|
|||||||
|
ما هي الأسباب التي دفعت بالرئيس بوتين للتدخل العسكري المباشر في سوريا؟ ولماذا اختار هذا التوقيت؟ وما هي أبعاده؟.. علم الروس أن اجتماعاً خطيراً عقد بين أواخر آب وأوائل أيلول في اسطنبول ضم ضباطاً كباراً أتراكاً وعرباً، إضافة إلى مسؤولين من أجهزة الاستخبارات الأطلسية، وكان العنوان: إسقاط النظام السوري قبل نهاية عام ٢٠١٥. وفي المعلومات، أن التركي صارح الآخرين بأن خطوطه مع تنظيم "داعش" الإرهابي مفتوحة لأنه الخيار الوحيد المتاح أمامه للحيلولة دون قيام كردستان الكبرى، بما تعنيه من زعزعة للدولة التركية وربما انهيارها. وفوجئ بأن هناك بين "الآخرين" من يتبنى الطرح الخاص بالتنسيق أو بالتعاون التكتيكي مع التنظيم، شرط تعديل سياساته وخططه حيال دول، أو أنظمة، عربية معينة. وتم رصد أكثر من عشرة مليارات دولار لتنفذ هذه العملية خلال مهلة أربعين يوماً، بحيث تنطلق الطائرات والدبابات في وقت واحد ومن نقاط مختلفة من تركيا والأردن على نحو صاعق يدمر المفاصل الأساسية العسكرية والسياسية للنظام. وكانت آراء المجتمعين متطابقة في ما يتعلق بتقييم الموقف الروسي، حيث أجمعوا على أن الرئيس فلاديمير بوتين، الغارق في المشكلات الاقتصادية، لن يغامر بالتدخل المباشر في سوريا ما دامت اللعنة الأفغانية تلاحق الجنرالات الروس حتى الآن. الاستخبارات الروسية لم تكن بعيدة من رصد "حادثة" اللقاء. كانت لها عيونها التي قد تقف عند الباب، لكنها حصلت أيضاً من جهاز استخبارات أوروبي فاعل ومؤثر، على تفاصيل مثيرة حول ما دار في الداخل. أحد المشاركين لم يتورع عن القول إن العملية الصاعقة لن تؤدي فحسب إلى تقويض النظام في سوريا، وعودة "حزب الله" إلى لبنان مثخناً بالجراح ليلفظ أنفاسه الأخيرة، بل إنها ستفضي إلى انهيار كل العمليات الجيو/سياسية الروسية والإيرانية في المنطقة، وسيدرك الروس أن وجودهم في قاعدة طرطوس لن يعود له أي معنى، على المستوى الإستراتيجي. ولن يبقى مجال للدببة القطبية لأن ترقص على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. ما سينتج منه عزل روسيا في حدودها الجغرافية بسبب فقدانها قاعدتها العسكرية الوحيدة في المياه الدافئة في طرطوس، ويفقدها دورها كدولة عظمى. تقاطعت هذه المعلومات مع معلومات مؤكدة حصلت عليها موسكو وإيران بنيّة أمريكا وبريطانيا وفرنسا استهداف الجيش العربي السوري لتغيير النظام في دمشق بالقوة العسكرية. وبرز هذا المعطى، خلال زيارة الملك السعودي الأخيرة إلى واشنطن، واتفاقه مع إدارة أوباما على ما سمي بـ"اتفاق القرن ٢١" لتغيير النظام في دمشق بالقوة العسكرية، الأمر الذي دفع بوزير خارجيته للقول خلال مؤتمر صحافي عقده على هامش الزيارة، إن قضية الأسد مسألة منتهية لا رجعة فيها، وأن لا خلاف بين الرياض وواشنطن حول مستقبل سوريا من دون الأسد. إضافة إلى ما كشفته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية نقلاً عن مصادر روسية، أن باريس ولندن قررتا المشاركة في العمليات العسكرية ضد "داعش" من باب التعمية والتضليل، فيما الهدف الأساسي من وراء هذه المشاركة هو إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق، خصوصاً أن معطيات استطلاع الرأي تشير اليوم إلى أن غالبية الرأي العام الأوروبي تؤيّد عملاً عسكرياً