|
|||||||
|
تعاني المملكة العربية السعودية من استفحال ظاهرة الظلم والفساد التي تفاقمت بشكل كبير بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في كانون الثاني الماضي، حيث أكد بعض الخبراء أن ما حصل من تغيير أدخل المملكة في مرحلة جديدة من مراحل الصراع على السلطة والنفوذ بين أفراد الأسرة الحاكمة... ...خصوصاً بعد أن أقدم الملك على إجراء إصلاحات جذرية واستحداث مناصب جديدة أسهمت بإقصاء بعض أعمدة الحكم، وهو ما أثار حالة من السخط والتوترات والقلق بين أفراد العائلة المالكة، يضاف إلى ذلك السياسات والقرارات الأخرى التي اتبعتها الحكومة بشأن حرب اليمن وانخفاض أسعار النفط وغيرها من الأمور الأخرى، لعل أهمها الفضائح الأخلاقية والمالية الكبيرة التي طالت بعض الشخصيات والأمراء في داخل وخارج المملكة. ويقول خبراء ودبلوماسيون إن هناك خلافات وصراعات على السلطة تدور بين بعض المسؤولين في وقت تواجه المملكة تحديات خطيرة في الداخل أو الخارج على حد سواء. ويقول الخبير في الشؤون السعودية فريديريك ويري من مركز كارنيغي للسلام الدولي إن هذه الخلافات وإن لم يكن واضحا للعلن في المملكة التي لا تجاهر بشؤونها الداخلية، "يؤدي الى قرارات سياسية مقلقة جدا للخارج والداخل". ويرى أن من جملة هذه القرارات التدخل العسكري في اليمن وسياسة "الحزم" التي تمارس على الصعيد الوطني بعيدا عن الإصلاحات المطلوبة في هذا البلد، بحسب قوله. إفرازات العلاقة بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في هذا الشأن، بات مستقبل السعودية وفقاً لمراقبين مرهوناً بإفرازات العلاقة بين الأميرين محمد بن نايف وهو ولي العهد، والأمير محمد بن سلمان وهو وليّ ولي العهد. هذا في وقت تواجه فيه المملكة اضطرابات إقليمية خصوصا في اليمن، وتراجعا قياسيا في أسعار النفط. ينبئ صغر السن نسبياً للأميرين اللذين سيخلفان الملك سلمان بن عبد العزيز عاهل السعودية، والنفوذ غير المسبوق الذي يتمتعان به، أنهما سيهيمنان على الأرجح على المشهد السياسي في المملكة لعشرات السنين، الأمر الذي يضع العلاقة المحورية بين الأميرين تحت المجهر على نحو متزايد. وسيخلف الملك سلمان (٧٩ عاماً) كل من ولي العهد الأمير محمد بن نايف (٥٦ عاماً)، يليه وليّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (٣٠عاماً)، في حكم أكبر مصدر للنفط بالعالم، في وقت تواجه فيه المملكة اضطرابات إقليمية وتراجعاً حاداً في أسعار النفط. ويقول من حضر اجتماعات بين الأميرين إن تعاملاتهما العلنية يسودها الوئام والاحترام، لكن مثل هذه الروايات أخفقت في تهدئة شكوك تساور بعض السعوديين، عن أن هذا المظهر الودي فيما يبدو يخفي علاقة "شائكة". والأمير محمد بن نايف - الأكبر سناً - شخصية لها باع طويل في الحياة السياسية بالسعودية ويحظى باحترام واسع، أما الأمير الأصغر فخبرته قليلة نسبيا، لكنه الابن المفضل للملك سلمان. وعلى الرغم من اعتياد السعوديين على بعض التحزب بين أمراء الأسرة الحاكمة الذين يعدون بالمئات، يقول كثير من السعوديين المطلعين على بواطن الأمور إن العلاقة بين الرجلين ببساطة "حساسة" بدرجة لا تسمح بمناقشتها في العلن. في نفس الوقت، أقر البعض بأنه سمع عن خلافات مستترة، لكنه رفض أن يكون أكثر تحديدا. وعزل