أزمة اللاجئين السوريين تهز أوروبا

السنة الرابعة عشر ـ العدد 166 ـ ( ذو الحجة ـ محرم 1436 هـ) تشرين أول ـ 2015 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

منذ أن تصدرت صورة إيلان كردي (3 سنوات)، الطفل السوري الذي عرفه العالم جثّة على شاطئ بودروم التركية، مع بداية شهر أيلول 2015، أجهزة الإعلام العالمية المرئية والمكتوبة، أصبحت قضية اللاجئين السوريين  تشكل أزمة ضاغطة على كل أوروبا، بسبب تداعياتها الإنسانية والوجودية.

لاسيما أن أزمة اللاجئين السوريين هي نتيجة أساسيّة ورئيسة للحروب الاستعمارية التي يشنّها  الغرب ومعه الدول الإقليمية الحليفة لها في الشرق الأوسط، منذ الحرب الأطلسية على ليبيا في 2011، و لغاية  الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات، حيث يجري إحضار اللاجئين السوريين إلى أوروبا بأمر من واشنطن لتركيا، بهدف إثارة السخط والضيق لدى المواطنين الأوروبيين وجعلهم يميلون إلى تدخّل عسكري غربي في سورية.

فما ترتكبه التنظيمات الإرهابية و التكفيرية مثل "داعش" و"جبهة النصرة" وأخواتها من جرائم بحق الشعب والتراث الإنساني في سورية، واستمرار الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا الاكتفاء بلعب موقف المتفرج على كارثة إنسانية وثقافية ذات أبعاد مصيرية، ولكن مع استمرار خوض الحرب أيضاً على سورية بالوكالة أي الحرب التي تستخدم المرتزقة،وتشنها التنظيمات الإرهابية على السكّان السوريين بالقنابل والرشاشات وقطع الرؤوس، لزعزعة استقرار هذا البلد، يشكلان عاملاً إضافياً في تفاقم أزمة اللاجئين السوريين ومأساتهم الناتجة عن دعم كلّ هذه الهمجيّة المُموّهة في "الثورة" الخيالية، همجية قادها جشع الشركات الغربية وغطرستها وطغيانها عبر مؤسساتها الفكرية ووسائل الإعلام والمنظّمات "الإنسانية" وأجهزة الاستخبارات ومرتزقتها في التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، بسبب رفض الدولة السورية الإنصياع  للأقطاب الغربية ما جلب كلّ النيات السيئة بنتائجها المأساوية

تجارة الموت في المتوسط ومسؤولية أوروبا

منذ مطلع العام 2015 و لغاية شهر آب  الماضي، وصل 366402 لاجئاً عبر المتوسط وفقاً للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وفقد أو لقي 2800 شخص مصرعهم خلال محاولتهم الهرب نحو أوروبا. وأشارت الحكومة السورية في جلستها الأخيرة إلى ضرورة معالجة موضوع الهجرة غير الشرعية وملاحقة المهربين ومعرفة أسبابها. يذكر أن الإدارة العامة للهجرة والجوازات السورية كشفت في إحصائية بأنه منذ بداية العام 2015 بلغ عدد الطلبات للحصول على جواز سفر من داخل سوريا وخارجها، حوالي مليون طلب، 200 ألف منها للنساء و40 ألفاً للأطفال. وكان سكان مدينة دمشق وريفها من أكثر المتقدمين، حيث سجل تقديم 360 ألف طلب منذ بداية العام الحالي.

وتبدأ رحلة هجرة اللاجئين السوريين عبر الوصول إلى تركيا، ثم العبور من تركيا إلى اليونان بحراً، ويلعب المهربون دوراً رئيساً في كل هذا العمليات. و يكون الانطلاق من سوريا بثلاث طرق، الأول عن طريق البر بالتواصل مع مهربين هم على اتصال مع المجموعات المسلحة المتواجدة في شمال سوريا، وخوصاً في ريف حلب. وهذه الطريقة كانت البداية منذ سنوات في عملية التهريب، وخطورتها هي في المجموعات المتشددة التي تتعرض للهاربين بالضرب والاهانات قبل نقلهم، بالتنسيق مع الأمن الحدودي التركي إلى داخل البلاد. وتعد منطقة حوار كلس في شمالي حلب من أهم المعابر المستخدمة في عملية التهريب والتي أصبحت تغلق في معظم الأحيان، إضافة إلى طرق التهريب من المنطقة الشرقية على الحدود مع محافظة الحسكة.

