|
|||||||
|
ترجمات نشرة التقدير الاستراتيجي – مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي نجح الأردن في الفترة التي أعقبت "الربيع العربي" ولغاية الآن بالمحافظة على استقراره، ولكننا لا يمكننا أن نرى ثبات استقراره أمراً طبيعياً بحد ذاته. المقال الحالي سوف يتناول التهديدات الحالية على استقرار الأردن، والتحديات بعيدة المدى التي يجب أن يتم الرد عليها وبمصلحة إسرائيل في الحفاظ على استقرار الأردن. لقد نجحت المساعدات الأجنبية لغاية الآن بالدفاع عن الأردن في وجه زعزعة استقراره. ولكن المملكة تواجه تهديداً متزايداً من قبل "الجهاد السلفي"، الذي يتغذى تحديدا على الأزمة الاقتصادية السيئة التي تواجه الأردن. في العام 2012 بلورت كل من العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر خطة تساهم في إطارها كل واحدة منها بمبلغ 1.25 مليار دولار للأردن على فترة خمس سنوات، أي ما مجموعه 5 مليارات دولار. كما وتعتزم الولايات المتحدة زيادة مساعداتها للأردن من 660 مليون دولار في العام إلى مليار دولار سنوياً، إلا أن هذه المساعدات مخصصة للاحتياجات قصيرة المدى. وبالإضافة إلى المساعدات الخارجية، فإن أسعار النفط المنخفضة حاليا تساعد في تعزيز بقاء الاقتصاد "واقفاً على قدميه"، كما ساهمت موجة الوطنية التي اجتاحت الأردن في أعقاب مقتل الكساسبة، أيضاً، في توجيه الغضب ضد "الجهاد السلفي". إلا أن سعر النفط لن يبقى منخفضاً للأبد، وموجة الوطنية سوف تتلاشى في نهاية الأمر، كما يتوقع أن تتعب الدول المانحة من الاستمرار في تقديم الدعم للأردن. فإذا كان الأردن يرغب في تحسين خياراته في تحقيق استقرار في المستقبل، فعليه أن يواجه وحلفاؤه عناصر الخطر بعيد المدى والمشاكل التي أفرزتها موجات المهاجرين الكبيرة، مثل ازدياد معدلات البطالة والنقص في المياه وفي مصادر الطاقة. الوضع الاقتصادي المتردي في الأردن وغياب قنوات التعبير السياسي يغذيان المتطرفين يترافق الوضع الاقتصادي المتردي في الأردن مع نمو حركة "الجهاد السلفي"، بما له تبعات وعواقب خطيرة على أمن المملكة. فقد بلغ معدل البطالة بموجب الإحصائيات الرسمية 13%، في حين تصل النسبة في أوساط الشباب حوالي 30%. وتتراوح نسبة الفقر بين 15-30%. ووفقا لاستطلاع معهد (Pew) للعام 2014، فإن 61 من المستطلعين وصفوا الوضع الاقتصادي بــ"السيئ" و "السيئ جداً"، على الرغم من أن الإبقاء على أسعار النفط منخفضة من شأنه أن يدفع بالاقتصاد إلى الإمام. ومن بين الأسباب الممكنة لارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب، من الممكن الإشارة إلى الجهاز التعليمي، الذي لا يوفر للخريجين القدرة الحيوية من اجل حل المشاكل والمهارات اللغوية، كما أن الشبان في الأردن يفضلون اختيار مجالات تعليم ومهن لا يوجد عليها طلب مرتفع. بشكل عام فإن فترة البطالة تطول، وتؤدي بالتالي إلى إحباط من شأنه أن يدفع بالشبان إلى أحضان الإسلاميين. لقد تضاعف معدل البطالة بسبب تدفق اللاجئين من سوريا. وعلى الرغم من أنه لا يوجد للاجئين تصاريح عمل، لا أنهم يجدون طريقهم إلى القطاعات غير الرسمية في سوق العمل، ما يثير المرارة لدى السكان المحليين. ويضاف إلى هذه المشاكل الاقتصادية، حقيقة أنه لا يوجد لدى الشبان الأردنيين قنوات لكي يسمعوا أصواتهم