إشكالية العلاقة بين يهود العالم والكيان الصهيوني

السنة الخامسة عشر ـ العدد 169 ـ ( صفر ـ ربيع الأول 1437 هـ) كانون الثاني ـ 2016 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

"إن طبيعة علاقات أبناء الديانة اليهودية في العالم بإسرائيل محكومة لتوجهات كل واحدة من المجموعات والمنظمات، وكذلك التيارات المنتشرة بين اليهود". هذا ما قاله تقرير جديد لـ"معهد سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة اليهودية الصهيونية, وأعطى التقرير مثالاً واضحاً بقوله إن علاقة المجموعات ذات التوجهات الليبرالية بإسرائيل وتأييدها لسياساتها أضعف من المجموعات ذات التوجهات المحافظة.

ويذكر، بناء على تقارير أخرى، أن غالبية يهود العالم تتبنى توجهات ليبرالية أو بعيدة عن الديانة وعن المؤسسات الصهيونية. 

و"معهد سياسة الشعب اليهودي"، أو حسب تسميته السابقة "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، بدأ عمله في إطار الوكالة الصهيونية في العام 2004، ويرأس مجلسه الإداري، في السنوات الأخيرة، المستشار السابق للرئيس الأمريكي دينيس روس. واضطر المعهد مؤخراً إلى إسقاط كلمة "تخطيط" من اسمه، نظراً لما خلقته من حساسية لدى المنظمات اليهودية، التي ستبدو وكأن المعهد، كذراع للوكالة الصهيونية، هو من يحدد لها نهجها المستقبلي. وتنبع أهمية المعهد من حقيقة أن حكومات إسرائيل تبنت الكثير من تقاريره وتوصياته في السنوات الأخيرة.

ويصدر المعهد سنوياً تقارير عن أوضاع اليهود في العالم، مع تركيز خاص على علاقاتهم بإسرائيل، إضافة إلى تقديم تقارير متخصصة، وخصوصاً في المواضيع الديموغرافية، إلا أنه أصدر في العام الجاري تقريره السنوي بأجزاء تخصصية، ومنها هذا التقرير الذي يركز فيه بشكل خاص على علاقة اليهود الأمريكان بإسرائيل. وتمهيداً لتقارير بهذا المستوى، يعقد المعهد ندوات وطاولات مستديرة عديدة، لكنه يعترف في هذا التقرير بأن المسح لا يشمل توجهات يهود العالم بالضرورة، إذ أن من يتعاطى مع دعوات المعهد غالباً هم أولئك المعنيون ببلورة المجتمعات اليهودية في أوطانهم والمشاركون في المؤسسات الصهيونية والدينية في الدول المختلفة. بمعنى أن من هم بعيدون عن تلك الأطر لا يشاركون في ندوات كهذه عادة.

مصاعب في العلاقة مع إسرائيل

ويقول المعهد في تقريره "إن العلاقات بين المجتمعات اليهودية في العالم، وخصوصاً بين المجتمعين الأكبرين، في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، واجهت أحداثاً وأجواء سياسية مختلفة تسببت في تعقيد هذه العلاقات. فمكانة إسرائيل في العالم وردها على أحداث سياسية مختلفة تلزم المجتمعات اليهودية بتقييم كيفية انعكاس العلاقات مع إسرائيل على أوضاعها، وبشكل أكبر من ذي قبل.

ويضيف التقرير أن هذه التقييمات تضع الكثير من اليهود أمام مصاعب جدية في بلورة العلاقات مع إسرائيل. وتبرز الصعوبة الأكبر في العالم لدى الأجيال الشابة، التي تختلف أطرها الاجتماعية ومسارات بلورة مواقفها السياسية، اختلافاً كبيراً جداً عما هو قائم لدى الأجيال المتقدمة.