أما الطريقان الآخران، إما البحر أو الجو، وهو ما يتم بطريقة واضحة وعلنية. ففي العاصمة دمشق مكاتب سفريات في ساحتي المرجة والمحافظة، تقطع تذاكر للمسافرين إلى تركيا عن طريق لبنان. تدخل أحد مكاتب السفريات، ليعطيك الموظف خياراً إما السفر إلى تركيا عبر الجو أو عن طريق البحر، موضحاً "تقف حافلات في شارع المعرض القديم تنقل المسافرين إلى الحدود اللبنانية، بشكل نظامي ورسمي، وحين تصل إلى بيروت، يكون حجزك عن طريق مطار بيروت الدولي في رحلة إلى تركيا، أو عن طريق باخرة تنطلق نحو الشواطئ التركية.وبعد أن يتم تأمين الطريق من سوريا إلى تركيا، يبدأ التواصل مع المهربين في الجانب التركي.

وفي الرحلة من تركيا إلى اليونان تبدأ عروض الأسعار بين المهربين واللاجئين السوريين وغيرهم من فلسطينيين وعراقيين، حيث يقدم لهم أحد المهربين عبر البحر عرضين للتهريب، الأول من اسطنبول إلى اليونان إما بقارب مطاطي بتكلفة 1300 دولار أمريكي، أو يخت سياحي بتكلفة 2500 يورو، ومكان الوصول هو جزيرة كوس اليونانية. العرض الثاني من مدينة بوضروم التركية إلى جزيرة متليني اليونانية، وذلك عبر قارب مطاطي بتكلفة 1200 دولار. وقدرة استيعاب القوارب المطاطية حوالي 35 شخصاً، أما السياحية فتصل إلى 50 شخصاً. ويتحدث "المهرب" عن طريقة الهرب عن طريق البر نحو اليونان أو بلغاريا، حيث يمكن تقديم عرض تزوير جوازات سفر بلغارية، بتكلفة تصل إلى 20 ألف دولار، ومشكلتها هي مدتها الطويلة للعبور سيراً على الأقدام، حيث أن الوصول إلى ألمانيا من اليونان يتطلب عبور ألبانيا ومقدونيا وصربيا ثم المجر والنمسا وتليها ألمانيا، وتتراوح تكلفتها بحسب الخدمات المقدمة فيها، فهي تبدأ من ألفي دولار وتصل إلى ستة آلاف دولار. ومن الخدمات المقدمة وجود دليل يقود الرحلة لمنع وقوعهم في أيدي الشرطة.

في السابق كانت إحدى طرق الهرب لبعض السوريين هي ليبيا نحو إيطاليا. ففي النصف الثاني من شهر نيسان (أبريل ) 2015، لقي أكثر من 1200مهاجر سري حتفهم غرقاً في البحر الأبيض المتوسط، حين انقلبت السفينة التي كانت تقلهم قبالة السواحل الليبية، وكان قبطانها تونسياً وضحاياها من جنسيات مختلفة، وكان الحادث، الذي تم وصفه بالكارثي والأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية،  نتيجة تصادم مع مركب تجاري بحري، واتهم أيضاً أحد أفراد طاقم السفينة بتشجيع الهجرة غير القانونية، وكان القبطان وعضو الطاقم من بين الناجين الـ27 الذين وصلوا صقلية في وقت متأخر الاثنين 28 أبريل 2015، كما تم اعتقال شريك للقبطان التونسي وهو سوري مهرب يبلغ من العمر 26 سنة، وحسب تصريحات متنوعة فإن رحلة الموت كانت أرباحها تقدر بين مليون وخمسة ملايين يورو.

وتندرج هذه الحادثة ضمن عنوان واحد إنها "تجارة الموت" وتجارة بأحلام الهاربين من براثن الفقر أو الحروب. وهي أرقام مفزعة، تؤكد لنا تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث إن المهاجرين غير الشرعيين اليوم هم في أغلبيتهم من الجنسيات السورية والسودانية والصومالية والفلسطينية. وأبدت المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني أكثر من مرّة وخلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي الاجتماعي العالمي في البلدان العربية تخوفاً من سعي السياسات الأوروبية إلى تطوير نشاط وكالة "فرونتاكس" التي تُجَرِّمُ واقع الهجرة والإقامة غير القانونية وغير المنظمة، وتُعْطِي اعتباراً أكبر لما هو تجاري على حساب ما هو إنساني وحاجات الحماية الدولية. وبلغت حصيلة المفقودين على حدود الاتحاد الأوروبي حوالي 160 ألف شخص بين 1993 ومارس  2012.

