|
|||||||
|
كما كان متوقعاً، انتهت المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مع الأحزاب التركية لتشكيل حكومة ائتلافية إلى الفشل، لتصبح الطريق مفتوحة إلى انتخابات مبكرة، يراهن الرئيس رجب طيب أردوغان عليها لاستعادة الأصوات التي فقدها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من حزيران/يونيو الماضي أو على الأقل استعادة ثمانية عشر مقعداً نيابياً كي يتمكن حزبه من تشكيل الحكومة لوحده.. ولعل هدف أردوغان الأساسي من كل هذا هو الاستمرار في أجندته القديمة – الجديدة المتعلقة بالانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، كي يكون هو صاحب القرار الأوحد في تحديد السياستين الخارجية والداخلية بعيداً عن مطالب أحزاب المعارضة التي ترى أن أردوغان ورط تركيا في سياسات خارجية خاطئة جلبت العزلة الإقليمية لتركيا وباتت تشكل خطراً على الداخل التركي. أسباب فشل تشكيل حكومة ائتلافية ثمة أسباب كثيرة لفشل المباحثات التي أجراها أحمد داود أوغلو مع قادة الأحزاب التركية الثلاثة التي تجاوزت العتبة الانتخابية، أي كل من كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري ودولت باهجلي زعيم حزب الحركة القومية وصلاح الدين ديمرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، ولعل من أهم هذه الأسباب: 1- التناقضات الإيديولوجية الكثيرة بين حزب العدالة والتنمية الذي يمثل الإسلام السياسي وباقي الأحزاب التركية، إذ بات معروفاً أن الأحزاب التركية المعارضة تخشى إيديولوجية حزب العدالة والتنمية التي تمزج بين الإسلام السياسي (الإخواني) والعثمانية الجديدة، وهو ينطلق في إيديولوجيته هذه من تطلعات إقليمية جامحة، لها علاقة بالتطلع إلى النفوذ والدور في المنطقة، فيما الأحزاب المعارضة وعلى الرغم من اختلاف مشاربها الإيديولوجية والسياسية تركز على معادلة الداخل والحفاظ على الأسس الاجتماعية والسياسية للدولة، وتحرص على الابتعاد عن استخدام التنظيمات الإرهابية المسلحة كأداة لسياستها الخارجية، ولعل هذه النقطة شكلت محور خلاف جوهري في المحادثات التي جرت لتشكيل الحكومة الائتلافية ، إذ أن أحزاب المعارضة اشترطت الدخول في حكومة ائتلافية التراجع عن السياسة التركية تجاه الأزمة السورية، وهو ما رفضه أردوغان في إصرار منه على التفرد بالحكم على الرغم من أن سياسته هذه بدأت تهدد بجلب مخاطر كبيرة إلى الداخل التركي. 2- الخلاف على الصلاحيات: فمقابل إصرار أردوغان على الانتقال إلى النظام الرئاسي تتمسك أحزاب المعارضة بالنظام البرلماني الذي اعتمد منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، إذ ترى هذه الأحزاب في النظام البرلماني ضمانة حقيقة للحفاظ على قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد والتداول السلمي للسلطة، خلافاً للنظام الرئاسي الذي ينشده أردوغان، وهو نظام يحمل ملامح نظام شمولي وحكم مطلق يريده أردوغان على شكل صلاحيات مطلقة بما في ذلك سلطة حل البرلمان وتهميش منصب رئيس الحكومة الذي هو في تركيا يشكل العقدة المركزية للسلطات التنفيذية. 