الوسط الأكاديمي الإسرائيلي وظاهرة داعش
سيناريوهات احتواء ظاهرة "عابرة"

السنة الخامسة عشر ـ العدد 168 ـ ( صفر ـ ربيع الأول 1437 هـ) كانون أول ـ 2015 م)

بقلم: مأمون كيوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أثار ظهور تنظيم "داعش" وتوسعه وتمدده جغرافياً في العراق وسوريا وامتداداته في كلٍّ من مصر وليبيا وغيرهما من الدول العربية، سجالات ونقاشات ساخنة في الأوساط السياسية الحكومية والحزبية والعسكرية والأمنية والأكاديمية.

وقد حاول الوسط الأكاديمي الإسرائيلي عبر الإجابة على رزمة أسئلة منها: هل يشكل وجود "داعش" في المنطقة العربية حماية لليهود أم يستهدفهم؟. وهل هناك تهويل أم تهوين سياسي وإعلامي في الرؤية الإسرائيلية لتنظيم "داعش"؟. وهل يشكل أو لا يشكل "داعش" خطراً استراتيجياً مباشراً أم غير مباشر على إسرائيل في الأمدين القريب والبعيد؟. وما هو ثمن الصراع ضد "داعش"؟. وهل يشكل "داعش" فرصة لإسرائيل للتقرب من ما يسمى محور "الاعتدال العربي"، وتطوير العلاقات مع مصر والأردن، فضلاً عن التدخل في سوريا، وتفويت الفرصة على إيران في تقاربها مع الغرب؟. وجدوى الربط بين المقاومة الفلسطينية وبين "داعش"، وبين "داعش"وحزب الله. وسبل محاربة "داعش". حاول التعاطي بموضوعية مع ظاهرة "داعش" في سبيل إنتاج توصيات تؤسس لسياسة إسرائيلية قادرة على إدارة الصراع مع داعش وأمثاله في الشرق الأوسط.

 وساهم في النقاشات الإسرائيلية نخبة من الباحثين الأكاديميين والمحللين السياسيين ومن أبرزهم: يورام شفايتسر، مدير برنامج "دراسة الإرهاب والحرب بقوة متدنية" في "معهد أبحاث الأمن القومي"، في جامعة تل أبيب. والبروفسور إيال زيسر عميد كلية الآداب في جامعة تل أبيب والباحث المتخصص في الشؤون السورية واللبنانية، وإفرايم عنبار،أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان ومدير "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية". ود. رونين اسحق، رئيس وحدة دراسات الشرق الأوسط في الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي، ود. شاؤول برطال، محاضر في قسم الشرق الأوسط في جامعة بار ايلان، والباحثون في "معهد أبحاث الأمن القومي"، كوبي ميخائيل، والبروفسور عمانوئيل سيفان، وشلومو بروم ويوئيل غوجانسكي، وافرايم كام. ود. مردخاي كيدار،الباحث والمحاضر في معهد بيغن - السادات في جامعة بار إيلان، وضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ومحلل متخصص في الأوضاع السياسية والاجتماعية في الدول العربية المعادية لإسرائيل ويعقوب حلبي - بروفيسور في موضوع العلاقات الدولية وعضو في معهد عزريئيلي للدراسات الإسرائيلية في جامعة كونكورديا بمونتريال – كندا.

وقد كتب الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي"، يوئيل غوجانسكي، في مقال مطول نشره في الموقع الإلكتروني للمعهد، أنه على الرغم من انشغال الغرب بتهديد "داعش"، إلا أن "هذا التنظيم يهدد بالأساس الدول العربية المجاورة للعراق، وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج من داخلها وخارجها"(1).

 ورأى غوجانسكي أن التحدي الأساس الذي يمثله "داعش" هو "تحدي نزع الشرعية الدينية عن آل سعود والرجعية المتطرفة والمتزمتة للإسلام السني الذي تمثله الوهابية، خصوصاً بعد إعلان البغدادي عن إقامة "الخلافة الإسلامية (....) والمملكة قلقة من تأييد الجيل الشاب فيها لهذا التنظيم. وقد نُشر مؤخراً استطلاع في الشبكات الاجتماعية تبين منه أن 92% من السعوديين يؤمنون بأن أيديولوجية التنظيم تطابق قيم الإسلام والشريعة. وثلثي السكان السعوديين تقريباً هم دون سن 30 عاماً، والكثيرون منهم عاطلون عن العمل، وعبروا عن إحباطهم حتى الآن في العالم الافتراضي (الانترنت)، الذي يعبر من خلاله الكثيرون عن تأييدهم لأفكار "داعش"(2).

 وأضاف غوجانسكي أنه "على ضوء التأييد للمعارضة ضد (نظام الرئيس السوري بشار) الأسد ولحكومة المالكي (السابقة في العراق) فإن عدداً من دول الخليج قد تواجه نتائج أفعالها. وثمة تخوف من انضمام جهات راديكالية إلى منظمات معارضة موجودة أو إقامة تنظيمات تآمرية في شبه الجزيرة العربية(....) ودول الخليج ذات ماض إشكالي جداً في كل ما يتعلق بتمويل الإرهاب. وقد غضت الطرف أو لم تعمل بشكل كاف من أجل وقف أموال حولها رجال أعمال ومنظمات خيرية طوال سنين"(3).

 وخلص غوجانسكي إلى أن طريق التنظيم "داعش" إلى مكة هي في أساسها طريق فكرية- أيديولوجية. وهذا صراع الإسلام السني على صورته وأسس إيمانه. وبينما يُحدث تحدي "الدولة الإسلامية" تصدعات داخل المعسكر الملكي- السني، في أعقاب دعم قطر للمتطرفين الإسلاميين (الإخوان المسلمين)، فإنه قد يصنع شراكة في المصالح بين جهات متخاصمة خارجه. وبنظر السعودية، فإن الخطر عليها شديد. ولذلك لا ينبغي استبعاد تعاون محدود حتى مع خصمها الإقليمي المركزي، إيران"(4).

 ولاحظ مدير برنامج "دراسة الإرهاب والحرب بقوة متدنية" في "معهد أبحاث الأمن القومي"، يورام شفايتسر، والباحثة في هذا البرنامج، شاني أفيتا، في مقال نشراه في موقع "واللا" الإلكتروني، طفت على السطح منافسة علنية وحادة بين "تنظيم داعش الصاعد وتنظيم القاعدة القديم"، وأن هذه المنافسة تدور حول "قيادة حركة الجهاد العالمية" التي كانت على مدار العقدين الماضيين تحت قيادة أسامة بن لادن، وبعد مقتله باتت تحت قيادة أيمن الظواهري. ولَفَتَا إلى الخلاف الشديد بين الظواهري وزعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، "بسبب عدم انصياع الأخير للأول، وإعلان الظواهري عن طرد "داعش" من منظومة الحركات المتحالفة مع القاعدة "وبذلك تنكر الظاهري من مسؤوليته عن أعمال "داعش""(5).

وأضاف الباحثان أن "التحدي الذي وضعه البغدادي ضد قيادة الظواهري وصل إلى ذروته عندما أعلن البغدادي عن نفسه "خليفة"، ما يعني أنه طوّع الظواهري لقيادته. وهذا الوضع الجديد أرغم تنظيمات الجهاد العالمي على اختيار من ستدعم في المواجهة الداخلية في معسكرها. واختارت التنظيمات الكبرى، حتى الآن، وخصوصاً تلك التي تقيم تحالفاً مع القاعدة، مثل القاعدة في الحجاز والقاعدة في المغرب والشباب الصومالي وجبهة النصرة التي تنشط في سورية، الوقوف إلى جانب الظواهري. لكن تعالت أصوات داخلها تؤيد نجاحات داعش وحتى أنها بعثت بنصائح حيال طريقة التعامل المطلوبة مع الهجمات الأمريكية ضد التنظيم"(6).