وقضية الأجيال الشابة وابتعادها عن اليهودية والشعور بعدم الانتماء للمشروع الصهيوني(إسرائيل) هو أحد الملفات الساخنة التي تعالجها الحركة الصهيونية من خلال معاهدها ومؤسساتها المختلفة، ومن بينها "معهد سياسة الشعب اليهودي". فقد جاء في أحد التقارير الأخيرة أن من بين أسباب ابتعاد الأجيال الشابة عن اليهودية والمؤسسات الصهيونية, هو ابتعاد الأهالي عن هذه المؤسسات وعدم إرسال أبنائهم إليها. فمثلاً، 25% "فقط" من اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية يرسلون أبناءهم إلى مدارس ومؤسسات يهودية، بينما ترتفع هذه النسبة في فرنسا إلى 40% وفي بريطانيا 60% وتهبط في ألمانيا إلى 20% وفي دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى 15%.

وبنظر الحركة الصهيونية وإسرائيل، فإن الانخراط في المدارس والمؤسسات اليهودية يشكل مؤشراً على تمسك الأجيال الناشئة بديانتهم. وعلى الرغم من إثارة هذه القضية بشكل مكثف خلال العقدين الأخيرين، إلا أن كل الأبحاث والاستطلاعات تدل على تراجع مستمر في نسب المنخرطين في هذه المؤسسات.

وما يعزز هذه الاستنتاجات هي معطيات استطلاع أجري في الولايات المتحدة وكشف الكثير عن ابتعاد اليهود عن هذه المؤسسات وما يحمله ذلك من آثار. ويقول الاستطلاع إن نسبة الزواج المختلط بين اليهود في أمريكا بلغت في السنوات الأخيرة 58%، بينما ترتفع بين العلمانيين من اليهود وحدهم إلى 71%. كما قال الاستطلاع إن 32% من اليهود في سن 32 عاماً وما دون يعتبرون أنفسهم "من دون ديانة"، وهي نسبة ترتفع باستمرار، حسب البحث الذي رافق الاستطلاع.

ويقول تقرير آخر لمعهد سياسة الشعب اليهودي، عن ابتعاد الأجيال الشابة عن اليهودية والسياسات الإسرائيلية، "إن الكثير من الشبان اليهود الأمريكان الذين يرفعون رايات أخلاقية بمستويات عالية، يتوقعون من البلدان التي يشعرون بالانتماء إليها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أن تتصرف بالمعايير الأخلاقية نفسها. فإلى جانب انتقاداتهم إلى إسرائيل ينتقدون الولايات المتحدة أيضاً، ونرى قادة ومثقفين يهوداً أمريكان يكثرون من وصف أنفسهم بأنهم يؤمنون بالعدالة الاجتماعية، على المستويين العالمي والمحلي".

ويتابع التقرير "إنه على أساس ما جاء، وخلافاً لأجيال سابقة، فإن زيارة هذه المجموعات إلى إسرائيل تزيد من انتقاداتهم للسياسة الإسرائيلية. وقد وصف أحد الشبان اليهود مستوى الحياة في إسرائيل وكيفية التعامل مع "تجارة الجنس والعاملين فيها، واضطهاد العمال الأجانب، وقضايا البدو الذين ليا تتوفر لديهم المياه".

ويطرح تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" الجديد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014 كنموذج لتباين المواقف، إذ يشير إلى إنه إلى جانب بيانات التأييد لإسرائيل من المنظمات والشخصيات اليهودية، ظهرت أيضاً انتقادات غير قليلة ل إسرائيل، من كتاب يهود مؤثـّرين. كذلك، فقد نشبت خلال العام الأخير خلافات حادة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في مسائل تتعلق بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني. ولكن خلافات أكثر حدة ظهرت إبان المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران، والتي انتهت بتوقيع اتفاق. والموقف الإسرائيلي، الذي تميز بالتشدد والحدة، وضع بعض شخصيات المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة في وضع حرج.

والحرج نفسه كان، أيضاً، من رد فعل إسرائيل على ما أسماه التقرير "الأحداث اللاسامية في العالم، وبالأساس في فرنسا"، إذ أن دعوة إسرائيل اليهود الفرنسيين إلى الهجرة إليها بسبب تلك العمليات سببت حرجاً كبيراً، هي أيضاً، وتداولت المجتمعات اليهودية سؤال ما إذا كان من المناسب أن تطلق "إسرائيل" مثل هذه الدعوة بصورة علنية.