ضد "داعش" بعد "عاصفة اللاجئين" التي دفع بها أردوغان إلى أوروبا لدفع الأخيرة لتنفيذ خططه بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري تشكل فيها حكومة انتقالية يعترف بها الغرب وتشرعن هذه الحكومة التدخل الأطلسي لإسقاط الأسد التي تم التركيز عليها إعلامياً من الجانب الإنساني العاطفي بشكل استثنائي لتمهيد الطريق لقبول الرأي العام الأوروبي بهذا المخطط. وتأكد هذا الأمر وفق ما أوردته مواقع روسيا نقلاً عن رئيس معهد الأديان والسياسة "ألكسندر إغناتينكو"، فإن موجة اللاجئين لم تكن سوى ذريعة لتحضير الرأي العام الأوروبي للتدخل عسكرياً في سوريا باعتبارها مصدر المشكلة، أما ما يهمّ باريس ولندن بالدرجة الأولى فهو حصتهما من الكعكة السورية، حيث "يعتقدون بأن الوقت حان لإزالة سوريا كدولة من الوجود، لذلك الجميع يسعى إلى المشاركة في اللعبة عند تقسيمها، حيث أن المشاركة في الائتلاف تمنحهم هذا الحق"، وهو ما يفسر قرار أستراليا المشاركة في الحرب ضد "داعش" في سوريا أيضاً. ويرى دبلوماسيون أمريكيون نقلت عنهم صحيفة "فايننشال تايمز" أن الضربة الروسية أدت إلى إحباط الجهود الأمريكية والحلفاء لإنشاء مناطق آمنة في شمال وجنوب سوريا. ونقلت عن دبلوماسيين قولهم إن المسؤولين الأمريكيين كانوا قد اقتربوا من اتفاق لفرض مناطق حظر جوي ضد النظام السوري يقوم على خطط تقدمت بها تركيا والأردن بداية العام الحالي. ويعتقد الكثير من المسؤولين أن قرب فرض المناطق هذه في الشمال والجنوب دفع موسكو إلى شن الغارات الجوية والتدخل العسكري الذي بدأ التحضير له نهاية شهر أيلول الماضي. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي بارز قوله: "السبب الرئيسي لما يحدث هو التركيز المتجدد على سوريا والحاجة إلى نوع من الحل السياسي، وهو ما اعتقدنا أننا سنحققه بفرض مناطق حظر جوي ومناطق آمنة"، إلا أن "أي أمل للتعاون مع الروس لإنجاز هذا، حتى في ضوء نشر القوات المفاجئ قد تلاشى". التدخل الروسي في سوريا شرعي إذا كنا نرفض التدخلات الأجنبية عموماً، والإمبريالية خصوصاً، في بلادنا وفي دول العالم الثالث، من حيث المبدأ، فكيف نسوّغ دخول روسيا على خط الأزمة السورية عسكرياً؟ وهل يمثل ذلك كيلاً بمكيالين من قبل أنصار الدولة السورية داخلها وخارجها، أم أن التدخل الروسي يختلف نوعياً عن التدخلات الأجنبية الأخرى من حيث طبيعته وأهدافه السياسية ومداه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين تكمن مثل تلك الاختلافات؟ إن سوريا تتعرض منذ حوالي خمس سنوات لتدخل أجنبي علني، تتصدّره دول حلف الناتو ومنظومة البترو/دولار وتركيا والكيان الصهيوني والأردن، وهو تدخل لا يُخفي من يقومون به دورهم فيه من تهريب الأسلحة والإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم وتقديم الدعم اللوجستي والإستخباري إلى الحملات الإعلامية المسعورة ومحاولات العزل السياسي والدبلوماسي. إن ما يجري في سوريا، بالتالي، ليس تمرداً محلياً مسلحاً ضد الدولة السورية، كما تصوره وسائل الإعلام الصفراء، ولو كان الأمر كذلك لانتهى منذ أمد بعيد، بل تواجه سوريا كدولة عربية من العالم الثالث كل الثقل السياسي والعسكري والإستخباري والمالي لعدد من الدول الاستعمارية العظمى، والأنظمة الرجعية