|
|||||||
|
كشف بحثان أعدهما معهدان إسرائيليان مؤخراً، عن تنامي سياسة التمييز العنصري الإسرائيلي تجاه فلسطينيي الـ 48، خصوصاً في سوق العمل، وفي القطاعين العام والخاص. وقال أحد البحثين إن فرص العمل أمام طالب العمل اليهودي، أربعة أضعاف مما هي أمام الفلسطيني. في حين قال البحث الثاني الذي تخصص في قطاع الصيدلية، إن الصيادلة العرب، هم غالبية الصيادلة الجدد في إسرائيل، وبمعدل رواتب أدنى من رواتب الصيادلة اليهود بنحو 40 %.. وذكر "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، في بحث حول فرص العمل في "إسرائيل"، أن اليهودي الإسرائيلي يحظى بفرصة عمل أسرع بأربعة أضعاف فرصة طالب العمل من فلسطينيي 48، دون النظر إلى مؤهلات الفلسطيني الملائمة للوظيفة أكثر من مؤهلات طالب العمل اليهودي. ويعزز هذا البحث الحقائق على الأرض القائمة منذ ستة عقود ونيف، إذ تعادل البطالة بين فلسطينيي 48 ستة أضعاف مثيلتها بين اليهود. ويرى الاستطلاع، أن غالبية العاملين من فلسطينيي 48 من ذوي المؤهلات العلمية والمهنية، يعملون في وظائف أقل من مؤهلاتهم، بسبب قلة فرص العمل. ويقول المسؤول الأول عن البحث سامي ميعاري، إنه يرتكز إلى استطلاع ميداني، تركزت الأسئلة فيه حول ظروف العمل والرواتب. ويظهر البحث أن معدل راتب العامل الفلسطيني، صاحب المؤهلات الأكاديمية المساوية لمؤهلات العامل اليهودي، أقل بنسبة 12 % من معدل راتب اليهودي. ويصل معدل نسبة البطالة في "إسرائيل" إلى حدود 5,2 %، إلا أن البطالة بين اليهود تتراوح ما بين 3,5 % إلى 4 % كحد أقصى، بينما البطالة بين العرب تتراوح ما بين 21 % إلى 24 %، وتصل النسبة في بلدات صحراء النقب، حيث يعيش أكثر من 220 ألفا من فلسطينيي 48 إلى ما يزيد على 32 %. وجاء هذا البحث بالتزامن مع صدور بحث إسرائيلي جديد ونشرت تفاصيله قبل أيام، قال إن ثلث الصيادلة (33 %) في إسرائيل هم من فلسطينيي 48، رغم أن الفلسطينيين يشكلون 15 % من القوى العاملة ككل. في حين أنه حتى قبل 15 عاما كان يشكل الفلسطينيون نسبة ضئيلة من الصيادلة. ويعود هذا، إلى أن الغالبية الساحقة من الصيادلة الجدد في السنوات الأخيرة في إسرائيل هم من فلسطينيي 48، وأن الغالبية الساحقة منهم هم خريجو الجامعات الأردنية. ويقول البحث الذي أعده معهد "طاوب" الإسرائيلي للأبحاث الاجتماعية، إن عدد الصيادلة في "إسرائيل" تضاعف في السنوات الـ25 الأخيرة ثلاث مرات، من 1982 صيدليا في العام 1988 إلى 6500 صيدلي في العام 2013، إلا أن هذا التزايد بوتيرة كبيرة، جعل منطقة الشمال، ذات الأغلبية العربية، لديها فائض في عدد الصيادلة. ويؤكد البحث أن سبب الارتفاع الكبير في عدد الصيادلة، هو الزيادة الحادة في عدد الصيادلة العرب، الذين بغالبيتهم الساحقة يتعلمون في الأردن، وينجحون فور عودتهم إلى وطنهم، في امتحان المهنة الإسرائيلي، الذي يُعد من أصعب الامتحانات. ويتضح من البحث أن حال قطاع الصيادلة، هو كحال كل قطاعات العمل بالنسبة لفلسطينيي 48، إذ إنهم يحصلون على الرواتب الأقل. ويتبين من تحليل لإحصائيات البحث، أن معدل رواتب الصيادلة العرب