ووصفت منظمات المجتمع المدني في تقارير لها المقاربة الأوروبية بـ"القمعية للهجرة العالمية" ولا علاقة لها بالواقع. فأوروبا تستقبل 3% فقط من سكان العالم وثلث المهاجرين فقط يتوجهون من دول فقيرة إلى أخرى غنية ومتقدمة، ومن مجموع 15 مليون لاجئ في العالم تستقبل الدول النامية أربعة أخماسهم. وقد أدّى غياب منافذ قانونية للأراضي الأوروبية إلى تقوية شبكة المقايضة البشرية.. ويدعو المنتدى إلى تغيير السياسات الأوروبية للهجرة، وإعادة النظر في دور وكالة "فرونتاكس" التي تضاعفت ميزانيتها مع تضاعف أعداد الموتى من المهاجرين، وارتفاع الخسائر البشرية.. كما يدعو إلى رؤية جديدة لمعالجة هذه الظاهرة.

حسب تقارير إعلامية ليبية، فإن هناك ميليشيات من "فجر ليبيا" تقف وراء موجات الهجرة غير الشرعية التي تتم من الجنوب الليبي باتجاه دول الاتحاد الأوروبي. وأكدت هذه التقارير أن كارثة غرق قارب قبل أيام قبالة السواحل الليبية، وما رافقه من انتقادات للدول الأوروبية، كشف عن تورط تلك الميليشيات في عمليات تهريب الأفارقة عبر قوارب الموت.وبيّنت التقارير أن أغلبية المهاجرين غير الشرعيين الحالمين بالوصول إلى أوروبا، تبدأ رحلتهم من مطار معيتيقة في العاصمة طرابلس الذي تسيطر عليه ميليشيات "فجر ليبيا"، حيث وصلت أعداد كبيرة من السوريين والفلسطينيين إلى هذا المطار، ومن ثم ينقلهم أشخاص تابعون لميليشيات "فجر ليبيا" إلى المدن المجاورة كزوارة وصرمان وصبراته ومصراته.

فتجارة الموت هذه يقف وراءها عناصر ومافيات، ويضطر الحالم بالهجرة إلى دفع مبلغ بين2000 دولار إلى 3000 دولار.. ولئن كانت بعض العصابات تستغل الأموال لحسابها الذاتي، فإن بعض التقارير تشير إلى تورط جماعات متطرفة تستغل هذه العائدات في تمويل تنظيمها وشراء الأسلحة وتمويل العمليات الإرهابية. وحسب مصادر إعلامية ليبية فإن "أنصار الشريعة" وتنظيم "داعش" الإرهابي في صرمان وزوارة يستغلان هذه التجارة لدعم المسلحين.وتواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الواقعة في الجنوب الأوروبي والمطلة على البحر المتوسط، بمفردها تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين في أغلب الأحيان من بلدان إفريقية وعربية شرق أوسطية ومغاربية، في محاولة منهم للوصول عبر قوارب قديمة وهشة إلى السواحل الإيطالية، ومنها ينطلقون إلى بلدان الاتحاد الأوروبي..

وكانت إيطاليا قد أطلقت في تشرين الأول 2013، بعد أيام من مصرع أكثر من 360 مهاجراً غرقاً، عملية "ماري نوستروم" (الاسم الذي أطلقه الرومان على البحر المتوسط) في محاولة لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون من سواحل ليبيا على مراكب بدائية، وخلال ثمانية أشهر ونيف، أنقذت البحرية الإيطالية 73 ألفاً و686 شخصاً، أي ما معدله 270 شخصاً يومياً. وفي مركز قيادة عمليات "ماري نوستروم" في شمال روما، قال رئيس أركان القوات الإيطالية ميشال سابونارو أن تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ساحل إيطاليا ليس ناجماً عن إخفاق عملية "ماري نوستروم"، بل عن تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، ففي سورية تفاقم الوضع، وفي العراق هناك تقدم للقوى الأصولية.

دول أوروبا توافق على استقبال ملايين اللاجئين السوريين

لقد غيرت صورة الطفل السوري الملقى قتيلاً على الشاطئ، القوية للغاية، موقف أوروبا من اللاجئين، إذ طالب دبلوماسيون كبار من فرنسا وإيطاليا وألمانيا بإجراء إصلاح شامل للقوانين الأوروبية المتعلقة باللاجئين، وأصدت الدول الثلاث بياناً مشتركاً، يوم الإربعاء9 أيلول 2015، في محاولة  لضمان "انتشار عادل" للمهاجرين في أنحاء أوروبا. وأشار البيان إلى أن "أزمة المهاجرين الحالية تضع الاتحاد الأوروبي  و جميع الدول الأعضاء أمام اختبار تاريخي"، كما دعا إلى تطبيق نظام للجوء أكثر كفاءة للأشخاص المحتاجين.