العربية، وتركيا والكيان الصهيوني، مجتمعة. مثلاً، أعلنت حكومة الولايات المتحدة في ٩ تشرين الأول ٢٠١٥ عن وقفها برنامج تدريب عسكري لما تسميه "المعارضة المعتدلة" في سوريا بقيمة ٥٠٠ مليون دولار. وهذا بالمناسبة غير البرنامج التدريبي الذي تشرف عليه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيي)، ناهيك عن برامج الدول الأخرى المتدخلة في سوريا، فكم دولة في العالم الثالث، أو غيره، تستطيع وحدها أن تحتمل ثقلاً من هذا النوع كما فعلت سوريا؟!. إن الصراع في سوريا هو صراع دولي، ما بين الدول المستقلة والإمبريالية، وصراع إقليمي، مع منظومة البترو/دولار الرجعية العربية، وصراع عربي مع العدو الصهيوني في مواجهة مشروع التفكيك، أي أنه صراع في سوريا على سوريا ومن أجل تفكيكها، وليس صراعاً سورياً – سورياً بالأساس، وعليه من حق سوريا أن تطلب إن أرادت، ومن واجب من يسعون للتخلص من الأحادية القطبية في العالم، أو يناهضون هيمنة البترو/دولار على الإقليم، أو يعادون العدو الصهيوني، أن يستجيبوا لمطلب سوريا بتقديم الدعم والمساندة، إن طلبتهما. إن سوريا هي التي طلبت المساعدة من الروس، فالروس أتوا بالتنسيق مع الدولة السورية، أي بقرار سيادي سوري، على قاعدة تقاطع المصالح بين الطرفين، ولم يأتوا رغماً عن الدولة السورية أو من دون موافقتها، فهم لم يأتوا محتلين للأراضي السورية مثلاً كالأتراك والصهاينة، أو منتهكين للسيادة السورية، كما تفعل دول التحالف التي تزعم مقاتلة "داعش" منذ عام من دون أن تؤثر فيه كثيراً، مع سبق الإصرار على عدم التنسيق مع الدولة السورية. إن الدخول العسكري الروسي على خط الأزمة السورية لم يأت لأن الدولة السورية سفينة غارقة، كما زعمت وسائل الإعلام الصفراء، بل لأن تلك الدولة أثبتت، بعد حوالي خمسة أعوام من تحمل ثقل التدخلات الغربية والرجعية العربية والتركية والصهيونية في سوريا، أنها تستطيع الحياة والصمود، لكنها تحتاج للقليل من الدعم، وما كان الروس سيدخلون لو شعروا أن عليهم تحمل كل العبء القتالي على عاتقهم، كما حصل في أفغانستان في نهاية السبعينيات، ومن هنا التأكيد الروسي على أن التدخل سيأخذ شكلاً جوياً وصاروخياً فحسب. إذاً، روسيا دخلت كحليف بطلب من الدولة السورية الشرعية، التي لم يضعها الغرب في الحكم، بل التي تدافع عن استقلال سوريا. وروسيا دولة ليس لها تاريخ استعماري في بلادنا، ولا أطماع استعمارية، ولا تستطيع الاستمرار في سوريا من دون موافقة الدولة السورية. وعليه، فإن دخولها لسوريا ليس معادياً بل صديقاً، وله أمد محدود الأجل، وليس كقصف الناتو لليبيا العام ٢٠١١ بمشاركة الأنظمة الرجعية العربية التي لم ترَ فيه وقتها "خطراً صليبياً" بالمناسبة، أو عدوان الولايات المتحدة على العراق العام ٢٠٠٣ أو العام ١٩٩١، أيضاً بدعم ومشاركة الأنظمة الرجعية العربية، أو تدخلات الولايات المتحدة العسكرية في طول الكرة الأرضية وعرضها على مدى عقود. التنسيق الروسي ـ الأمريكي في الأجواء السورية الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط الذي صدّرته ودعمته أمريكا ودول غربية وخليجية بهدف تفتيت المنطقة وضرب محور المقاومة، حيث بات واضحاً لكل متابع أن السعودية وقطر وتركيا و"إسرائيل" ومن ورائهم الولايات المتحدة مولت ودعمت تنظيم