|
|||||||
|
لم يكن توقيت روسيا لإحداث نقلة نوعية في حضورها الاستراتيجي في سورية عبثياً، ولا كان التركيز على شبكات الدفاع الجوي في العتاد المرسل إلى سورية وفقاً لإشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتنفيذ صفقات 2010 المعلوم أنّ صواريخ "أس أس 300" كانت أهمّ ما فيها وأنّ تنفيذها جمّد بضغوط أمريكية "إسرائيلية"... ووفقاً لما أعلنته وسائل الإعلام الروسية عن وصول صواريخ ألر أي 22 للدفاع الجوي أيضاً إلى سورية، فما فعلته روسيا عدا عن كونه قدّم مفهومها للشراكة في الحرب على الإرهاب من خلال التنسيق مع الدولة المعنية وهي سورية واحترام سيادتها، على رغم التأكيدات أنّ روسيا ليست في وارد الدخول المباشر في المعارك في سورية خارج تبلور خطة شاملة لتصفية القوى الإرهابية التي تتمركز فيها، وأنها ستمنح الفرصة لتحويل هذا الوجود إلى محفّز لولادة حلف دولي إقليمي ينطلق من التسليم بالدخول من أبواب شرعية وقانونية أساسها التنسيق مع الدولة السورية، وهو ما بدا واضحاً أنّ تردّداته تتزايد في الغرب بقوة ويتحوّل تياراً وازناً وربما يصير محدداً لوجهة السياسات الغربية قريباً. هذه النقلة بوجهتها المحورية لشبكات الدفاع الجوي والسلاح الصاروخي تعني للخبراء العسكريين مفعولاً ردعياً استباقياً لقطع الطريق على أيّ تفكير بمحاولات طائشة لحلف الخاسرين من التفاهم النووي مع إيران، وخصوصاً تركيا و"إسرائيل" والسعودية، ووضع أيّ تفكير بضربات جوية لسورية وقدراتها تمهيداً للزجّ بمجموعات مسلحة مدجّجة بالمال والسلاح عبر الحدود وتزويد الجيوب المحاصرة بالمعدات والمؤن والذخائر جواً، أمام معادلة مواجهة يصعب التفكير بالمغامرات بوجودها. من زاوية مقابلة أدّى حفظ الستاتيكو السوري العسكري بعد النقلة الروسية، المبادرة بيد الجيش السوري، بما يجعل فرص فرض التسويات المتفق عليها مع الرئيس السوري بشار الأسد لجهة تشكيل حكومة وحدة وطنية كترجمة لبيان جنيف خياراً مفتوحاً بدأت المتغيّرات الأوروبية تمنحه حظوظاً وافرة على رغم التصعيد التهجيري الذي تقوده تركيا شمال سورية. كسر قواعد اللعبة يبدو أن روسيا حسمت موقفها بشكل قاطع لا يقبل أي شك أو تأويل بأنها تقف إلى جانب القيادة السورية والرئيس الأسد في الحرب على الإرهاب، فلا رشاوىِ سعودية أو قطرية، أو حروب ومقاطعة اقتصادية أو تهديدات أمريكية بقادرة على تغيير موسكو لموقفها من حليفها الاستراتيجي أو التخلي عنه، وهي لم تكتف بالمواقف النظرية المعلنة، بل إنها قالت لزوارها الرسميين العرب، بأنها ستخطو خطوات كبيرة وواسعة في إطار علاقتها في سوريا، فيما يخص محاربة الإرهاب، وهي لن تحاربه على الطريقة البهلوانية الأمريكية، بل ستكون مشاركة فعلية إلى جانب الجيش السوري وقوى المقاومة الأخرى في الحرب على تلك العصابات التكفيرية والإرهابية، وروسيا عندما تخطو خطوات عسكرية واسعة تجاه علاقة إستراتيجية مع سوريا، فهي تعتبر سوريا بمثابة أمن قومي لروسيا، وبأن الجيش السوري في حربه الطويلة والمستمرة على تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية، إنما يدافع عن أمن روسيا في وجه تلك الجماعات الإرهابية التي اختبرتها موسكو في حربها على الإرهابيين الشيشان. روسيا عندما تصدر توضيحات تندرج في سياق تأكيد عزمها على تشريع نوع من الحضور العسكري في سورية سلاحاً وقواعد