يقل بنسبة 40 % عن معدل رواتب الصيادلة اليهود. وتحصل الصيدلانيات العربيات على الرواتب الأقل، وتتراوح غالبية رواتب العرب غير الصافية من 1560 دولاراً شهرياً إلى قرابة 2600 دولار، بينما معدل الأجور العام في "إسرائيل" هو 2450 دولار. في حين تتراوح رواتب الصيادلة اليهود غير الصافية من 2200 دولار إلى حد 5700 دولار للصيدلي اليهودي الواحد. قوانين عنصرية لم تكن النكبة الفلسطينية في العام 1948 مجرد حدث وقع في تلك السنة المشؤومة، بل هي قصة صمود مستمرة لشعب "من الجبارين" على الرغم من كل السياسات الإسرائيلية الرامية لاقتلاعه من أرضه. فالفلسطيني الذي بقي متمسكا في أرضه يعيش في ظل الدولة الصهيونية، يخوض مواجهة يومية للتمسك بأرضه، سعياً لتثبيت هويته في تحديات تستهدف تحويله إلى أقلية دون أي انتماء، وفي ظل قوانين عنصرية تتعلق بالأرض والإنسان والهوية وحرية الرأي والتنظيم... الخ. لقد "شرعنت" الدولة الصهيونية قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين في أراضي 48 حيث فرضت، طوال خمسة عشر عاماً، الحكم العسكري بكل عنجهيته ضد الفلسطينيين، مستحدثة قوانين عنصرية شملت كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مسعى لطرد وتهجير من تبقى من الفلسطينيين في أرضه. وفي الكيان الصهيوني اليوم، هناك(45) قانوناً عنصريا سنّتها سلطات الاحتلال للسيطرة على الأراضي التي جرى تهجير حوالي(957) ألف فلسطيني منها عام 1948، وصولاً إلى محاولة المسّ بمواطنتهم في دولة تصر على أنها "يهودية". وهذه "القوانين" التي صدرت في مطلع خمسينيات القرن الماضي، لا تزال آثارها متواصلة ومن أبرزها: "قوانين" أملاك الغائبين، والعودة، والمواطنة، والدخول إلى "إسرائيل"، وقانون شراء الأراضي. والجامع في كل هذه "القوانين"، هو تضييق الخناق على فلسطينيي 48، لشرعنة العنصرية والعداء لكل ما هو فلسطيني وعربي، وصولا إلى التعامل مع الفلسطينيين هذه الأيام كأعداء بشكل علني. وإن كان الأمر لا يتعلق بعدد القوانين بقدر ما يتعلق بخطورتها "الهادفة" محاصرة الوجود العربي في فلسطين 48، نرى كيف تصر الأحزاب السياسية الإسرائيلية على "موضة" طرح أفكار مشاريع قوانين عنصرية في حملاتها الانتخابية لكسب الشارع الإسرائيلي. فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في آذار/مارس الماضي، توعّد سياسيون إسرائيليون بالمزيد من هذه القوانين العنصرية. فمثلاً، توعد (أفيغدور ليبرمان) زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني بسن قانون لإعدام الفلسطينيين المدانين بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، إضافة إلى اصطفاف مختلف ألوان اليمين الإسرائيلي خلف مشروع قانون طرحه حزب "الليكود" اليميني، بزعامة (بنيامين نتنياهو) باعتبار إسرائيل "الوطن القومي لليهود". ويأتي في الإطار، مساعي نواب إسرائيليين لنزع صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية الخاصة بالنظر في اعتراضات تقدم ضد قوانين يقرها "الكنيست" كي لا يكون هناك أي أمل بإمكانية تعديلها مستقبلاً، خصوصاً سحب المواطنة من أهالي من ينفذون عمليات ضد إسرائيل. وفي مقال كاشف بعنوان "سحب المواطنة وهذا الهراء"، كتب (تسفي برئيل) يقول: "في الدولة اليهودية فقط اليهود يستطيعون أن يكونوا إرهابيين بدون خوف على فقدان المواطنة. يستطيعون إجراء المفاوضات مع حماس أو الالتقاء مع نشطاء إرهابيين دون أن تقدم ضدهم دعوى حول "اتصال مع جهات غريبة" أو "مساعدة منظمة إرهابية"، هذه الأعمال التي تعتبر سببا لسحب المواطنة"!! ويشرح: "مواطنة عرب إسرائيل ستكون دائما مع وقف التنفيذ. وهي أشبه بالصدقة التي قدمتها الدولة لمن تعتبره عدوا طبيعيا. فكونه عربيا، يجعله يسعى إلى تدمير إسرائيل أو هو على الأقل مستعد لمساعدة من يطلب ذلك! التعبير الشامل الذي استخدمه نتنياهو ("ينادون بتدمير إسرائيل") موجه إلى العرب في إسرائيل، وبنفس القدر إلى إيران، وأيضا إلى حزب الله وحماس وتلوينهم بلون داعش. من هنا، بات الطريق قصيرا إلى طرح شعار: "عرب إسرائيل هم داعش وداعش هو عرب إسرائيل". وبالطبع لا يريد أحد إعطاء المواطنة الإسرائيلية لنشطاء داعش. لعل من أخطر مشاريع القوانين الجديدة التي يتوقع أن تقر في "الكنيست الحالية" هو مشروع قانون "إسرائيل.. الدولة القوميّة للشعب اليهودي"، الذي يغير التعريف القائم "لدولة إسرائيل" من كونها "دولة يهوديّة ديمقراطيّة" إلى كونها "الدولة القوميّة (للشعب اليهودي)"، وأن حق تقرير المصير في إسرائيل هو حق حصري (للشعب اليهودي). وفي مقال "البديل: معسكر يهودي عربي"، كتب (يرحميال كوهين): "المطلوب من جميع الأحزاب في إسرائيل الاعتراف بأن التطرف والقومية قد يؤديان إلى صراع داخلي خطير، وأنه توجد حاجة لتقليص الفجوات الكبيرة بين السكان اليهود والعرب، سواء في الميزانيات أو في إشغال المناصب الرفيعة في لجان الكنيست والحكومة من أجل أن يأخذوا نصيبهم في اتخاذ القرارات التي تحدد وجهة الدولة. إن تعلم اللغة العربية في عمر مبكر بالمدارس اليهودية واللغة العبرية في المدارس العربية، يجب أن يكون مركبا أساسيا في البرنامج المشترك لهذا المعسكر. وعلى القادة اليهود اتخاذ خطوات من أجل بناء جسر للجمهور العربي والحصول على تأييده للخطوة". ويختم ببلاغة: "نحن لسنا ملزمين بانتظار حرب أهلية مثل تلك التي عاشتها أمريكا قبل 100 عام من إعلان استقلالها، حتى بدأت عملية تحرير الأفرو/أمريكيين، ومرت عشرات السنين حتى تم إلغاء القيود على حياتهم. يمكن تجاوز هذه المراحل المخجلة وتحويل هذه الساعة إلى ساعة رغبة. هل هذه فانتازيا؟". وطالما أن حكم تحالف اليمين الصهيوني واليميني الأكثر تطرفا قائم، فإن هذه "الأحلام" - يا سيد (كوهين) - فعلاً: فانتازيا!!! تهويد النقب تتجسد مأساة الشعب الفلسطيني في أوضح صورها في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة، فمن الاعتقال والملاحقة للشباب العربي وقتلهم، كما حصل في مدينة رهط مؤخراً، مروراً بهدم المنازل وتدمير القرى العربية، وصولاً إلى مصادرة جيش الاحتلال الإسرائيلي ما تبقى من الأراضي العربية. وقد زادت الوضع سوءاً الشعارات العنصرية التي أطلقها قادة إسرائيل وأحزابها السياسية في السنوات