السياسية من خلالها. فكما هو الحال في معظم بلدان العالم العربي، فقد شهد الأردن أيضاً احتجاجات "الربيع العربي" في العام 2011. على الرغم من أنها كانت على مستوى مقلص أكثر مما حصل في مصر أو في تونس. فقد طالب المتظاهرون بديمقراطية أكثر اتساعاً، إلا أنه فعلياً قد جرى القليل من الإصلاحات، وحسب أقوال المتحدث باسم "الإخوان المسلمين" في الأردن، "هناك تزايد في أعداد المؤيدين للجهاد السلفي في الشارع. فالناس قد فقدوا الأمل، وخاصة الشباب منهم، وهم يشعرون أن الإيديولوجيا السلفية.. سوف تمنحهم ما يريدون". ووفقاً للتقديرات التي نشرت في شباط 2014 فإنه يوجد في الأردن حوالي 15 ألف سلفي، بمن فهم 5 آلاف جهادي، بينما يقدر مختصون آخرون وكذلك الحكومة الأردنية إعداد السلفيين بأنه يتراوح مابين 9آلاف و10 آلاف، أي ضعف عدد ما كانوا عليه قبل الربيع العربي. وعلى الرغم من أن معظم أفراد الجهاد السلفي في الأردن هم من الفلسطينيين، إلا أن أعداد الأردنيين من أصل بدوي الذين يلتحقون بالحركة آخذ بالازدياد. ووفقاً لأقوال الصحفي الأردني المختص بشؤون الجهاد السلفي تامر صمادي، فإن 85% من أفراد الجهاد السلفي في الأردن يتضامنون اليوم مع داعش. لهذا المعطى مغزى كبير كون العشائر البدوية هي الأساس التقليدي لدعم الأسرة الهاشمية. ومع ذلك، وكما أوضح تقرير حديث من قبل مجلس العلاقات الدولية، فإن السكان البدو في مدن الضواحي يعتقدون أن المملكة لا تمنحهم ما يكفي من الخدمات. والمعارضة الفعلية للنظام في أوساط البدو من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً جداً على استقرار الأردن، لأن هؤلاء هم من يشغل فعلياً المواقع في الجيش الأردني وفي الأجهزة الأمنية. ليس من الواضح إذا كان هناك وجود منظم لداعش في الأردن، أو أن تنظيم الدولة الإسلامية يحظى بدعم على الأرض، كما تشهد على ذلك أفلام "اليوتيوب" لمسيرات المؤيدين للتنظيم في مدينتي معان والزرقاء. ومن جانبه، فقد نشر تنظيم داعش فيلماً يعرب عن تأييد لسكان معان، ويدعوهم للعمل على إسقاط النظام في الأردن. كما توجد هناك دلائل أخرى لدعم داعش في اربد في أعقاب سلسلة من الأحداث التي وقعت في خريف العام 2014، بما في ذلك، اعتقال احد الشبان من الجهاد السلفي بعد أن لوح بعلم داعش في أحد الأعراس، ويأتي اعتقال هذا الشاب في أعقاب اعتقال شاب آخر من سكان المنطقة بعد ان قام بنشر فيلم عن داعش على الفايسبوك، وكذلك اعتقال خلية مناصرة للتنظيم تضم 11 عضواً في شمال الأردن. تمارس الحكومة متابعة دقيقة للسلفيين، وتستخدم تعديل قانون ضد الإرهاب من اجل وقف تحريض المواطنين على الإرهاب من خلال الشبكة العنكبوتية. بشكل عام، فإنه لغاية كانون الأول 2014، فقد اعتقلت السلطات الأردنية حوالي 200-300 مشتبه به بالتعاون مع الإسلاميين. ويمارس وزير الشؤون الدينية ضغطاً على الأئمة من اجل أن يكون خطابهم الديني قائماً على الإسلام المعتدل. وقد اعتقلت السلطات الأردنية منذ بداية تشرين ثاني 2014 حوالي 30 من أئمة المساجد. وحتى قبل مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة في خريف 2014، فإن معدلات التأييد لداعش لم تكن معدومة. فوفقاً للاستطلاع الذي أجراه معهد الأبحاث الاستراتيجي (CSS) التابع للجامعة الأردنية، فقد تبين أن معظم الأردنيين يرون داعش