تندرج ضمن الانتشار الاستراتيجي من جهة، وتجعل ما هو قائم أقرب إلى انتشار عسكري روسي استراتيجي يشبه الانتشار الأمريكي في الخليج وتركيا وأوروبا، وهذه الخطوة النوعية الروسية في علاقتها مع سوريا والمشاركة فعلية إلى جانب الجيش السوري في محاربة الجماعات الإرهابية، تعني كسر قواعد اللعبة على الأراضي السورية، وهي كذلك تثير قلق دوائر القرار الإسرائيلي والأمريكي الأوروبي الغربي، فأمريكا طلبت من اليونان والمجر منع الطائرات الروسية التي تحمل المساعدات من استخدام أجوائها للمرور إلى سوريا. روسيا تقول بأنها ستعطي كل الأطراف المتورطة في الحرب على سوريا مهلة حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل للانخراط في التسوية المقبلة في سوريا، والتي تحظى بموافقة دول رئيسية في العالم. المسؤولون العرب لم يخفوا ذهولهم من الرد الروسي، بأنها ستحارب إلى جانب الجيش السوري الجماعات الإرهابية والتكفيرية، وستزود سوريا بأحدث الأسلحة، وستعمل على إقامة قواعد عسكرية روسية هناك، والذهول والهلع والخوف لدول الجوار العربي لسوريا نابع من الخوف على أنظمتهم ودولهم، حيث أن تلك الجماعات الإرهابية التي احتضنوها ومولوها وزودوها بالأسلحة وبالمعلومات الاستخبارية ووفروا لها الملاذ والقواعد الآمنة من أجل ممارسة القتل والتدمير في سوريا، سيكون فرارها تجاه أراضيهم ودولهم، وبما يزعزع أمن دولهم وعروشهم واستقرارهم. في ظل هذا التطور والنقلة النوعية الإستراتيجية الروسية في التعاطي مع الأزمة السورية، فسوريا ليست فقط تؤمن لروسيا حضوراً بحرياً على البحر المتوسط، بحيث يكون مدخلها القوي إلى أمن شمال إفريقيا وأوروبا، بل أهمية سوريا تتأتى من موقعها وحدودها المشتركة ودورها المحوري في الحرب على الإرهاب والتوازنات في التحالفات. الخطوة النوعية الروسية هذه أحدثت حالة من القلق والخوف عند الأطراف المشاركة في العدوان على سوريا والداعمة للتنظيمات الإرهابية على أرضها، فالسعودية يزداد غرقها في المستنقع اليمني، وبحاجة إلى من ينزلها عن قمة الشجرة التي صعدت إليها، وخصوصاً أنها بعد أكثر من خمسة شهور من العدوان المتواصل على فقراء اليمن، لم تفلح في تحقيق أية إنجازات جدية، تفرض على اليمنيين من جماعة أنصار الله "الحوثيين" وغيرهم من المركبات السياسية اليمنية القبول بشروطها للتسوية، بل نرى ان خسائرها البشرية هي ومن يسمون بقوات التحالف العربي في ازدياد مستمر، في حين تركيا بعد سحب "الباتريوت" من قبل أمريكا وألمانيا من منطقة الحدود السورية – التركية، ورفض إقامة ما يسمى بالمنطقة العازلة في الشمال السوري، وتصاعد المقاومة من جانب حزب العمال الكردستاني، فإن ما ينتظر أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي المزيد من الخسارة في الانتخابات المبكرة التي ستجري في تشرين الثاني القادم. واضح بأن روسيا ستنزع "قفازيها" الناعمين وتكسر قواعد اللعبة العسكرية في سوريا، من خلال مشاركة روسية فاعلة وميدانية إلى جانب الجيش السوري في الحرب على الإرهاب وتنظيماته في سوريا من "قاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"جبهة نصرة" وغيرها، بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية روسية على الأراضي السورية، تمكنها من الدفاع عن مصالحها وأمنها. نهاية المنطقة العازلة منذ أكثر من