|
|||||
|
خلفَ أسوار العمر يا أشرعةَ الوجدِ.. مُرِّي سريعاً باتجاهِ الضفافِ.. قبلَ أنْ تفنى الجسورُ وقبلَ أنْ أَلِجَ الحصارْ.. مُرِّي إذا ما كنتُ مرتعداً، وعودي حيثُ ما كُنَّا سويَّاً، إنْ تأخرتِ الدقائقُ عن وصولكِ للمزارْ.. عودي لتحكي للبراءةِ عن مواجعِ المبحرِ الذي كتبَ القصيدةَ من خلفِ ألف ستارْ.. وهو رغم كلِّ المفازات التي عصفت به.. يبقى منتظراً لحظةَ اختراق الأسوار.. أنا خلفَ الأسوارِ (أسوار العمر) أكمِلُ ما تبقَّى مِنْ حنينٍ للأحبةِ واليمامْ.. أَجري وراءَ فراشةٍ، هَرَّبْتُها من قريتي وكتبتُ فوقَ جناحِها: أيها الأحبةُ لنْ أنامْ.. النائباتُ تَعضُّ الخافقَ في الصدرِ الحزين.. فكيفَ أهدأُ حينَ يخترقُ الرصاصُ هويتي.. أو كيفَ شُبِّهَ صوتُ شعري بالحسامْ.. أنا خلفَ الأسوارِ قد أودى بيَ الإبحارُ نحوَ جزيرةٍ فيها كنوزٌ دونَ خارطةٍ ودونَ مُرافقٍ طَرِبٍ بساقٍ واحدةْ.. دخلَ الجزيرةَ وحدَهُ، ورأى جماجمَ أنهكتها وحشةُ الأسفارِ.. أقْصَتها وأَرْدَتها بأرضٍ باردةْ قالتْ لهُ الأسطورةُ: انتظرِ المغيبَ، فبعدَ معجزةٍ سيظهرُ للمغارةِ ألفُ بابٍ.. كلُّ بابٍ ليس فيه قصيدةٌ عن أرضِ أُنسِكَ لن يؤدي للوصولْ.. فاخترْ بذائقةِ الجمالِ متاهةً تمشي إليها ثمَّ خُذْ من وحيها سرَّ النجاةِ، وقربةً فيها مياهٌ فالمسافةُ قد تطولْ.. واحْذَرْ حياةً جاوزَتْ خمسينها وتقمَّصَّتْ شكلَ وجَعِكَ فهي تُبْغِضُ كاتباًً قَلَبَ الجبالَ على السهولْ.. أنا خلفَ الأسوارِ أعرفُ أنني مرصودُ هذا اللغزِ مكتشفُ العبارةَ: يا بساطَ الريحِ "إفتح" سمسمَ الأحجارِ، كي تَهَبَ الكنوزُ بوهجها سرَّ النشيدِ وفرصةً لأكونَ مفتوناً بما يخفي الطريقُ من الطريقْ.. أو نقطةً من ماءِ شلالٍ تَدَلَّى شامخاً لتبثَّ برداً حين يشتعلُ الحريقُ بلا حريقْ.. متوهجَ اللحظاتِ أخطو باتجاهِ الغيبِ.. لا أدري إذا نادتْ عليَّ حبيبتي يوماً فهل زمني يفيقْ.. وهل أتذكرُ الأفراحَ من هلعي من التابوتِ في أحدِ المفارقِ.. أُعيدُ للأذهانِ أنَّ مدينةَ الإخلاصِ تبدأُ بالنوايا بالوقوف دقيقة.. صمتاً.. بحاراً.. أو مدى للأصدقاءِ الذاهبينَ إلى الوطنْ.. ذهبوا وكلُّ مساحةٍ في جسمهمْ، صارتْ بلاداً هَيَّأتْ عشّاقَها لقطافِ أزمنةِ الخلودِ وبيَّنَتْ، أنَّ الرحيلَ إذا تزمَّلَ بالورودِ سنلتقي.. وسنرفعُ الأعلامَ كي نبكي على ما ضاع مِنَّا قربَ مغربِ مشرقي.. وستبدأُ الأفراحُ داخلَ جسمِنا لكنها لنْ تنتهي إلا إذا هتفَ الجرادُ لأرضنا: أَنْ أَطْرِقي.. أتى وقتُ اليبابْ. في اللغزِ كنتُ.. وفيهِ أيضاً قصتي بَدَأَتْ، فيا شَطَّ العبورِ كفى عراكا.. ألأنني فيكَ اصطفيتُ سعادةً تأبى عليَّ فرادةً صَنَعَتْ ذُراكا؟! الكشفُ كشفي والأشرعةُ أشرعتي ما كنتُ يوماً صامتاً إلا لذاكا.. دَخَلْتُ مغارةَ الخمسين دخلتُ المغارةَ في الصباحاتِ.. وفي المساءاتِ وفي البقايا الباقياتِ منَ الزمنْ.. دَخَلْتُ المغارةَ كانَ فيَّ جنونُ عاشقٍ يُبَدِدُ خوفَ عُزلتهِ، ويكسرُ آخرَ الحراسِ في كأسِ المحنْ.. دخلتُ المغارةَ.. وبَدَأْتُ الآنَ منساباً كخارطةِ الوطنْ.. ورفعتُ وجهي باتجاهي.. كي أرى فرحاً.. أُنساً.. لحظةً من هناءٍ واحدةً.. فرادةً.. صمتاً.. رفعتُ وجهي باتِّجاهي كي أرى نافذةً وكي يتقاسمَ الشعراءُ إرثي.. بعدَ أنْ أخضعتُ أشكالَ المقابرِ للحياةِ.. ورحتُ أكتبُ فوقَ كلِّ صحيفةٍ منسيَّةٍ ذكرى وصولي.. آهِ… لمْ أَلِدِ الأحبَّةَ في ذهابي.. كنتُ وحدي بل لأجلي جاءَ ذاكَ اللغزُ مستتراً بقشةِ ما أُحبُّ منَ الوضوحِ، وما يفسِّرهُ المدى قربي… خيامُ البدوِ خلفي… قصةُ الطَّوَفَانِ والفُلْكُ الصدى.. أنا داخلٌ لأكونَ مثلَ الآخرين.. مُوَلَّهاً بفرادتي، ومسمَّراً بشجاعةٍ فُطِمَتْ على كرزِ الهدى.. هل لي بزوارقٍ إذا أشْرَعْتُ غُرَّتَها خَرَجَتْ ملاكي الحبيبةُ من تَوَرُّدِ خَدِّها لتضمني؟!.. هل لي بقبَّرَةٍ تُرَنِّمُ آخرَ الأشعارِ عَن منفى الأحبَّةِ كي أغذيها بحفنةِ ما أَوَدُّ منَ القصائدِ؟!! هل أرى مدناً تُبَدِّلُ بحرها بملامحي؟ أَمْ أنها تبكي لأني داخلَ الأسوارِ مرصودٌ ومبتهجٌ وخائفْ.. في داخلِ الأسوارِ هذا اللغزُ زائفْ.. في داخلِ الأسوارِ قدْ أبكي على وردٍ تعوَّدَ أنْ يكون مولَّهاً لكن في جنازتهِ تمشي القذائفْ.. أقولُ والحلقُ عالقٌ بين طرفَيْ لذةٍ وانطفاء.. ماذا تخبئُ هذه الأسوارُ التي باعدَتْ خطوي عن الأنس؟! أَزُفَ النهارُ وغامت الدنياْ، فأينَ نروحُ في هذا الهروبِ... وقد دنا فصلُ اليباسِ، وأوغلَ الأحبابُ في سفحِ الحنينْ.. ماذا لدينا لنفتحَ الأسوارَ ثانيةً على أحلامنا، ونحاورَ الوردَ الدفينْ؟! ماذا تخبّئُ الصدورُ في فصولِ اليأسِ.. مِنْ قلقِ البقاءِ، ومن ذهولِ الياسمينْ؟! إنّي أفتّشُ داخلَ الأسوارِ عَنْ لغةٍ.. فيصفعني الخريفُ بما لديهِ مِنَ التحوّلِ عَنْ رصيفٍ نرسمُ الخطواتِ فيهِ.. إذا تفتّحَ زنبقُ الروحِ الحزينْ.. بين حزنين وذكرى.. رؤى المكدودِ المتعب رؤاي أنا.. أتوجّعُ سرّاً في محرابِ الشكوى، حينَ يعودُ الخوفُ إليَّ.. أتكوّمُ في قاعِ الأمنياتِ كقطٍّ مذعورٍ.. وأتمتمُ باسمِ الحزنِ طويلاً.. حتى يُسْلِمَني النسيانُ إلى النسيانِ، وترتجفُ الأشياءُ لديَّ.. أبكي.. أتوجّعُ كالشطآن، وتنهمرُ الأضواءُ عليَّ.. في ساعةِ خوفٍ حارقةٍ، والماءُ قريبٌ.. دونَ يديَّ.. في الساعةِ قبلَ الأخيرةِ من ليلي المنكفئِ صوب غيابات الأفولْ.. في تلك الساعة من أوان الذبولْ.. انطفأتْ أضواءُ الليلكِ، وانطفأتْ بعضُ الأشياءِ أوانَ الرأسُ تراخى، واستعرتْ جدرانُ الليلِ.. فرحتُ أجرُّ الخْطوَ إلى طرفِ الشواطئ المترعاتِ بالأسماكِ الولِهاتِ، وأرسمُ ظلّي فوقَ صقيعِ اللونِ.. عساني أدركُ آخرَ أطيار المنفى.. في هذا الليلِ الوالغِ في أنحاءِ الروحِ، وفي أنحاءِ الصمتْ.. في الساعةِ قبلَ الثانيةِ انطفأتْ في الذاكرةِ الأسماءُ... فنمتُ قليلاً دون دمي علِّي أتنفسُ وجهاً في هذي الظلماتِ قبيلَ رحيلِ الصوتْ.. لكنَّ جميعَ الأشياءِ ابتعدتْ في رحلتها، وتمدّدَ يأسي فوقَ الطاولةِ.. افترقَ الآتي في لحظةِ خوفٍ حارقة، وبدأتُ الموتْ.. لعلَّ هذا الموتَ بدايةُ الحياة؟؟!.
|
||||