نظرة السُّنَّة النبويَّة إلى الكافر إنساناً

السنة الرابعة عشر ـ العدد 166 ـ ( ذو الحجة ـ محرم 1436 هـ) تشرين أول ـ 2015 م)

بقلم: الشيخ د. أكرم بركات

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

حدّد الإسلام ضابطة الانتماء إلى المكوَّن الإسلاميّ، وهي شهادتا لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله معتبراً أنّ غير القائل بهما، والمنكر لأحدهما من البالغين خارج عن هذا المكوَّن، مطلِقاً عليه عنوان الكافر وصفاً يعبِّر عن خروجه عن دائرة الإسلام، مرتِّباً عليه آثاراً شرعيّة تستهدف حماية أفراد المجتمع الإسلاميّ والمحافظة عليهم بما يؤمِّن تكاملهم الهادف إلى تحقيق غاية مسيرتهم في هذه الحياة...

إلاّ أنّ أحكام الإسلام المتعلِّقة بالكفر لا تجرِّد الإنسان المتلبِّس به من كلّ إيجابيّة في التعامل معه، فالملاحظ في السُّنّة النبويّة الشريفة أنّها بيّنت جملة من الأحكام الإيجابيّة انطلقت من عناوين قيميَّة تسلّط الضوء على بعضٍ منها:

الأولى: قيمة القرابة

أكّدت السُّنّة النبويّة على احترام القرابة، بغضّ النظر عن العقيدة، سواء كانت القرابة نسبيّة كما في الأبوين، أو قرابة الموقع الجغرافيّ كما في الجيران وهذا ما نلاحظه في الحديثين الآتيين:

1- عن الرسول الأكرم (ص): "ثلاث ليس لأحد من الناس فيهنّ رخصة: برّ الوالدين مسلمًا كان أو كافراً..."(1).

2- عنه (ص): "الجيران ثلاثة، فمنهم من له ثلاثة حقوق: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار، وحقّ القرابة، ومنهم من له حقّان: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار، ومنهم من له حقّ واحد، الكافر له حقّ الجوار"(2).

الثانية: قيمة العدل

طرحت السُّنّة النبويّة قضيّة العدل في الإطار الإنسانيّ العام، فلم تحصره في المنتمين إلى الإسلام بالخصوص، من هنا ساوت السُّنّة الشريفة بين المسلم والكافر في الشهادة على الإنسان، ففي الحديث الشريف: "من شهد شهادة زور على مسلم أو كافر عُلّق بلسانه يوم القيامة، ثمّ يصير مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار"(3).

واللافت في مراعاة قضيّة العدل بالنسبة إلى الكافر تحذير النبيّ(ص) من دعاء الكافر المظلوم بأنّه من الدعاء المستجاب عند الله تعالى، فعنه(ص): "إيّاكم ودعوة المظلوم، وإن كان من كافر؛ فإنّها ليس لها حجاب دون الله عزّ وجل"(4)، وفي حديث آخر سأله فيه الصحابيّ الجليل أبو ذرّ الرسول الأكرم(ص) قائلاً: "يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم(ع)؟، قال(ص): كانت أمثالاً كلّها، وكان فيها (أيها الملك المبتلى المغرور، إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لتردّ عليّ دعوة المظلوم، فإنّي لا أردّها، وإنْ كانت من كافر)"(5).

الثالثة: قيمة الرحمة

تجلّت قيمة الرحمة الشاملة لجميع الناس بغضّ النظر عن اعتقاداتهم بشكل واسع في حياة رسول الله(ص)، ولعلّ من أبرز مصاديق هذه القيمة هو نهيه صلّى الله عليه وآله عن قتل أُناس يتّصفون بالضعف ممّا يجذب رحمة القلب السليم باعتبار أنّ الرحمة هي رقّة القلب بسبب نقص أو ضعف يراه الراحم في المرحوم، من هنا نهى الرسول الأكرم (ص) عن قتل المقاتلين من النساء والأولاد والشيوخ دار في دار الحرب(6).

فعن النبيّ (ص): "سيروا بسم الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله (ص)، لا تغلوا، ولا تمثِّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا صبيّاً ولا امرأة"(7).

وفي حديث نبويّ آخر: "لا يقتل في الحرب صبيّ، ولا امرأة، ولا الشيخ الفاني..."(8).

الرابعة: قيمة الإحسان

احترمت السُّنّة النبويّة الأعمال الخيِّرة المنطلقة من الصفات الإنسانيّة بغضّ النظر عن عقيدة الإنسان، ففي الحديث النبويّ: "ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر إلاّ أثابه الله، قال: فقلنا يا رسول الله، ما إثابة الكافر؟ قال(ص): إنْ كان قد وصل رحماً، أو تصدّق بصدقة، أو عمل حسنة أثابه الله المال والولد والصحّة وأشباه ذلك"(9).