الأخيرة، والتي تدعو، في مجملها، إلى القيام بحملة تطهير عرقي كبيرة، من أجل طرد العرب الفلسطينيين من أرضهم، ومن بينهم عرب النقب جنوبي فلسطين المحتلة. ولتهيئة الظروف من أجل إفراغ منطقة النقب من أهلها العرب، سعت الحكومات الإسرائيلية، المتعاقبة منذ عام 1948، إلى حرمان العرب هناك من أبسط الحقوق الإنسانية، من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية أخرى. لكن الأخطر ما حدث أخيراً، وتحديداً قتل الشرطة الإسرائيلية يوم الأحد 18-1-2015 شابين من مدينة رهط التي تعتبر أكبر تجمع في صحراء النقب، حيث يقطنها 60 ألف عربي، وقبل ذلك، إزالة الجرافات الإسرائيلية قرية العراقيب في منطقة النقب بشكل كامل 80 مرة، بعد أن أعاد إعمارها أهل القرية، بغية الانقضاض على الوجود العربي في منطقة النقب وتهويدها في نهاية المطاف. ولهذا، باتت الضرورة ملحة لإلقاء الضوء على سياسة إسرائيل، إزاء عرب النقب الذين يواجهون سياسة تهويد محكمة. تستحوذ منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة على أكثر من 50% من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة 27009 كيلومترات مربعة، وبفعل الزيادة السكانية العالية بين العرب في تلك المنطقة، ارتفع عددهم من 15 ألفا في 1948 إلى حوالي 200 ألف في بداية العام الحالي 2015 يمثلون 12.5% من إجمالي عدد العرب داخل الخط الأخضر، والمقدر بمليون وستمائة ألف عربي فلسطيني. وقد سعت سلطات الاحتلال، منذ السنوات الأولى لإقامة إسرائيل، إلى السيطرة المباشرة على ما تبقى من أراضي البدو في النقب، لصالح بناء الترسانة العسكرية الإسرائيلية من جهة، وبناء مزارع حكومية وخاصة من جهة أخرى. وتبعاً لذلك، ألزمت السلطات الإسرائيلية أهالي منطقة النقب في بداية السبعينيات تسجيل أرضهم في دائرة ما تسمى هيئة أرض إسرائيل، في وقت تعلم فيه السلطات الإسرائيلية حقيقة عدم احتفاظ غالبية أهالي النقب البدو بمستندات حول ملكيتهم في أراضي النقب والتجمعات والقرى هناك، خصوصاً عاصمة النقب بئر السبع. ومن الأهمية بمكان، الإشارة أيضاً إلى أن المحاكم الإسرائيلية كانت أقرت في عام 1948 بأنه لا ملكية للبدو في أرضهم وأرض أجدادهم. وبفعل عمليات المصادرة الإسرائيلية المبرمجة منذ عام النكبة، قبل أكثر من 66 عاماً، فإن الحقائق والدراسات المختلفة تفيد بأن مساحة المنطقة المأهولة بالسكان البدو العرب، أصحاب الأرض الأصليين، لا تتعدى 240 ألف دونم من أصل مساحة صحراء النقب، البالغة نحو 13.5 مليون دونم، ومن بين أهم الحجج الإسرائيلية للسيطرة على أراضي البدو في النقب حجة الحفاظ على التنظيم الهيكلي للمنطقة، وضبط عمليات البناء بشكل ممنهج، ناهيك عن الدواعي الأمنية والعسكرية، بغية بناء مزيد من المعسكرات والمصانع العسكرية والمطارات الإسرائيلية في الأراضي العربية، بعد إتمام مصادرتها وتهويدها. ومن بين أهم المفاعلات النووية الإسرائيلية مفاعل ديمونا في صحراء النقب، ويعد من أهم المفاعلات التي تمتلكها إسرائيل. وقد تمكنت السلطات الإسرائيلية، عبر سياسات ديموغرافية واستيطانية محكمة، من عدم الاعتراف بكل التوسعات