 ورصد الباحثان تنظيمات جهاد عالمية، ليست حليفة ل"لقاعدة" رسميا، تعبر عن تماثلها وتأييدها العلني لطريق "داعش" وقراره إقامة "خلافة إسلامية عالمية". واعتبرا أنه في هذا السياق ينبغي تفسير إعلان تنظيم "بوكو حرام" عن إقامة إمارة إسلامية في نيجيريا.

 ورأى الباحثان أنه تكاثرت في الآونة الأخيرة المؤشرات التي تدل على نشوء حلف جديد بين تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي ينشط في سيناء ومصر عموماً، و"داعش". وأشارا إلى أنه تم كشف هذه العلاقة بعد كشف نتائج تحقيق مع قيادي في "أنصار بيت المقدس" كان ضالعا في قتل 25 جندياً مصرياً، في آب العام 2014، وقطع رؤوس جنود بصورة شبيهة بأسلوب "داعش". واعتبرا أن هذا يدل على أن "أنصار بيت المقدس" الذي أعلن في الماضي عن ولائه للظواهري "يعتزم تغيير هذا الولاء". وأن "الحلف القائم بين أنصار بيت المقدس والتنظيم السلفي الجهادي الغزي "شورى المجاهدين" من شأنه توسيع مستوى التهديد"(7).

ورأى أيال زيسر، عميد كلية الآداب في جامعة تل أبيب والباحث المتخصص في الشؤون السورية واللبنانية، أن "الفرق بين الجولاني، الذي يعلن الولاء للقاعدة وبين تنظيم الدولة تكتيكي وموضوعه الاستعداد لأن يؤجل إلى المستقبل، عندما تتاح الظروف ما يصر تنظيم الدولة على عمله اليوم. وإمكانية سيطرة تنظيم الدولة وجبهة النصرة على سوريا يجب أن تقلق إسرائيل. ولكن السؤال هو ما هو البديل؟. السياسة الإسرائيلية كانت على مدى السنين وكذا بعد اندلاع الثورة في سوريا بأن بشار الأسد هو شريك مرغوب فيه بصفته "الشيطان الذي نعرفه"، أي حاكم عقلاني وبرغماتي، اعتدنا عليه على مدى السنين ومع تعلمنا كي نتدبر أمرنا. وبعد كل شيء فإن بشار، مثل أبيه من قبله، حرص على حفظ الهدوء على طول الحدود الإسرائيلية ـ السوري على مدى الأربعين سنة الأخيرة، منذ انتهاء حرب يوم الغفران"(8).

وأضاف زيسر: "عندما غرقت سوريا في الحرب الأهلية المضرجة بالدماء كان في إسرائيل من تمنى النجاح للطرفين المتقاتلين في الدولة المجاورة من الشمال، سواء لبشار أم للثائرين عليه. وذلك، بالمناسبة، على أمل أن يبقى بشار قوياً بما يكفي كي يضمن الهدوء على طول هضبة الجولان، ولكنه أضعف من أن يهدد إسرائيل أو أن يرد في كل مرة تعمل فيها ضد إرساليات السلاح من أراضيه إلى حزب الله. ولكن الحرب في سوريا من شأنها أن تنتهي بأسرع مما قدرت إسرائيل. وحتى لو تطلب الأمر أشهر طويلة إلى أن يسقط بشار. والأسوأ من ذلك، فإن تجند نصر الله وإيران لنجدة بشار يدل على أن المعضلة التي تقف أمامها إسرائيل ليست بشار أو تنظيم الدولة بل نصر الله وتنظيم الدولة. وكلما عمّق حزب الله دوره في الحرب في سوريا يصبح بشار متعلقاً بنصر الله وبالإيرانيين. ومن هنا فإن المنطق الذي تعتمده إسرائيل بأنه يمكن الثقة ببشار بات قابلاً للدحض. وبالنسبة لنصر الله، فهو ملتزم بالحفاظ على الآثار والبقايا الأثرية بل وسمح بترميم الكنيس في بيروت مجين أبراهام، ولكن هذا التنور يصل حتى حدود إسرائيل. ففي خطاب هاجم فيه تنظيم الدولة أعلن عن التزامه بتصفية إسرائيل وقبل ذلك دعا اليهود الذين يعيشون فيها إلى المغادرة والعودة إلى حيث أتوا"(9).

وخلص زيسر إلى القول: "بالفعل، فإن البرابرة على الجدران، حتى وإن كانوا ينشغلون بالقتال الواحد مع الآخر، آجلاً أم عاجلاً ستأتي اللحظة التي يوجهون فيها سلاحهم نحو إسرائيل. وبهذا فلا فرق بين نصر الله وتنظيم الدولة، وهؤلاء هم الذين سيقررون النبرة في سوريا في المستقبل المنظور"(10).

وقدّر الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، يورام شفايتسر، أنه "لا يوجد تهديد مباشر وداهم على أمن إسرائيل نتيجة للأحداث في العراق، على الرغم من أن الأجواء التي تبثها هذه الأحداث من شأنها أن تؤثر على تقوية تنظيمات الجهاد العالمي التي تنشط في الدول المجاورة لإسرائيل. وعلى الرغم من أن صورة الوضع في سورية تظهر أن التهديد المحتمل على إسرائيل قد يأتي من جهة تنظيم جبهة النصرة، الحاضر إلى جانب الجبهة الإسلامية، في مرتفعات الجولان السورية وعند حدود الأردن(مع سورية)، إلا أنه، حتى الآن، لم توجه هذه التنظيمات أسلحتها نحو إسرائيل ولا يمكن ربطها مباشرة مع معظم حوادث إطلاق النار المتقطعة التي نُفذت ضدها من الجانب السوري، لكن احتمال التصعيد من جانب هذه التنظيمات في هذه الجبهة قائم"(11). وفسر شفايتسر تقديراته بعدم تشكيل "داعش" تهديداً على إسرائيل بالعوامل التالية":

أولاً: "داعش" هو جزء من معسكر الجهاد العالمي، لكنه متنازع مع تنظيم القاعدة. وبرز هذا النزاع من خلال الخلافات بين زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، وزعيم القاعدة، أيمن الظواهري. وأدى هذا النزاع إلى طرد "داعش" من تحالف التنظيمات الذي شكلته القاعدة مع عدد من شركائها الأساسيين. ولذلك فإن الاستخدام الرائج لتسمية "قوات القاعدة في العراق" يجافي الواقع وهو "يعظّم عبثاً اسم القاعدة، الذي يتمتع بتفخيم قوته في المكان الذي ليس لائقاً به".

ثانياً: انتصارات "داعش" في العراق نابعة، قبل أي شيء آخر، من غياب الشرعية الشعبية لرئيس الحكومة العراقية "الشيعي"، نوري المالكي، ومن الضعف البالغ للجيش العراقي ومن الإخفاقات الكبيرة لقادته، أكثر مما من كون انتصارات التنظيم نابعة من قوة وقدرات عسكرية غير مسبوقة. وقد تميز جزء من نشاط التنظيم في غرب العراق بغزوات على غرار "أضرب واهرب" وبوجود عسكري رمزي في الأماكن التي احتلها وبتنظيم مسيرات عسكرية تظاهرية. وفي المناطق التي نجح فيها "داعش" برفع رايته، حدث ذلك بالأساس بسبب عدم اهتمام وانعدام المقاومة من جانب السكان المحليين، وقد ساعده في ذلك العداء العميق لنظام المالكي، الذي يميز ضد السنة، الذين اعتبروا هذا التنظيم على أنه "أفضل الشرور". وعلى ما يبدو أن مقاومة السكان للتنظيم قد تأجلت إلى موعد يقرر فيه محاولة فرض نمط حياة إسلامي متطرف وصارم.