وقد ورد في سيرة النبيّ(ص) احترامه لأعمال الخير الصادرة من الكافر أو المشرك من خلال التكريم الخاصّ الذي أولاه لابنة حاتم الطائيّ المعروف بالإحسان والصفات الإنسانيّة التي على رأسها الكرم، فقد ورد أنّ ابنة حاتم حينما جُلبت إلى رسول الله(ص) أسيرة قالت له: يا محمّد، إن رأيت أن تخلّي عنا، ولا تشمت بنا أحياء العرب، فإنّي ابنةُ سيد قومي, وإنَّ أبي كان يحمي الذمام, ويفكّ العاني, ويشبع الجائع, ويكسو العاري, ويقري الضيف, ويطعم الطعام, ويفشي السلام, ولم يردّ طالب حاجة قط, أنا ابنة حاتم الطائي. فقال لها النبي(ص): يا جارية, هذه صفة المؤمن حقاً. لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه, خلّوا عنها, فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق(10).

ويبدو من بعض الأحاديث الشريفة أنّ إثابة الكافر على أعماله الخيِّرة لا تنحصر في عالم الدنيا، بل قد يكون لها أثر في عالم الآخرة، ففي الحديث النبويّ: "من أحسن من محسن مؤمن أو كافر فقد وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته"(11).

وقد ورد عن أئمّة الشيعة تفصيل لثواب الآخرة، بما يتواءم مع كون الجنّة محرّمة عليه من جهة كفره، فعن الإمام محمّد بن عليّ الباقر: "إنَّ مؤمنًا كان في مملكة جبّار فولع به، فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك، فأظلّه وأرفقه وأضافه، فلمّا حضره الموت أوحى الله عزّ وجلّ إليه: وعزّتي وجلالي، لو كان لك في جنّتي مسكن لأسكنتك فيها، ولكنّها محرّمة على من مات بي مشركاً، ولكن يا نار، هيديه(12) ولا تؤذيه، ويؤتى برزقه طرفي النهار"(13)، وعن موسى بن جعفر الكاظم: "كان في بني إسرائيل رجل مؤمن، وكان له جار كافر، وكان يرفق بالمؤمن، ويوليه المعروف في الدنيا، فلمّا أنْ مات الكافر بنى الله له بيتًا في النار من طين، فكان يقيه حرّها، ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا بما كنت تدخل على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، وتولّيه من المعروف في الدنيا"(14).

هوامش

1- المناوي، محمّد، فيض القدير، تحقيق أحمد عبد السلام، ط1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415هـ، ج3، ص 403-404.

2- البروجردي, حسين, جامع أحاديث الشيعة,(لا,ط), قم, (لا,ن), 1409هـ، ج16، ص89. ومثله ورد في: ابن حجر العسقلاني، أحمد، فتح البار أحمد، فتح الباري، ط2، بيروت، دار المعرفة، (لا،ت)، ج10، ص370. السيوطي، جلال الدين، الجامع الصغير، ط1، بيروت، دار الفكر, 1401هـ، ج1، ص565.ابن كثير، إسماعيل، تفسير ابن كثير، ج1، ص507.

3- الهيثميّ، علي، بغية الباحث، تحقيق مسعد عبد الحميد محمّد السعدنيّ، (لا،ط)، القاهرة، دار الطلائع، (لا،ت)، ص 74.

4- المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، تحقيق بكري حياني وصفوة السقا، (لا، ط)، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1989م،  ج 3، ص 502.

5- الصدوق، محمّد، الخصال, تحقيق علي الغفاري, (لا,ط), قم, جماعة المدرسين,1403هـ, ص 525. وقريب عنه ورد في: المناوي، محمّد، فيض القدير، ج1، ص 163.

6- الحلّي، الحسن، منتهى المطلب، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، ط1، مشهد، مجمع البحوث الإسلاميّة، 1412هـ، ج2، ص 911 (طبعة حجريّة).

7- الكلينيّ، محمّد، الكافي, تحقيق علي أكبر الغفاري، (لا، ط)، بيروت، دار الأضواء، 1985م، ج5، ص 27.

8- ابن أبي شيبة، عبد الله، المصنَّف، تحقيق سعيد اللحام، ط1، بيروت، دار الفكر، 1989م، ص 654.

9- المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمّال، ج2، ص 39-40.

10- الأمين, محسن, أعيان الشيعة, تحقيق حسن الأمين، (لا،ط)، بيروت، دار التعارف، (لا،ت)، ج1, ص 287.

11- الصنعاني، عبد الرزّاق، المصنّف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، (لا،ط)، (لا،ن)، (لا،ت)،ج3، ص 173.

12- أي حرّكيه من غير أن تؤذيه، من قولهم: هِدتُ الشيء، أُهيده هيداً أي حرَّكته. (الطريحي, فخر الدين, مجمع البحرين, تحقيق أحمد الحسيني, ط2, بيروت, دار إحياء التراث العربيّ, 1403هـ, ج4، ص452).

13- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص382.

14- الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ط2، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368ش،  ص 169.

اعلى الصفحة