3- تضارب البرامج السياسية: وينبع هذا التضارب من الانقسام القومي والإيديولوجي والثقافة الأتاتوركية التي قامت على إنكار البعدين الديني والقومي (الكردي) في البلاد، فمقابل اعتراف كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري بوجود قضية كردية مع محاولات خجولة لإيجاد حل سلمي لها، يصر حزب الحركة القومية المعروف بتطرفه القومي الطوراني على إنكار هذه القضية ويرفض أي حل أو إصلاح سياسي ديمقراطي يؤدي إلى الانفتاح عليها والاعتراف بها، وقد شكل هذا التضارب في البرامج عاملاً في وجه المحاولات التي جرت للاتفاق على حكومة ائتلافية ولو مؤقتة. كما انعكست الخلافات الإيديولوجية هذه على قضية التعليم الديني في البلاد، حيث سخر أردوغان له كل الإمكانات بحثاً عن خزان انتخابي وحاضنة حزبية جديدة. 4- اعتقاد الأحزاب التركية الكبرى وتحديداً تلك التي تجاوزت العتبة الانتخابية أنها لن تخسر شيئاً في حال التوجه إلى الانتخابات المبكرة، وعليه كل طرف تهرب من مسؤولية فشل تشكيل الحكومة وحملها للطرف الأخر، ولعل حزب العدالة والتنمية مارس هذا الأمر بشكل واضح عندما أصر على أن يكون رئيس البرلمان منه خلافاً للعرف المتبع في حال تشكيل الحكومات الائتلافية بأن يكون مثل هذا المنصب من نصيب الحزب الذي يدخل في الحكومة الائتلافية لا الذي يشكلها، وعلى الرغم من محاولة حزب الشعب الجمهوري نيل هذا المنصب إلا أن حزب العدالة والتنمية قطع الطريق عليه في تأكيد على سلطويته وتخطيطه المسبق لإفشال مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية بغية الذهاب إلى الانتخابات المبكرة. لماذا الانتخابات المبكرة؟ في الواقع، بعيداً عن الأسباب والشروط والمعطيات السابقة التي أدت إلى إفشال مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية تعكس نتائج الانتخابات البرلمانية، لا يحتاج المرء إلى الكثير من الجهد ليعرف أن رغبة أردوغان منذ البداية لم تكن تشكيل مثل هذه الحكومة بقدر ما كانت خلق الظروف المناسبة للذهاب إلى الانتخابات المبكرة، ففي الأساس لم يكن الرجل مقتنعاً بنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من حزيران/يونيو، إذ أنه يعتقد أن الناخب التركي تعرض للتشويش وحصل اتفاق سري من تحت الطاولة لإسقاط حكمه ومشروعه السياسي المتمثل في الانتقال إلى النظام الرئاسي، وعليه تحدث مراراً خلال الفترة الماضية عن أهمية العودة إلى إرادة الشعب، وهو عندما كان يتحدث بهذا المنطق كان ينطلق من أن الانتخابات المبكرة إن جرت ستكون لصالح حزب العدالة والتنمية، إن لم يكن بتحقيق الأغلبية البرلمانية السابقة التي كان يتمتع بها بالحزب فاستعادة 18 مقعداً نيابياً، كي يتمكن من تشكيل الحكومة لوحده بعيداً عن شروط الأحزاب الأخرى. وعليه، يمكن تفسير اتهامات هذه الأحزاب ولاسيما حزب الشعب الجمهوري بأن أردوغان هو الذي كان يدير مفاوضات تشكيل الحكومة من خلف الكواليس وليس أحمد داود أوغلو، وان أردوغان هو من أفشل المفاوضات التي أجراها أوغلو وأنه استخدم الأخير كأداة سياسية لتمرير الوقت حتى انتهاء المهلة القانونية لتشكيل الحكومة، كما أن محاولات أردوغان كانت واضحة تجاه أحزاب المعارضة، سواء بإظهارها على أنها أحزاب ضعيفة وغير جديرة بحكومة قوية قادرة على قيادة البلاد ومواجهة تحديات المرحلة المقبلة، أو محاولة زرع الفتنة بينها عبر إطلاق تصريحات إيجابية تجاه هذا الحزب أو ذاك ثم التنصل منها بغية ضرب هذه الأحزاب ببعضها... وكل ما سبق تشكل مؤشرات إلى تصميم مسبق لدى أردوغان للذهاب إلى انتخابات مبكرة، انطلاقاً من جملة معطيات ووقائع، لعل أهمها: 1- إن أردوغان الذي اعتاد على قيادة البلاد في ظل حكم حزب العدالة والتنمية يجد صعوبة في القبول بشروط الأحزاب الأخرى، نظراً لأن مثل هذا القبول يعني التنازل عما حققه حزب العدالة والتنمية خلال المرحلة الماضية