ثالثاً: تَفَاخُر "داعش" والضجة الإعلامية الكبيرة حوله أكبر بكثير من مقاييسه. فالأرقام التي تتحدث عن حجم قواته ليست موثوقة ولا تتعدى، في أفضل الحالات، العشرة آلاف مقاتل وبينهم متطوعون أجانب. وهذه لا تشكل قوة كافية من أجل احتلال وإدارة العاصمة بغداد، التي توجد لنظام المالكي وسكانها مصالح جوهرية بالدفاع عنها في إطار حماية سلامة الدولة. كذلك فإن "داعش" لا يملك القوة للسيطرة بشكل كامل على المناطق التي يحتلها في العراق، وفرض نظام إسلامي متطرف فيها. وهذا التنظيم بعيد عن بسط سيطرته على أجزاء واسعة في سورية أيضاً.

رابعاً: التخوف والقلق الذي يثيره نجاح "داعش" لدى الدول المجاورة للعراق، وفي مقدمتها إيران وتركيا والأردن، من شأنه أن يشكل عائقاً أمامه. وحتى لو تمكن التنظيم من احتلال مناطق في بغداد وبدأ يهدد الأمن القومي للدول المجاورة فإن التوقعات تشير إلى أنه سيكون هناك تدخل أمريكي، ولو محدود. كذلك فإن إيران ستتجند إلى جانب نظام المالكي، كما أن تركيا لن تجلس مكتوفة الأيدي"(12).

 لكن من الجهة الأخرى، حذر شفايتسر من أن "الخطر الناجم عن نجاحات "داعش" في العراق، من شأنه أن يمنح دعماً كبيراً لأفكاره وطريقه وتشجع تنظيمات مشابهة عديدة في الشرق الأوسط وخارجه. "والخطر المركزي في حالة كهذه نابع من الكنز الاقتصادي الهائل الذي جمعه التنظيم في العراق، بعدما استولى على أموال بنوك في المناطق التي فر منها الجيش العراقي وفشلت الشرطة المحلية في حمايتها. كذلك توجد بأيدي التنظيم أموال كسبها من السيطرة على آبار نفط". وبإمكان التنظيم الحصول على تأثير كبير لدى تنظيمات مشابهة له بواسطة قوته الاقتصادية. كما أن "داعش" استولى على كميات هائلة من الأسلحة النوعية، وقسم منها أسلحة غربية، وستجد طريقها إلى مناطق نزاع في الشرق الأوسط وخارجه"(13).

وعلى الرغم ذلك من، رأى شفايتسر أن نجاحات "داعش" في العراق وسورية، وقوته الاقتصادية، "لن تساعده في احتلال العراق ولكن بالإمكان أن تحفزه، بكل تأكيد، على استغلال موارده من أجل توسيع نشاطه إلى مناطق أخرى، ومن ضمنها إسرائيل، وحتى مساعدة وتمويل أنشطة تنظيمات شريكة له"(14).

وأكد الباحثان أودي ديكل وعومر عيناف من "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب في إطار "ورقة تقدير موقف" جديدة أنه في ضوء آخر المستجدات التي طرأت على الأوضاع الإقليمية، "بات المطلوب من إسرائيل تفكير جريء يحدد أن ظاهرة "داعش" تشكل تهديدا أخطر حتى من التهديد الإيراني، حيث أن سيناريو نجاح هذا التنظيم في الاستيلاء على أراض في هضبة الجولان والتمركز فيها، سيضع إسرائيل في مواجهة طرف لا يخضع لـ"قواعد لعبة" كتلك القائمة بين الدول، على عكس إيران وسورية وحزب الله التي يخضع الصراع معها إلى "قواعد لعبة" منطقية ومنظمة"(15).

 وكتب الباحثان: "إن موازين القوى الحالية في سورية تتأثر بالصدع ثلاثي الأقطاب في منطقة الشرق الأوسط، بين المحور الشيعي بقيادة إيران، والمحور السني بقيادة العربية السعودية، والعنصر السلفي - الجهادي بقيادة تنظيم "داعش" الذي يشكل القطب الثالث. وساحة القتال الرئيسة اليوم هي سورية التي يتواجه على أرضها جميع أصحاب المصالح – المجموعات التابعة لـ"المحور الشيعي"؛ المجموعات التابعة لـ"المعسكر السني" ومن ضمنها عناصر الجهاد العالمي؛ تنظيم "داعش"؛ القوى الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة؛ الأقليات التي تقاتل للبقاء مثل الأكراد، والدروز، والعلويين؛ والدول المجاورة لسورية كذلك. ومن جراء صعوبة تقدير ورسم معالم الوضع النهائي للحرب في سورية، وانطلاقاً من فرضية أن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية، وهناك ميل لطرح ثلاثة سيناريوهات أساسية لمستقبل سورية:

1- سيطرة إيرانية بمشاركة حزب الله والأقلية العلوية، اللذين يواصلان التحكم بمراكز الثقل في سورية.

2- سقوط سورية في قبضة القوى السلفية، مع سيطرة تنظيم "داعش".

3- استمرار الفوضى من دون حسم واضح، وخليط متنافر من الأطراف المتناحرة"(16).

 وأضاف الباحثان: "في الظاهر، تحسن وضع إسرائيل الإستراتيجي نتيجة تفكك الحلقة السورية من "المحور الإيراني" من دون أن تضطر إلى بذل جهود وموارد وتحمل مخاطر كبيرة. كما يسود الاعتقاد أن مجال المصالح المشتركة بين إسرائيل والدول السنية التي ما زالت فاعلة كدول قد اتسع، وأن هناك أساساً لقيام تعاون متمحور حول السعي لتحييد التأثير الإيراني في المنطقة، وهندسة سورية في حقبة ما بعد بشار الأسد. وعلى هذه الخلفية، تمتنع إسرائيل عن استباق تطور الأحداث، وعن اختيار السيناريو المفضل لديها من بين ثلاثة خيارات سيئة: سيطرة إيران، أو "داعش"، أو استمرار الفوضى في سورية.

 ارتكزت هذه السياسة على إدراك، ليس بعيداً عن المنطق في المطلق، أنه في الواقع الحالي لا يوجد فائدة في الاعتماد على طرف ما، وأنه لا يمكن التأثير في هندسة سورية من دون "الجزمة العسكرية" في الميدان، أي من دون تدخل عسكري مكثف"(17).

واكتشفا أن " انزلاق الأحداث من سورية إلى إسرائيل، والذي تجلى عبر ضغط أبناء الطائفة الدرزية على حكومة إسرائيل من أجل مساعدة إخوانهم والدفاع عنهم، بالإضافة إلى التقدير بأن اللحظة الحاسمة التي سيخسر فيها نظام الأسد آخر معاقله- التطور الذي سيقود إيران إلى زيادة تورطها في الحرب الدائرة في سورية- وبالإضافة إلى احتمال سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق إضافية يخليها جيش الأسد، كل ذلك يحتم على إسرائيل إجراء تقويم استراتيجي للوضع، الغاية منه التحقق من حقيقة الأمور والأهداف التي من شأنها خدمة مصالحها، وتوجيه أفعالها طبقاً لذلك"(18).