منظمة إرهابية، بينما 10% من بينهم لا يعتقدون ذلك. وعلاوة على ذلك، ووفقاً للاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن للسياسات دول الشرق الأوسط، فإن 8% من المستطلعين أعربوا عن مواقف ايجابية تجاه داعش. بالإضافة إلى ذلك، فقبل مقتل الكساسبة، فإن جزءا كبيرا من الأردنيين أعربوا عن تأييدهم لمشاركة دولتهم بالهجمات الجوية لدول التحالف. وان العديد من نظريات المؤامرة التي تقضي أن داعش هو صنيعة أيدي الأمريكيين والإسرائيليين، ورسائل تم نشرها على التويتر. وحسب التقديرات التي ظهرت في الصحف الأردنية، فإن عدد المتطوعين الأردنيين الذين اتجهوا إلى سوريا تراوح ما بين 1000 إلى 1500، في حين أن 250 من مناصري التنظيم قد قتلوا خلال الاشتباكات. تنامي مؤقت لمشاعر الوطنية لقد تسبب مقتل الكساسبة على المدى القصير بردع للمتطرفين، وتزايد الدعم لمشاركة الأردن في الهجمات الجوية التي تشنها دول التحالف. وفي الشهر الذي تلا حرق الكساسبة ألقى الملك عبد الله خطاباً جارفاً، تضمن أيضاً تعبير "ارفع راسك مفتخراً". وخلال يومين تم تعميم التعبير ونشره على التويتر. اظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد (CSS) في شباط 2015 تنامياً ملحوظاً في دعم الحكومة ولمشاركة الأردن للتحالف بهجماته الجوية على مواقع داعش، وكذلك على تعزيز الموقف القائل إن داعش والقاعدة هما منظمتان إرهابيتان. كما دعم 89% من المستطلعين مشاركة الأردن في التحالف الدولي لمحاربة داعش، ويرى 95% بتنظيم القاعدة منظمة إرهابية، بالمقارنة مع 72% في شهر كانون الأول 2014، بالإضافة إلى أن 70% اعتبروا داعش منظمة إرهابية، بالمقارنة مع 46% في كانون الأول 2014، واعتقد حوالي 74% ان حكومة عبد الله النسور نجحت في الوفاء بالتزاماتها، بالمقارنة مع 56% في كانون الأول 2014. ويؤمن رئيس معهد (CSS) انه إلى جانب مقتل الكساسبة، فإن الطريقة التي أدارت بها الحكومة عاصفة الثلج في الشتاء الماضي وكذلك أسعار مواد الوقود المنخفضة ، ساهمت بالنظر إلى الحكومة الأردنية كحكومة حققت تحسناً في الأداء. إلا أن الحملة قوبلت بنوع من المعارضة. فقد كتب طارق خوري، النائب عن محافظة الزرقاء الفقيرة، على صفحته على تويتر أن الأردنيين سيرفعون رؤوسهم فخراً أكثر عندما يتم إلغاء معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، وعندما توقف شركة الكهرباء الوطنية الأردنية خطتها لشراء الكهرباء من إسرائيل، وكذلك عندما يتم الإعلان عن أحمد دقامسة، الجندي الأردني الذي قتل 7 تلميذات إسرائيليات في العام 1997، أنه بطل. ورداً على ذلك، فقد أوصت لجنة برلمانية برفع الحصانة عن الخوري بسبب إهانته الملك عبد الله والأردنيين. إلا أنه تم إغلاق الملف المتعلق به بعد أن قدم اعتذاره. وبصورة مشابهة، فقد اتهم الدبلوماسي الأردني مختار الخصاونة بعد أن تطرق إلى عبارة "ارفع رأسك مفتخراً" على صفحته على الفايسبوك، بأنه يوجه إهانة لوزير الخارجية الأردني، وانتهى الأمر باستقالته. على الرغم من الرد المعادي للتطرف في الأردن، إلا أن التهديد من قبل مؤيدي داعش أو أفراد الخلايا بتنفيذ أعمالهم في الأردن بقي فعليا. ومن الممكن الاستدلال على ذلك باعتقال خلية لأفراد داعش في مدينة المفرق في 17 آذار 2015، والتي ضمت 6 من اللاجئين السوريين. والمفرق