القاعدة وفروعه. فالسعودية وتركيا دعمتا تنظيم القاعدة في إنشاء فروع له في سوريا تحت مسميات عديدة منها "أحرار الشام" و"جبهة النصرة". وأمام صلابة الجيش السوري وعناصر المقاومة التي أفشلت المشروع وتطورت الأوضاع ميدانيا بشكل لا يناسب المحور المعادي، جاء التدخل الروسي عسكرياً في سوريا لمساندة الجيش السوري وعناصر المقاومة على الأرض في حربهم ضد الجماعات الإرهابية. هذا التدخل الذي فضح أمريكا بأنها غير جادة في محاربة الإرهاب التكفيري بمجموعة الغارات التي قامت بها روسيا وكان لها تأثير مباشر على المجموعات الإرهابية وخسارتهم مقارها الأساسية ومراكز التدريب ومستودعات الذخيرة وانسحابها من بعض المواقع الرئيسة في المناطق مقابل ما يزيد عن ٣٥٠٠ غارة جوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن على "داعش" خلال سنة ونصف من دون أن يؤدي ذلك إلى إضعافه. فالتدخل العسكري الروسي الذي بدأ في ٣٠ أيلول من العام الحالي بناء على تفويض للرئيس فلاديمير بوتين من المجلس الأعلى في البرلمان الروسي الذي وافق على استخدام سلاح الجو خارج حدود البلاد، في غياب تعاون بين روسيا والتحالف الدولي في مواجهة "داعش"، بعد رفض واشنطن وحلفائها التعاون، اتخذت مسألة تجنب أي حوادث مفاجئة بين العسكريين الروس والأمريكيين أهمية خاصة وبادرت وزارة الدفاع الأمريكية في ١ تشرين الأول بالاتصال مع وزارة الدفاع الروسية وإجراء محادثات ركزت على عمل الطائرات الحربية في الأجواء السورية لتفادي حصول حوادث بين الطرفين. هذا ما أكده المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك قائلاً إن المحادثات بين الطرفين ركزت على خطوات يمكن أن تتخذها طائرات روسيا والتحالف الدولي المشكل من أجل محاربة "داعش" لضمان سلامة خوض العملية الجوية في الأجواء السورية. ومع استمرار المحادثات اقتربت واشنطن وموسكو من إبرام اتفاق بشأن ضمان سلامة الطائرات الروسية وطائرات التحالف الدولي، حيث أعلن مسؤول أمريكي أن الجيشين الروسي والأمريكي يضعان التفاصيل النهائية على مذكرة التفاهم التي تحدد الإجراءات الأساسية للسلامة الجوية. يؤكد متابعون أن التفاهم بين واشنطن وموسكو بشأن السلامة الجوية سيحتم على واشنطن أن تمنع الرياض من تسليم المجموعات المسلحة صواريخ (ستينغر) أرض جو، التي كانت قد حصلت عليها الجماعات الإرهابية سابقاً من قبل الدول الداعمة لها التي وصلتها بالتنسيق بين السعودية وتركيا وواشنطن، حيث ستمنع الأخيرة الرياض من إعادة تسليم تلك الصواريخ للعصابات الإرهابية لمنع صدام مع الطائرات الروسية. الأمر الذي قد يدفع لتفاقم الوضع وجرّ واشنطن والغرب لمواجهة روسيا وبالذات في الوقت الذي لا أحد يرغب من دول العالم بالدخول في حرب مع روسيا، حسب ما أكد المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن جوليان بارنس داسي. فالإستراتيجية الجديدة لروسيا التي اتبعتها في الشرق الأوسط وضعت حداً نهائياً لمرحلة حروب أمريكا بالوكالة، وجعلت واشنطن تقبل بالوضع الجديد الناشئ في الشرق الأوسط وتعترف بموسكو كلاعب رئيس في حل نزاعات المنطقة والعالم، ما يعني ذلك تنازل واشنطن عن عرش قيادة العالم. وكشفت الإستراتيجية الروسية الإرباك الذي بات يعانيه المحور المعادي لسوريا، فها هي الحليف التاريخي