 وخلصا إلى أنه: "انطلاقاً من فرضية أن دولة إسرائيل تستعد لمواجهة المستجدات، ومن خلال إدراك أن خيار الوقوف على الحياد آخذ بالتآكل، يترتب عليها إعادة النظر في منظومة الاعتبارات الإستراتيجية التي استمدت منها سياسة عدم التدخل. وفي هذا الإطار المطلوب هو تفكير جريء يحدد أن ظاهرة "داعش" تشكل تهديدا أخطر حتى من التهديد الإيراني، حيث أن سيناريو نجاح التنظيم في الاستيلاء على أراض في الجولان والتمركز فيها، سيضع إسرائيل في مواجهة طرف لا يخضع لـ"قواعد لعبة" كتلك القائمة بين الدول، على عكس إيران، وسورية، وحزب الله، التي يخضع الصراع معها إلى "قواعد لعبة" منطقية ومنظمة. كما ينبغي افتراض أنه إذا سقطت هضبة الجولان ومناطق إضافية يسيطر عليها الأسد وحلفاؤه في قبضة "داعش"، فسوف تقع أيضاً الأسلحة الموجودة في تلك المناطق على اختلاف أنواعها، بيد التنظيم. وقد برهنت التجربة على أن تنظيم "داعش" يعرف كيف يفعِّل منظومات أسلحة متطورة، وكيف يجند فارين من جيشي العراق وسورية ضمن صفوفه. وسيكون أي سلاح إستراتيجي في حيازته أخطر على إسرائيل من بقائه بيد "المحور الإيراني" الذي يخضع لاعتبارات ومقيدات.

وهناك مؤشر إضافي على أن تنظيم "داعش" يشكل تهديداً رئيساً، مرتبطاً بسياسات ووضع جارات إسرائيل وحليفاتها كذلك. إن إيران وامتداداتها تشكل بالفعل عدواً مشتركاً لإسرائيل والأردن، ومصر، والعربية السعودية، ودول الخليج. لكن قدرة إيران على إلحاق الأذى بهذه الدول محدودة لأن الغالبية الساحقة من سكانها هم من السنة. وتبعاً لذلك، يصعب على إيران حشد التأييد في صفوف غالبية السكان في تلك الدول وإحداث تغيير في موازين القوى الداخلية. وثمة صعوبة إضافية تواجه إيران في هذا السياق، هي أن مواردها في الوقت الحاضر موزعة على عدد كبير من الساحات. ومن جراء ذلك، يصعب عليها إنشاء كتلة تأثير حرجة. وفي المقابل، فإن لتنظيم "داعش" طاقة كامنة كبيرة على تهديد الدول المجاورة لإسرائيل، ولاسيما قدرة تأثير في مجموعات من السكان السنة المصابين بالإحباط، والطريق مسدودة في وجههم. وبالفعل، حالياً يتبنى متطوعون من الدول السنية فكرة "داعش"، ويلتحقون بصفوفها. وحتى الآن جرى احتواء هذا التهديد بفضل جهد كبير من الأنظمة التي لا تزال تسيطر على مقاليد السلطة، لكنه تعاظم وازداد في الدول الفاشلة والمفككة في المنطقة. إن سيطرة "داعش" على سورية، وربما على معظم التراب السوري، من شأنه أن يحدث موجات عارمة من الفوضى في كل من الأردن، ولبنان، وشبه جزيرة سيناء، وحتى العربية السعودية وإمارات الخليج"(19).

 واستنتج الباحثان: "إن الرد الوحيد، الملائم لكافة السيناريوهات تعزيز وتوسيع أدوات التأثير الإسرائيلية في جنوب سورية وفي الجولان. ولهذا الغرض، يوصى بوضع إستراتيجيا مشتركة مع الأردن، بدعم أمريكي، تهدف إلى إيجاد منطقة تأثير مشتركة في جنوب سورية. وفي هذا الإطار، ينبغي السعي للتنسيق مع لاعبين "إيجابيين" (أو أقل سلبية)، مثل قوات "الجيش السوري الحر"، وتجمعات سكانية محلية، وتنظيمات لا تنتمي إلى الجماعات السلفية المتشددة، وأقليات سكانية مثل الدروز، على أن ترتكز هذه الشراكات، حتى لو كانت مؤقتة فقط، على مساعدة عسكرية وإنسانية، وعلى تأمين حاجات حيوية للسكان، توصلاً إلى اقتصاد حدود يشمل قنوات تزويد بمنتوجات من إسرائيل إلى جنوب سورية. وتتمتع إسرائيل والأردن بقدرات جوية وقدرات متطورة تستطيعان بواسطتها إنشاء "منطقة حظر جوي" في مناطق محددة، وفي الوقت نفسه منح غطاء دفاعي عن بعد للاعبين يتعاونون معهما، من دون استخدام قواتهما البرية. إن نشاطاً من هذا القبيل من شأنه أن يعزز التحالف الإستراتيجي بين الأردن وإسرائيل، ويكبح تمدد نفوذ إيران وحزب الله، من جهة، ونفوذ "جبهة النصرة" وأطراف جهادية سلفية من جهة ثانية، وأن يمنع نشوء "فراغ" يتطلع تنظيم "داعش" إلى ملئه. ومن الضروري أن يكون الدروز، سواء في جبل الدروز أو في مرتفعات الجولان السوري، جزءاً من تشكيلة اللاعبين المشار إليهم كشركاء لإسرائيل والأردن. ومن خلال ذلك، توفر إسرائيل والأردن منطقة آمنة يمكن أن تشكل ملاذاً لنازحين دروز، من أجل منحهم المساعدة الإنسانية المطلوبة. مطلوب من إسرائيل تفكير جريء يحدّد أن ظاهرة "داعش" أشد خطراً حتى من التهديد الإيراني"(20).

وطرح عاموس غلبوع السؤال التالي:" لماذا؟ أولا يدور الحديث عن قوة عسكرية طفيفة، الذي تتشكل إجابته من ثلاثة أجزاء: جسم مقاتل دون سلاح متطور، يعد نحو 15 ألف مقاتل متزمت إسلامي متطرف؛ نحو 20 ألف من رجال القبائل السنية من حملة السلاح المؤيدين لـ"الدولة الإسلامية"؛ و1500 ضابط سني خدموا في حينه في جيش صدام حسين. أهذه هي القوة التي تقيم الولايات المتحدة ضدها ائتلافاً عالمياً؟!". وقدر أن  "الدولة الإسلامية" لا تشكل أي تهديد وجودي على أي دولة مجاورة، وبالتأكيد ليس على الولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك، أقدّر على نحو شبه مؤكد بأن ليس للتنظيم أي قدرة أو احتمال للسيطرة على بغداد. إذن كيف حصل أنه فجأة أصبح هو التهديد العالمي الأكبر، الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تركز عليه وحده؟!!. ماذا عن الأسد وجزاريه؟ فهل أُلْقِيَ بهم حالياً إلى الزاوية. كل هذا لا يعني أن "الدولة الإسلامية" ليست تهديداً، ولكن بالتأكيد ليس بالمستوى الذي تصوره الدعاية الأمريكية. فقد جعلوا كلباً نابحاً نمراً كاسراً"(21).