هي مدينة فقيرة أقيم في محيطها مخيم الزعتري للاجئين، مع عدد كبير من السكان من اللاجئين السوريين تحديدا. وأخيراً، فكما حذرت الصحفية "اليس سو"، فإن "معارضة داعش في الأردن لا تشير أو تدلل بالضرورة على تـأجيل كامل للجهاد السلفي، بل إلى حد ما فإن الكثير من الأردنيين منشغلون في نقاش الحدود والمشروعية في معارضة التطرف العنيف". نقص المياه كمصدر يساهم في عدم الاستقرار في الأردن في نهاية الأمر، فإن الرد المضاد للتطرف وتنامي الدعم للحكومة من شأنه أن يكون مؤقتاً، في حال لم يستطع الأردن والدول الداعمة له، الدفع باتجاه حل مشاكل الاقتصاد، المياه، والطاقة الموجودة في الأردن، لأن النقص في المياه يساهم في عدم الاستقرار. فمنذ العام 2011 كان بإمكان الأردن أن يزود الفرد الأردني فقط بـ110 أكواب من الماء العذب سنوياً من مصادر متجددة في الأردن، في حين أن الدول التي تزود مواطنيها بمعدل 500 كوب سنوياً تعتبر من الدول التي تعاني من نقص بالمياه، وذلك حسب مؤشر Falkenmark المعتمد. وعلاوة على ذلك، فإن دخول أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري إلى الأراضي الأردنية يعني، أن الأردن موجود في ضائقة صعبة جداً من النقص في كمية المياه المخصصة للفرد أكثر مما كان عليه الوضع في العام 2011. وتشارك منظمات الإغاثة الأجنبية في العديد من المشاريع المختلفة في مجال المياه، إلا أن قطاع المياه في الأردن يستمر في أداء دوره بصورة فاشلة. إحدى المشكلات الرئيسية هي كمية "الفاقد" من المياه عبر الأنابيب (Non-Revenue Water) أي، كمية المياه التي تتدفق عبر هذه الأنابيب، ليس لها أثر في الطرف الآخر من الأنبوب. التسرب، الاستخدام غير القانوني، العدادات غير الصالحة كل ذلك هو نوع من عملية هدر المياه. ففي العام 2012 تم تقدير كمية "الفاقد" من المياه في الأنابيب في المملكة بحوالي 41%. وعلى الرغم من أن فقدان المياه في عمان العاصمة كان اقل، إلا أن نسبة الفاقد من المياه في المفرق، التي يقيم بها أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، تم تقديرها في العام 2011 بحوالي 67%. لقد وقع الأردن وإسرائيل مؤخرا على اتفاق لتزويد الأردن بالمياه من بحيرة طبريا، مقابل المياه المعالجة في العقبة، إلا أن ذلك بحاجة إلى مساعدات دولية من اجل مواجهة كمية الفاقد من المياه في الأنابيب في الأردن، والذي يتطلب ملاحقة أكثر فاعلية لعملية تسرب المياه، وكذلك منظومة متابعة ومحاسبة للاستخدام غير القانوني، بالإضافة إلى تحسين عملية الجباية مقابل استعمال المياه. وهنا فبالإمكان أن تكون سوريا نموذجاً لمشكلة النقص في المياه التي سرعت في عملية عدم الاستقرار في سوريا. فبموجب تقرير من العام 2011، فقد أدار النظام السوري بصورة غير صحيحة قطاع المياه في سوريا، حيث أدى تزايد عدد الآبار، وكذلك البنى التحتية الفقيرة، إلى نضوب وجفاف المياه الجوفية من حقول المياه في المجال الحيوي لسوريا. وبين سنوات 2006- 2011، فقد تم الإحساس بصورة كبيرة بالجفاف القاسي الذي لحق المناطق الزراعية في سوريا، حيث لم يتمكن المزارعون من التغلب عليها لان مصادر المياه التي كان بإمكانهم استخدامها في المجال قد نضبت. ونتيجة لذلك، فقد بدأت الهجرة الداخلية على نطاق واسع، مما ساهم في عدم الاستقرار. فالتغييرات