لواشنطن أنقرة تحتج على الدعم الروسي والأمريكي لوحدات الحماية الكردية، حيث استدعت الخارجية التركية سفيري الولايات المتحدة وروسيا على خلفية المساعدات العسكرية التي يزعم الجانب التركي أن موسكو وواشنطن تقدمانها لوحدات الحماية الكردية، وقد حذر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في ١٤ تشرين الأول كلا البلدين من تقديم المساعدات العسكرية للقوات الكردية التي تحارب تنظيم "داعش". يؤكد المتابعون على أن واشنطن التي لا تملك ما يكفي من الأوراق لوقف التدخل الروسي في سوريا المنسق على أعلى المستويات بين سوريا وروسيا وإيران، باتت مستعدة للانسحاب من المشهد السوري، بعد أن بدأت نتائج الضربات الروسية تظهر وباتت الكلمة للميدان، وترك تابعيها التركي والسعودي وأدواتهم من الجماعات التكفيرية منها جبهة "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" غارقين في الميدان السوري مع تعرّضهم لأعنف الضربات العسكرية. ملامح الرد الأمريكي على روسيا يتساءل كثيرون عن ماهية الردّ الأمريكي على إسهام روسيا في الحرب على الإرهاب إلى جانب الجيش السوري، بل ثمّة مَن يعتقد أنّ الولايات المتحدة أو شركاءها الغربيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا التحوّل غير المسبوق في العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط، ذلك أنّ هذه هي المرة الأولى التي يسهم فيها الجيش الروسي في حرب في هذه المنطقة، وزادت هذه التساؤلات بعد كشف النقاب عن اختراق طائرات حربية روسية أكثر من مرة الأجواء التركية والتحذيرات التي صدرت عن قيادة حلف الناتو. واضح أنّ من يعتقد أنّ الولايات المتحدة وحلف الناتو بصدد التصدّي العسكري المباشر لروسيا فهو مخطئ لأسباب عديدة أبرزها: أولاً، كلفة أيّ مواجهة وخطرها الذي قد يتحوّل إلى حرب عالمية ثالثة ليس هناك أيّ شعب مستعدّ للموافقة على قرار إشعال فتيلها، حتى وإنْ كان هناك بعض المغامرين الذين قد لا يخشون عواقب مثل هذا الخيار. ثانياً أنّ روسيا دولة رأسمالية وهي تختلف عن الاتحاد السوفيتي الشيوعي الذي كان يهدّد جميع الأنظمة الرأسمالية في الغرب. اليوم روسيا لديها مصالح مع الدول الغربية ومع دول المنطقة، ولهذه المصالح تأثير على سقف التوقعات بشأن الانزلاق إلى حرب شاملة. وثالثاً، الولايات المتحدة شنّت أكثر من حرب، منها ضدّ الإرهاب مثل التحالف الحالي ضدّ "داعش"، ومنها ضدّ دول مستقلة مثل العراق وأفغانستان، وبالتالي سجلت سابقة تضعها في موقع لا يتيح لها الاحتجاج على أيّ عمل مماثل. إذا كانت المواجهة المباشرة والشاملة متعذّرة، بل مستحيلة، فهذا لا يعني أنه ليس لدى الولايات المتحدة أساليب أخرى للمواجهة، من بينها شيطنة التدخل الروسي، عبر الزعم بأنه يستهدف المدنيين والمعارضة المعتدلة ولا يستهدف تنظيم "داعش"، وهذا ما ركزت عليه تصريحات المسؤولين الأمريكيين، الأمر الذي استدعى رداً من القيادة الروسية ومن الخارجية الروسية، يفنّد هذه المزاعم ويؤكد أنّ الطيران الروسي لا يستهدف المدنيين ولا المعارضة المعتدلة، إذا وجدت، ولكنه أيضاً لا يحصر ضرباته، كما تطالب صراحة الحكومات الغربية، بـ"داعش"، بل يستهدف جميع المنظمات المصنّفة إرهابية من قبل مجلس الأمن والحكومات الغربية، كما أنه يدعم الجيش السوري