ونذكر هنا أن ما أجج هذا الجدل داخل المجتمع الفرنسي اليهودي، تحديداً، هو رد فعل الرئاسة والحكومة الفرنسيتين الغاضب على دعوات إسرائيل، التي واجهت انتقادات علنية من داخل "إسرائيل" ومن يهود فرنسيين أيضاً.

ويشير التقرير بشكل واضح إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في العام الجاري، إذ جاء: "كذلك، تؤثر الأحداث الإسرائيلية الداخلية على العلاقات مع اليهود في العالم. ففي ربيع هذا العام جرت الانتخابات البرلمانية، وقبيل الصيف تشكلت حكومة جديدة تسعى إلى تحقيق أهداف لا يتفق معها كثير من يهود العالم، ومنهم يهود الولايات المتحدة أساساً، وخصوصاً في مسائل العلاقة بين الدين والدولة". كما كان المعهد ذاته قد أشار في تقرير سابق له إلى موقف يهود العالم من قانون "إسرائيل دولة القومية اليهودية"، إذ يعتبرون أنه قانون زائد ولا حاجة له، كما يجدون صعوبة في تفسيره أمام مجتمعاتهم الديمقراطية، عدا عن كونه يعيد مسألة "من هو يهودي" إلى الواجهة.

وتسعى الأحزاب الدينية المتزمتة والصهيونية المشاركة في الحكومة، مثل "يهدوت هتوراة" و"شاس" والبيت اليهودي"، إلى سَنِّ سلسلة من القوانين التي تشدد قبضة المؤسسة الدينية على مناحي الحياة العامة، وخصوصاً في ثلاثة جوانب أساسية: "حلال الأغذية"، "العمل والمواصلات أيام السبت" و"قانون الزواج" (أي، الزواج المدني).

وحتى الأيام الأخيرة، أدرج على جدول أعمال الكنيست حوالي 60 مشروع قانون من المتدينين والعلمانيين، تتعلق كلها بالعلاقة بين الدين والدولة. والائتلاف الحاكم ليس متماسكاً في هذا الملف الساخن، إذ أن كتلة "كولانو" (كلنا) تميل إلى المحافظة على الوضع القائم، دون إجراء أي تغيير فيه، لأنها تعارض تشديد القوانين القائمة. وفي المقابل، فهي تعد بعدم تأييد مبادرات لسن قوانين تغير الوضع القائم في اتجاه العلمانية. وهو ما يسعى إليه حزب الليكود الحاكم، أيضاً.

كما يشير التقرير إلى أن نصف يهود العالم ليسوا مقتنعين بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى بجدية للتوصل إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني، على الرغم من أن غالبية اليهود تؤمن، حسب التقرير، بما يسمى "أخلاقية الجيش الإسرائيلي".

ويقول التقرير إن هنالك حالة من التقاطب الآخذ في التعمق خلال العقدين الأخيرين في المجتمعات اليهودية في العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة، تؤدي إلى تضاؤل الجمهور الوسطي في مجالات مختلفة، ومن هذه القضايا الخلافية مسألة التقرب من  إسرائيل وشكل العلاقة معها. ويشتد هذا الخلاف حينما تكون إسرائيل موضوع جدل دولي في فترات ما، مثل فترات المواجهات المسلحة، مثلما حصل خلال العدوان على غزة في صيف العام 2014، كما أورد التقرير.

ويورد التقرير نتائج استطلاع المعهد الأمريكي "بيو"، والتي ظهرت قبل بضعة أشهر، وتطرق إلى رد فعل اليهود في الولايات المتحدة على "المواجهات المسلحة"، حسب تسمية التقرير، إذ اتضح أن أصحاب المواقف الليبرالية كانوا أقل ارتباطاً بإسرائيل ووقوفاً إلى جانبها من أصحاب المواقف المحافظة، ما يعني أن المواقف السياسية تؤثر على الموقف من إسرائيل والعلاقة بها، وخصوصاً في حالات التوتر.

ويؤكد التقرير أن نتائج هذه الاستطلاع، كما غيره من الاستطلاعات أيضاً، تؤكد وجود حالة عدم رضى من السياسة الإسرائيلية يتخللها توجيه انتقادات إليها، وخصوصاً من الأجيال الشابة غير المتدينة. ويبرز هذا أكثر لدى الأجيال الشابة في الولايات المتحدة وكندا. وهذه الانتقادات تشتد أكثر في كل ما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، في دولة إسرائيل.