المناخية من الممكن أن تؤدي إلى تراجع بنسبة 89% من مصادر المياه في الأردن، في حين أن الاستجابة للطلب على المياه قد تصل إلى أكثر من 200%، في حال عدم تحسن قطاع المياه في الأردن. "الهجرة (في سوريا) التي جاءت ردا على الجفاف القاسي والمتواصل تسببت في تزايد العديد من العوامل التي يرى بها الكثيرون أنها ساهمت في الاضطرابات، بما في ذلك البطالة والفساد واتساع الفجوات". وهو ما يجعل من موضوع المقارنة بين الأردن وسوريا ذا صلة، أكثر بكثير، لان الأردن يعاني هو أيضاً من البطالة، الفساد والفجوات الاجتماعية وعدم المساواة. فقد ازدادت معدلات البطالة في سوريا في أوساط الشباب ما بين سنوات 2010-2011 من 19% إلى 34% – وهو مستوى مشابه لما في الأردن. فعلى هذه الصورة، فإن نقص المياه في الأردن بالإضافة إلى ظروف الجفاف المتزايدة من شأنها أن تظهر كعنصر يشكل خطراً جوهرياً على الاستقرار في الأردن. النقص في موارد الطاقة يزيد من الصعوبات الاقتصادية في الأردن يستوجب المحافظة على الاستقرار الطويل الأجل في الأردن، معالجة نقص موارد الطاقة في البلاد. فاستيراد هذه الموارد يستنزف حوالي 40% من الميزانية السنوية للأردن. ولهذا المؤشر تأثير سلبي على الاستقرار، حيث يلحق الضرر بالاقتصاد في عدة طرق. لقد اعتاد الأردن على إنتاج الكهرباء بأسعار قليلة بواسطة الغاز الطبيعي المصري، ولكن الهجمات المتكررة على أنبوب الغاز الذي يمر عبر سيناء أرغمه على استيراد الغاز بأسعار باهظة. حيث يقدر الضرر الاقتصادي الحاصل نتيجة ذلك بحوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعم الحكومي للكهرباء هو عبء ثقيل جداً على ميزانية الدولة. وقد تساعد أسعار النفط المنخفضة، شركة الكهرباء الوطنية الأردنية الغارقة في ديونها، على إعادة التكاليف المتعلقة بالعام 2015، ولكن، في نهاية الأمر، فإن الأردن مضطر إلى إيجاد مصادر بديلة للطاقة. يستحدث الأردن إستراتيجية تتعلق بتنويع مصادر الطاقة لغاية العام 2020، بحيث يصل ما نسبته 10% من المصادر المتجددة للطاقة (الطاقة المتولدة من الرياح والطاقة الشمسية)، و14% من الزيت الصخري، و6% من الطاقة النووية، و29% من الغاز الطبيعي، و1% من الكهرباء المستوردة وباقي الـ40% من منتجات النفط. وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية تبدو جيدة على الورق، إلا أنها تعج بالمشاكل: أولاً: ليس من الواضح من أين سوف تستورد الأردن الغاز الطبيعي. فما هو قائم لغاية الآن فإنها تستورد الغاز الرخيص من قطر. ووقع الشركاء في حقل الغاز الإسرائيلي "لفيتان" على اتفاق أولي لبيع الغاز لشركة الكهرباء الأردنية، ولكن الخلافات حول القيود التشغيلية للغاز بين الحكومة الإسرائيلية وبين أصحاب حقول الغاز "تمار" و"لفيتان" ترجئ المفاوضات، مما دفع الأردن إلى الإعلان انه سوف يشتري الغاز من حقل "غزة مارين" الواقع قبالة شواطئ قطاع غزة، إلا أن هذه الإمكانية هي غير عملية. فاستيراد الغاز من إسرائيل، فيه منطق اقتصادي، ولكنه يثير احتجاجات في أوساط الجمهور الأردني. فقد أفادت التقارير انه في كانون الأول 2014، أعلن 15 نائباً من بين مجموع أعضاء مجلس النواب الـ150 أنهم سيستقيلون، وأن 20 آخرين سيتقدمون باقتراح لحجب الثقة عن حكومة النسور، في حال تم توقيع اتفاق لاستيراد الغاز من