وخلص إلى أن "وجود التنظيم هو نتاج سياقين مركزيين اجتازتهما المنطقة في العقد الأخير:

الأول: السياسة الأمريكية التي بدأت باحتلال العراق في 2003 في عهد بوش واستمرت بالجلاء من العراق في 2011 في عهد أوباما؛

الثاني: الهزة السياسية، الاجتماعية والدينية التي يجتازها العالم العربي منذ 2011. كنتيجة لهذين السياقين انهارت الأنظمة المركزية القوية، الطاغية، في العراق وفي سوريا. وتجسد "الدولة الإسلامية" كل البركان الذي انفجر في المنطقة بغيابهما، انفجار يتحدى ثقافة الغرب وكل النظام السياسي للمنطقة. و النقطة المركزية هي برأيي التالية: حتى لو دمرت "الدولة الإسلامية" في العراق، فالمشكلة المركزية للمنطقة ستبقى حية قائمة – غياب الأنظمة المركزية القوية، الاضطراب الاجتماعي والديني العميق، منظمات الإرهاب والعصابات المختلفة والمتنوعة والسعي الإيراني إلى الهيمنة في الخليج الفارسي والهلال الخصيب. وإسرائيل هي ليست عضو رسمي في سيرك الائتلاف، ولكن يمكنها أن تستمد منه المنفعة"(22).

وفي سياق النقاشات الإسرائيلية، أقام معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي، في 27/5/2015، مؤتمرا خاصا، هو الأول من نوعه في إسرائيل، تحت عنوان "الدولة الإسلامية"، للبحث في ظاهرة التنظيم الذي أصبح يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، والتطرق إلى السؤال إن كان التنظيم يشكل تحديا لإسرائيل.

 وأشار البروفسور عمانوئيل سيفان، في حديثه عن نشأة الدولة الإسلامية، إلى أهمية كتاب "إدارة التوحش" في بلورة فكر التنظيم. وقال إن فكرة الخلافة التي تروج إليها داعش هي احتيال إعلامي، وإن الخليفة، أبو بكر البغدادي، ليس مقبولا على عموم العالم السني. وأضاف سيفان أن الدولة الإسلامية تتصرف بانتهازية وهذا يفسر نجاحها في الدول العربية الهشة، التي تدور فيها رحى الحرب، أي العراق وسوريا.

 واتفق المتحدثون الإسرائيليون على أن تعريف ظاهرة داعش صعبة، فلها أوجه عدة، ومن الصعب حصر تنظيم الدولة في خانة "تنظيم عسكري"، علماً أنه يقيم مؤسسات- مرافق صحية وتربوية- تقدم خدمات للسكان في المناطق التي تقع تحت سيطرته. لكن أمراً واحداً واضحاً من ناحية الباحثين، وهو أن التنظيم حقق نجاحاً كبيراً في الشرق الأوسط خصوصاً أنه يشغل ذراعاً إعلامياً استطاع أن يتفوق على الجماعات الجهادية الأخرى.

 وأشار بعض الباحثين إلى أن نجاح الدولة الإسلامية يثبت أمراً واحداً من ناحية إسرائيل وهو أن تقسيمات سايكس – بيكو بدأت تنهار. وفي هذا السياق، قال حايم تومر، وهو رئيس قسم الاستخبارات في مكتب رئيس الحكومة في السابق، إن من تبعات هذا التطور هو أن إسرائيل قد تجد الدولة الإسلامية على حدودها الشمالية، في حال سقط الأسد في سوريا، ووفقاً للإشارات الميدانية التي تأتي من سوريا، من الممكن أن يحدث هذا السيناريو قريباً، أي العام الراهن(23).

واعتقد عاموس هرئيل، أنه:" ليس ما يدعو إلى الاستهانة بالخطر الآتي من قبل التنظيم الجديد، فقد نجحت "الدولة الإسلامية" في غضون بضعة أشهر في أن تقلب برنامج العمل الاستراتيجي للشرق الأوسط (.... ) ويوجد بيقين ما يمكن فعله في الاستعداد لمواجهة الدولة الإسلامية، ويبدو أن الأكثر تم فعله من قبل وهو تقوية الجهد الاستخباري ومتابعة التطورات على الحدود مع سوريا ومصر. والاستعداد المعزز لحماية الحدود والاستمرار على مساعدة التدبيرات الدولية لكن مع التقليل من الظهور. ويمكن أن يتم كل ذلك دون قدر مبالغ فيه من الذعر ودون تضخيم لا حاجة إليه لمقدار الخطر"(24).

أما كوبي نيف، فوجد أنه:" من كثرة استخدامنا للقوة بقينا من غير عقل. نحن فقط نستطيع استخدام القوة. نرى حشرة فنتخيل أنها فيل ونطلق عليها صاروخ. وكل قط يقوم بالمواء هو مجموعة ذئاب تريد القضاء علينا، ونسارع من أجل تدمير آلاف المنازل وقتل مئات الأطفال. فيما يتعلق باستخدام القوة فإن كلب بافلوف هو كلب في أيدينا. تعالوا نعترف بالحقيقة، غزة ليست خطر على وجودنا. وما يهدد وجودنا بالفعل هو الحصار الذي فرضناه على قطاع غزة. ليس فقط لأن الحصار لا يمنع إطلاق الصواريخ والحروب، بل فعليا يتسبب بها ويخلدها. لكن بالإمكان الحديث عن شيء واحد غير عقلاني، يهدد وجود إسرائيل، وهو أن إسرائيل تقوم به منذ خمسين عاما، الاستيطان، الاحتلال والقمع. إن كل إسرائيلي يريد الحياة يجب عليه أن يرغب أن تكون لدى إيران قنبلة نووية لأنه إذا كانت لديها مثل هذه القنبلة فسينشأ بيننا وبينها توازن رعب – مثل الذي منع في الماضي الحرب بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة – ويمنع إسرائيل من فقدان عقلها وتدمير الحياة الخاصة بها وتلك التي من حولها"(25).

 وأكد إفرايم عنبار، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان ومدير "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية" مؤخراً ضمن ورقة "تقدير موقف" جديدة صادرة عن هذا المركز تحت العنوان "ما مدى خطورة داعش على إسرائيل؟". أن التلميحات إلى أن "داعش" قد يشكّل تهديداً أكبر لإسرائيل بالمقارنة مع إيران سخيفة.

وبرر اعتقاده بالقول: "إن العديد من التحليلات التي تتناول التهديد الذي يشكّله "داعش" لإسرائيل تدقّ ناقوس الخطر من دون أن يكون هناك ما يستوجب ذلك، فتنظيم "داعش" ينجح في شكل أساس في الأماكن التي تعاني فراغاً سياسياً. وعلى الرغم من أن الهجمات في سورية والعراق أظهرت الإمكانات التكتيكية لتنظيم "داعش"، إلا أنها كانت موجّهة ضد دولتَين فاشلتَين مع جيشَين ضعيفين. فحيث لقي "داعش" معارضة منظّمة جيداً من الكيانات غير الدولتية على غرار المقاومة من الميليشيات الكردية، كان أداؤه أقل إقناعاً. وليس الهجوم على بلدة مصرية في شبه جزيرة سيناء على أيدي فرع "داعش" المحلي الذي يضم مئات المقاتلين، والذي حظي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، استثناءً عن هذا التقويم. فلقد أظهر "داعش" قدرة تكتيكية على استخدام أعداد كبيرة من أفراد الميليشيات في منطقة واجه الجيش المصري فيها طوال سنوات عدة، مشكلات في بسط سيادة الدولة"(26).

وأضاف: "يجب التنبّه للفارق بين الجيش الحقيقي والقوات التي يخوض "داعش" مواجهة معها في سورية والعراق. والجهات غير الدولتية هي في شكل عام أقل خطورة من الدول. فوحدها الدول تستطيع تطوير أسلحة نووية، أما الجهات غير الدولتية فلا تملك عادةً طائرات ومدافع ثقيلة ودبّابات من شأنها إحداث أضرار كبيرة. كما أن نجاح "داعش" يعود في جزء منه إلى الدور الذي تؤدّيه تركيا، إذ تسمح أنقرة للمتطوعين من الخارج بالعبور إلى معسكرات التدريب التابعة لتنظيم "داعش" في العراق. وهذه الطريق التركية نفسها يستخدمها الخبراء الأجانب الذين يشغّلون البنى التحتية النفطية التي استولى عليها تنظيم "داعش"(27).

