في فلسفة الثورة الحسينية والإحياء الإسلامي

السنة الرابعة عشر ـ العدد 167 ـ (محرم ـ صفر 1437 هـ) تشرين ثاني ـ 2015 م)

بقلم: الشيخ الدكتور محمد شقير

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

السؤال المطروح في هذه المقالة هو هل يوجد رابط جوهري بين فلسفة الثورة الحسينية وبين تحولها إلى مشروع إحياء إسلامي لمختلف المجتمعات الإسلامية دون استثناء؟.. الجواب على هذا السؤال مرتبط ببيان حقيقة الثورة الحسينية وفلسفتها، أي لماذا ثار إلى الحسين(ع) وما هي الأهداف التي كان يريد تحقيقها؟.

لن نستطيع أن ندرك حقيقة ثورة إلى الحسين(ع) إذا لم ندرك حقيقة المشروع الأموي، وانه هل كان مجرد مشروع سلطوي أم انه كان ابعد من ذلك؟ أي كان مشروعاً يريد أن ينقلب على حقيقة الدين الذي جاء به النبي محمد(ص)، ويمارس ملكاً عضوصاً يوظف في تجويف ذلك الدين وتشويه حقيقته فضلاً عن ممارسة الظلم والإفساد في الأرض..

يمكن القول إن المشروع الأموي ذو شقين: سلطوي ومعرفي كل منهما ذو هدف برأسه؛ وقد لا نحتاج إلى كثير نقاش في الشق السلطوي من ذلك المشروع، إنما يقع النقاش في شقه المعرفي، انه هل كان موجوداً ضمن مفاصل ذلك المشروع الأموي بحيث يصح الحديث في مشروع معرفي للسلطة الأموية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي عناوين ذلك المشروع؟.

يمكن إجمال تلك العناوين فيما يلي:

1- إسقاط مدرسة أهل البيت(ع) كمرجعية دينية سياسية وهذا كان واضحاً من خلال تكريس سنّة اللعن والسب للإمام علي(ع) والإصرار عليها، فعندما يُقال لمعاوية: "لقد بلغت ما أملت، فلو كففت عن سب علي" فيجيب: "لا.. حتى يربو الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً"..

2- تكوين مرجعية بديلة عن أهل البيت(ع) بالمعنى المعرفي والديني، يذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أن معاوية كتب إلى عماله".. أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا.. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة.. ولا تتركوا خيراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وادحض لحجة أبي تراب وشريعته.."

3- إنتاج ثقافة دينية تقوم على طاعة السلطان والرضوخ للسلطة أية سلطة ومهما فعلت.

4- التأسيس لمشروعية جديدة تختلف عن المشروعيات التي كانت مطروحة(النص والشورى).

5- تسويق فهم للخلافة ودورها ووظائفها وحدودها مختلف عنا جاء به الإسلام.

6- تهميش سنّة رسول الله(ص) ومحاصرتها وتعطيل مفعول كل ما يتعارض منها مع مصالح السلطة.

7- تقديم تأويل للكتاب يخدم مصالح السلطان وأهدافه.

من خلال ما تقدم يمكن أن ندرك أهداف ثورة إلى الحسين(ع) والتي نستطيع إجمالها بإسقاط المشروعية عن المشروع الأموي وإفشاله وذلك من خلال تحقيق الأهداف التالية:

1- إسقاط المشروعية الدينية عن المشروع الأموي وفضح حقيقة هذا المشروع.

2- نزع المشروعية الدينية والسياسية عن السلطة الأموية.

3- تحصين الأمة من استهداف ذلك المشروع وذلك من خلال إيجاد شرخ وجداني ونفسي بين الأمة والسلطة.

4- حفظ الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله من عبث السلطة وفسادها أو اي عبث آخر.

5- تحقيق الإصلاح بمعناه الشامل من خلال فعل الشهادة.

6- إعادة توجيه الأمة إلى أهل البيت نبيها من خلال التنوير العاطفي وعاطفة جاذبية المظلومية وإيقاظ الوعي.

7- صدم وجدان الأمة يهدف تحريك الوعي وتحفيز الإرادة للثورة المستديمة على السلطة ومشروعها.

يمكن القول إن ثورة إلى الحسين(ع) استطاعت تحقيق تلك الأهداف وأظهرت من هم المؤتمنون على الدين ورسالة الإسلام، أي الذين كانوا مستعدين لتقديم الغالي والنفيس عندما يتعرض هذا الدين للخطر والتشويه وعندما تتعرض الأمة للفساد واستلاب الإرادة وتخدير الوعي.

