن تمارس هذه الحرية بالوعي والمسؤولية بما من شأنه حماية المصالح العليا للدول العربية وللوطن العربي واحترام حريات الآخرين وحقوقهم، والالتزام بأخلاقيات مهنة الإعلام. 2- الالتزام باحترام مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة على أرضها، بما يتيح لكل أعضاء جامعة الدول العربية الحق في فرض ما تراه من قوانين ولوائح أكثر تفصيلاً. 3- الالتزام بمبدأ ولاية دولة المنشأ ـ دون إخلال بحق أي شخص أو كيان في اللجوء إلى أجهزة تلقي الشكاوى وتسوية المنازعات التي تنظمها هذه الوثيقة ـ بالنظر إلى أن هذا المبدأ يوفر الضمان القانوني لهيئات البث الفضائي ومقدمي خدمات البث الفضائي بمختلف أنواعها ومشغليها كما يضمن في نفس الوقت لمستقبل الخدمة وجود جهة يحتكم إليها. 4- الالتزام بمبدأ حرية استقبال البث وإعادة البث، بمعنى حق المواطن العربي على امتداد أراضي الدول الأعضاء في استقبال ما يشاء من بث تلفزيوني صادر من أراضي أعضاء جامعة الدول العربية. 5- ضمان حق المواطن العربي في متابعة الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية الكبرى، وخصوصاً الرياضية منها، التي تشارك فيها فرق أو عناصر وطنية وذلك عبر إشارة مفتوحة وغير مشفرة أيا كان مالك حقوق هذه الأحداث حصرية كانت أو غير حصرية. 6- الالتزام بحقوق الملكية الفكرية في كل ما يبث من برامج طبقاً للقوانين الدولية في هذا المجال. 7- الالتزام بتخصيص مساحة باللغة العربية، لا تقل عن 20% من إجمالي الخريطة البرامجية للقناة الواحدة أو لمجموعة القنوات التابعة لهيئة واحدة. البند السادس: تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث وإعادة البث الفضائي بتطبيق المعايير والضوابط المتعلقة بالعمل الإعلامي التالية في شأن كل المصنفات التي يتم بثها: 1- احترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر في كامل أشكال ومحتويات البرامج والخدمات المعروضة. 2- احترام خصوصية الأفراد والامتناع عن انتهاكها بأي صورة من الصور. 3- الامتناع عن التحريض على الكراهية أو التمييز القائم على أساس الأصل العربي أو اللون أو الجنس أو الدين. 4- الامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب مع التفريق بينه وبين الحق في مقاومة الاحتلال. 5- الامتناع عن وصف الجرائم بكافة أشكالها وصورها بطريقة تغري بارتكابها أو تنطوي على إضفاء البطولة على الجريمة ومرتكبيها أو تبرير دوافعها. 6- مراعاة أسلوب الحوار وآدابه، واحترام حق الآخر في الرد. 7- مراعاة حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الحصول على ما يناسبهم من الخدمات الإعلامية والمعلوماتية تعزيزا لاندماجهم في مجتمعاتهم. 8- حماية الأطفال والناشئة من كل ما يمكن أن يمس بنموهم البدني والذهني والأخلاقي أو يحرضهم على فساد الأخلاق أو الإشارة إلى السلوكيات الخاطئة بشكل يحث على فعلها. 9- الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي ومراعاة بنيته الأسرية وترابطه الاجتماعي، والامتناع عن دعوات النعرات الطائفية والمذهبية. 10- الامتناع عن بث كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة. 11- الامتناع عن بث وبرمجة المواد التي تحتوى على مشاهد أو حوارات إباحية أو جنسية صريحة. 12- الامتناع عن بث المواد التي تشجع على التدخين والمشروبات الكحولية مع إبراز خطورتها. البند السابع: تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث وإعادة البث الفضائي بتطبيق المعايير والضوابط المتعلقة بالحفاظ على الهوية العربية في المصنفات التي يتم بثها، بما في ذلك الرسائل القصيرة "أس أم أس" ومن ذلك على وجه الخصوص ما يلي: 1- الالتزام بصون الهوية العربية من التأثيرات السلبية للعولمة، مع الحفاظ على خصوصيات المجتمع العربي. 2- إثراء شخصية الإنسان العربي والعمل على تكاملها قوميا وإنمائها فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا والحفاظ على اللغة العربية. 