وبعد اجتماع رؤساء ألمانيا وفرنسا وايطاليا واتصالهم بأوروبا وكندا وأمريكا، تقرر أن يتم توزيع اللاجئين السوريين فقط على الدول وفق الجدول التالي:

1- كندا تستقبل نصف مليون سوري شرط أن يأخذوا تأشيرات من سفاراتها حيث ستعطي أوامر بإعطاء السوريين تأشيرات لنصف مليون سوري.

2- فرنسا وافقت على استقبال 300 ألف لاجئ سوري

3- ألمانيا وافقت على استقبال مليون لاجئ سوري

4- ايطاليا وافقت على استقبال نصف مليون سوري

5- صربيا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ

6- بولندا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ

7- هنغاريا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ

وسوف يعطى الحق باللجوء للسوريين فقط مع عائلاتهم مع إعطائهم إقامة دائمة، وبعد خمس سنوات جنسية للبلد الذين هم فيه، وهكذا يكون 4 مليون ونصف سوري قد لجأوا إلى أوروبا وكندا وأمريكا. وتعتبر هذه الهجرة أكبر هجرة بعد الحرب العالمية الثانية وتفقد سوريا 5 مليون نسمة من سكانها، إضافة إلى وجود 6 مليون لاجئ في تركيا والأردن ولبنان ومصر والعراق واليونان. ويكون مجموع الذين هاجروا 11 مليون سوري موجودين خارج سوريا.

حاجة ألمانيا لهجرة اللاجئين السوريين من أجل تجديد شيخوخة السكان

بعد الأسبوع الأول من شهر أيلول 2015، الذي شهد أحداثاً عدة معادية للأجانب استهدفت لاجئين في ألمانيا، جرت تعبئة تأييداً لهم في هذا البلد شملت وسائل إعلام وشخصيات، حرصاً على إظهار وجه آخر لألمانيا منفتح على استقبال المهاجرين. وعنونت صحيفة "بيلد" الشعبية الأكثر انتشاراً في أوروبا "إننا نساعد" مطلقة "عملية مساعدة كبرى" من أجل اللاجئين "لإظهار أن المعادين للأجانب لا يزعقون باسمنا".وتواجه ألمانيا تدفقًا غير مسبوق من اللاجئين ويتوقع المكتب الفدرالي المشرف على هذا الملف توافد 800 ألف طالب لجوء خلال العام 2015.

وتصطدم حركة التدفق هذه وضرورة فتح مراكز استقبال في جميع أنحاء البلاد لمواجهتها بردود فعل رافضة تصل أحياناً إلى حد العنف ولاسيما في شرق البلاد.وشهدت ألمانيا خلال النصف الأول من شهر أيلول 2015 سلسلة أحداث من حرائق مفتعلة وتهديدات واعتداءات وحتى تظاهرات كما في هايديناو في ساكسونيا شرق البلاد، ما حمل المستشارة إنجيلا ميركل على القيام بأول زيارة لها إلى مركز لاستقبال اللاجئين في هذه المدينة الصغيرة التي جرت فيها صدامات بين الشرطة وناشطين من اليمين المتطرف.

وعلى غرار صحيفة "بيلد"، اتخذت عدة وسائل إعلام أخرى مثل الأسبوعية "دير شبيغل" أو صحيفة ميونيخ الكبرى "سود دويتشه تسايتونغ" مواقف ملتزمة حيال المهاجرين. وصدرت مؤخراً "دير شبيغل" بغلاف مزدوج، الأول يعرض "ألمانيا القاتمة" وعليه صورة لمركز لاجئين تشتعل فيه النيران، والثاني يعرض "ألمانيا المشرقة" ويظهر عليه أطفال لاجئون يلعبون بالكرة في الهواء الطلق.وكتبت الأسبوعية "يعود لنا نحن أن نحدد كيف نريد أن نعيش، أمامنا خيار"، فيما عرضت صحيفة سود دويتشه تسايتونغ على قرائها العازمين على التحرك حيال هذه المسالة إرشادات عملية لتقديم الملابس والمواد الغذائية وغيرها للاجئين.

وقال بطل العالم في كرة القدم لاعب الوسط في فريق "ريال مدريد" توني كروس في تصريحات نقلتها الصحافة "أعزائي اللاجئين، أمر جيد أن تكونوا هنا، لأن ذلك يسمح لنا بالتثبت من نوعية قيمنا وإظهار احترامنا للآخرين". واتخذت شخصيات أخرى أيضاً مواقف من هذه المسالة وبينهم تيل شفايغر نجم السينما الألماني الذي وضع منزله تحت الحراسة بعد تسلل مجهولين إلى حديقته.