الملك سلمان سعد الجبري، أحد معاوني ولي العهد من منصبه كوزير للدولة، في خطوة لم يصدر تفسير رسمي لها، وأدت إلى تكهنات بين السعوديين ودبلوماسيين في منطقة الخليج بأنها تعكس توتراً أوسع نطاقاً بين النخبة الحاكمة. ولم يصدر أي تعليق رسمي لشرح سبب عزل الجبري. ومنذ تولي السلطة في كانون الثاني، قلب الملك سلمان التوقعات عن الكيفية التي ستدير بها السعودية شؤونها رأساً على عقب، فغيّر ولي العهد وولي ولي العهد، وبدأ عملية عسكرية في اليمن وأقر إستراتيجية نفطية دفعت الأسعار للانخفاض. ويعزى هذا النهج الجديد فيما يبدو للأميرين اللذين يسيطران فيما بينهما على معظم أدوات السلطة، عن طريق لجنتين حكوميتين تختصان بالأمن والاقتصاد، في الوقت الذي تم فيه تحييد معظم أعضاء أسرة آل سعود الآخرين. وكان مراقبون قد بشروا بانتهاء العقد السابق وإطلاق سياسات جديدة أكثر فاعلية بعد سنوات من الجمود، واستندوا في ذلك إلى الصلاحيات التي يتمتع بها الأميران. وإذا ما أطيح على سبيل المثال بخالد الحميدان - المساعد البارز الآخر لولي العهد - الذي عين رئيساً للمخابرات في كانون الثاني، فربما تنمو التكهنات عن وجود خلافات في القيادة، وتكثر الشائعات عن تغييرات جديدة في ولاية العهد. وأدت خلافات أسرية إلى إسقاط دولة سعودية في ثمانينات القرن التاسع عشر، وساهمت جهود الملك سعود لقصر خلافته على العرش على أبنائه واستبعاد أشقائه وأبنائهم في إجباره على ترك الحكم في ١٩٦٢، ولذلك فإن مثل هذه الأمور تحظى بمتابعة حثيثة. والتوترات بين الأجنحة المختلفة داخل أسرة آل سعود أمور تلفها السرية التامة في العادة، ويجري تناولها في الأحاديث الخاصة وتنفى في العلن، فيما يحرص آل سعود على إظهار الوحدة، وهو نهج تكون له آثار سلبية أحيانا لأنه يتيح الفرصة لإذكاء التكهنات. مملكة آل سعود تتخبط بين المخدرات وتعمية الحقائق وكأنّ أزمات آل سعود السياسية التي افتعلوها في هذا العالم العربي لا تكفيهم ليضعوا أنفسهم في مواقف لا يُحسدون عليها. فهذه العائلة التي شكلت باسمها مملكة ذات طابع إسلامي بات عليها اليوم مواجهة حقيقتها من دون مواربة وهي اليوم أمام مشهد لم يكن ممكناً أن نشهده منذ سنوات. فقدت المملكة احترامها وسمعتها بين معظم الدول العربية الجارة، وأخذت الفضائح تلاحقها من الدول التي كانت تعتبر نفسها وصية عليها وراعية لها، وهي بالتحديد كانت متدخلة في شؤونها ومتعدّية على سيادتها، لكنها ارتضت يوم لم يكن هناك صوت يسمع ولا بندقية ترفع في وجه الظلم. على صعيد متصل، أفادت وسائل إعلام لبنانية أن قوى الأمن أوقفت أميرا سعوديا في مطار بيروت، بعد أن ضبطت على متن طائرته الخاصة نحو طنين من المخدرات موزعة على ٣٢ صندوقاً و٨ حقائب، وهي عبارة عن حبوب الكبتاغون المخدرة وكمية ضخمة من الكوكايين. وأحيل الأمير، وفق ما أعلنه موقع قناة "الجديد"، إلى النيابة العامة بجبل لبنان، وهو يخضع لاستجواب برفقة أربعة من مرافقيه. وكانت طائرة الأمير تستعد للتحليق نحو السعودية قبل أن يتم توقيف الأمير ومن معه. وأفاد موقع قناة "المنار"، أن الصناديق التي كانت محملة بالمخدرات حملت ملصقا يظهر أنها "خاصة بالأمير"، ونشرت صوراً لها على موقعها. وأكد مصدر أمني أن "عملية التهريب هذه هي الأكبر التي يتم إحباطها حتى الآن