3- الامتناع عن بث كل ما يتعارض مع توجهات التضامن العربي أو مع تعزيز أواصر التعاون والتكامل بين الدول العربية أو يعرضها للخطر. 4- الالتزام بالموضوعية والأمانة باحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح. 5- الالتزام بإبراز الكفاءات والمواهب العربية وخاصة تلك التي تنال اعترافا أو تقديرا عالميا وذلك إثباتا لثراء الطاقات الإبداعية والقدرات الخلاقة للوطن العربي وتحفيزاً للناشئة على الاقتداء بالنماذج العربية الناجحة. 6- الالتزام بإتاحة استخدام كل الإمكانيات التي يتيحها التطور التكنولوجي في بث البرامج والمواد الإذاعية والتلفزيونية التي تكفل حق الأمة العربية في نشر ثقافتها ورؤيتها الحضارية ومواقفها من القضايا المطروحة. 7- الالتزام بالصدق والدقة في ما يبثه الإعلام من بيانات ومعلومات وأخبار، واستقائها من مصادرها الأساسية السليمة وتحري ذلك في الأشكال الإعلامية كافة، والالتزام بتصويب كل معلومة خاطئة أو ناقصة تم تقديمها من قبل، مع الاحتفاظ بحق الرد للشخص أو الدولة أو الجهة صاحبة الحق في ذلك. وإن كانت بنود الوثيقة تتحدث عن الالتزام ببعض العناوين التي تراعي المواثيق الدولية فيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان كالتزام حرية التعبير واحترام حريات الآخرين، واحترام السيادة الوطنية وضمان حق المواطن العربي في متابعة الأحداث، والالتزام بحقوق الملكية الفكرية، واحترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر وخصوصية الأفراد والامتناع عن التحريض على الكراهية وغيرها من المبادئ الواردة في البندين الخامس والسادس، فإن البنود التي تتحدث عن الامتناع عن، كالامتناع عن وصف الجرائم بطريقة تشجع على ارتكابها، والامتناع عن بث ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والأنبياء والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة، ويضاف إليها ما ورد في البند السابع لاسيما الفقرة الرابعة ونصه: "الالتزام بالموضوعية والأمانة واحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح. إن كل الفقرات التي تتحدث عن الامتناع كفيلة بنقض كل الفقرات التي تحدثت عن مراعاة الحريات لاسيما حرية التعبير، خصوصاً وأنها قابلة للتفسير بما تدّعيه السلطة بسهولة، فهذه العناوين مطاطة بطبيعتها ولا توجد مرجعية مستقلة لتقييم الأعمال وتفسيرها ومعرفة مدى موافقتها أو مخالفتها للشروط. تقول الدكتورة مريم راشد الخاطر نائب مدير عام مركز الدوحة لحرية الإعلام في ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر الأسرة والإعلام العربي المنعقد في قطر عام 2010 في تقييمها بشكل عام لوثيقة المبادئ الصادرة عن جامعة الدول العربية عام 2008 ما يلي: الشرق الأوسط: لا يوجد في الدول العربية نظم لتنظيم محتوى البث الإعلامي إلا فيما يتعلق بمدونات أخلاقيات وفي نطاقها المحلي، وهي مدونات غير ملزمة على المهنة التي تلتزم بها كل مؤسسة إعلامية داخلياً على الصعيد الإقليمي أو الدولي فيما يتعلق بالبث العابر للقارات سواء على مستوى الساتلايت في البث التلفزيوني أو الإذاعي أو البث الإلكتروني على شبكة الإنترنت، على الرغم من مرور سنوات طويلة على ظهور وتطور وتدشين الأقمار الخاصة بها عربياً وعلى الرغم من التكاثر العددي للفضائيات العربية. إلا أن الدول العربية تبنت في الآونة الأخيرة باستثناء دولة قطر ميثاقاً يدعى "الميثاق العربي للقنوات الفضائية" الذي يهدف إلى تنظيم البث الفضائي والذي طرح في فبراير(2008). ويرتكز هذا الميثاق على أنظمة البث المشتركة مع دول أخرى تحظى بهيكلية تنظيم، وتعكس قيم المجتمع العربي وثقافته. والواقع أن هذا الميثاق يمنع أصحاب قنوات التلفزة عن بث أي محتويات من شأنها المس برموز الدول الأخرى، وقد جاءت هذه البنود كوسيلة جديدة لتقييد حرية الكلمة فقط وليس لتجريم الحرية غير المسؤولة التي انطلقت عبر الفضائيات في السنوات الأخيرة من خلال قنوات السحر