إسرائيل. كما أوصى مجلس النواب بأن لا تقوم الحكومة بالتوقيع على الصفقة. فاستيراد الغاز من غزة مارين يظل مقبولا من ناحية سياسية، في حال تم تشغيله. ثانياً: وعلى الرغم من أن للأردن خطة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، إلا أن التقدم باتجاه تحقيق هذا المشروع بطئ جدا. فإستراتيجية الطاقة تدعو إلى إنتاج 1200 ميغاواط من طاقة الرياح لغاية العام 2020، ومزرعة الرياح الأولى المقررة، مزرعة الطفيلة، من شأنها أن تزود 117 ميغاواط قريباً. ولغاية الآن لم يتم إقامة سوى توربين واحد فقط من بين الـ38 توربيناً المقررة. ويخطط الأردن للوصول إلى قدرة إنتاج للكهرباء من الطاقة الشمسية بمعدل 600 ميغاواط لغاية العام 2020. وعرض القصر الملكي نفسه كرائد في هذا الاتجاه، فقام بتركيب ألواح شمسية على أسطح المباني الرئيسية. وفي ربيع العام 2014، أفادت تقارير أن الحكومة الأردنية وقعت على 12 اتفاقية مع شركات لإقامة مشروع الطاقة المتجددة في الأردن، وانه لغاية منتصف العام 2015 فإنه سيكون بوسع هذه المشاريع أن تنتج الكهرباء. ومع ذلك، إلا أنه ولغاية كانون الثاني 2015، فلا توجد أية مؤشرات أن هذه المشاريع أو جزء منها يقترب حتى من انتهاء العمل فيه. أما فيما يتعلق بخطة الحكومة بخصوص الزيت الصخري، والذي سينتج 14% من الطاقة المطلوبة لغاية العام 2020، فهي أيضاً ما زالت موضع شك. ففي الأردن يوجد مخزون كبير من الزيت الصخري، ولكنه لا يعادل النفط الخام البسيط، كما انه يجب العثور عليها بكميات تجارية. لقد وقعت الحكومة الأردنية على عدة صفقات واتفاقيات مؤقتة مع شركات لغرض البحث وتطوير الزيت الصخري في البلاد، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الأمور سوف تسفر عن إنتاج فعلي. فعلى سبيل المثال، فإن شركة Royal Dutch Shell سوف تقرر فيما إذا كانت ستستثمر في هذا المشروع بمستويات تجارية فقط في نهاية عقد الـ2020. والشركة الأستونية (Enefit) سوف تبني محطة توليد الطاقة الأولى في الأردن وبطاقة 550 ميغاواط، التي تعتمد على الزيت الصخري. ومع ذلك، فإن محطة توليد الطاقة من المتوقع أن تبدأ العمل فقط في نهاية العام 2018. قضية أخرى وهي أن السعر الحالي للنفط الخام من نوع "برينت" (Brent crude) يحوم حول 60 دولاراً للبرميل، في حين أن محطات توليد الطاقة التابعة لـ(Enefit) سوف تبدأ في أن تكون ربحية فقط في حال كانت الأسعار 75 دولاراً للبرميل. وعلى الرغم من أن أسعار النفط المنخفضة تقلل من كلفة استيراد النفط الغالي للأردن، إلا أنها في المقابل تجعل من تطوير حقول الزيت الصخري أمراً غير عملي. وفي النهاية، فإنه من المؤكد، أن البرنامج النووي الأردني قد لا يصبح أبداً حقيقة لغاية العام 2020. في كانون الأول من العام 2014 وقعت شركة (Rostam) الروسية على مسودة اتفاق مع الحكومة الأردنية لبناء فرن من وحدتين، وكل واحدة منها تنتج حوالي 1000 ميغاواط. ولكن الأولى سوف تكون جاهزة فقط في العام 2024. وسوف يكون الأردن مسؤولاً عن تمويل حوالي50% من مجمل التكاليف، التي تصل إلى 10 مليار دولار، هو ما يعتبر مبلغاً هائلاً بالنسبة للمملكة. ولذا فإن عملية الدمج بين الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي ستكون أرخص بالنسبة للأردن، عدا عن وجود معارضة كبيرة داخل