|
|||||
|
أفقياً عادَ أخيراً يحترق الليلْ.. تخفضُ ساعاتُ الموتِ جناحَ الذُّلِ لحارِسِها.. ويحترقُ الليلْ.. وسميرُ على شفا إبحارهِ الأخير.. يستلُّ سيفَ الغيابِ الذي ما أغمدهُ ويمعنُ في الرحيلْ.. يحتلُّ مسافةَ أحزانِ القلبِ منذُ ثلاثينَ عاماً يزولُ الصبرُ.. ولا يزولْ.. وثمّة من يبكي في الغيبِ ويمسح بالعشبِ البريّ الطالعِ في كفّيه، دموع الخيلْ.. يحترق الليلْ.. والواقفُ كالأحلامِ على بابِ الفجرِ يزفُّ الشهادةَ عروساً.. للآتينَ من الذلِّ الشرقيّ المزمنِ.. يحترفون الشوقَ اليائسَ والمنفى.. يبنون فصولاً من صبّار العزِّ فيسقُطُ سقفُ الأسى جيلً بعدَ جيلْ.. تنبُتُ فوقَ وجوهِ الناسِ سنابلُ العزِّ من نفحِ يديه.. وسميرٌ قنطارُ طودٌ شامخٌ.. لا.. لا يميلْ.. **** يحترق الليلْ.. وأميرُ الظلّ يُقيمُ على حدِّ الأنواءِ ويصنعُ عزمَ الأرض من بعضِ رؤاه.. يلبس آلام الأسرى والغيّاب.. ويرتقِبُ نجماً في الأفق رافق صباه.. والضوء ينام على شرفات السجنِ الذي تسربلت قضبانُه لألف آهٍ.. وآهْ.. وآهُ المحتلّين ستعلو حين يقومُ من سرادقهِ ويهدرُ الصوتُ من رَجعِ صداه يحترق الليلْ.. وعلى حافةِ لحظةِ الغدرِ يشرئبُ عنقُ الجولانِ وتُزهرُ رُباه.. *** يحترقُ الليلْ.. وفي الليل يترجّل الفارسُ عن صهوته.. لكنه ممسكٌ باللجام.. الكلماتُ تنفض عن جناحيها الغبار وتستريح على بياض الصمتِ في النهر الذي بين الحقيقة والكلامْ في الليل ينتحر الظلامْ.. وتباشِرُ الأشياءُ خطوتَها البريئةَ كلُّ شيءٍ نامَ.. إلا أنه لا شيء من حواس فارسه نامْ.. *** الجنةُ موعدُ الفارسِ الذي يبتكر الضياء.. الجنّةُ للوافدِ من عمر الأسر يعصف بالفداء.. والفارسُ القنطارُ كان في برزخٍ يزاول في العتمةِ بعض الضياء.. كان نداءً منهمراً من خيمةِ الأسارى وبرزخِ الشهداءْ.. منذ البدء يقترِفُ الجهاد.. يُدمِنُ أكؤساً مترعةً بالصبر والدعاء.. يتنفَّسُ الشهادةَ.. يسكُنُ في المتاهات والدساكر.. يأتي مفاجئاً كالموت.. ساطعاً كالعشق.. فتىً حرَّاً كان.. ولم يزل.. يغامرُ في دهاليزِ العُتْمةِ بنورٍ منهُ لا يراهُ غيرُهُ.. يرنو للفجر.. يُشاكِسُ الليل.. يغيبُ.. ينتشر.. يحضُرُ.. ينتصرْ.. أفقياً عادَ أخيراً.. لكنه دائماً سيعود.. يعود وينتصرْ.. هذا الفارسُ الآتي من غربةِ الأسرِ إلى غربةِ الوطن.. هذا الفارسُ الجبليُّ.. ليس لديه سوى دمٍ واحدٍ لونٍ واحدٍ.. وجهةٍ واحدةٍ.. وعزم الشبابْ.. ليسَ له من وطنٍ سوى القصائدِ التي سوفَ تكْتُبُهُ ذاتَ زمان.. كي يجْمَعَ عطرَهُ حيناً.. ويكتبَ وردَهُ حيناً.. ويذْكُرُ النُسيمات التي تهبُّ للثْمِهِ.. ثم يهدْهِدُ روحَهُ.. فتنبعِثُ الأشواقُ في هاتيك الشعاب.. ليس له من وطنٍ سوى دماءٍ نذرها لتُنثرَ فوق ذاك التراب.. وروحُهُ دغْدَغَها النَّحلُ.. علَّمها رشْفَ الشهدِ الصباحي من ذاك الرِّضاب.. تُرى أي تراب؟؟ أي تراب؟؟!!.. دمُ سميرٍ على هضاب الجولانِ هو ذاك الرِّضابْ.. إلى أين يا فتى الكفاحِ المريرِ.. لا ترحلْ.. تمهَّلْ.. ما يزالُ على الأفقِ العربيِّ المقيتِ بصيصٌ من ضياء.. فأنت حينما أفْرَدْتَ جناحَكَ للهضاب والحقول.. وخلّفْتَ وراءَكَ الحنايا والقلوب.. لم تكن تسْعى وراءَ الليلِ والأشعار.. والدمى والعطرِ وطِيْبِ الهوى واللعبِ والنومِ على عبَقِ التراب.. كان في صدْرِكَ عُصْفورُ الحسين يُغرِّدُ. وأناشيدُ الدوالي.. في وريد قلْبِكَ تفورُ لتوقِظَ في الأرضِ تُراباً زيتوناً وصُبَّارْ.. كان في صدْرِكَ عَبَقُ التُرابْ.
|
||||