والشعوذة وقنوات المخلة بالآداب العامة حيث إن بنود الوثيقة التي اشتملت على 13 بنداً تطرقت في 8 منها إلى ضوابط سياسية في مجال حماية المصالح العليا للدول العربية وصلت إلى حد سحب تراخيص المحطات الفضائية أو وقفها نهائياً أو لمدد مؤقتة، كذلك مصادرة الأجهزة، وفرض قيود رقابية على محتويات البرامج ذات الصلة. بينما لم تحظ الضوابط التي تتعلق بالالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي على الرغم من أهميتها إلا بأربعة بنود وهي على وجه التحديد من البند التاسع إلى الثاني عشر حيث تضمنت مراعاة بنية المجتمع الأسرية وترابطه الاجتماعي، والامتناع عن دعوات النعرات الطائفية والمذهبية، والامتناع عن بث كل ما يسيء إلى الذات الإلهية أو يسيء إلى المسلمين أو أتباع الديانات الأخرى والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة، إضافة إلى الامتناع عن بث وبرمجة المواد التي تحتوي على مشاهد أو حوارات إباحية أو جنسية صريحة، وأخيراً منع أصحاب قنوات التلفزة من توجيه الانتقادات إلى الرموز الثقافية وقادة الدول وعرض الإعلانات لترويج المخدرات والكحول والسجائر. ومن هنا نرى أن الوثيقة تضمنت العديد من القيود والرقابة على ما تنشره المحطات الفضائية من أخبار أو حوارات أو أحداث حية سياسية فقط، بينما لم تدع إلى وضع ضوابط لتنظيم البث العام أو المحتوى العام ليشمل كل المواد الإعلامية المخلة بالهوية: القيم والأخلاق والآداب العامة. بل لعل أسلوب محاسبة الوسائل الإعلامية المطروح في الوثيقة بسحب تراخيص المحطات الفضائية أو وقفها نهائياً أو لمدد مؤقتة، أو مصادرة الأجهزة، وفرض قيود رقابية على محتويات البرامج ذات الصلة لا يخدم الحلول والضوابط الإعلامية المنهجية العصرية المقبولة دولياً كونه يتعارض مع معطيات وبنود التزمت بها مختلف الدول فيما يتعلق بحرية التعبير واكتساب المعلومات، والتي تتطلب التعزيز حتما ولكن في ظل وضع معايير وواجبات تطبيق ضوابط المسؤولية الإعلامية المنهجية والمؤسسية في ظل الالتزام بحرية الإعلام. هيومن رايتس ووتش HRW انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش- وثيقة المبادئ العربية واعتبرت أن من شأنها أن تزيد من قمع حرية التعبير. وقالت إن على الحكومات العربية أن ترفض علناً العناصر التي من شأنها أن تقيّد حرية التعبير والمعلومات ضمن المشروع الخاص بتنظيم السياسة الإقليمية الخاصة بالبث الفضائي والإذاعي والتلفزيوني. وقال جو ستورك، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تحاول حكومات جامعة الدول العربية أن تقيد إحدى وسائل الإعلام غير الخاضعة للرقابة جزئياً في المنطقة". وتابع قائلاً: "وعلى مصر والسعودية أن يخجلا من رعاية مشروع كهذا كفيل بمد القيد على حرية التعبير إلى موجات الأثير التي تحمل البث الإذاعي والتلفزيوني بالمنطقة". والقيود فضفاضة التعريف التي تفرضها هذه الوثيقة على حرية التعبير من شأنها أن تعرقل كثيراً من حق شعوب المنطقة من التعبير عن الآراء المنتقدة للحكومات وكذلك تلقي الأخبار والتعليقات التي تعكس الآراء الناقدة. مثلاً البند الخامس من المشروع يلزم هيئات البث بـ"حماية المصالح العليا للدول العربية" و"احترام مبدأ السيادة الوطنية". وسيتم ترك صياغة تشريعات وأنظمة لتنفيذ هذه المبادئ تفصيلاً للدول الأعضاء. والوثيقة، المقصود بها وضع إطار عام لا يستوجب التزاماً قانونياً، توصي الهيئات التنظيمية بالدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بأن تصادر المعدات وتفرض الغرامات وتوقف عن العمل وترفض تجديد التراخيص من المحطات الفضائية التي ترى السلطات أنها تنتهك هذه "المبادئ". وقال جو ستورك: "تستخدم دول عربية كثيرة مصطلحات مثل مصالح الدولة والسيادة الوطنية كعذر لحبس الصحفيين وترهيب المنتقدين". وأضاف: "وهذه المبادئ المزعومة ليست إلا اعتداء بيّن على حرية التعبير". وتقيد القوانين الداخلية في غالبية الدول العربية