هذه التعبئة في بلد ما زالت تطغى عليه ذكرى ماضيه النازي، تذكر بحملات أخرى جرت في السابق عند وقوع أحداث عنصرية. ففي العام 2000، دعا المستشار السابق الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر إلى "انتفاضة للشرفاء" بعد إحراق كنيس في دوسلدورف(غرب).

وكتب وزير الداخلية توماس دي ميزيار السبت في صحيفة "دي فيلت" إن ألمانيا "بلد متسامح ومنفتح".وفي افتتاحية بعنوان "ما نحن عليه"، عرضت الصحيفة المحافظة وجهة نظر متفائلة معتبرة انه بعيدا عن الأحداث المعادية للأجانب فإن "حيوية الالتزام التطوعي تبدل وجه ألمانيا" التي "تعيد اكتشاف نفسها" من خلال "ثقافة الاستقبال" التي تنتهجها. ورأت "دي فيلت" أن هذه الحركة "تساهم في هذا التعريف الجديد للبلد بأنه أرض هجرة" بعدما كانت ألمانيا المحافظة في عهد هلموت كول ترفض بشكل قاطع أن تحدد نفسها بهذه الصورة.

وأظهر استطلاع للرأي نشر نتائجه معهد بيرتلسمان في كانون الثاني أن "ثقافة الاستقبال" تتقدم في ألمانيا حيث أبدى 60% من المستطلعين استعدادهم لاستقبال أجانب مقابل 49% قبل ثلاث سنوات.

غير إن الدراسة أظهرت في المقابل أن المجتمع ما زال منقسماً حول مسالة ما إذا كانت الهجرة تشكل فرصة للبلد وأشارت أخيرًا إلى أنه في ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) سابقا، فإن السكان أقل ميلاً لاستقبال أجانب.وجرت تظاهرة يوم السبت 12 أيلول 2015في درسدن عاصمة ساكسونيا (شرق) ومهد حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام، دعا إليها "التحالف المعادي للنازيين" وشارك فيها ألف شخص بحسب الشرطة، خمسة آلاف بحسب المنظمين، ساروا خلف لافتة كتب عليها "أن نمنع اليوم مذابح الغد" في محاولة لتغيير هذه الصورة لمدينتهم.وفي المساء التقى مئات المتظاهرين في هايديناو على مسافة بضعة كيلومترات ورقصوا في الشارع مع اللاجئين وسط وجود مكثف للشرطة.

منذ أربعة أسابيع يقوم فرانك ديتريش يومياً بتوزيع الماء على اللاجئين في مركز تسجيل طلبات اللجوء في برلين، على غرار آلاف الألمان الذين يتوافدون مدفوعين بإرادة فعل الخير وأحياناً بنوع من الذنب. وصرح ديتريش لفرانس برس "هذا أفضل من البقاء في المنزل مسمراً أمام التلفزيون... كثيرون ينتظرون لتسجيل أسمائهم والموظفون الاداريون عاجزون عن القيام بذلك وحدهم. لذلك ينبغي مساعدتهم". وقال يورغ برون أمام مدخل المركز حيث يتطوع منذ يومين "يرى الآخرون الألمان على أنهم باردون وعقلانيون. لكنهم في الحقيقة حساسون جداً، لا يتحملون رؤية أشخاص يتعذبون بهذا الشكل".

لقد استقبلت ألمانيا 450 ألف لاجئ منذ بداية 2015 وتتوقع ارتفاع عددهم إلى رقم قياسي يبلغ 800 ألف حتى نهاية العام. وباتت البلاد تعتبر من الأكثر تعاطفاً في أوروبا، فيما قال نائب المستشارة سيغمار غبريال أن هناك قدرة على استقبال 500 ألف شخص سنوياً لبضع سنوات. وعدا عن الحراك السياسي لبرلين من أجل قضية اللاجئين، كانت طيبة المجتمع المدني مفاجئة إلى جانب التعاطف والتعبئة عبر شبكات التواصل وانخراط وسائل الإعلام.