العمرانية العربية في منطقة النقب، وقامت السلطات الإسرائيلية بتجميع بدو النقب في مناطق محددة، لأسباب أقلها محاولة كسر التمركز الديموغرافي الشديد للبدو في مناطق لها هوية عربية خالصة، ومن تلك المناطق التي تم إسكان قسم من البدو فيها بلدة مرعيت، وكانت هذه الخطوة بمنزلة اقتلاع وترحيل قسري لعرب النقب في الوقت نفسه. وثمة مخططات إسرائيلية عديدة لإعادة تجميع عرب النقب في ثلاث مناطق في جنوب فلسطين المحتلة، هي: ديمونا وعراد وبئر السبع، وفي الاتجاه نفسه، قد تتم عمليات التجميع في سبع قرى، عوضا عن 70 قرية بدوية منتشرة في صحراء النقب غير معترف بها أصلا من السلطات والإدارات الإسرائيلية المختلفة، وهو ما سيجعل حياة البدو أكثر هامشية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى. مما تقدم، اتضحت معاناة عرب النقب، الأمر الذي يتطلب، أكثر من أي وقت مضى، تسليط الضوء على أوضاع العرب داخل الخط الأخضر، خصوصاً في صحراء النقب، وهذا يتطلب فضح السياسات الإسرائيلية المتبعة ضدهم، والهادفة إلى تهجير أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين إلى خارج أرضهم، أو إلى إعادة توزيعهم في قرى أخرى، غير قراهم التي ترعرعوا في كنفها، فضلاً عن ابتلاع ما تبقى من أراض عربية في حوزة العرب الفلسطينيين في جنوب فلسطين المحتلة. هجمة لمحاصرة الثقافة يتعرّض المشهد الثقافي الفلسطيني داخل أراضي 48 لهجمةٍ إسرائيليةٍ تحريضية ليست الأولى من نوعها، إلا أنها تأخذ هذه المرة منحى خطةٍ ممنهجة تسعى إلى قمع تطور الثقافة الفلسطينية في الداخل، وكسر شوكة الفنانين والمبدعين الذين لا يتماهون بالضرورة مع أجندة دولة الاحتلال. وتوالت حملات الملاحقة مؤخراً، ابتداء من المخرجة سهى عرّاف التي رفضت عرض فيلمها الأخير "فيلا توما" كفيلمٍ إسرائيليّ، فانهالت الأصوات التي تطالب صناديق الدعم الإسرائيلية بسحب تمويلها للفيلم. وقررت هذه الأخيرة، تحت الضغط، الإعلان عن شروط دعمٍ جديدة للإنتاج السينمائي، بما يلزم المخرجين المتقدّمين بالتعريف عن أنفسهم أمام كلّ محفل ووسيلة إعلام "كمخرجين إسرائيليين لعمل إبداعي إسرائيلي"(!). ومن عرّاف إلى الممثل نورمان عيسى، الذي رفض التمثيل على منصّة مسرحٍ في إحدى مستوطنات الغور، وحصل على نصيبه من الترهيب، لاسيما بعدما توعّدته وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريجيف بقطع التمويل عن مسرح الأطفال الذي يديره، هو وزوجته، في يافا. ومن نورمان إلى "مسرح الميدان العربي" في حيفا، المهدّد بتجفيف الميزانيات عنه، بسبب إنتاجه لمسرحية "الزمن الموازي" المستوحاة من كتابات الأسير الأمنيّ وليد دقه، الذي اعتقل بتهمة التخطيط لقتل جنديّ إسرائيلي في العام 1984. بلغ التطبيل والتزمير الإعلامي ذروته في قضية "الميدان"، إذ تسابق الوزراء في حكومة بنيامين نتنياهو على إطلاق الاتهامات بحق المسرح لـ "دعمه الإرهاب والإرهابيين". ولم تقف الأمور حدّ التصريحات، فقد أعلنت بلدية حيفا عن تجميد تمويلها للمسرح حتى البتّ بموضوعه، بينما هدّدت ريجيف نفسها بتجميد تمويله من قبل وزارة الثقافة