كثيراً من حرية التعبير والإعلام. والأردن هو البلد الوحيد الذي يكفل قانونه حرية الاطلاع على المعلومات، لكن حتى وزارة الداخلية تقرر أي المعلومات يجب استبعادها عن مجال حرية الاطلاع على المعلومات، وهذا بموجب استثناءات أمن وطني فضفاضة التعريف. وفي 12 كانون الأول أيدت محكمة النقض الأردنية حُكماً لمحكمة أمن الدولة بالسجن عامين للنائب السابق أحمد عويدي العبادي جراء "ترويج... أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغة توهن نفسية الأمة الإسلامية". أما السعودية – الراعي الآخر للوثيقة – فلا يوجد فيها قانون مكتوب للعقوبات وتسجن بشكل منهجي المعارضين بناء على اتهامات فضفاضة من قبيل "الخروج على طاعة الحاكم". وفي 10 كانون الأول 2007، اعتقلت السلطات صاحب المدونة السعودي فؤاد الفرحان، ويبدو أن هذا كان بسبب انتقاده اعتقال نشطاء الإصلاح في شباط 2007 وما زال رهن الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي في سجن دهبان دون توجيه الاتهام إليه، حسبما هو معروف حتى الآن. وتنفيذ بنود الوثيقة الإجرائية من شأنه أن ينتهك القانون الدولي ومعايير حرية التعبير، خاصة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتحمي المادتان "الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". ولا يمكن تقييد ممارسة هذا الحق بناء على أسانيد مثل "الأمن القومي" أو "النظام العام" أو "احترام حقوق وسمعة الآخرين" حين تكون هذه القيود فضفاضة التعريف على هذا النحو. ومبادئ جوهانسبرج بشأن حرية التعبير توضح أن مثل هذه القيود على حرية التعبير ليست مشروعة إلا حين "تحمي وجود الدولة أو سلامة أراضيها من استخدام التهديد بالقوة، أو قدرتها على الرد على استخدام القوة أو التهديد بها"، لكن ليس "لحماية مصالح لا علاقة لها بالأمن القومي، بما في ذلك على سبيل المثال، حماية الحكومة من الإحراج أو كشف الأخطاء، أو إخفاء معلومات عن أداء المؤسسات الحكومية والعامة، أو لتعزيز إيديولوجية معينة أو لقمع اضطرابات". رأي OFCOM إن الهيئة البريطانية لضبط الاتصالات – Ofcom أوفكوم- ذكرت في وثيقتها الاستشارية(2004) حول قانون البث أن "البث وحرية التعبير مترابطان إلى حد بعيد. فأحدهما يجري في دم الآخر. ولا يمكن للتوتر القائم بين الحق بحرية التعبير والقيود المفروضة عليه أن يكون أكثر حدة مما هو عليه لدى إعداد قانون يتوخى ضبط البث الإعلامي". وقد أثيرت عدة نقاشات وجدالات حول العلاقة التعارضية القائمة بين حرية الإعلام وضبط الإعلام. وفي هذا السياق، تقوم المبادئ المسيرة لحرية التعبير في الأنظمة الديمقراطية على الحق بالتعبير عن الآراء بحرية تامة بالوسيلة التي يراها المرء مناسبة، والحق بالتلقي والنشر والنفاذ إلى الإعلام والأفكار والرسائل من كل الأنواع بغض النظر عن الحدود وعبر كل أنظمة التواصل. وعند هذه النقطة بالذات، تطرح مصلحة أو أولوية الأمة/المجتمع، ما يفرض السعي إلى التوسط بين هذين القطبين. فهل يمكن تأمين التوافق بين تنظيمات البث والالتزام الأساسي بحرية التعبير ضمن الإطارات التنظيمية؟ وأخيراً لا بد لنا على هامش قضية حجب قناتي المنار والميادين عن قمر عربسات بطلب سعودي مباشر، من التأكيد على أن الأنظمة العربية كلها ما زالت عاجزة عن الخروج عن مفهومها السقيم لدور السلطة في حماية الحريات والذي مفاده أن السلطة تساوي القمع وكمّ أفواه الخصوم بشتّى السبل، وهي تعتبر أن كشف الحقائق وإيصال المعلومات هو بحد ذاته خطر على الأمن القومي أو الوطني باعتبار أن الأمن القومي أو الوطني ليس هو سوى أمن الحاكم أو السلطة، لذلك ستظل القوانين التي تصدرها الدول العربية والمتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان تتضمن بنوداً تجعلها عديمة الجدوى والفاعلية. ولهذا يحتاج مجتمعنا العربي إلى نضال كثير لبلوغ المستوى المقبول من التشريعات الفاعلة التي تصون حريات المواطن العربي وحقوقه على أرضه وفي وطنه. |
||||||