وأكد:" إن النظرة التي تعتبر أن تنظيم "داعش" يشكّل تحدّياً استراتيجياً خطيراً ومستقلاً نظرة مغلوطة. صحيح أن "داعش" أشعل حماسة متّقدة لدى عدد كبير من المسلمين الشباب والمحبطين حول العالم، وأن فكرة الخلافة تلقى رواجاً كبيراً لدى المؤمنين، بيد أن السؤال المطروح هو الآتي: ماذا يستطيع "داعش" أن يفعل من دون دعم خارجي؟ لا يستطيع التنظيم، من تلقاء نفسه سوى إحداث ضرر محدود جداً. لقد جرى تضخيم التهديد إلى حد كبير جداً، في حين أنه يجب التعامل بالطريقة المناسبة مع الدول التي تساعده"(28).

 ورأى عنبار أن لدى الإدارة الأمريكية أسباباً وجيهة لتضخيم التهديد الذي يشكّله "داعش"، فهي تستغل هذا التهديد الكبير لإضفاء شرعية على إيران وتصويرها طرفاً فاعلاً "مسؤولاً" (يُفترَض أنه سيحارب "داعش") في شؤون الشرق الأوسط. لقد كان هذا جزءاً من المنطق الذي استخدمته إدارة باراك أوباما لتبرير الاتفاق النووي مع إيران"(29).

ولاحظ أنه:" قد يفرض "داعش" في نهاية المطاف سيطرته على منطقة ما عند الحدود الإسرائيلية، لاسيما في الجولان حيث تتفكّك الدولة السورية. وفي أسوأ الحالات، قد تتحول سورية إلى "حماسْتان" أخرى. لكن من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل نجحت في احتواء "حماس" في غزة. وفي الواقع، السبب الوحيد وراء إحجام إسرائيل عن اللجوء أكثر إلى القوة في ردّها على "حماس" هو أن لديها مصلحة في الإبقاء على الانقسام بين "حماس" في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. لكنها لن تمارس ضبط النفس هذا في مواجهة كيان داعشي قد ينشأ في المستقبل عند حدودها. فنظراً إلى أن الدعم العالمي لتنظيم "داعش" أقل من الدعم للغزّيين، من الواضح أن حرية التحرك التي تملكها إسرائيل في مواجهة "داعش" أكبر بكثير"(30).

 وختم عنبار قائلاً: إن التلميحات إلى أن "داعش" قد يشكّل تهديداً أكبر لإسرائيل بالمقارنة مع إيران سخيفة. وشتّان ما بين الجيش الإسرائيلي وبين ميليشيا "داعش"، ولا مجال للمقارنة بينهما. وطالما أن "داعش" يتصرف بالطرق الأكثر شذوذاً ووحشية، فسوف يُسَرّ كثيرون في العالم برؤية إسرائيل تقوم بالعمل القذر بالنيابة عنهم، وتسدّد الضربة تلو الأخرى لتنظيم "داعش"، في حال سنحت الفرصة وعند الضرورة"(31).

 وحول ترابط التحديات والأخطار التي تواجهها إسرائيل، كتب حاييم آسا: "إن داعش هو عدو مر لإيران. وإيران هي عدوة إسرائيل. وداعش هو عدو مر لإسرائيل. فمن هو الأخطر على إسرائيل، إيران أم داعش؟. والتهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل يكمن في داعش. بالتحديد بسبب قدرته على تجنيد المقاتلين والمؤيدين أيضاً من داخل إسرائيل، وكذلك من الدول الغربية. عنصر التجنيد هو تسويق النجاح الميداني إضافة إلى استعراض التهديدات الفظيعة التي تتم من خلال الحملات الدعائية في الشبكات الاجتماعية"(32).

وأجاب آسا على السؤال التالي: "كيف إذا تواجه إسرائيل الخطرين الوجوديين ـ إيران وداعش؟" بالقول: إن الجواب (الجزئي) يكمن في ثلاثة عناصر:

 أولاً، إيجاد ائتلافَيْن ضعيفَيْن، متناقضَيْن. ائتلاف ضد إيران ويشمل مصر والأردن إضافة إلى الغرب، وائتلاف آخر ضد داعش تكون في مركزه الولايات المتحدة والى جانبها إسرائيل وإيران، ويكون الاتفاق الأمريكي الإيراني حول السلاح النووي هو الجسر بين الأمريكيين والإيرانيين، وأيضاً بين إسرائيل وإيران. جسر ضعيف، لكن هذا ائتلاف. هل يبدو هذا غريبا. العالم يبدو هكذا. الحياة مع المتناقضات. والحياة الجماعية هي أمر ضروري عندما يتم الحديث عن مواجهة خطرين.

 ثانياً، تحديد ما هي الأفكار ومن هو الجيش المعقول الذي سيواجه داعش في سوريا والعراق. يجب خلق ائتلاف مباشر، الذي سيكون من الأكراد.

 ثالثاً، التركيز على الحرب على الوعي بشكل مكثف. هذه حرب وجودية وهي تلزم بتركيز لا يقل عن التركيز في الجهاز الأمني للسايبر، في اتجاهين: الاتجاه التنفيذي ـ تنفيذ عمليات تُبين فشل داعش ونقاط ضعفه. ومن خلال ذلك تنشأ صورة "فشل وإهانة"، وهذا يقلل من اندفاع من يريدون الانضمام إليه. وفي الاتجاه الثاني ـ النفسي ـ تقليص الشعور بالنقص لدى المرشحين للانضمام. والمغزى النفسي هو مفهوم تم تطويره من علماء نفس اجتماعيين ويشمل "مغزى الوجود، تحقيق الذات وما أشبه"(33).

واعتبر آسا أن مسألة إيقاف "داعش" ليست مسألة لعناية الجنرالات، بل مسألة لعناية علماء الاجتماع وعلماء النفس الذين يهتمون بالسياقات الاجتماعية – الثقافية". وعرض رزمة النصائح التي تركز على جانب الوعي، من أهمها:

1- المس بالصورة التجددية العسكرية. وهذا يمكن تحقيقه من خلال عمليات هجومية متوازية على عدد من مراكز قوة داعش، مثلاً: الموصل في العراق ودرعا في سوريا. فالهزائم العسكرية المحلية ستنتج موجة معاكسة لـلتجدد في التنظيم وسيكون فيها ما يلقي بالشك على قدرته على الانتصار على الغرب. لمثل هذا الشك توجد أهمية كبيرة لتقليص الرغبة في التجند لصفوفه، لأن الإيمان بالانتصار هو حجر أساس في إرادة الفرد للتضحية بحياته.

2- حملة كثير من "المعارك المحلية" المتوازية، التي لكل واحدة منها يوجد تفوق للائتلاف الغربي إلى جانب القوات الإسلامية السنية "سوية العقل". مثل هذا الأمر سيزيد خنق الوعي ضد داعش. عناصر سنية قائمة في دول الخليج، الأردن، مصر، السعودية وكذا لبنان والعراق. ويجب على الانتصارات أن تظهر كانتصارات سنية مضادة لداعش.

3- المواجهات الموازية يجب أن تتم على الأرض، حيث تكون العناصر الجوية مساعدة لها في الاستخبارات وفي النار.

4- الحملة المضادة يجب أن تتحقق بسرعة، في الأشهر القريبة تماماً من أجل منع إمكانية أن يضاعف التنظيم لضعفين أو ثلاثة أضعاف قواته وبالأساس خلايا العمل لديه في أرجاء الدول الغربية كلها.