عبر مطار بيروت الدولي" بعد إحباط عملية تهريب ١٥ مليون حبة كبتاغون في نيسان/أبريل ٢٠١٤ كانت موضوعة داخل مستوعبات محملة بالذرة. فضائح السعودية أيضاً، وصلت إلى حدّ عدم إدانة أميرها مهرب المخدرات الذي لا يزال محتجزاً في لبنان وهي عاجزة تماماً عن مواجهة الفضيحة من بيروت مجدّداً، فهي غير قادرة على الدفاع عن الأمير ولا إخراجه من سجنه، على الرغم من محاولاتها التي فشلت عندما اصطدمت ببعض القضاء النزيه في البلاد الذي لم يخضع لابتزازها بتاتاً. كبرياء المملكة الذي أدخلها في حرب ضارية في اليمن، التي رفضت الدبلوماسية وتقبّل الآخر، أي الطرف الذي يطلب حقوقه السياسية والمعيشية، هي نفسها التي ترفض تقبّل الآخر إعلامياً وهي نفسها التي ترفض إدانة أميرها الذي كشف حقيقة العائلة الفاسدة التي لم تقف مستنكرة، حتى للفكرة. المملكة تتخبط ومزيد مما اقترفته يداها سيطفو على السطح، هزائم وسقطات، إن لم تتدارك لحفظ ما بقي من ماء وجهها. تحديات خطيرة في وجه النظام السعودي تلتقي الأحداث الأخيرة لتلقي بتحديات خطيرة في وجه النظام السعودي، والتي إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح، يمكن لهذه الأحداث أن تتجمع في نهاية المطاف لتشكل عاصفة كاملة تزيد بشكل كبير من مخاطر عدم الاستقرار داخل المملكة، مع عواقب لا حصر لها لأسواق النفط العالمية والأمن في منطقة الشرق الأوسط. وهنا استعراض لهذه المشاكل التي يمكن أن تلقي بالبلاد في أتون دوامة عدم الاستقرار. التصدعات داخل العائلة المالكة نشرت مؤخراً صحيفة "الغارديان" رسالتين لأمير سعودي مجهول تم توجيههما إلى كبار الأعضاء في العائلة المالكة داعياً لهم للقيام بانقلاب ضد قصر الملك سلمان، وتزعم الرسالتان أن الملك سلمان ونجله الأمير صاحب النفوذ ونائب ولي العهد الأمير محمد ابن سلمان قد انتهجا سياسة خطيرة تقود البلاد نحو الخراب السياسي والاقتصادي والعسكري، في مقابلة مع صحيفة " الغارديان "، أصر الأمير أن مطلبه لتغيير القيادة يلقى دعماً متزايداً، ليس فقط داخل العائلة الحاكمة ولكن بين صفوف الشعب السعودي، كما يدعي المقال أن الرسالة المكتوبة بالعربية قد تمت مشاركتها أكثر من ١٥ ألف مرة. الحرب في اليمن كلما استمرت الحرب لفترة أطول كلما زاد الخطر بأن التدخل السعودي ضد الحوثيين يمكن أن يصبح مصدراً خطيراً لفتنة داخلية، وذكرت صحيفة الغارديان في قصتها على لسان الأمير السعودي أن الكثير من السعوديين ينتقدون "قيام أغنى دولة عربية بقصف أفقر الدول العربية"، كما يورد لوماً خاصاً للأمير محمد بن سلمان، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع في المملكة بصفته القوة الدافعة الأكبر خلف المجهود الحربي. واسماً إياه بلقب "المتهور"، اتهم الأمير في رسالته محمد بن سلمان بالتسرع في الولوج إلى اليمن من دون إستراتيجية أو خطة واضحة للخروج، مما أدى إلى تصاعد التكاليف في الدماء والأموال، واتساع الأزمة الإنسانية وتزايد الانتقادات الدولية. المشاكل الاقتصادية إلى حد كبير بسبب السياسة السعودية، انخفضت أسعار النفط بنسبة ٥٠%خلال العام الماضي، يواجه السوق تخمة بسبب الطفرة النفطية الأمريكية، وكانت الإستراتيجية السعودية تعمد للحفاظ على نسبة الإنتاج عالية، والكفاح من أجل حصة أكبر في السوق، في