وطريقة إدارته للبلاد وسياساتها الداخلية والخارجية، في حين أن أجندة أردوغان هو الاستمرار في هذه السياسة تطلعا إلى ما يقول انه يسعى إلى تحقيق (تركيا الجديدة) بحلول عام 2023، أي الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، ولعل هدف أردوغان هنا، هو الانتقال إلى الجمهورية الثانية بقيادته بعد أن يرشح نفسه لولاية رئاسية ثانية حسب الدستور، والجمهورية الثانية في ذهن أردوغان تتعلق بتحقيق العثمانية الجديدة على شكل العودة إلى إيديولوجية الدولة العثمانية وفقا للظروف الجديدة والتخلص من إرث مصطفى كمال أتاتورك والأسس التي بنى عليها الدولة التركية بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية. 2- إن الحكومة الائتلافية تعني وضع نهاية لتطلعات أردوغان في الانتقال إلى النظام الرئاسي، و وضع حدودا لتدخلاته في مجمل تفاصيل السياسة التركية الداخلية والخارجية، وهو ما لن يقبل به أردوغان، خاصة وان الرجل يعتقد انه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أجندته السياسية. وعليه يمكن فهم طريقة تعاطي أردوغان مع الأحزاب التركية وهي تأخذ شكل الاستخفاف والسخرية وعدم إعطاء الأهمية لبناء تحالفات سياسية معها، وقد أدت هذه السياسة إلى المزيد من الانقسامات السياسية والاجتماعية والطائفية في البلاد، على شكل الانتقال من الصراع بين (الإسلام السياسي) و(العلمانية) إلى الصراع على هوية الدولة والمجتمع بعد أن تحول حزب العدالة والتنمية إلى موقع الحزب الشمولي في الحكم، وأبدل سلطة المؤسسة العسكرية بسلطته الحزبية من خلال السيطرة على الرئاسات الثلاثة، أي البرلمان والحكومة والجمهورية ومحاولة إعادة صوغ المؤسسات الدولة التركية من قضاء وتعليم ومجتمع كي تكون في خدمة إيديولوجيته وسلطته. 3- إن تمسك الأحزاب التركية بفتح ملفات الفساد وإعادة التحقيق في فضائح الفساد المالية التي طالت وزراء ومستشارين ومقربين من أردوغان بما في ذلك ابنه بلال، أثارت مخاوف حقيقية لدى أردوغان من أن تكون الحكومة الائتلافية مدخلاً لا لتقويض سلطة أردوغان فحسب، بل وربما فتح ملفات الفساد من جديد وربما تطاله هذه الملفات وتحرك دعاوى ضده شخصياً أو أفراد من عائلته، والثابت أن أردوغان لن يقبل بمثل هذا الأمر لا لأنه يرفض إعطاء مثل هذا الشرف لخصومه في المعارضة، بل لأن ذلك يتناقض مع قناعاته التي تقول إن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي لم يدخله الفساد إلى الآن مع أن التقارير التي نشرتها الصحافة التركية نفسها تشير بالأرقام والوقائع والصور إلى أن الفساد بات ينخر جسد حزب العدالة والتنمية وعلى مستوى كبار قياداته ولاسيما بعض المقربين من أردوغان والمحسوبين عليه، إذ ثمة من يتحدث عن تشكل لوبي من الفساد مؤلف من قيادات في حزب العدالة والتنمية وكبار رجالات المال والأعمال في البلاد، وقد تجسد هذا الأمر في العديد من المشاريع العمرانية والعقارية والخدمية الضخمة التي جرت خلال السنوات الأخيرة ولاسيما في اسطنبول. 4- إن قضية الفوز أو استعادة بعض الأصوات في الانتخابات المبكرة لا تبدو قضية صعبة في نظر أردوغان، فالرجل يعتقد أن المدة الدستورية لإجراء الانتخابات، أي بعد ثلاثة أشهر من انتهاء المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة الائتلافية، تبدو مهلة كافية لخلق معطيات جديدة في الساحة التركية ولتدارك الخلل الذي أصاب حزب العدالة والتنمية، حيث شكلت لجان لتجاوز هذا الخلل ولترتيب البيت الداخلي للحزب من جديد، بما يحقق كل ذلك الشروط المطلوبة للفوز في الانتخابات المبكرة. خطة أردوغان للفوز بالانتخابات المبكرة السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف سيستعيد حزب العدالة والتنمية الأصوات التي يحتاجها للفوز بالأغلبية البرلمانية من جديد؟ ما هي الأوراق التي يراهن عليها أردوغان؟ وهل هذه الرهانات مضمونة أم أنها قد تجلب كارثة لحزب العدالة والتنمية تكون بمثابة النهاية له؟. في الواقع، ثمة من يرى أن أردوغان وضع خطة معقدة ومركبة لتحقيق هذا الفوز، وهي خطة سياسية وأمنية متداخلة داخلياً وخارجياً، لعل من أهم بنودها: 1- التصعيد ضد حزب العمال الكردستاني من بوابة مكافحة الإرهاب، وقد كان لافتا منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية تخلي أردوغان عن إعلان قصر (دولمه باخجه) للسلام والذي تم فيه الإعلان عن نقاط بين الجانبين الكردي والتركي لإيجاد حل سياسي للقضية الكردية، كما كان لافتا تصريحاته التي اتجهت إلى إنكار وجود عملية السلام أو حتى القضية الكردية، وبالتوازي مع هذه التصريحات والمواقف تم اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية في المناطق الكردية بجنوب شرق البلاد، وقد شكل كل ذلك مقدمات للهجوم العسكري بالطائرات على مواقع الحزب الكردستاني في العراق وتركيا وذلك بعد صفقة مع الإدارة الأمريكية تحت عنوان انخراط تركيا في الحرب ضد داعش مقابل وضع قاعدة انجيرليك في خدمة حرب قوات التحالف الدولي – العربي ضد داعش في سوريا والعراق، في حين كان هدف أردوغان الأساسي من الحرب ضد الكردستاني هو التأثير على صوت الناخب الكردي الذي صوت بكثافة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح حزب الشعوب الديمقراطي بعد أن كان يصوت في السابق لحزب العدالة والتنمية. 2- ضرب شعبية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، إذ للمرة الأولى في تاريخ تركيا خاض حزب كردي الانتخابات كمكون سياسي مستقل وينجح في تجاوز العتبة الانتخابية (10%) ويحصل على قرابة 13%، وهو ما شكل ضربة كبيرة لحزب العدالة والتنمية، إذ شكل فوزه السبب الرئيسي لإفقاد حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية التي كانت تتيح له ممارسة السلطة والحكم بعيدا عن أعين الرقابة البرلمانية والحكومية أو أخذ مواقف المعارضة بعين الاعتبار، ولعل خطة أردوغان من وراء التصعيد ضد الكردستاني هو محاولة جر حزب الشعوب الديمقراطية إلى العنف بغية حظره دستوريا وان لم يكن ذلك فحظر قادته من العمل السياسي ولاسيما زعيمه الشاب صلاح الدين ديمرطاش الذي مارس لهجة ندية تجاه أردوغان، وفي جميع الأحوال التأثير على شعبيته الصاعدة ، سواء بإحراجه أمام القوى التركية ولاسيما اليسارية والديمقراطية منها من خلال معرفته السابقة بأن حزب الشعوب لن يدين حزب العمال الكردستاني أو من خلال التأثير على القاعدة الكردية التي صوتت لحزب الشعوب الديمقراطية ودفع هذه القاعدة نحو حزب العدالة والتنمية أو حتى حزب هدى بار الذي أسس حديثا، وهو حزب اتخذ شكل الهوية الدينية فيما تقول التقارير انه انشأ بقرار من الاستخبارات التركية لمواجهة النفوذ الصاعد لحزب الشعوب الديمقراطية، ولعل الجانب الخطر في هذا الحزب هو انتهاجه العنف والحديث عن صلات قوية له بتنظيم داعش. في الواقع من الواضح أن الهدف من التصعيد التركي ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطية يدخل في إطار خطة أردوغان للتأثير على صوت الناخب الكردي. كما أن هذا التصعيد يهدف إلى جذب أصوات القوميين الأتراك الذين صوتوا في الانتخابات الماضية لصالح حزب الحركة القومية. 