5- الحملة العسكرية يجب أن تترافق وخطب رجال الدين السنة أسوياء العقل مما يضعف "الصورة الأخلاقية" لداعش.

6- الحملة الموصوفة أعلاه هي شكل جديد للصراع يستوجب هز الفكر العسكري الغربي، وكذا الإسرائيلي. ومثل هذا التغيير يستوجب استثمارات كبيرة لأنه تغيير للتفكير أو للمدرسة العسكرية، ما يستوجب هز للفكر وغرس لبدائله على نحو غير بسيط"(34).

وقدر افرايم كام أن ثمة مشكلات في علاج ظاهرة  "داعش"، من أهمها:

أولاً، يصعب بناء حلف ولأعضائه مصالح متضاربة. إن الجميع يريدون القضاء على داعش لكنهم يفضلون أن تفعل ذلك جهة أخرى – أي الولايات المتحدة – خشية أن يتورطوا في العراق وسوريا أو أن ترد داعش بإرهاب موجه إليهم. وهكذا تزعم مصر أن عندها مشكلات إرهاب تخصها، وتركيا غير مستعدة لأن تخرج الهجمات الجوية من داخل أرضها خشية أن تتسرب الزعزعة في العراق وسوريا إلى داخلها. ومن الواضح أن دول الشرق الأوسط ستمتنع عن أعمال عسكرية، لكن بعضها مستعدة للمساعدة بالمعلومات الاستخبارية والأموال والتدريب.

 وثانياً، ترفض الدول جميعاً تنفيذ أعمال عسكرية برية في العراق وسوريا، ولن تنسى الولايات المتحدة إخفاق احتلال العراق في 2003 الذي كلفها 4500 قتيل وترك العراق تنزف سنين كثيرة وساعد على نشوء داعش. إن القوى الغربية مستعدة لتنفيذ هجمات جوية بل ربما تستعمل قوات خاصة، بيد أن داعش تنظيم متملص ومتحرك دون أهداف واضحة على الأرض، وهو مختلط بالسكان. والهجمات الجوية ستصيبه بخسائر وأضرار لكنها لن تقضي عليه. وقد عرف الجيش الإسرائيلي ذلك في غزة.

 وثالثاً، أظهرت قوات الامن العراقية ضعفا فظيعا وانهارت في مواجهة داعش، ومن الواضح أنه يجب اعادة بنائها وتدريبها وتسليحها. بيد أن الأمريكيين بنوها طوال سنين حينما كانوا في العراق وكانت النتيجة مخيبة للآمال. والسؤال هل تتحسن النتيجة والامريكيون خارج العراق، في حين يحتاج على كل حال إلى سنين لذلك"(35).

وحدد المشكلات السياسية لعلاج "داعش" في التالي:

1- أن مفتاح النجاح في العراق هو تجنيد زعماء القبائل السنية على داعش لعزلها. غير أن السنة شبعوا من خيبات الأمل من سلوك حكومة العراق – التي يقودها الشيعة – ومن الواضح أنهم سيطلبون مطالب جوهرية شرطاً للتوجه على داعش، يُشك في أن يستجيب الشيعة لها.

2- أن من الواضح أن صد داعش يحتاج إلى عمل في العراق وسوريا، بيد أن العمل في سوريا سيقوي نظام الأسد الذي عرفه الأمريكيون بأنه غير شرعي وأرادوا إسقاطه.

3- أن إيران أيضاً – التي تقلقها داعش جداً – تعمل في مواجهتها في العراق وسوريا. وأثارت الولايات المتحدة وإيران إمكان تعاون بينهما في العراق وأدركتا أن ذلك غير عملي إلا إذا استثنينا تنسيقاً تكتيكياً محدوداً. والمشكلة هي أنه إذا صُدت داعش في العراق وسوريا فستكون الرابحة الكبرى من ذلك إيران خاصة التي تأثيرها كبير في الدولتين"(36).

وأقر آري شبيط، أن "إسرائيل وحدها لا تستطيع معالجة الشرق الأوسط. ليست المستوطنات هي التي تدفع بعض العرب إلى إغراق عرب آخرين في أقفاص حديدية. وليس الاحتلال هو الذي يدفع المسلمين إلى ارتكاب مذبحة ضد المسيحيين على شواطئ شمال أفريقيا. حان الوقت لكي نفهم: نحن نعيش في مكان جغرافي صعب المصير، لا يوجد فيه أخوة، لا توجد فيه رحمة وحقوق إنسان. وفي هذا المكان توجد عاصفة منذ اربع سنوات تسببت حتى الآن بقتل مئات الآلاف وأصبح الملايين بلا مأوى"(37).

وأعفى إسرائيل من أية مسؤولية عن ما جرى ويجري في الشرق الأوسط بقوله: "لسنا نحن المسؤولين عن هذه الفوضى الإنسانية الصعبة، ولسنا نحن من سينهيها. لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع فعل شيء. على العكس. الأزمة صعبة جداً، لكنها أيضاً فرصة. وهي تلزم إسرائيل وتُمكنها أيضاً من تقديم مبادرة من نوع جديد، تقوم بملء الفراغ السياسي الخطير وتدافع عنا بدرجة معينة في وجه غياب النظام والعنف المتزايد من حولنا. ويجب أن يكون قطاع غزة في مركز المبادرة الجديدة، أيضاً اتحاد إسرائيلي مع العرب السنة المعتدلين، مثل: إقامة منشأة تحلية كبيرة في قطاع غزة توفر للفلسطينيين مياه صالحة للشرب عن طريق دمج التكنولوجيا الإسرائيلية مع المال السعودي والضمانات المصرية. مثال آخر: إقامة ميناء مصري ـ سعودي قرب غزة، يعطي للفلسطينيين منفذاً للبحر دون المس بأمن إسرائيل. ومثال إضافي: مشاريع بناء ضخمة في غزة تمنح الشبان فرص عمل وتمنح السكان أماكن سكن"(38).

وزعم أنه "إذا عملت كل من مصر والسعودية والأردن وإسرائيل ودول الخليج معاً من أجل تحويل قطاع غزة إلى مكان مزدهر وفيه أمل، فإنهم سيمنعون حرب غزة القادمة ويضعون الأساس لترتيب إقليمي جديد. ترتيب سيواجه الفوضى العربية من خلال سلام واقعي ومستقر"(39).

وأكد افرايم هراري، أن ""الدولة الإسلامية" أعلنت روما كهدفها الأساسي والآن تخطط لاستخدام ليبيا كبوابة للسيطرة على أوروبا، بواسطة إغراقها بنصف مليون من المهاجرين الذين سيتم نقلهم إليها، من خلال خلق خطر كارثي إنساني في البحر الأبيض المتوسط"(40).

واعتبر أن: "التأثيرات على إسرائيل وعلى الشعب اليهودي هي أمور مصيرية:

أولاً، الدولة الإسلامية والمنظمات القريبة إيديولوجياً منها يمكن أن تحول كل الفضاء في المنطقة الواقعة شرق إسرائيل إلى كيان إسلامي متطرف.

ثانياً، نظراً لأن اليهود يعتبرون أعداءً للإسلام فإنهم يتحولون إلى هدف مركزي. ومن أجل التصدي بنجاح للدولة الإسلامية يجب أن نفهم في البداية بأن سياسات الهجوم من الجو فقط مصيرها الفشل: لقد تعلم داعش كيفية امتصاص هذه الضربات، وسيطرة البغدادي على المدينة الإستراتيجية الواقعة في غرب العراق تثبت ذلك. كما أن العقاب البسيط لأولئك الذين يظهرون تأييدهم للدولة الإسلامية أو للمنضمين إليها لا يكفي للردع"(41).