والسبت 12 أيلول 2015، سجلت فرانكفورت في غرب البلاد مشهداً مؤثراً عندما بادر المئات إلى استقبال اللاجئين بحفاوة عند وصولهم إلى محطة القطار، فوزعوا عليهم المياه والملابس وألعاب الأطفال. وقبل أيام طلبت شرطة ميونيخ في الجنوب من السكان التوقف عن إرسال الهبات، نظراً إلى حجم المساهمات الكبير الذي فاق طاقتها. كما اقترحت جمعية "أهلاً باللاجئين" على الألمان إيواء لاجئين في منازلهم. وأشار استطلاع لمؤسسة يوغوف تم لصالح وكالة "دي بي إيه" إلى أن ألمانياً واحداً من أصل خمسة سبق أن قدم مساعدة إلى اللاجئين بشكل أو بآخر. ويثير الاندفاع المتضامن الإعجاب في بلد ما زالت أغلبية الرأي العام ترفض تقليص ديون اليونان.

وينبغي تفسير ذلك بالعودة إلى الماضي. وتحدث المؤرخ أرنولف بارينغ عن شعور تاريخي بالذنب قائلاً إن "أعمالنا الخيرة اليوم تفسر بالجرائم التي ارتكبناها، خصوصاً في الفترة النازية". وتبدو المبادرات السخية للألمان مناقضة لأعمال النازيين الجدد العنصرية إزاء طالبي اللجوء. فأعمال إحراق مساكنهم والتجمعات والإهانات ضدهم تتكاثر على الرغم من التنديد بها عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد دانت المستشارة إنجيلا ميركل نفسها هذه الأعمال "الشنيعة" ضد الأجانب. ولفت الفنان البرليني انديرل كاميرماير الذي يتاخم مشغله ملجأً مؤقتاً للاجئين "كل مساء أو نهاية أسبوع تتوافد سيارات مليئة بالأغراض من أجل اللاجئين". واعتبر أن هذه التعبئة "ربما تكون مرتبطة بتاريخنا والذاكرة الألمانية. فكل ألماني تقريباً لديه قريب كان في يوم ما لاجئاً أو مهاجراً". ففي أثناء الفرار من زحف الجيش الأحمر في شتاء 1944-1945، أو هرباً من ألمانيا الشرقية الشيوعية عاشت كل عائلة ألمانية معاناة الفرار والخوف والصقيع. واعتبرت هيرتا مولر الحائزة على جائزة نوبل للآداب أن "لدينا مسؤولية بالنسبة إلى الماضي... لكن بغض النظر عن ذلك، فإن التعاطف فعل إنساني". وأضافت الروائية الألمانية الرومانية الأصل في مقالة في صحيفة بيلد: "كنت أنا كذلك لاجئة من رومانيا(الشيوعية)... في رومانيا، كانوا يتحدثون عن حمى اللاجئين ـ فكلما قتل أشخاص على الحدود في أثناء الهروب ازدادت أعداد الفارين".

وتطمح ألمانيا ومعها فريق الدول الاسكندينافية إلى استقبال جميع اللاجئين الوافدين إلى بلدانهم، والتخلص من صداع الدول الصغيرة التي تتخوف من استقبال اللاجئين، في الوقت الذي تقوم بـ"نهب" المخصصات الأوروبية التي توزعها الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا والسويد، على هذه الدول لتأمين استقبال لائق للاجئين السوريين، حيث لا يصل في بعض البلدان للاجئين سوى القليل من هذه الأموال.

وسط تحفظ أغلب شركائها الأوروبيين وتحذيرات بعضهم من تداعيات هذه الموجة الكبيرة والقياسية على مستقبل القارة، فتحت ألمانيا في الأيام الماضية أبوابها أمام اللاجئين السوريين.جمّدت برلين عمليا تطبيق اتفاقية دبلن بقرار مكتب الهجرة واللاجئين وقف إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الدول التي سبق أن دخلوا إليها، وتركوا "بصمتهم" فيها، بالتزامن مع تدفق الآلاف منهم مؤخراً إلى ألمانيا براً عبر اليونان ومقدونيا وصربيا وهنجاريا والنمسا. وفيما تتخوف دول جوار ألمانيا، وخاصة هنجاريا، من موجة اللاجئين الحالية وتداعياتها المستقبلية، حتى أن رئيس حكومتها فيكتور أوربان وصف الوضع الحالي بأنه "موجة جديدة من عصر الهجرات"، تستعد ألمانيا لاستقبال حوالي 800 ألف لاجئ ومهاجر العام الجاري، ما يزيد عن العدد الذي استقبلته في العام الماضي بـ4 أضعاف.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت أن بلادها، يمكنها أن تدبر أمر اللاجئين في العام الحالي من دون زيادة للضرائب. وبالمقابل ذكرت صحيفة "فرانكفورت تسايتونج" أن تكلفة استقبال ألمانيا لأعداد قياسية من اللاجئين فاقت 10 مليار يورو، أي 4 أضعاف ما تم إنفاقه على اللاجئين في العام الماضي وكان عددهم 203 آلاف. وتدور تخمينات مختلفة حول سبب كرم "الضيافة" الألمانية للاجئين وبخاصة السوريين منهم. وإذا تجاوزنا دافع التعاطف الإنساني مع اللاجئين السوريين عقب وقائع الموت المأساوية التي تعرض لها باحثون عن بر للأمان هرباً من الحرب، وخاصة مأساة غرق الطفل السوري إيلان كردي، إلا أن لدى ألمانيا، لا شك، دوافع أخرى لفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين.