هي الأخرى وأثارت بذلك ثائرة بعض الأوساط الفنية في إسرائيل التي خرجت ضد سياسة كمّ الأفواه، معتبرةً خطوات ريجيف غير ديمقراطية. إلا أن ذلك لم يردع وزيرة الثقافة الجديدة التي فتحت جبهةً إضافية ضد الفنانين الإسرائيليين، واصفة إياهم بـ"ثلة من المتعالين وناكري الجميل"، مؤكدةً للجميع أن "هذه الحكومة هي ليست حكومة اعتذارية.. سنحارب كلّ من يحاول نزع الشرعية عن دولة إسرائيل ومقاطعتها من الداخل.. خلال شهر، سيعرف الفنانون ما المسموح وما الممنوع عرضه في أعمالهم". أما نفتالي بينيت فأطلّ عبر حسابه على "تويتر" ملوّحاً بصلاحيته كوزير التربية والتعليم، ومعلناً بأنه قرّر إخراج المسرحية على الفور من السلة الثقافية المعدّة لطلاب المدارس، ذلك على الرغم من أن اللجنة المهنية المعنية قررت المصادقة عليها من جديد(!). وجاء على لسان الوزير اليميني قوله: "وليكن واضحاً أن مواطني دولة إسرائيل لن يموّلوا من جيوبهم مسرحية تظهر التسامح تجاه قاتلي الجنود.. أولاد إسرائيل لن يشاهدوا مسرحية تعرض القاتل على أنه بطل!". من جهته، أوضح مدير "مسرح الميدان" عدنان طرابشه أن "وليد دقه الذي يعتبره الإسرائيليون "إرهابياً" هو بالنسبة إلى الفلسطينيين مناضلٌ وأسيرٌ سياسيّ". ونفى طرابشه الاتهامات التي تدّعي أن مسرحية "الزمن الموازي" تروج للقتل، مبيناً أنها تستعرض قصة إنسانية لأسير ما زال حبيس السجن منذ ثلاثين عاماً، ولزملائه الذين عملوا على مفاجأته، بعدما سمحت له سلطة السجون بالزواج، فصنعوا له عوداً نجحوا في تهريب قطعه الخشبية. وذكر طرابشه في تصريحاتٍ أدلى بها للإعلام: "لقد تعرّضنا لحملات عدّة قبل سنوات، لكن الحملة هذا العام بدأت ضدنا عندما قمنا باستضافة مهرجان الأفلام الفلسطينية، وأقمنا معارض في أسبوع الأسير الفلسطيني، وعروضاً في ذكرى النكبة.. ذلك، إلى جانب عرضنا لمسرحية "1945" التي تتحدث عن حياة قرية فلسطينية خلال تلك السنوات، ونهايةً مع عرضنا لمسرحية الزمن الموازي". يبدو أن أكثر ما تجسّده الحملة الأخيرة على مسرح "الميدان" هو التصعيد الحاصل في تعامل الدولة مع المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومع حريته بالتعبير على وجه الخصوص.. لاسيما في ظل الحكومات اليمينية الأخيرة، التي تشهر عداءها للعرب من دون اعتذارٍ أو ارتباك. وكما يقول جعفر فرح، مدير "مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل"، فإن "التضييق على المثقف الفلسطيني ليس بجديد، الجديد اليوم هو أنهم يفضحون سياساتهم وأنفسهم. التمييز الممنهج قائم من قبل، فوزارة الثقافة التي تريد التدخل الآن بالمضامين الفنية تخصص 3% فقط من ميزانيتها للمجتمع العربي، والبلدات العربية تفتقر بشدة للبنى التحتية الثقافية، حتى "سينماتك الناصرة" أغلق أبوابه بعدما كان الوحيد في بلدة عربية. والحكومة ما زالت ترفض تمويل مشروع المتحف الفلسطيني. في حيفا، هناك متحف ياباني ولا يوجد متحف عربي(!). من الواضح أن هذا التضييق هو قسم جوهري من المشروع الاستيطاني. إن استهداف المشهد الثقافي هو جزء من استهداف المجتمع الفلسطيني، ومن محاولة إدخاله