ومن هنا نعبر إلى الإحياء العاشورائي وتقاليده لنقول انه إذا كانت تلك هي حقيقة الثورة الحسينية، وكانت تلك الأهداف هي الأهداف الحقة لتلك الثورة: فإن إحياء عاشوراء هو إحياء لحقيقة الثورة وحقيقة أهدافها أي إن الإحياء العاشورائي يهدف إلى إبقاء تلك الأهداف حيّة في وجدان الأمة، فاعلة في وعي أبنائها نابضة في قلوبهم لتحييها وتحيا بها ما كرّ الجديدان.

وهنا يطرح السؤال التالي وهو هل هذه هي الأهداف هي أهداف مذهبية، أم أنها أهداف عابرة للأطر المذهبية إلى الإطار الإسلامي العام بل والإنساني أيضاً؟

من الواضح أن مجمل هذه الأهداف هي أهداف إسلامية عامة عابرة للمذهبية وليست خاصة بمذهب دون آخر، وعليه فإن إحياء عاشوراء هو في حقيقته إحياء لهذه الأهداف الإسلامية العابرة للمذاهب والتي لا تختص بمذهب دون آخر أي هو إحياء للإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله(ص) أو هو بتعبير أدق إحياء للأمة وللمجتمعات الإسلامية بالإسلام ومفاهيمه وقيمه ولذلك يجب أن يكون الخطاب العاشورائي (وكذلك جميع التقاليد العاشورائية) معبراً عن هذه الحقيقة في مسعى دائم إلى إبقاء جذوة تلك الأهداف مشتعلة في القلوب والنفوس.

 ونعود إلى السؤال الأساس الذي طرح في بداية هذه المقالة لنقول في مقام الجواب إن حقيقة الثورة الحسينية وحقيقة أهدافها والمعنى الحقيقي للإحياء العاشورائي، كل ذلك يؤسس لإمكانية وجود إحياء إسلامي عام غير محصور في الإطار المذهبي.

أي أنه يمكن لأية فئة إسلامية أو مجتمع إسلامي أن يبادر إلى إحياء عاشوراء على طريقته باعتبار كونه يحيي الإسلام وينتصر لتلك الأهداف الإسلامية العامة لا غير من دون أن يتنكر لمذهبه أو يجافي عقيدته أو يتخلى عن أي من قناعاته المذهبية، بل يمكن فيما لو أردنا تلمس جملة من العناوين ذات الصلة والتي تعزز فكرة الإحياء الإسلامي العام لليوم العاشورائي بمعزل عن الأدلة والعناوين الخاصة الموجودة في التراث الشيعي، حيث يمكن القول انه يؤدي إلى:

1- الإسهام في تحقيق أهداف الثورة ذات البعد الإسلامي العام (أسلفنا الحديث فيه)

2- إظهار المودة لأهل البيت(ع) وهي مذكورة بنص القرآن الكريم.

3-التقريب بين المسلمين وإلغاء الحواجز النفسية وغير النفسية بينهم.

هنا قد يطرح سؤال إضافي انه لماذا لم يحصل هذا الأمر سابقاً في المجتمعات غير الشيعية؟.

أولاً: ينبغي القول إن عدم حصوله لا يعني بالمطلق أنه لا ينسجم مع العناوين الإسلامية العامة، ثانياً يمكن القول إن لذلك أبعاداً اجتماعية وسياسية أكثر مما له ارتباط بالأبعاد الدينية وخصوصاً انه عندما ينتشر تقليد ديني ما في مجتمع مذهبي ما، قد ينظر إليه خطأ باعتبار كونه يختص بهذا المذهب في حين أن حقيقته وأبعاده قد تكون اشمل من ذاك المذهب وعابرة لجميع المذاهب بل والطوائف.

 بناءً على ما تقدم قد يكون من المفيد التفكير جدياً بإحياء سني لليوم العاشورائي بما ينسجم مع طبيعة الاجتماع السني وبالطريقة التي تتناسب مع الاعتبارات الاجتماعية القائمة لدى ذاك الاجتماع من دون الالتزام بتقاليد معينة في الإحياء أو مراسم محددة قد تكون أخذت طابعاً مذهبياً، إنما الكلام في أصل هذا الإحياء ومبدئه وذلك بهدف السعي إلى تكوين مشروع إحياء إسلامي عام تكون عاشوراء وثورة الحسين واحدة من أهم مرتكزاته الأساسية بما يؤدي إلى تحقيق وحدتهم واجتماع كلمتهم وتقليص المسافات المصطنعة بينهم ونشر ثقافة التقريب في نفوسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم.

اعلى الصفحة