المجتمع الأردني والدولي للمشروع النووي. على الرغم من أسعار النفط منخفضة حالياً، إلا أن حساسية الأردن للاستيراد الغالي يلحق الضرر بالاقتصاد بعدة طرق. والتأثير المباشر هو أن أسعار الطاقة المرتفعة تزيد من غلاء المعيشة لدى الأردنيين المحرومين. وعلاوة على ذلك، فإنه طالما أن الحكومة الأردنية توجه الأموال للدعم الحكومي للطاقة، فإن الأمر سوف يكون على حساب مشاريع أخرى مثل التعليم والإصلاحات في قطاع المياه، الحيوية لاستقرار الأردن على المدى البعيد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن سياسة الإعانات غير الفاعلة هذه لعملية الدعم سوف تحول دون دخول مستثمرين من القطاع الخاص. يتوجب على الأردن وحلفائه العمل على تنويع منظومة مصادر الطاقة في الأردن. وبذلك يمكن التقليل من غلاء المعيشة لدى الأردنيين المحرومين، ولإنتاج أماكن عمل في البلاد وتشجيع المستثمرين من القطاع الخاص. فمن شأن قطاع الطاقة المتنوع أن يحسن من مواجهة الظروف الاقتصادية المتراجعة في الأردن، والتي تلقى تشجيعاً من عناصر "الجهاد السلفي"، كما ويضع الأردن على أرضية أكثر أماناً من خلال تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية. المصلحة الإسرائيلية في الحفاظ على استقرار الأردن كما هو الحال لدى العديد من دول المنطقة وخارجها، فإن لإسرائيل أيضاً اهتماماً واضحاً في المحافظة على استقرار الأردن. حيث تتأثر قدرة الأردن دائما، على مواجهة المشاكل الداخلية والضغط الخارجي، من الرد الإسرائيلي على التطورات الإقليمية واستعدادها للمساعدة. هذه الصلة تزايدت في السنوات الأخيرة، في أعقاب التغييرات العميقة التي مرت بها المنطقة. وتزايدت أهمية استقرار الأردن بالنسبة لإسرائيل أكثر وأكثر، على ضوء القلق الذي تثيره الحركات الإسلامية المتطرفة في العراق وسوريا. اتفاق السلام الموقع في العام 1994 بين إسرائيل والأردن منح الأردن الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، ووافقت الحكومة الإسرائيلية على أن تتشاور مع الأردن في أية قضية معينة لها علاقة بالحرم القدسي. كما واستجابت الحكومة الإسرائيلية إلى طلب الملك عبد الله بالسماح لحوالي 50 ألف مصلٍ مسلم بالدخول إلى الحرم في أيام الجمعة، على الرغم من العبء الأمني الذي يفرضه مثل هذا الإجراء. وفي أعقاب تزايد الطلب على استهلاك المياه بعد تدفق اللاجئين السوريين، توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تزود إسرائيل الأردن بموجبه بكميات مياه إضافية فور الاتفاق على أسلوب النقل من الجانب الإسرائيلي. يساعد هذا الاتفاق في حل أزمة النقص في المياه التي يعاني منها الأردن. ولكنه يظل من الحيوي جداً العمل على إجراء الإصلاحات في قطاع المياه وحل مشكلة "الفاقد" من المياه في الأنابيب. كما أن من شأن التزويد المحتمل للأردن بالغاز الطبيعي الإسرائيلي، أن يساهم هو أيضاً في التخفيف من العبء الاقتصادي للأردن، في حال تحقق المشروع. وعلى الرغم من المعارضة الكبيرة للصفقة من قبل البرلمان الأردني، يبدو أن الحكومة الأردنية مصرة على الدفع باتجاه ذلك. أن الخلافات في إسرائيل حول القيود التشغيلية تؤخر استكمال الصفقة والتي ستقلل من اعتماد الأردن على الاستيراد المكلف للغاز. لقد أدت الحرب الأهلية في سوريا إلى إغلاق الموانئ في