انتظار انهيار السوق بعد خروج المنتجين الأعلى تكلفة وخاصة في أمريكا، النفط الرخيص تسبب في تحفيز الطلب واستنفاذ فائض العرض، كانت النظرية قائمة على أن ارتفاع الأسعار سيعود قبل أن تشعر المملكة بأي قرصة اقتصادية حقيقية. ولكن الطريقة السعودية لم تنجح تماماً، أو على الأقل لم تعمل بالسرعة التي توقعها السعوديون، في الواقع، استندت ميزانية السعودية ٢٠١٥ على أن النفط سيتم بيعه عند سعر ٩٠ دولارًا للبرميل، اليوم، تبدو الأسعار أقرب إلى نصف هذا الرقم، في الوقت نفسه، فإن السعوديين قد تكبدوا سلسلة من النفقات التي لم يخطط لاستيعابها، بما في ذلك تلك التي ترتبط مع صعود الملك سلمان على العرش (تأمين الولاء للملك الجديد يمكن أن يكون عملاً مكلفاً) والحرب في اليمن. والنتيجة هي عجز في الميزانية يقترب من ٢٠%، أو بما يزيد عن مائة مليار دولار، ما يتطلب من السعوديين استنزافاًً ضخماً لاحتياطيات النفط الأجنبي بمعدل قياسي (حوالي ١٢ مليار دولار شهريًا) بينما تتسارع أيضًا مبيعات السندات، وبحسب ما ورد، فقد قام السعوديون بتبديد أكثر من ٧٠ مليار دولار من أصولهم العالمية خلال الأشهر الستة الماضية. في حين أنه ليس هناك خطر أن المملكة سوف تستنزف كامل أموالها عن قريب، فإنه مع استمرار هذا الاتجاه من عجز كبير في الميزانية، وانخفاض أسعار النفط، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي فإن الأسواق الدولية سوف تصبح أكثر عصبية مع الآثار المحتملة على المؤشرات الرئيسية مثل التصنيف الائتماني وهروب رأس المال. إضافة إلى المخاوف على المدى الطويل أن صادرات النفط السعودية سوف تنخفض خلال السنوات المقبلة مع تزايد الاستهلاك المحلي، في الواقع، المحللون يرون الآن أن التوسع السريع في الطلب المحلي قد يجعل المملكة مستورداً صافياً للنفط بحلول الثلاثينيات من هذا القرن. وغني عن القول أن مثل هذا التطور يشكل تهديداً قاتلاً للمملكة، حيث مبيعات النفط ما زالت تشكل ٨٠% ـ ٩٠% من إيرادات الدولة. على رأس المشاكل المالية المتنامية، لا يزال اقتصاد المملكة مثقلاً بسلسلة أخرى من المشكلات والأمراض، السعوديون الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً يشكلون ثلثي السكان وثلث هؤلاء يعانون من البطالة، وعلى الرغم من صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، لا تزال هناك تقارير تبلغ عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل مدهش بين السعوديين الأصليين، تصل هذه النسبة إلى ٢٥% في بعض التقارير. مأساة الحج شهد هذا العام كارثتين كبيرتين خلال موسم الحج في مكة؛ انهيار الرافعة التي قتل فيها أكثر من مائة حاج، تلاها حادثة التدافع التي خلفت ٧٦٩ قتيلاً على الأقل، مع اتهامات متعددة أن العدد الفعلي للضحايا يتخطى الآلاف، وفي أعقاب ذلك، واجه السعوديون موجة غير مسبوقة من الانتقادات حول إدارتهم لموسم الحج. هذا أمر خطير، في الواقع نظرًا لأن قوامة بيت آل سعود على رعاية المقدسات الإسلامية هو من صميم شرعيتهم لإدارة البلاد. التشكيك المستمر في أهلية العائلة الحاكمة لرعاية الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة تعني التشكيك في الشرعية السياسية والدينية للعائلة الحاكمة. حديث عن الإصلاحات داخل الأسرة الحاكمة