|
|||||||
|
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ كل النفوس المؤمنة تتوق في كل عام لحج بيت الله الحرام امتثالاً لأمر الله وتلبية لندائه يصدحون عالياً بالتكبير والتهليل " لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك.." وأراد الله لهذا الحرم أن يكون آمناً مع كل ما يحدث من حوله من قتل وتدمير فقال عز وجل: ﴿ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ﴾. فحتى القاتل الذي وجب عليه الحد إذا دخل الحرم فإنه لا يُتعرَّضُ له حتى يخرج من الحرم. إرادة الله عز وجل هذه لا تعني أن الحرم لم أو لن يُنْتَهك!.. فالشواهد كثيرة على محاولات الإساءة لقدسيةِ الحرم ابتداءً من أبرهة.. إلى يزيد بن معاوية.. إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدل على أن إرادة الله في أن يكون آمناً هي للدلالة على تشريع حفظه وجعله آمناً. وعندما يَنْتَهكُ أحدٌ هذه الإرادة الإلهية فإنما يتعرض لحكم إلهي واضح، ما يجعل المرتكب خارجاً عن حدود العبودية لله عز وجل. إن الإرادة الإلهية هذه تفرض على المتصدي لإدارة الحرم المكي أن يعمل على تنفيذها ويتحرى الدقة في ذلك ولا يجوز له التهاون مطلقاً في أداء هذا الواجب وإلا فهو غير أهل لإدارة الأماكن المقدسة. إن ما حصل في الحرم المكي من سقوط للرافعة، ثم ما حصل بعد ذلك من فاجعة منى، من إهمال متعمد أو غير متعمد، أدى إلى هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى يطرح عدة أمور لا بد من الإشارة إليها: أولاً: إن الذي حصل لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون ناشئاً عن تقصير وإما عن قصور وفي الحالة الأولى يجب أن يمُثلَ المقصر أمام القضاء لينال جزاءَه العادل، أما إذا كان عن قصور فعلى حكام المملكة العربية السعودية إعلان عدم أهليتهم لإدارة الحج والطلب من منظمة التعاون الإسلامي تشكيل إدارة إسلامية موحدة لموسم الحج تشارك بها الدول التي لها خبرة وباع طويل في تنظيم الأفواج وإدارة مراسم مشابهة. ثانياً: لقد أثار موقف حكام المملكة من إصرارهم على عدم الاعتذار من الدول التي تعرض حجّاجُها للقتل والجرح استهجان العالم كله فضلاً عن العالم الإسلامي مع أنه أقل الواجب، ولكن العنجهية والتكبّر هي التي تدفعهم دائماً للظن أنهم فوق المحاسبة والمطالبة أو أنهم أكبر من أن يعتذروا. والأنكى من ذلك أنهم قاموا بالتهنئة لمن أدار موسم الحج على النجاح الذي حصل!!، فما ندري هل النجاح هو في أن هذه السنة كانت أكثر سنة في عدد القتلى؟!!!.. أو أن النجاح هو أنهم استطاعوا أن يتسببوا في مقتل شخصيات مهمة من العالم الإسلامي وخصوصاً إيران والعراق من باب تصفية الحساب؟!!. ثالثاً: لقد كان الموقف الحاسم لسماحة الإمام أية الله العظمى السيد علي الخامنائي (دام ظله) الأثر الكبير في الإسراع في إنهاء هذا الملف على صعيد تحديد عدد الضحايا الإيرانيين والبدء بإعادتهم إلى بلادهم، ولكن ماذا حصل مع بقية الدول؟.. هل عرفت عدد ضحاياها؟ هل تم التعرف عليهم؟ أم سيبقون في عداد المفقودين؟ رابعاً: بعد التعرف على الشخصيات التي ذهبت ضحية هذه الفاجعة يتبادر إلى الأذهان هل أن الأمر مجرد صدفة أم هي مؤامرة دُبرت بليل؟!! هذا السؤال سيبقى بلا إجابة حتى تشكل لجنة تحقيق إسلامية مؤلفة من الدول التي لديها ضحايا من أجل معرفة حقيقة الذي حصل بالتفصيل.. وإلا فإن بقاءه من دون جواب سيزيد من تفاقم المشكلة وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. خامساً: طرح البعض أنه يجب علينا أن نُعرِضَ عن الموضوع ولا نتحدث فيه خوفاً من فتنة مذهبية!!.. وهنا نقول إن الأمر لا يرتبط بمقتل الإيرانيين فقط بل هم بالنسبة إلى بقية الدول مجتمعة أقل عدداً وعليه فإن الأمر متعلق بشعيرة إسلامية لا بد من الحفاظ على مرورها بشكل سليم وحضاري وآمن كما أراد الله وهذا لا علاقة له بمذهب دون مذهب. وإن محاولة حكام السعودية التلطي وراء المذهبية لتبرير أخطائهم لن يفيد، فما نريده جميعاً هو بقاء الحج عنواناً للأداء الحضاري الذي يتناسب مع حضارة الإسلام العظيمة. لكل الشهداء الرحمة وللجرحى الشفاء العاجل وسيبقى الحج شعيرة إلهية كبرى تربط عباده به في كل سنة كي يكون الحج حج السعادة لا حج الشهادة وإن كانت إحد الحسنين التي نرجو الله عز وجل أن يمن علينا بها. |
||||||