وطالب هراري الغرب" شن معركة واسعة النطاق على الأرض ضد الدولة الإسلامية، حتى تصفيتها. لكن هذا أيضاً لا يكفي، عليه اتخاذ سلسلة من الإجراءات الصارمة داخل حدوده.

أولاً، عليه منع التعليم والوعظ للجهاد وكراهية غير المسلمين في المدارس والمساجد بما في ذلك عقابا سريعا وقاسيا للمخالفين لهذا الحظر.

ثانياً، عليه ملاحقة ومتابعة مواقع الانترنت الجهادية التي تعتبر مصدرا ناجعا لتلقين الشباب المسلم في كل أرجاء العالم، وحتى لمنع نشاط هذه المواقع"(42).

واعتبر يورام شفايتزر، أن "وجود آلاف الشباب المسلم من أًصقاع العالم، ومنهم مواطنون عرب في مناطق القتال في سورية، الذين يتنقلون بينها وبين العراق ويشاركون في الأعمال الفظيعة التي تجري في كلتا ساحتي الحرب، يمرون بمرحلة ترسيخ التنظير الجهادي ويكتسبون تجربة قتالية ومهارات في القتال الإرهابي وحرب الشوارع، وهذا يشكل تهديداً عارماً. وهذه التجربة المتراكمة يمكن أن تترجم إلى أعمال إرهابية في مدنهم الأصلية"(43).

وتوقع  يورام شفايتزر، قمع تنظيم "داعش" في العراق وسورية، وذلك "على يد قوات أكثر قوة وتنظيماً منه". وفي الوقت نفسه توقع لظاهرة الجهاد العالمي التي يمثلها بالأساس حتى الآن تنظيم القاعدة وشركاؤه والآن "داعش" وشركاؤه، أن تحظى بالتأييد من جانب جيل جديد من مناصري الجهاد. يبتغي هؤلاء محاولة تجديد منظومة الإرهاب الدولية التي كُبحت خلال العقد والربع الذي مر منذ الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة". وأنه "لا يمكن الوقوف تقريباً في وجه عودة آلاف الشباب من دول الغرب، الذين يساهمون في القتال بسورية والعراق، إلى دولهم الأصل وينشروا بها تنظيرهم الجهادي السلفي العسكري، الذي تشرّبوه خلال قتالهم. سيسعَوْن إلى تطبيق تجربتهم القتالية التي اكتسبوها من العمليات الإرهابية على الدول الغربية، سواء أكانوا جزءاً من تنظيم "داعش" أم القاعدة أو بإقامة شبكات إرهابية مستقلة أو حتى أفرادا معدودين"(44).

وتكثيفاً لسجالات الوسط البحثي الإسرائيلي لظاهرة "داعش"، كان التقرير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الجديد للعامين 2014 -2015. قد لفت إلى أن إسرائيل تمكنت، عملياً، من اجتياز عام آخر في صراع بقائها وتقليل حجم الأخطار والتهديدات، لكن على الرغم من ذلك يدعو مركز أبحاث الأمن القومي، من خلال التقرير، إلى وجوب إطلاق مبادرة سياسية إسرائيلية تأخذ بالحسبان، أيضاً، سبل الاستفادة من الفرص التي توفرها الحالة الإقليمية لتعزيز مكانة إسرائيل الإستراتيجية. وقد يكون هذا الأمر مصحوباً بزيادة فرص التوصل إلى تسوية سلمية من دون التنازل عن مصالح إسرائيل الحيوية.

 ورأى التقرير، أن ظهور تنظيم "داعش" و"الإنجازات التي حققها" ميدانياً، وإن كان شكل مفاجأة خلال عام 2014 إلا أنه أيضاً "وفّر ويوفر الفرصة لإسرائيل لبناء تحالفات جديدة مع الدول العربية المعتدلة"(45).

إجمالاً، يبدو أن الوسط الأكاديمي الإسرائيلي، بحث كافة السيناريوهات وأشكال مواجهة تداعيات ظاهرة "داعش" على أعداء وأصدقاء إسرائيل. ومنها التحريض وخلط الأوراق والتنويه بأهمية الوظائف الأمنية والاستخباراتية التي تؤديها إسرائيل في الشرق الأوسط.

هوامش:

1- توجس إسرائيلي من احتمال تقارب الغرب وإيران في إطار محاربة "داعش"، تقرير خاص، إعداد وحدة المشهد الإسرائيلي التاريخ: 9-9-2014، http://www.madarcenter.org/pub-details.php?id=530

2- المصدر السابق.

3- المصدر السابق.

4- المصدر السابق.

5- المصدر السابق.

6- المصدر السابق.

7- المصدر السابق.

8- ايال زيسر،  إما داعش أو نصر الله، إسرائيل اليوم 2/6/ 2015

9- المصدر السابق.

10- المصدر السابق.

11- "داعش" لا يشكل تهديدا  مباشرا وداهما على إسرائيل.عاموس يادلين، يديعوت أحرونوت"، 3/9/2014.

12- المصدر السابق.

13- المصدر السابق.

14- المصدر السابق.

15- ودي ديكل وعومر عيناف، مطلوب من إسرائيل تفكير جريء يحدد أن ظاهرة "داعش" أشد خطراً حتى من التهديد الإيراني، المشهد الإسرائيلي 7/7/2015.

16- المصدر السابق.

17- المصدر السابق.

18- المصدر السابق.

19- المصدر السابق.

20- المصدر السابق.

21- عاموس غلبوع، سيرك علاقات عامة ، - معاريف الاسبوع15/9/2014.

22- المصدر السابق.

23- الدولة الإسلامية  لا تشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل، المصدر26 /5/ 2015,

24- عاموس هرئيل، الذعر يُرد عليه بالذعر إن الدولة الإسلامية ليست بين أظهرنا إلى الآن، هآرتس - 11/9/2014.

25- كوبي نيف، لسنا في خطر نحن الخطر، هآرتس6/7/2015.

26- إفرايم عنبار، الادعاء بأن داعش يشكّل تهديداً أكبر لإسرائيل بالمقارنة مع إيران سخيف، مدار 22 أيلول/سبتمبر 2015 http://www.madarcenter.org/

27- المصدر السابق.

28- المصدر السابق.

29- المصدر السابق.

30- المصدر السابق.

31- المصدر السابق.

32- حاييم آسا العدو الداخلي، معاريف 8/7/2015.

33- المصدر السابق.

34- حاييم آسا، داعش تهديد لأمن إسرائيل، إسرائيل اليوم -8/9/2014

35- افرايم كام، داعش ومراوحة الحلف في مكانه، إسرائيل اليوم - 18/9/2014.

36- المصدر السابق.

37- آري شبيط، رمضان عنيف من أجل التغلب على العنف في الشرق الأوسط يجب ملء الفراغ السياسي الذي خلفه غياب السلام، هآرتس 2/7/2015.  

38- المصدر السابق.

39- المصدر السابق.

40- افرايم هراري ،يجب وقف انتشار داعش  إسرائيل اليوم22/2/2015.

41- المصدر السابق.

42- المصدر السابق.

43- يورام شفايتزر، داعــــش الخطــر الحقيــقي، نظرة عليا  – رقم596  - 21/8/2014، معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيبhttp://heb.inss.org.il/index.aspx?id=4354&articleid=7572

44- المصدر السابق.

45- نضال محمد وتد، إسرائيل ترصد الأخطار الاستراتيجية  طريق مسدود على الجبهات كافة، صحيفة العربي الجديد  24 /2/2015 

اعلى الصفحة