3- لقد اتخذ إعلان أردوغان الحرب ضد داعش شكل مقايضة سياسية لتحقيق جملة من الأهداف السياسية، فهي من جهة تهدف إلى إسكات الأصوات الداخلية التي تتهم حزب العدالة والتنمية بدعم التنظيمات المتشددة ولاسيما داعش في سوريا والعراق، ومن جهة ثانية للتخفيف من حدة الاختلاف مع الإدارة الأمريكية بشأن الحرب ضد داعش خاصة بعد أن ربطت تركيا في السابق انخراطها في الحرب ضد داعش بالحرب لاسقاط النظام السوري فيما تقول الإدارة الأمريكية إن حل الأزمة السورية لا يمكن أن يكون إلا من خلال حل سياسي وان الحرب على داعش هي أولوية. وفي جميع الأحوال ينبغي النظر بعين الأهمية إلى التنازل الذي قدمه أردوغان للولايات المتحدة في السماح لها باستخدام قاعدة انجرليك وثلاث قواعد أخرى في ديار بكر وملاطيا وباتمان، كل ذلك بغية إعادة دفء العلاقة مع الولايات المتحدة لحسابات إقليمية وأخرى داخلية، على الرغم من أن واشنطن لم تستجب للشرط التركي في إقامة منطقة أمنية عازلة في شمال سوريا وهو ما كانت تشترطه أنقرة دوما للانخراط في الحرب ضد داعش. 4- بموازاة هذه الخطة يسعى أردوغان إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية لخوض الانتخابات المبكرة بعد ثلاثة أشهر، إذ تم تشكيل لجان سياسية وتنظيمية وإدارية لهذه الغاية بهدف تدارك الخلل الذي حصل في الانتخابات البرلمانية السابقة ودفع أو إبعاد بعض الأصوات المنتقدة لسياسة أردوغان وتدخله في التفاصيل الداخلية لسياسة الحزب بما في ذلك تحديد المرشحين خلافاً للدستور الذي يقول إن على رئيس الجمهورية ينبغي أن يكون حيادياً ولا يمارس الحزبية وان لا يشارك في الحملات الانتحابية لصالح أي حزب سياسي، فيما خرق أردوغان هذا البند الدستوري عندما قاد بنفسه حملات حزب العدالة والتنمية وزار عشرات المدن وخاطب في الحشود داعيا للتصويت لحزب العدالة. في الواقع، من الواضح أن الهدف من مجمل خطة أردوغان هو إعادة خلط الأوراق في الداخل التركي بغية خلق ظروف جديدة تخدم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المبكرة، وهو هنا يعول بشكل أساسي على استعادة النقاط التي خسرها لصالح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحزب الحركة القومية، على اعتبار أن الحرب ضد الأكراد سيجبرهم على إعادة النظر في اتجاهات التصويت لديهم ويفقدهم أحزابهم القدرة القيادية من جهة، ومن جهة ثانية في شد عصب القوميين الأتراك نحو حزب العدالة والتنمية على أساس انه الأقدر على حماية البلاد وأمنه القومي . رهانات قد تكون قاتلة من الواضح، أن خطة أردوغان تدخل في إطار رهانات خطرة قد تجلب البلاء لتركيا ولمصير حزب العدالة والتنمية خاصة وان خطته مكشوفة ويعرف الجميع أنها تدخل في إطار الحسابات الانتخابية للوصول إلى السلطة والتفرد بها. فالحرب ضد الأكراد وتحديدا حزب العمال الكردستاني لن يزيد سوى من التفاف الأكراد حول الحزب الكردستاني بوصفه يدافع عن المطالب والحقوق القومية الكردية التي يصر أردوغان على إنكارها أو التفاف عليها، وعليه فان قضية التأثير على صوت الناخب الكردي لصالح حزب العدالة والتنمية قد لا تكون دقيقة ، بل العكس تماما، إذ ان ما جرى سيزيد من قناعة الأكراد بضرورة التصويت لصالح الهوية والانتماء القوميين، خاصة وان حزب الشعوب الديمقراطية انتهج خطابا منفتحا يتماشى