عامين وماكينة الإعلام الخليجي القطري- السعودي- الإماراتي والتركي والإسرائيلي والفرنسي، ومعها المعارضات السورية المختلفة تكفيرية وعلمانية، لم تكف عن بث أكاذيبها وسمومها عن بوادر تغير في الموقف الروسي تجاه حليفها الأسد، وأن رحيل الأسد بات وشيكاً، وتعقد اللقاءات والمؤتمرات لبحث ترتيبات ما بعد الأسد في سوريا، وحاولت تلك الدول وخاصة السعودية وقطر تقديم رشاوى مالية واقتصادية للقيادة الروسية بمليارات الدولارات من أجل تغيير موقفها وتخليها عن الأسد، وأكثر من ذلك وعود بحفظ المصالح الروسية في سوريا، واستمرت تلك الأبواق في نشر الأكاذيب والدعايات المغرضة حتى بعد لقاء وزير الخارجية الروسي لافروف مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو مؤخراً، وفي المقابل كانت ماكنة الكذب التركي تبث أكاذيبها حول الموافقة الأمريكية على إقامة منطقة حظر جوي في الشمال السوري، أو ما يسمى بالمنطقة العازلة في الأراضي السورية، أي اقتطاع جزء من الأراضي السورية ومنع الطيران السوري من التحليق فوقها، لكونها تقع في مرمى صواريخ الباتريوت الأمريكية المنشورة على الحدود التركية – السورية، وتركيا سعت لتوريط أمريكا والغرب الاستعماري عسكرياً في سوريا منذ بداية الأزمة السورية، بحيث يخدم هذا التوريط مصالحها في استقطاع جزء من الأراضي السوري، وكذلك القضاء على الجماعات الكردية وبالذات حزب العمال الكردستاني، وبما يمنع نشوء أو قيام دولة كردية، ولكن الإدارة الأمريكية كانت تسارع إلى نفي موافقتها على إقامة مثل هذه المنطقة، لأن الموافقة الأمريكية على إقامة تلك المنطقة له تداعيات إقليمية ودولية كبيرة، وفيه خطر كبير على المصالح الأمريكية يطال أوكرانيا وجورجيا وأفغانستان وغيرها من المناطق الأخرى. صفقة السلاح الروسي لسوريا ليست فقط لها معنى ودلاله عسكرية، لجهة تحديث السلاح السوري، واستخدامه في تحصين قوة النظام السوري، واسترداد الجغرافيا التي سيطرت عليها العصابات التكفيرية والإرهابية، وتشكيل عامل ردع جدي لمن يريد التطاول على سوريا وسيادتها الوطنية والعبث بجغرافيتها تقسيماً وتركيباً. صفقة السلاح التي اشتملت على أحدث مقتنيات الترسانة العسكرية الروسية وخاصة الطائرات النوعية ميغ (31) وصواريخ الكورنيت، التي لعبت دوراً كبيراً في المجزرة المرتكبة بحق الدبابات والمدرعات الإسرائيلية في حربها العدوانية التي شنتها على لبنان وحزب الله تموز/ 2006، وخصوصاً مجزرة وادي الحجير، التي ألقى منها سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله خطابه الأخير في ذكرى نصر تموز، بل هي تحمل رسالة سياسية واضحة يجب أن تُقرأ في كل عواصم "التهويش" الكلامي والكذب بأن روسيا تقف إلى جانب حليفها الأسد، وهي تعتبر سوريا منطقة نفوذ استراتيجي لها غير قابلة للتفاوض، وبأن سوريا والأسد هم جزء من الحل وليسوا جزءاً من الأزمة، والأولوية يجب أن تكون لكل دول العالم، هي الحرب على الإرهاب وتنظيماته التكفيرية "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" و"السلفية الجهادية" وغيرها، التي باتت بمثابة السرطان الذي يهدد تفشيه بخطر جدي على السلم والأمن العالميين، وبعد الحرب الكونية العدوانية التي تدخل عامها الخامس على سوريا، فإن الجيش السوري راكم من التجارب والخبرات الشيء الكثير الذي يمكنه من محاربة تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية وإلحاق الهزيمة بها، ولذلك هو يستحق أن يسلح بأحدث الأسلحة من أجل اجتثاث هذا الخطر الداهم. الرسالة الروسية وصلت لتلك العواصم، ولتقول لهم تخلوا عن أحلامكم ومناوراتكم واكاذيبكم، فروسيا خيارها سوريا والأسد، ولا حل سياسي للأزمة السورية بدون الأسد، بل وتحت سقف الأسد. في الوقت الذي كان يجري فيه الإعلان عن صفقة الأسلحة الروسية لسوريا، كانت تركيا التي أراد "خليفتها" الجديد أن يحقق نصراً يمكنه من أن يحقق فوزاً مستحقاً في الانتخابات التركية القريبة، حيث فشل في تشكيل حكومة تركية جديدة، كان يريد أن يقيم المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، ويوجه ضربة قاصمة للأكراد كعقاب لهم على المشاركة الواسعة في الانتخابات، وما حصلوا عليه من مقاعد، ساهمت في عدم حصوله على الأغلبية المطلقة، ولكن يبدو أن الهزائم تلاحق هذا الطاغية المتهور، تزامن الإعلان عن الصفقة مع قرار دول رئيسية في حلف "الناتو" سحب منظومة الباتريوت المرابطة على الحدود السورية التركية... ألمانيا والولايات المتحدة ستسحبان بطاريات الصواريخ الخاصة بكل منهما، ولن تمددا لها بعد انتهاء المهلة المقررة. إعلان سحب الباتريوت يعني عملياً نعي منطقة الحظر الجوي التي أراد الأتراك من خلالها إدارة عملياتهم وتآمرهم على سوريا، بتقديم الدعم والحماية للجماعات المسلحة التي يقومون بزجّها داخل الأراضي السورية، وبما يعني المس بالسيادة الوطنية لسوريا، والسعي لتقسيم جغرافيتها، واستخدام ذلك في أي عملية تفاوضية لحل سياسي في سوريا، والهدف الآخر هو سحق الجماعات الكردية وبالذات ،حزب العمال الكردستاني، فهذا يمنح حكومة أردوغان فرصة لفوز مستحق في الانتخابات المبكرة القريبة، ولعلنا نعي جيداً أكاذيب أردوغان عن موافقة حكومته للدخول في حرب على "داعش" والاقتراب من الموقف الأمريكي، فالهدف ليس "داعش" بل شن حرب مفتوحة على الجماعات الكردية مستغلاً التوافق الإقليمي والدولي في أولوية الحرب على الإرهاب على أي أولويات أخرى، ولكن أحلام أردوغان تبخرت، حيث القرار الأمريكي – الألماني بسحب بطاريات الباتريوت، ورفض الخطة التركية لسحق الأكراد. أمريكا تعي جيداً بأن موافقتها على منطقة الحظر الجوي، يعني مخاطر حرب شاملة ستدخلها سورية بكلّ قوتها، ويدخلها معها حزب الله، وتكون "إسرائيل" مرماه، وستدخلها لاحقاً إيران، ولا ضمانات ألا تدخلها روسيا بشكل أو بآخر وهنا تخشى الولايات المتحدة أن يتكرّر السيناريو الكوبي إذا ما أقدمت على تأمين غطاء جوي لمرتزقة دربتهم في المنطقة لفرض هذا الحظر الجوي بالقوة، بفشل هؤلاء المرتزقة في تحقيق نصر عسكري وهو أمر تضعه الولايات المتحدة في حساباتها، فشل سيقود إلى التدخل الروسي المباشر في صلب المعركة الدائرة في سورية في تكرار لأزمة الصواريخ الكوبية ورفع سقف الاشتباك الحاصل مع الولايات المتحدة، انطلاقاً من الساحة السورية، ورسم معادلات جيو/إستراتيجية أقلها إجهاض الدرع الصاروخية الأمريكية انطلاقاً من الجغرافيا السورية . أمريكا بسحبها لبطاريات الباتريوت تقول لحلفائها من أتراك و"إسرائيل" ومشيخات النفط والغاز، إنّ ما بعد التفاهم النووي غير ما قبله وإنّ زمن الحرب قد انتهى، فزمن حروب حلفاء أمريكا هو زمن أمريكي تحدّده ساعة توقيت واشنطن لا أيّ عاصمة أخرى، وعلى