في حربه على الإرهاب. الأرجح أنّ ردّ الولايات المتحدة لن يقتصر على شيطنة الإسهام الروسي في الحرب على الإرهاب بل إنه قد يتعدّى ذلك إلى تسهيل تدفق الإرهابيّين إلى سوريا، ومدّهم بالسلاح، في محاولة لإفشال ومنع روسيا من تحقيق نجاحات في حربها على الإرهاب تشكل إدانة للفشل والعجز الغربي في حملته على "داعش" وتأكيد تحذيرات المسؤولين الأمريكيين من فشل التدخل الروسي في سوريا. أكثر من ذلك لا يوجد ردّ أمريكي لأنّ من شأن تجاوز هذا السقف أن يقود إلى عواقب وخيمة على الجميع. هل تتراجع روسيا أمام الضغط والتهويل بات واضحاً أنّ الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة بدأت حملة تهويل واسعة النطاق لدفع روسيا إلى التراجع عن الإسهام إلى جانب الجيش السوري في مكافحة الإرهاب، أو على الأقلّ حصر هذه المساهمة بضربات جوية ضدّ تنظيم "داعش" من دون المساس بالتنظيمات الإرهابية الأخرى. تعتمد حملة التهويل أساليب متنوّعة بينها التلويح بتسليح المعارضة وفتح الحدود أمام تدفق جديد للإرهابيين إلى سوريا، بل تحدّثت صحيفة "نيويورك تايمز" عن تجنيد ما بين ٣ إلى ٥ آلاف إرهابي وإرسالهم عبر الحدود التركية بذريعة محاربة "داعش". هل تتراجع روسيا أمام تهديدها بأفغانستان جديدة في سوريا؟ لا شك في أنّ ثمة معطيات تؤكد أنّ الإسهام الروسي في مكافحة الإرهاب في سوريا يختلف عن التدخل السوفيتي في أفغانستان، لاسيما لجهة مصيرية المعركة ضدّ الإرهاب في سوريا للحفاظ على استقرار روسيا وأمنها القومي ووحدة أراضيها، لذلك لن تتراجع روسيا عن سعيها بالتعاون مع الدولة السورية لاستئصال الإرهاب، ولاسيما الإرهابيين المتواجدين في أرياف حلب ومحافظة إدلب وريف حماه لكون غالبية هؤلاء يتحدّرون من أصول روسية. لو كان الصراع بين روسيا والغرب هو فقط على المكانة الدولية والنظام الدولي متعدّد الأقطاب لربما كان ثمة أمل بتراجع روسيا ولو مؤقتاً عن المواجهة مع الغرب إلى توقيت لاحق، لكن ما يمثله خطر الإرهاب في سوريا على استقرار الأراضي الروسية ووحدتها وأمن روسيا القومي لا يتيح فرصة للتراجع، مهما بلغت الضغوط وحدة التهويل، فروسيا في سوريا لن تقبل أقل من تدمير الإرهابيين ولاسيما المتحدّرين من أصول روسية، وفرض الجيش السوري سيطرته على مناطق يسيطر عليها هؤلاء الإرهابيون في المناطق السورية المتاخمة للحدود التركية. القيادة الروسية ترى وجود الإرهاب في سوريا تهديداً يفوق تهديد انضمام أوكرانيا إلى الناتو والدوران في الفلك الأمريكي، إذ إنّ جلّ ما يترتب على التحاق أوكرانيا بالناتو، وهو أمر مرفوض بقوة من قبل روسيا، إحداث تغيير في التوازن الجيو/سياسي سيكون له تأثير سلبي على دور روسيا ومكانتها في أوراسيا، وعلى المستوى الدولي، ولكن الإرهاب في سوريا يهدّد وحدة واستقرار والأمن القومي لروسيا، وهذا ما عبّر عنه صراحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف، حيث أكدا أنّ القتال ضدّ الإرهاب في سوريا هو لحماية أمن روسيا واستقرارها. هذه المعطيات تؤكد أنّ الرهان على انكفاء روسيا أو المساومة على إلحاق الهزيمة الكاملة بالإرهابيين، ولاسيما الذين يتمركزون في إدلب وريف حلب الشمالي والجنوبي، هو رهان لا يستند على أيّ أساس، وموسكو مصمّمة على خوض هذه الحرب حتى نهايتها. |
||||||