حتى الأمراء في مملكة آل سعود يتحدثون عن "الإصلاحات". تكتل معارض لحكم سلمان داخل القصر بدأ يطفو على سطح الإعلام؛ ١٢ أميراً من أبناء المؤسس عبد العزيز، وأبناؤهم، محرومون في ظل حكم السديريين من إمكانية الوصول إلى الحكم. تشير تقديرات المراقبين إلى أنّ أكثر من 80% من الأمراء يريدون عزل الملك سلمان. يحاول البعض في خارج المملكة، وآخرون في الداخل، إعلان "انقلاب جديد" يكاد يؤدي (وفقاً لتحذيرات المراقبين) إلى انهيار حكم سلمان في أيّ لحظة. تصطدم الأقلية المؤيدة لحكم سلمان بالغالبية المعارضة التي تنادي بتعيين أحمد بن عبد العزيز ملكاً، بعد إقصائه مرتين، بداية في عهد الملك عبد الله، ومن ثم خلال العهد الحالي. عدد قليل من الأمراء أعلنوا، في وسائل الإعلام (الغربية خصوصاً) وعبر مواقع التواصل، عدم شرعية هذه التركيبة المفصّلة على قياس "السديريين السبعة"، وزعموا انشقاقهم وعدم مبايعتهم، نيابةً عن الغالبية الصامتة. سعود بن سيف النصر كان أوّل من غرّد في حزيران الماضي، وقال إن من سمّاهم "عقلاء الأسرة" ما زالوا يعتبرون أحمد ولي العهد الشرعي. وأضاف أن الأخير "لم يتنازل أو يبايع أو يفكر بالتنازل". وجاء كلام سعود مطابقاً لما ذكره المغرّد مجتهد في وقت سابق، بأن أحمد لم يتنازل عن ولاية العهد وأن شخصيات الأسرة المهمة تؤيده، ويتمتع بعلاقات جيدة مع قبائل المملكة، وسبق له تولّي منصب وزير الداخلية ما يقارب ستة أشهر قبل أن يعفيه الملك عبد الله لأسباب غامضة في عام ٢٠١٢، ليعيّن مكانه محمد بن نايف، الذي يراه محللون مقرّبون من الإدارة الأمريكية كأحد أبرز الموالين لواشنطن في العائلة المالكة. ونايف، بحسب معهد "بروكينغز"، أمير "مكافحة الإرهاب" كما يصفه كاتب المقال بروس ريديل. استياء الأمراء ظهر في بداية الأمر ضمن "هيئة البيعة"، حيث وافق ٢٨ عضواً فقط (بينهم ستة من أبناء الملك المؤسس) من أصل ٣٤ على تولّي محمد بن سلمان ومحمد بن نايف رئاسة مجلسي "الشؤون السياسية والأمنية" و"الشؤون الاقتصادية والتنمية". وبدأ هذا الاستياء بالظهور إلى العلن، مع ما يشهده عهد الملك سلمان من أزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، حاولت المملكة الخروج منها، في وقت لا يوفر فيه محمد بن سلمان مناسبة لإظهار تصرفاته الاستفزازية واحتكاره لقرارات أبيه المصاب بمرض الـ(ألزهايمر) وفقاً لتقارير طبية. وهذا ما حذّرت منه أربع "رسائل تحذير" بعث بها أحد الأمراء إلى أبناء آل سعود عبر وسائل الإعلام، داعياً كافة أبناء العائلة إلى عزل سلمان وتعيين شقيقه أحمد ملكاً. "أصحاب السموّ" المعارضون يروّجون في معركة مواجهتهم لحكم سلمان (الذي يتّسم بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان) بإعلان تبنّي أحمد إصلاحات سياسية وثقافية. الأمير نفسه الذي بعث بـ"رسائل التحذير"، روّج لأحمد في مقابلة لاحقة مع صحيفة "الإندبندنت"، بأنه يريد إدخال إصلاحات مثل حرية التعبير، وتطهير النظام القضائي وإطلاق سراح السجناء السياسيين الذين ليس لديهم أي علاقة بالإرهاب. وقال الأمير، في سياق إتمام "الصفات الملكية"، إن أحمد "متدين، لكنه منفتح"، كون عناصر القوة في معركة كهذه تكمن في مدى إمكانية المرشح التوفيق بين كسب رضا الغرب ورضا الوهابية في آن واحد. احتمال وصول