وحسب التقرير، ترى المنظمات اليهودية أن لديها الحق في أن تطلب من إسرائيل تنسيق مواقفها معها، لأن سياساتها تؤثر عليها وعلى نشاطها في بلدانها. وفي تلخيصه لهذا الجانب، يقول تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" إن "اليهود في العالم يفهمون أن إسرائيل موجودة في بيئة خطرة، وأن هذا الوضع يلزمها أحياناً باستخدام القوة العسكرية ضد أعدائها. وهم ليسوا على قناعة بالقدر الكافي بأن إسرائيل تفعل كل ما في وسعها من أجل تجنب المواجهة، إلا أنه في كل ما يتعلق بطابع القتال ومحاولة تجنب المس بالأبرياء، فيبدو أن غالبية اليهود يتقبلون الرواية الإسرائيلية بأنها تبذل جهدا في هذا الشأن".

ويوصي التقرير إسرائيل بأن تكثف حواراتها مع المجتمعات اليهودية، ومع منظماتها المختلفة، على أن يكون الحوار متبادلاً، وأن تكون إسرائيل أكثر إصغاء لتوجهات هذه المجتمعات، التي تؤكد على الدوام أن سياسات إسرائيل في كل الجوانب تنعكس عليها مباشرة في أوطانها وفي العالم عامة، وعليه فإن حواراً كهذا، كما يقول التقرير، سيعزز تجند عدد أكبر من اليهود لدعم  إسرائيل.

انخفاض عدد يهود العالم

على الرغم من أن هذه المشكلة كانت معروفة دائماً، إلا إن هناك الكثير من المؤشرات تدلل على أنها قد استفحلت بشكل كبير. فقد دلت معطيات جديدة أن انخفاضاً كبيراً حدث على عدد اليهود في العالم خلال ربع القرن الأخير. وذكر تقرير صادر عن "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، ومقره القدس المحتلة أنه خلال 27 عاماً انخفض عدد اليهود بـ 2.3 مليون نسمة، حيث يبلغ الآن 7.76 مليون فقط. وحسب المعطيات التي نشرتها صحيفة "معاريف"، ثاني أوسع الصحف الإسرائيلية فإن عدد اليهود الذين يعيشون في العالم وإسرائيل يبلغ 13.1 مليون يهودي. وتنوه المعطيات إلى أن عدد اليهود لم يرتفع منذ العام 1970 إلا بنصف مليون نسمة. وأشار التقرير إلى أن أكبر انخفاض في عدد اليهود حدث في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفيتي، حيث يعيش هناك نحو 450 ألف يهودي فقط، منهم 221 ألف في روسيا، و 79 ألف في أوكرانيا. وأشار التقرير إلى حدوث انخفاض كبير في عدد اليهود في أمريكا الجنوبية، حيث انخفض عددهم هناك بنسبة 24%، حيث تبقى 393 ألف يهودي، منهم 184 ألف يهودي يسكنون في الأرجنتين، 96 ألف في البرازيل، و40 ألف في المكسيك. وأشارت المعطيات إلى أن عدد اليهود في دول المغرب العربي يبلغ آلاف فقط، وهو ما يشكل انخفاض كبير في عددهم هناك، حيث أن عددهم بلغ في العام 1970 حوالي 83 ألف يهودي. وفي جنوب أفريقيا انخفض عدد اليهود من 124 ألف في العام 1970 إلى 72 ألف يهودي. وأضافت المعطيات أن انخفاضاً كبيراً حدث على عدد اليهود في آسيا حيث أنه من أصل 100 ألف كانوا يعيشون في القارة حتى العام 1970 تراجع العدد إلى 20 ألف يقطن معظمهم في إيران، في حين يقطن 300 يهودي في اليمن وعشرة في سوريا وواحد في أفغانستان.