مع السلام والتعايش الكردي – التركي في حين تأتي حرب أردوغان لتزيد من الشقاق القومي بين الأكراد والأتراك، فضلاً عن أن مثل هذه الحرب ترشح البلاد لمرحلة جديدة من العنف والدماء وعدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي وترشيح تركيا للتفتت انطلاقا من المشكلات التاريخية المزمنة، كالمشكلة الكردية والعلوية والأرمنية، حيث تداعيات الأزمة السورية بدأت تخيم بظلالها على الداخل التركي على كافة المستويات. كما أن المعارضة التركية ولاسيما الأوساط القومية تعتقد أن لعبة أردوغان مكشوفة وهي كما قلنا تدخل في إطار حسابات السلطة أكثر من التمسك بالمبادئ السياسية والأخلاقية والقومية، وبالتالي في ظل هذا الإدراك من الصعب القول إن القوميين سيغيرون من اتجاهات التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، بل ربما يدفع إصرار أردوغان على الانتخابات بالقوى والأحزاب التركية هذه المرة إلى المزيد من التحالفات خاصة في ظل التقارب الحاصل بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب الشعب الجمهوري واتفاقهما على المزيد من النقاط والقضايا التي تشغل الساحة السياسية التركية وسياسة تركيا تجاه الدول العربية والإسلامية. فضلاً عن أن المتخوفين من انهيار الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد يحملون أردوغان مسؤولية المواجهة الدموية الجديدة مع حزب العمال الكردستاني والتي قد تدفع البلاد إلى الدخول في مرحلة مفتوحة على كل الخيارات. بما يعني كل ما سبق أن رهانات أردوغان قد تكلف حزب العدالة والتنمية ثمناً باهظاً في الانتخابات المبكرة. فالحزب الذي حقق نجاحات كثيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية طوال العقد الماضي بات مهدداً بالإفلاس السياسي بعد أن فقد خطابه بريقه في الشارع التركي ولاسيما في ظل اتهامات بتورطه في الفساد وقمع الحريات الصحفية والإنسانية والصدام مع كافة فئات وقوى المجتمع بما في ذلك حلفائه السابقين ولاسيما جماعة الداعية فتح الله غولين التي كانت لها دورا أساسيا في صعود نجم حزب العدالة والتنمية في المرحلة الأولى من سنوات حكمه. في الواقع، يبدو أردوغان وتحت أوهامه السلطوية الجامحة يظهر كأكثر شخص يقود حزب العدالة والتنمية إلى حتفه الحتمي، فالحزب الذي جاء إلى السلطة قبل ثلاثة عشر عاما وفقا لقواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد تحول تدريجيا إلى حزب سلطوي يرفض هذه القواعد ويصر على التفرد بالحكم والسلطة، والحزب الذي طرح نظرية صفر المشكلات مع الجوار الجغرافي يمارس سياسة مضمونها التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وممارسة سياسة تساهم في زيادة الصدام المذهبي والطائفي في المنطقة، كما أن خطابه الإيديولوجي قسم المجتمع التركي طائفيا ومذهبيا وسياسيا واجتماعيا وخلق لديه مشكلة هوية مفتوحة في الداخل. واليوم مع اكتشاف الأبعاد الحقيقية لهذه السياسة وتداعياتها تبدو رهانات أردوغان في الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة نوعا من المغامرة السياسية، لا لأنها غير مضمونة لجهة عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية للتفرد بالحكم بل لأنها قد تدخل البلاد في أزمة مفتوحة على كافة الخيارات، بما في ذلك الفوضى والعنف والتفتت في ظل ازدياد وتيرة المخاطر التي تتضافر في الساحة التركية جراء هذه السياسات والرهانات الخاطئة. كاتب وباحث متخصص بالشؤون التركية(*) |
||||||