يشير خبراء في هذا الصدد إلى سبب يرونه رئيساً في استجابة برلين للتعاطف الكبير لدى الألمان تجاه اللاجئين السوريين، يتمثل في محاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني من حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات. ولألمانيا أقوى اقتصاد في أوروبا ونسبة البطالة فيها الأقل بعد النمسا ولوكسمبورج وهولندا. وقد انخفضت النسبة العام الحالي إلى 2.77 مليون، ومع ذلك تقول تقارير ألمانية أن البلاد بحاجة في السنوات المقبلة إلى 1.5 مليون ونصف المليون من الأيدي العاملة للمحافظة على وتيرة اقتصادها المرتفعة.

تتقدم ألمانيا على اليابان في انخفاض معدل الولادات، وتقول التقارير أن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80.8 مليون نسمة في عام 2013، مرشح للتراجع إلى 67.6 مليوناً في عام 2020. يحدث ذلك على الرغم من المدد المتزايد من اللاجئين.وتنتشر في المجتمع الألماني ظاهرة إحجام الكثيرين عن الإنجاب، حيث تفيد التقارير بأن عدد الأطفال الجدد الذي يدخلون المدارس انخفض بنسبة 10% خلال 10 سنوات، إذ يلتحق بالمدارس 800 ألف طفل سنوياً، وفي الوقت نفسه يحال على التقاعد 850 ألف شخص.وينكر بعض الخبراء أن يكون دافع ألمانيا إلى فتح أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئين هو لمواجهة شيخوختها، مشيرين إلى أنها لو أرادت ذلك لاكتفت بفتح باب الهجرة أمام حملة المؤهلات والكفاءات، لافتين إلى أن استقبال اللاجئين في هذا البلد يجري من دون تمييز.

ومع ذلك، تضمن القوانين الألمانية للاجئ البقاء ما بقي وضعه الإنساني قائما، ولاحقا يتمكن من البقاء في البلاد أولئك الذين يتمكنون من إعالة أنفسهم ويتم ترحيل الآخرين بعد زوال ظروفهم القاهرة وتحسن أوضاعهم الإنسانية.واللافت أن ألمانيا لا تستعمل صفة "لاجئ" في معاملاتها، بل يعد هذا النعت نوعا من التمييز وجريمة يعاقب عليها القانون، ولا يُنص عليها في الوثائق التي تمنح لهؤلاء، الذين يُشار إلى أنهم يتمتعون بصفة "الحماية الدولية"، ويُذكر في الوثائق أن سبب إقامتهم هو قرار المكتب الفدرالي بمنح الحماية الدولية بموجب المواد 25-26 من قانون إجراءات الإقامة. ويكتب على وثائق سفرهم أنها منحت بناء على أحكام اتفاقية جنيف لعام 1959. ويصعب تحديد سبب معين لفتح ألمانيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين، ويمكن القول إن ظروفا متنوعة اجتمعت لتدفع برلين في هذا الاتجاه.

وبقدر ما، تعطي هذه الخطوة للاجئين حياة واعدة جديدة، تساعد في الوقت ذاته هذا البلد على مواجهة عدة مشكلات من بينها ظاهرة الفاشية الجديدة من خلال الاستفادة من موجة التعاطف الكبيرة التي عبّر عنها الرأي العام الألماني تجاه اللاجئين السوريين لمحاصرة مثل هذه الاتجاهات المتعصبة والسلبية، ناهيك طبعا عن معالجة الخلل الديموغرافي لتفادي تبعاته المستقبلية الخطيرة.