وأضافت المعطيات أن عدد اليهود في أمريكا الشمالية لم يتغير على الرغم من الهجرة اليهودية الكبيرة من شرق أوروبا لهذه المنطقة، حيث يبلغ عدد اليهود في أمريكا الشمالية 5,6 مليون نسمة. وأشارت المعطيات إلى أنه قد طرأ انخفاض بنسبة 5% على عدد اليهود في أوروبا، حيث يقطن في القارة حوالي مليون يهودي، منهم 490 ألف في فرنسا، 295 ألف في بريطانيا و120 ألف في ألمانيا. وشدد المعطيات على أن المنطقتين الوحيدتين اللتان شهدتا ارتفاع في عدد اليهود هما استراليا ونيوزيلندا، حيث ارتفع في عدد اليهود هناك إلى 111 ألف مقابل 70 إلف في العام 1970. ومقابل الانخفاض في عدد اليهود الذين يعيشون في العالم، تضاعف عدد اليهود في إسرائيل منذ العام 1970، وهو يبلغ اليوم 5.4 مليون يهودي، هم 40% من إجمالي اليهود في العالم.

ودلت المعطيات على أن أحد أسباب انخفاض عدد اليهود هو التحول عن الديانة اليهودية، إما عن طريق التحول للديانات الأخرى أو عبر الزواج المختلط عبر التزاوج مع غير اليهود. ويذكر أن الشريعة اليهودية تعتبر اليهودي هو الذي يولد فقط لأم يهودية. وأشارت المعطيات إلى أن 50% من الشباب اليهودي يتزوجون من غير اليهوديات، في حين ترتفع النسبة في روسيا إلى 70% وفي أوروبا تبلغ 45%، الأمر الذي يعني أن جميع أبناء هؤلاء سيعتبرون غير يهود.

وأشارت معطيات المعهد إلى انخفاض معدل الخصوبة لدى اليهود يمثل سبب آخر لانخفاض عدد اليهود. ففي الوقت الذي يبلغ معدل الخصوبة في إسرائيل 2.75 طفلاً للعائلة اليهودية، يصل في الغرب إلى 1.5 طفلاً للعائلة اليهودية، بينما تتدنى النسبة في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي السابق لتبلغ طفل واحد للعائلة. ونقلت "معاريف" عن مدير عام "معهد تخطيط الشعب اليهود" افينوعام بار يوسيف قوله إن السبيل لحل مشكلة الزواج المختلط هو تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، "ولهذا الغرض يجب تخفيف حدة الشروط التي تضعها مؤسسة الحاخامية الكبرى للتهود أمام تحول غير اليهود لليهودية، وعدم إجراء تعديلات متسرعة لقانون العودة". وقال بار يوسيف "لقد تعرض الشعب اليهودي لما يكفي من الضربات في القرن السابق"، على حد تعبيره.

وتتحفظ محافل يهودية مركزية في العديد من دول العالم على مساعي إسرائيل لتشجيع هجرة اليهود إليها. فقد اعترضت قيادة الجالية اليهودية في فرنسا على جهود إسرائيل الرامية لتشجيع لهجرة اليهود الفرنسيين على اعتبار أن ذلك يضعف تأثير الجالية على دائرة صنع القرار في باريس. من ناحيته قال بروفيسور دي لا فرغولا، الأستاذ الكبير في "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، والمختص في شؤون الديموغرافية اليهودية "بالنظر إلى مواضيع الاندماج والخصوبة المتدنية، فإن يهود الشتات يوجدون في حالة عجز بين عدد المواليد وعدد الوفيات"، مضيفاً أن "الهجرة إلى إسرائيل يمكنها أن تؤثر إيجاباً، ولكن محظور جلب اليهود إلى هنا بالقوة. إسرائيل معنية بشتات قوي وأكثر يهودية، وليس بتصفية الشتات"، على حد تعبيره.

ومن جهته قال مدير عام "مركز تخطيط سياسات الشعب اليهودي" نحمان شاي: "إن نحو 50 يهوديّاً في الولايات المتحدة يتحولون عن اليهودية يوميّاً". وشدد شاي في مقابلة أجراها معه التلفزيون الإسرائيلي على أن "الوجود اليهودي في الولايات المتحدة يتعرض لخطر كبير؛ بسبب حالات التحول الواسعة من الديانة اليهودية إلى الديانات الأخرى". واعتبر أن أكبر خطر يواجه اليهود في الولايات المتحدة هو الزيجات المختلطة (بين اليهود وأصحاب الديانات الأخرى)، وذوبان اليهود في المجتمع الأمريكي. وفي السياق ذاته حذر شاي من أن دولة إسرائيل ستكون أكبر خاسر من هذا الواقع، لافتاً إلى أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على دور المنظمات اليهودية في الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش والكونجرس الأمريكي من أجل الاستجابة للمطالب الإسرائيلية.