من يريد أن يفعل خلاف ذلك فليفعله من حسابه انقلاب المشهد انقلب المشهد على المستوى السياسي والاستراتيجي في سوريا مع إعلان التدخل العسكري الروسي المباشر هناك، القيادة الروسية قررت دمج أقوالها بأنها لن تتخلى عن دعم حليفها الرئيس السوري "بشار الاسد" بالأفعال، من خلال قرار استراتيجي اتخذته إيران وروسيا، بالقتال المباشر إلى جانب دمشق ضد أعدائها، وهو ما أثار رعب القيادة الأمريكية من تخريب مخططها الفوضوي في سوريا. قبل أكثر من أسبوع نشرت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية خبرًا لفتت من خلاله إلى أن قوة من التدخل السريع تابعة للجيش الروسي مكونة من مقاتلات روسية وطائرات مروحية هجومية تمركزت في قاعدة جوية بدمشق، لتشكل قاعدة للعمليات الروسية هناك بهدف دعم الجيش السوري في محاربة "داعش"، وهو خبر وثقته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية وأكدته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية. انتفضت الإدارة الأمريكية وتفاجأت بالخبر لتعبر عن قلقها من التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض "جوش ايرنست" إنّ التقارير تؤكد أنّ روسيا دعمت سوريا بطائرات عسكرية، وأوضح ايرنست أن "أي دعم عسكري للرئيس السوري بشار الأسد مهما كانت ذريعته سواء طائرات عسكرية أو أسلحة سيزعزع الاستقرار"، فيما سارع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بالاتصال مع نظيره الروسي "سيرجي لافروف"، معبراً عن هذا القلق ومستفسراً عن صحة الأنباء، ليلقى الرد الروسي القاطع بأن روسيا لم تُخْفِ يوماً دعمها للنظام السوري، أو تزويدها دمشق بمعدات عسكرية لدعم الأخيرة في مكافحة الإرهاب. الدعم الروسي للرئيس السوري "بشار الأسد" لم يكن مفاجئًا للإدارة الأمريكية وإسرائيل، ولا يستحق هذه الانتفاضة والمحادثات والاتصالات المكثفة التي أجراها الطرفان للتأكد من صحة الأمر، فمنذ بداية الأزمة السورية تعلن روسيا بشكل صريح وواضح دعمها للنظام السوري وإمداده بالدعم اللوجستي من السلاح والعتاد، والدفاع المستميت عن مصير الرئيس "الأسد" في المرحلة المقبلة، كما يرتبط البلدان باتفاقات عسكرية تستفيد دمشق بموجبها من عتاد عسكري روسي بملايين الدولارات. تخشى واشنطن أن يكون ذلك مؤشراً على خطط لتوسيع الدعم العسكري الروسي للرئيس السوري "بشار الأسد" بشكل كبير، وهو ما سيجعل القوات الروسية هناك في مواجهه مع قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، كما أن ما يثير قلق أمريكا هو أن السلاح الروسي ربما يسكر التوازن الذي تحرص عليه واشنطن بين القوات السورية ومسلحي المعارضة، وهو التوازن الذي يجعل الأمور تبقى كما هي على حافة الهاوية، بما يسمح لقيام أمريكا بدور الكبير المزعوم في الحرب على تنظيم "داعش". القلق الأمريكي من التدخل الروسي في سوريا سريعًا ما انتقل إلى حليفتها الكبرى إسرائيل، حيث تخشى تل أبيب من النفوذ الإيراني على الجبهة الجنوبية على الحدود مع الجولان المحتل، وهو ما ساهم في تقدم الجيش السوري والمقاومة اللبنانية على هذه الجبهة. رأت صحيفة "هآرتس" الصهيونية، أن إرسال روسيا للطائرات الحديثة المزودة بآخر طراز من صواريخ الجوـ جو، سيعني الحد من قدرة الجيش الإسرائيلي على ضرب شحنات الأسلحة الخاصة بـ"حزب الله"، إذ أنها ربما تعطي الجيش