اللاجئون السوريون وتوظيفهم من قبل الغرب

لا نعلم إن كان يتعين علينا أن نشكر ألمانيا وبعض الدول الأوروبية على صحوة الضمير التي أصابتها فجأة ودفعتها لنصرة اللاجئين السوريين في أسوأ محنة يتعرضون لها، وهم يفتحون لهم المعابر والملاجئ ويستقبلونهم في بيوتهم، في الوقت الذي تسد أمامهم المنافذ وتمنع دونهم المعابر إلى الدول العربية.. أو إن كان يتعين علينا بدلاً من ذلك، أن نلعن الغرب على أنانيته المفرطة وتفانيه في ممارسة لعبة سياسة المصالح التي تمنحه فرصة الظهور بمظهر إنساني متحضر، وهو الذي ينتصر للضعفاء ويمنحهم قارب النجاة ويعيد لهم الأمل في لحظة فارقة.. فحتى بابا الفاتيكان لم يحتمل بدوره معاناة السوريين فارتفع صوته مطالبا كل عائلة مسيحية باستقبال عائلة سورية...

إذا كان فيما يقدمه الغرب اليوم للسوريين لا يمكن إلا أن يدين الأنظمة العربية بجامعتهم وبقية منظماتهم الإقليمية التي دخلت مرحلة اليأس منذ فترة طويلة، فإنه لا يمكن أيضا أن يجعل منه أي الغرب - بطلا للسلام ولا منقذا للإنسانية، بل إن بطاقة الإدانة تنسحب عليه هو أيضا وتجعل مسؤوليته مضاعفة إزاء كل لاجئ سوري يغرق أو يموت مختنقا في شاحنات الموت والمهربين الذين يعتاشون من أزمة اللاجئين، تماماً ككل السياسيين والمنظمات الحقوقية التي تبتز الدول النفطية وتحصل منها على تبرعات خيالية باسم إغاثة اللاجئين وتمويل المشاريع الإنسانية بيد أن السوريين يموتون ولا يرون منها فلسا. والمأساة ذاتها خبرها اللاجئون الفلسطينيون والعراقيون واليمنيون وغيرهم كلما تفاقمت موجة الصراعات والحروب في المنطقة...

وفي هذا السياق، تتحمل الدول العربية مسؤولية حقيقية فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين. فنحن نتحدث عن الظلم الذي يقترفه العالم الغربي بحق العالم العربي، لكن.. لماذا لا نتحدث عن الاضطهاد والقهر والظلم الذي نقترفه نحن العرب بحق بعضنا البعض؟. هناك الملايين من اللاجئين في السوريين، كلهم عرب مسلمون، وينتمون لدولة عربية.. إن من جعل هؤلاء الناس يفقدون منازلهم وأوطانهم ليصبحوا لاجئين، هي سياسات تدخل المحاور الإقليمية وارتباطاتها الدولية في الشؤون السورية. فسوريا لم تشهد حرباً بين المسلمين والمسيحيين، بل تشهد حرباً إرهابية قوامها  تنظيمات إرهابية و تكفيرية مدعومة من قبل دول الخليج، و تركيا، و الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا ضد الدولة السورية. والحرب تدور بين أطرافٍ جميعها مسلمة، حنجرة المقتول والقاتل تصدح باسم "الله"، وإسرائيل والغرب يتابعان هذا المشهد بسرور كبير.جميع اللاجئين السوريين الذين ذهبوا إلى الدول الأوروبية رحلوا عن سوريا من جراء الحرب الإرهابية التي تشنها التنظيمات الإرهابية التكفيرية، ضد الدولة والمجتمع السوريين.

لا أحد اليوم في خضم ماسي اللاجئين اليومية يكاد ينتبه لخطورة الفراغ الذي تستعد له سوريا مع وجود نحو اثني عشر مليون لاجئ سوري موزعين في دول الجوار بعد أن أجبروا على الهرب من جحيم القصف اليومي الذي يتعرضون له. سوريا يهجرها أبناؤها كرها بحثا عن مكان آمن يأوون إليه، وفي المقابل تتواصل حشود الإرهابيين القادمين إليها من كل أنحاء العالم ليستوطنوا البلاد...

وبيّن الدكتور وائل الحلقي رئيس وزراء سورية مؤخرا، في حديثه عن  ملف هجرة السوريين، فقال، إنه  مشروع سياسي منظّم ذو أبعاد إستراتيجية عميقة لتفريغ سورية من كوادرها الكفوءة المتميزة وشريحة الشباب التي يعول عليها في بناء سورية وإعادة الإعمار، مشيراً إلى دور المجتمع في توعية الشباب بمخاطر الهجرة عليهم وعلى وطنهم، وأن مواد الدستور واضحة بشأن حرية انتقال السوريين داخلياً وخارجياً، وأن الجهات المعنية تتابع المهربين بشكل دقيق.

 

اعلى الصفحة