150 مليون دولار لتعزيز الانتماء

نشب خلاف مؤخراً بين الوكالة اليهودية والحكومة الإسرائيلية، على خلفية تكليف وزير التعليم الإسرائيلي، زعيم كتلة المستوطنين البرلمانية نفتالي بينيت، بإدارة مشروع يهدف إلى تعزيز انتماء أبناء الديانة اليهودية في أوطانهم، لديانتهم وللصهيونية، بعد أن أظهرت سلسلة من الأبحاث والاستطلاعات تراجعاً حاداً في هذا الانتماء، ما زاد من قلق الصهيونية العالمية، باعتبار الانتماء مصدراً أساسياً للهجرة إلى إسرائيل.

ورصدت الحكومة الإسرائيلية 150 مليون دولار لهذا المشروع، عدا ما تصرفه الحركة الصهيونية بمئات الملايين. وتتخوف الوكالة من أن يتحول هذا المشروع إلى مشروع حزبي يسيطر عليه التيار الديني الصهيوني المتشدد، ما يجعل نجاحات المشروع محدودة، نظرا لطبيعة مجتمعات يهود العالم التي تطغى عليها الليبرالية.

وتُكثِر معاهد الأبحاث الصهيونية في السنوات الأخيرة، الحديث عن تراجع الانتماء لدى أبناء الديانة اليهودية في العالم لديانتهم، ما يزيد من ابتعادهم عن المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية اليهودية، وبالتالي الابتعاد عن المؤسسات الصهيونية، وعن الشعور تجاه الكيان الإسرائيلي. وما يزيد قلق إسرائيل والصهيونية، أن تراجع الانتماء بات يطال أيضا أبناء اليهود الذين هاجروا من إسرائيل منذ سنوات ويقيمون في الخارج. وقال أحد أهم الأبحاث المعمقة التي أجريت في هذا المجال ونشر في السنوات الأخيرة، وتركز أساسا في الوضع القائم بين الأمريكان اليهود، الذين يصل عددهم إلى 5.25 مليون نسمة، فقد تبين أن 50 % من الشبان الأمريكان اليهود يندمجون في ديانات أخرى، ويتخلون عن اليهودية. كما أن 50 % من الشبان الأمريكان اليهود لا يشعرون بأي انتماء لإسرائيل، وأن 20% فقط من الأمريكان اليهود دون سن 35 عاماً يشعرون بانتماء قوي لإسرائيل، وأن 70 % من الأمريكان اليهود لم يزوروا إسرائيل إطلاقاً.

كما أشار بحثان آخران إلى أن أبناء الإسرائيليين الذين يولدون في الخارج، لوالدين هاجرا من  إسرائيل، يبتعدون بقدر كبير عن "الهوية والثقافة الإسرائيلية"، حسب تعبير البحثين، اللذين بحثاً ما إذا العائلات الإسرائيلية المهاجرة إلى الخارج تهتم في الحفاظ على "وهويتها وثقافتها الإسرائيلية" لدى إقامتها في الخارج، أم أنها تتبنى هوية وثقافة الدول التي هاجرت إليها، وتبين أنه على الأغلب فإن الوالدين فقط أو البالغين من أبنائهما يحافظون بقدر ما على هذه الهوية والثقافة، بينما تضعف بقدر كبير لدى الأبناء الذين ولدوا في الخارج. ومن أهم أسباب تراجع أعداد اليهود في العالم هو الاندماج في شعوبهم، وخاصة من خلال التزاوج المختلط، إذ حسب الشريعة اليهودية يتم الاعتراف بيهودية الشخص فقط إذا كانت والدته يهودية، بغض النظر عن ديانة والده، كما أنه لا يتم الاعتراف بأي شخص والده يهودي ووالدته ليست يهودية، إلا أن غالبية أبناء اليهوديات، الذين آباءهم ليسوا يهودا لا يعتبرون أنفسهم يهوداً، أو أنهم في جيل متقدم يتخلون عن ديانة أمهاتهم، خصوصاً إذا كانوا خارج  إسرائيل، وتتراوح نسبة الزواج المختلط بين اليهود في العالم من 25% إلى 80 %، وأعلى النسب نجدها في روسيا والجمهوريات المحيطة بها، بينما نسبة الزواج المختلط في الولايات المتحدة باتت تتعدى نسبة 50 %. كذلك فإن اليهود في أوطانهم يتأثرون بثقافاتهم الوطنية في تلك الدول، فمثلاً، في السنة الأخيرة استغلت  إسرائيل تفجيرات وقعت في فرنسا لتحفيز الفرنسيين اليهود في الهجرة إليها، إلا أن الكثير من المحللين والخبراء الإسرائيليين أشاروا إلى أن الغالبية الساحقة جدا من الفرنسيين اليهود لن تستطيع التعايش مع الأجواء القائمة في إسرائيل، بسبب نظرتهم الليبرالية وقيم حقوق الإنسان العالية لديهم.