سوريا أمام الحركة الأردنية، حيث يتم التصدير الأردني حالياً من ميناء حيفا، كونه الخيار الوحيد الموجود. وعلى ضوء التقديرات أن الوضع في سوريا سوف لن يتحسن قريبا، فإنه يوجد الآن استعداد لتحسين المنشآت في الجانب الإسرائيلي التي تستخدم في عملية الاستيراد والتصدير الأردنية. وتظل المسألة الفلسطينية نقطة حساسة جدا في العلاقات الإسرائيلية - الأردنية – الفلسطينية. فالحكومة الأردنية واقعة تحت ضغوط سياسية محلية سواء من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب الفلسطيني، والتي تؤثر على إمكانية وجود عملية سلمية. ومع ذلك، فإن الأردن يطالب بفتح نافذة من التقدم في العملية السلمية، من اجل المحافظة على مشروعية موقفه كمحارب لحق الفلسطينيين في الحصول على دولة، ومن اجل المحافظة على رضى معظم الفلسطينيين في المناطق. إن العضوية الحالية للأردن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2014-2015) تضيف عنصراً إضافياً للمصاعب الموجودة، والتي تفرض على المملكة إيجاد التوازن المرن بين المحاولة لدفع المصالح الاقتصادية والأمنية له، وبين الحاجة إلى الحصول على رضى حلفائه السياسيين في الجامعة العربية. تدرك الحكومة الإسرائيلية إدراكا تاما العبء الأمني الملقى على عاتق الأردن، ومن المنطقي الافتراض أن التنسيق المتبادل مطلوب طالما إسرائيل والأردن تقفان أمام تحديات جديدة، كنتيجة لانتشار حركات الإسلام المتطرف. وفي المقابل، وعلى الرغم من الحساسية السياسية، فمن المهم الدفع بالأردن من اجل تحفيزه على القيام بإجراءات داخلية تسمح بتزويد الغاز والماء له من إسرائيل. بالإضافة إلى أن توسيع الوصول إلى المنتجات الأردنية، وبشكل خاص لصالح السوق الفلسطيني، من شأنه أن يساعد الاقتصاد الأردني. إن الاستخدام المتزايد لميناء العقبة الأردني من قبل المستوردين والمصدرين الإسرائيليين من شأنه أن يسفر عن فائدة متبادلة. إن خطر زعزعة الاستقرار الأردني الماثل أمام إسرائيل واضح جداً، وذلك على ضوء الحدود الطويلة الفاصلة بين البلدين. لذا، فإن إسرائيل ملزمة بعمل كل ما في وسعها من اجل ضمان الهدوء على حدود إسرائيل الشرقية. الخلاصة تظهر المملكة الأردنية الهاشمية صمودا مفاجئا في وجه التحديات الهائلة التي تفرضها عليها ظروف المنطقة العاصفة. وترتهن قدرتها على الاستمرار في مواجهة التهديدات بمستوى المساعدة المالية المتواصلة، وخاصة من الدول العربية المنتجة للنفط ومن الولايات المتحدة. فالمساعدة المالية تلزم بتزويد دعم بعيد المدى يعطي ردوداً للنقص في قطاع المياه في الأردن، وتعمل باتجاه تنويع مصادر الطاقة في البلاد، وفي المقابل فإنها تعطي مساعدة إنسانية حيوية وأي دعم آخر على المدى القصير. أن التهديد الآني الذي يمثله تنظيم داعش، ليس بالضرورة أن يعني المواجهة العسكرية، بل إن الخطر يكمن في محاولة داعش استغلال حالة البطالة والفقر في أوساط السكان الأردنيين التي تشكل أساس المشروعية لدعم النظام. فمن اجل المحافظة على ولاء البدو الأردنيين المطلوب موارد مالية تحسن من وضعهم الاقتصادي. لقد أظهرت إسرائيل تدخلاً متزايداً في تعزيز استقرار جارتها الشرقية وعليها الاستمرار بالقيام بذلك، لأنه ما من شك في انه سوف يمر وقت طويل جدا قبل أن ينقشع غبار العواصف في الشرق الأوسط. |
||||||