أحمد، على الرغم من "دعاية الإصلاح"، لا يشكل محطة أمل للناشطين السياسيين في المملكة. قد يستمع المواطن السعودي إلى ضجيج أبناء الأسرة الحاكمة في أروقة قصر آل سعود، من دون أن يكون رقماً في معادلة صراع الأبناء على الحصص والنفوذ. حديث الأمراء عن الإصلاحات يندرج بالنسبة إلى الناشطين في إطار "فاقد الشيء لا يعطيه". الملك عبد الله صاحب لقب "مهندس الإصلاح" لم يحصل منه الشعب على "الترقيع" حتّى. كيف إذاً بسماع الشعب لجدل لا يعدو كونه التفافاً على هندسة احتكار السلطة بمرتكزات استبدادية جديدة... في خضمّ صراع على حكم "بئر النفط" الذي يستقطب أنظار العالم بما تبقى له، ولهم، من عمر. الحقيقة ليست سعودية يعرف آل سعود أن الحقيقة لم تكن سعودية أبداً ولا يمكن أن تكون. هذه مشكلة آل سعود مع قناة الميادين. فمن المحيط إلى الخليج، مروراً بكل بقعة في وطننا العربي يعرف أبناء عبد العزيز أن الحقيقة ليست سعودية، لكنهم على الرغم من ذلك كله وقحون جداً. هم يريدون أن يذبحوا أطفال اليمن ويدمروا وطنهم كي لا يرفعوا رؤوسهم في المستقبل. يريد آل سعود أن يدمروا سوريا على رؤوس أهلها ويسلموا مفاتيح دمشق العربية لوهابيين متخلفين على شاكلتهم، يقطعون الرؤوس ويصلبون الأجساد ويبيعون النساء.. هم يريدون أن يحرقوا ثوار البحرين في خيام اعتصامهم ليزيلوا "دوار اللؤلؤة" من الوجود من أجل التستر على طغيانهم وطغيان آل خليفة. يريد آل سعود أن يتآمروا على فلسطين وأهلها بمبادرات لتشتيت شعبها وتطبيع وجود الكيان الغاصب في قلب الوطن العربي. إنهم يتحالفون مع الكيان الصهيوني بلا خجل ويتآمرون على كل مقاومة عربية في كل مكان يرفع فيه العربي رأسه رافضاً للاستبداد. يريد آل سعود تقسيم الأمة إلى طوائف ومذاهب وإخراجها من التاريخ والسياسة بإرجاعها إلى القرون الوسطى، ليبدو شكل حكمهم طبيعيا في عصر لا مكان فيه لأمثالهم. يريد أمراء آل سعود تفجير العراق وتفخيخ بغداد لتصبح عاصمة ازدهار الثقافة العربية الإسلامية مجرد منطقة قاحلة أخرى تفصلهم عن الحضارة. إنهم يلجأون إلى تمويل ذبح العرب لبعضهم في كل بلد عربي وتدمير أوطانهم حتى آخر نقطة نفط. يريد آل سعود أن تشكرهم الأمة على إدارتهم الكارثية والدموية لكل موسم حج يموت فيه آلاف الحجاج كل عام، علاوة على أنهم يعدمون شباب العرب في الجزيرة العربية ويخضعون أهلها لقوانين أخذتها عنهم "داعش" في طريقها إلى التوحش. الحقيقة ليست سعودية، هذه هي مشكلة آل سعود مع قناة الميادين التي اختارت أن تعمل بتوقيت القدس لا بتوقيت تل أبيب، كما يفعل أمراء تلك العائلة التي تظن أنها ورثت حق حكم الأمة بقوة السيف. هل هناك من يحب فلسطين ولم يعاده آل سعود؟ وهل هناك من يحب الكيان الصهيوني ولم يصادقه آل سعود؟ إنهم يريدون أن يسكتوا كل من يعمل بتوقيت القدس لكي يحتكر موجات الهواء من يسمي شهداءنا قتلى، ومن يدخل دعاة الصهيونية إلى غرف أطفالنا، عبر شاشاتهم ليبق الناطق باسم صوت الجيش الصهيوني على وسائل إعلامهم. مشكلة آل سعود مع الحقيقة وليست مع ما يقوله ضيف على قناة الميادين، ومشكلة آل سعود أيضاً مع التاريخ والجغرافيا وليس مع الميادين التي تأبى بفعل الضرورة والموضوعية والمنطق إلا أن تكون عربية، لا مكان للوهابيين والدواعش والعروبة الزائفة فيها. |
||||||