وقد أجرت الحكومات الإسرائيلية منذ العام 2006، إبان حكومة أيهود أولمرت وحكومات بنيامين نتنياهو الثلاث الأخيرة سلسلة من الأبحاث واتخذت قرارات، تهدف إلى أن تأخذ الحكومة الإسرائيلية دوراً في نشاط الحركة الصهيونية، في محاولة لصد ظاهرة الابتعاد عن اليهودية والصهيونية. وتبين في الأيام الأخيرة، أن الحكومة رصدت 150 مليون دولار، وسلمتها لوزارة ما يسمى "يهود المهجر"، التي يتولاها وزير التعليم، زعيم كتلة المستوطنين البرلمانية نفتالي بينيت، من بينها 50 مليون دولار من الموازنة العامة، و100 مليون دولار سيسمح للوزارة بجمعها كتبرعات.

إلا أن ممثلي لمنظمات صهيونية في العالم، ومعهم رئيس الوكالة اليهودية (الصهيونية) العالمية، نتان شيرانسكي، يعترضون على إيداع مشروع "تعزيز الهوية اليهودية"، بيد الوزير بينيت، كونه من التيار الديني الصهيوني المتشدد، خصوصاً وأن بينيت وطاقمه بدأوا يتحدثون عن تعزيز انتماء "العائلة اليهودية" لليهودية، ما يعني التركيز على المفاهيم الدينية، أكثر من الانتماء السياسي العام.

وقال مصدر في وزارة "يهود المهجر" لوسائل إعلام إسرائيلية، إن المفهوم العام للحالة اليهودية العالمية يقول، "إنه في السنوات الأخيرة نشهد تراجعاً مستمراً في الهوية اليهودية بين المجتمعات اليهودية في أنحاء العالم"، وهذه الصيغة (بين قوسين) هي المقبولة كتعريف على جميع الجهات اليهودية، إلا أن الوزير بينيت وطاقمه، بدأوا يتحدثون عن "العائلة اليهودية"، ما أثار اعتراضها بين أوساط يهود العالم، لما يوحي من تدخل في تفاصيل الحياة الخاصة، والدخول في قضايا دينية مختلف عليها.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤول في إحدى المنظمات اليهودية، "هل حكومة  إسرائيل ستقول الآن للمجتمعات اليهودية في العالم، كيف تدير العائلات أنفسها"، خصوصاً وأن الخلاف بين الطوائف الدينية اليهودية يحتد في إسرائيل والعالم، بين التيارات المتشددة والليبرالية، وقد كانت هذه الخلافات في أحيان كثير أسباب أزمات في حكومات إسرائيل المختلفة.

إن رصد هذه الميزانية، والجدول القائم حول كيفية صرفها، ومن يتولى مسؤوليتها، يعكس حجم الأزمة القائمة في الحركة الصهيونية، في ما يتعلق بمستقبل الانتماء والهجرة إلى إسرائيل، وهي الجانب الأساس الذي تتغذى عليها الصهيونية لتبقى قائمة.  

اعلى الصفحة