في أزمة، خصوصاً أن مجتمعنا يرفض تهميش نفسه ويضع تحديات جديدة كان آخرها ارتفاع نسبة التصويت والمشاركة السياسية في الانتخابات الأخيرة التي خاضها العرب ضمن قائمة مشتركة". ويكمل فرح قراءته للواقع وتطوّراته: "لقد استهدفوا القيادة في البداية، ومن ثم انتقلوا إلى المجتمع المدني والمشهد الثقافي الآن. إن ما يخدم مشروعهم هو تجهيل المجتمع وليس تثقيفه. هم يفضلون أن نكون مجتمعاً جاهلاً وتابعاً للشعارات الدينية، بينما "الميدان" والفنانون العرب يصوغون خطاباً وطنياً وتقدمياً لا يتماشى مع ذلك. لهذا، نراهم يحاولون زجّنا بخلافات داخلية على المشهد الثقافي، ونسمع عن منع رواية علاء حليحل "أورفوار عكا" في مدرسة بباقة الغربية، بادعاء خدشها للحياء أو إلغاء عرض ستاند - أب لنضال بدارنة، أو منع ممثلة من تقديم مسرحية. إن السماح بهذه الاعتداءات داخل المجتمع لا يمكن أن يتم من دون موافقة "الشاباك". بصمتهم حيال هذه الأحداث هم يقولون: لندعهم يقمعون الثقافة الفلسطينية بأنفسهم. هذه المعركة هي محاولة لإبقاء المجتمع الفلسطيني مجتمعاً يتعامل إما مع قضايا الصرف الصحي أو مع الغيبيات.. فهم بلا شك يفضلون أن ننشغل بالغيبيات على أن ننشغل بالمعركة على مستقبل شعبنا. قضية الأرض اليوم هي ليست القضية الفلسطينية فحسب وإنما قضية الإنسان - أي إنسان سيبقى على هذه الأرض. لهذا، تستهدف ثقافته بالذات لتدميره. كان من الممكن أن يسنّوا قانون النكبة من دون أن ينتزعوا أرواحنا، لكن هذا هدفهم من البداية. فهم يعرفون بأن هذا القانون أو غيره لن يمنعنا من الحديث عن النكبة. النكبة لم تكن كلمة متعارف عليها هنا، اليوم لا يوجد مواطن بهذه الدولة، عربيّ أو يهوديّ، لا يعرف ما هي النكبة. ردّ فعلنا تجاوز كلّ توقعاتهم، فذكرى النكبة تحوّلت إلى حدثٍ ضخم وقوافل بشرية تزداد كل سنة! 20 ألف شخص هذه السنة، يمشون جنباً إلى جنب، يهتفون ويغنون. وكلّ محاولات التيار الإسلامي لمنع الغناء ومنع النساء، لم تنجح.. بل صار التيار الوطني يتعامل مع قانون النكبة كجزء من مشروعه لإعادة الهوية الوطنية للجماهير". في عودةٍ إلى الأحداث الأخيرة والنقاش الذي أثارته، يقول فرح: "لطالما أرادوا أن يقنعوا أنفسهم بأننا شعب بلا ثقافة. حتى مؤخراً، كانوا يهاجموننا بحجج باطلة كقتل اليهود أو التهرّب من دفع الضرائب. الآن، الحديث بيننا وبينهم صار حول إغلاق مسرح أو عدم إغلاقه، لا إن كنا نقتل اليهود ولا ندفع ضرائب، وإنما هل لدينا حق بتلفزيون مستقل أم لا؟ أصبحنا نحن نهاجم بالمشهد الثقافي ونتهمهم بقمع قدرتنا الإبداعية والثقافية، بينما هم يحاولون إرجاعنا إلى الحديث عن الخدمات وهدم البيوت. أعتقد أننا أحدثنا نقلة نوعية في النقاش مع الإسرائيلي، كما أننا فرضنا أجندة. وهنا تماماً تكمن قدرة المثقفين على التأثير بموقعة النقاش. لقد حوّلنا هذه المعركة إلى معركة مركزية، وأوصلنا رسالة واضحة بأن لا تراجع عن القيام بمسرحية عن أسير سياسيّ. سنقوم بالمسرحية، وسننتخب بالصناديق، وإن كان ذلك يخيفهم، فليكن". باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) |
||||||