السوري قدرة على التصدي لهذه الغارات الصهيونية، وهذا ما بالإمكان أن يأخذ المنطقة باتجاه آخر، وهو ما قد يغير قواعد اللعبة، ويبدل قواعد الاشتباك في السماء السورية واللبنانية ويصعب المهمة على جيش الاحتلال. تركيا لم تكن أقل توتراً من سابقتها، فعلى الحدود الشمالية برز القلق التركي من الحديث عن نفوذ عسكري روسي في محاربة "داعش"، حيث أن محاربة روسيا للتنظيم الإرهابي هناك من شأنه أن يبدد الحلم التركي في التحجج بالتنظيم لإقامة المنطقة العازلة التي يطالب بها الأتراك، وتلقى رفضًا من الحليف الأمريكي. رفض أمريكا تدخل روسيا في سوريا يأتي في ذات الوقت الذي أعلنت فيه صحيفة "صانداي تايمز" البريطانية، أن رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون"، يريد إجراء تصويت في مجلس العموم بداية الشهر المقبل للحصول على إجماع يمهد الطريق أمام مشاركة بلاده في قصف مواقع داعش في سوريا"، وهو ما أكدته صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي أشارت إلى أن فرنسا تدرس خيار شن غارات على داعش في سوريا لتنضم بذلك إلى التحالف الذي تقوده واشنطن"، ووفق الصحيفة فإن الموضوع طرح خلال جلسة مصغرة لمسئولين في وزارة الدفاع برئاسة الرئيس "فرانسوا هولاند" يوم الجمعة الماضي، لكن "لوموند" نقلت عن مسئول رفيع المستوى وعن خبير مطلع تأكيده أن القرار اتخذ بقيام طائرات الميراج الموجودة في الأردن أو الرافال في أبو ظبي بأولى مهماتها الاستطلاعية في سوريا خلال الأشهر المقبلة. أما فرنسا فقد بدأت تدخلها، حيث أعلن الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند"، أن طلعات استطلاع ستجري اعتبارًا من اليوم الثلاثاء فوق سوريا، من أجل تنفيذ ضربات ضد تنظيم "داعش"، وصرّح "هولاند"، "طلبت من وزير الدفاع العمل على إجراء طلعات استطلاع فوق سوريا، ستجيز تنفيذ ضربات ضد داعش مع الاحتفاظ باستقلالية تحركنا وقرارنا"، كما أكد الرئيس الفرنسي أن القوات الفرنسية لن تقدم على تدخل بري في سوريا، قائلاً إن "إرسال قوات فرنسية برية إلى سوريا سيكون غير منطقي وغير واقعي، لن نقوم بتدخل بري، كما أننا لن نقوم بمثل هذا التدخل في العراق". وفي إطار محاولات الإدارة الأمريكية منع التدخل الروسي في سوريا بأي ثمن، أرسلت أمريكا طلباً لليونان تدعوها إلى منع مرور طائرات الإمداد الروسية المتوجهة إلى سوريا، حيث قال مصدر في وزارة الخارجية اليونانية، إن السلطات تدرس طلباً أمريكياً بمنع مرور طائرات الإمداد الروسية المتوجهة إلى سوريا، وقال المسئول "تلقينا طلباً السبت وندرسه"، وكانت روسيا طلبت من اليونان السماح بعبور طائرتين روسيتين في الفترة ما بين 1 و24 سبتمبر بحسب المسئول اليوناني. التحركات العسكرية الروسية في سوريا أصبحت واقعاً لا يقبل الشك أو الترجيح، بل أنها سيكون لها أثر ميداني واضح ومتصاعد، لتصبح بذلك الأزمة السورية على رأس أولويات القادة الروس على الصعيدين العسكري والسياسي، بل تصبح روسيا هي محور حل الأزمة السورية، وتبعث برسالة مفادها أنه حان الوقت لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية وهي في الوقت نفسه تمسك بزمام العمليتين السياسية والعسكرية، فمن الناحية العسكرية فإن قواتها المسلحة أصبحت على الأرض السورية مساندة لقوات الجيش السوري، ومن الناحية السياسية يزداد التفاهم "الروسي الإيراني" و"الروسي المصري" وتتقارب وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة في حل الأزمة السورية. الردع الروسي يقطع طريق المغامرات الحربية على سورية ويفرض التسويات، هل اتخذت "إسرائيل" قرار هدم المسجد الأقصى لقلب الطاولة وفرض حلّ دولي؟ عون يغيب عن الحوار.. والأمن العام يكشف خلية لـ"داعش" مهمّتها اختراق الحراك.. وهكذا عادت موسكو لتؤكد ثوابت مواقفها من الأزمة السورية على وقع تذبذب مواقف المجتمع الدولي ورخاوة جديته في التعامل مع إرهاب "داعش"، فيما كشفت عن تحذيراتها من وجود الإرهابيين بين جموع اللاجئين الذين يتدفقون على أوروبا، في الوقت الذي أعلن فيه الكرملين عن أن الرئيس فلاديمير بوتين سيحدد في خطابه المرتقب في الأمم المتحدة أولويات العمل في الفترة المقبلة تجاه مواجهة "داعش" ولمعالجة قضية تدفق اللاجئين باعتبارها نتيجة لمقدمات خاطئة إلى جانب موقفه من شرعية العقوبات الدولية المفروضة ضد روسيا. موسكو تواصل تمسكها بما سبق وأعلنته منذ بداية الأزمة. كانت ولا تزال تتمسك بدعم الرئيس السوري بشار الأسد إيماناً من ضرورة احترام الشرعية الدولية وانطلاقا من قراءة صحيحة لمفردات الواقع الراهن في المنطقة، في نفس الوقت الذي تدين فيه كل محاولات التدخل الخارجي وتسليح المعارضة التي تحول جزء منها إلى "فصائل" متعاونة مع داعش. ولعل ذلك ما دفع سيرجى لافروف يصف محاولات إغفال التعامل مع الحكومة السورية وعدم إشراكها في الحرب ضد الإرهاب بأنها هراء. وكان لافروف افرد في حديثه الأخير للتليفزيون الروسي مساحة كبيرة لشرح ملابسات الموقف من خلال اتهام الغرب بالسقوط في شرك المعايير المزدوجة، فيما حذر من مغبة إصرار البعض على ضرورة رحيل الرئيس السوري خشية تكرار ما شهدته ليبيا والعراق من أحداث. وقال لافروف "إن الغرب يعترف بشرعية الأسد عندما يكون ذلك في صالحه"، معيدا إلى الأذهان اعترافه بشرعيته والتعامل معه حين كان الأمر يتعلق بتصفية الأسلحة الكيماوية السورية وانضمام سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وهو ما سجلته قرارات مجلس الأمن الدولي. وأعاد عميد الدبلوماسية الروسية إلى الأذهان ما سبق وجرى من محاولات من جانب "بعض الأنظمة في المنطقة"، أسفرت عملياً عن تصاعد غير مسبوق للخطر الإرهابي وسمحت لـ"داعش" بالتحول إلى ما يشهده العالم اليوم من تنام لهيكل الشر الذي يمثله تنظيم "داعش" على حد تعبيره. وأضاف الوزير الروسي أن جميع الشركاء الغربيين ودون استثناء يدركون جيداً ما هو الخطر الحقيقي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقرين بأن هذا الخطر ليس نظام بشار الأسد بل "داعش"، وأن موقف التحالف من التعاون مع دمشق يعد ضاراً، إلى جانب اعترافهم بضرورة تحديد الأولويات في مكافحة الإرهاب. وأضاف قوله "إذا كانت الأولوية تتعلق بمكافحة الإرهاب، فعلينا أن نترك الاعتبارات الظرفية مثل تغيير النظام في سوريا جانباً". وعزا رفض بعض الدول للتعامل مع الأسد إلى مخاوفها من فقدان هيبتها ومصداقيتها وهي التي طالما طالبت برحيله، وقال إن السياسيين حصروا أنفسهم في زاوية ضيقة عندما قالوا إنه "لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سوريا، نحن لن نجلس معه إلى طاولة واحدة ولن يجمعنا معه أي شيء مشترك". باحث في القضايا الإقليمية(*) |
||||||