الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة أزماته الحادة

السنة الرابعة عشر ـ العدد 166 ـ ( ذو الحجة ـ محرم 1436 هـ) تشرين أول ـ 2015 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

"إن إسرائيل غير مستعدة لأي أزمات اقتصادية قادمة، قد تضرب العالم في أي وقت". هذا ما قالته صحيفة "كلكليست"، الإسرائيلية المختصة بالشؤون الاقتصادية. وأشارت الصحيفة في عددها الصادر في 06/09/2015، إلى إن إسرائيل فشلت خلال السنوات الماضية في تطبيق برامج خفض للعجز الجاري الموازنات الإسرائيلية بشكل كامل وصحيح.

وقالت: "في موازنتي العامين الجاري والقادم، فإن حكومة نتنياهو خرقت خطط خفض العجز في الموازنة".

وتوقعت "كلكليست" أن يؤدي استمرار العجز، وارتفاعه خلال العام الحالي والأعوام القادمة، إلى ارتفاع في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، وهذا لن يكون في صالح الاقتصاد الإسرائيلي، حسب قولها.

الاقتصاد الإسرائيلي

كان المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين يفتقد إلى الشروط التي تسببت في نجاح عمليات الاستيطان الاستعمارية المعروفة بالعالم؛ فقد بدأت مجموعات صهيونية بلا قوة عسكرية ذاتية، إلا أنها كانت تملك القوة الاقتصادية ولم تتمكن من الحصول على تأييد دولي سياسي من الدول الاستعمارية، ولم يكن بفلسطين أرض غير مملوكة، بل كانت كل الأرض مملوكة للفلسطينيين وذات قيمة اقتصادية.

وكان من أسباب غياب الشروط الاقتصادية للمشروع الصهيوني، إخفاق عمليات الاستيطان في تحقيق تقدم ملموس في العقود الثلاث الأولى (1905 -1914)، ثم تحول إلى نجاح من خلال ابتكار آليات اقتصادية جديدة، عبر تجارب الخطأ والصواب والصراع السياسي. وهذه التجارب هي:

1- التجربة الأولى: بدأت عام 1982، في الهجرة الصهيونية الأولى، وقام بها مهاجرو "أحباء صهيون"؛ حيث أقاموا مستعمرات قرب "صفد ويافا والقدس، وحاولوا تقليد الزراعة العربية، إلا أنهم لم ينجحوا.

2- التجربة الثانية: مرحلة البارون روتشلد، الذي قدم الدعم المالي والإشراف على الاستيطان في فلسطين. وبعد عشر سنوات انسحب روتشلد من قيادة المشروع الاستيطاني نتيجة الفشل؛ بسبب افتقار فلسطين لشروط المزارع الكبيرة، على غرار الاستيطان في الجزائر.

3- التجربة الثالثة: جمعية الاستعمار اليهودي في مطلع القرن العشرين، التي استخدمت معايير السوق الاقتصادية، وقلصت أجور العمال اليهود؛ ما دفع الكثير منهم للعودة إلى أوروبا.

4- التجربة الرابعة: المنظمة الصهيونية العالمية 1997 م، التي أقامت شبكة عالمية من الأجهزة السياسية النشطة في أوروبا، وشجعت الهجرة، وأقامت الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي  عام 1901 م.

5- تجربة الهجرة الثانية: وهم من الشرائح العمالية المتشبعين بالفكر الاشتراكي والقومي، الذين أسسوا أحزاباً عمالية "اشتراكية صهيونية" تدافع عن مصالحهم.

6- التجربة السادسة: أسلوب الاستيطان الصهيوني؛ حيث تآلفت الأحزاب العمالية مع المنظمة الصهيونية؛ ما أدى إلى بناء اقتصاد يهودي في فلسطين عمل على إيجاد علاقة استعمارية مع الاقتصاد العربي، تعمل على إضعاف سوق المال، وسوق الأرض، وسوق العمل، تمهيدًا للسيطرة عليها.

ولم يكن باستطاعة الحركة الصهيونية النجاح بمشروعها لولا الدعم من بريطانيا الاستعمارية؛ فقد كان "وعد بلفور، ركيزة الأساس في دعم ونجاح المشروع الصهيوني.

كانت سياسة بريطانيا "استعمارية تقليدية" قائمة على أساس بقاء الاقتصاد الفلسطيني منتجًا للسلع الزراعية الاستهلاكية ومستهلك للصناعة البريطانية.

أما بالنسبة للاقتصاد اليهودي، فقد دعمت بريطانيا الصناعة اليهودية، حتى على حساب المصالح الاقتصادية البريطانية.

واعتمدت سياسة تشجيع الصناعة اليهودية وعدم السماح بقيام صناعة عربية، من خلال رفع الضرائب الجمركية العالية على البضاعة الأجنبية التي تنافس الصناعات اليهودية.

كما قدمت بريطانيا مساعدات للاقتصاد الصهيوني من خلال تشويه الأسواق الاقتصادية الثلاث (سوق المال، سوق العمل، الأرض)؛ فدعمت الاستيطان من خلال سن القوانين الجائرة على المواطنين العرب، وفرض الضرائب العالية عليهم؛ وبالنسبة للسوق، دعمت بريطانيا شق السوق إلى سوق عمل يهودي، وسوق عمل عربي، وجعلت بمقتضى ذلك رواتب اليهود أعلى من رواتب الفلسطينيين؛ أما سوق المال، فقد دعمت بريطانيا دخول المال لليهود؛ لغرض التوسع الاستيطاني؛ إذ دعمت بريطانيا "المنظمة الصهيونية" و"الصندوق القومي" في سنوات الثلاثينات، بقوة، بإحضار رأس مال "ألماني"؛ فنمت الصناعة اليهودية المستجلبة.

ويتضح أثر دعم الانتداب للاقتصاد الصهيوني بالنجاح في إقامة الدولة؛ بعد أن تزايدت خلال سنوات الانتداب أعداد اليهود إلى سبعة أضعاف، (من "90 ألف إلى 700" ألف)، كما ارتفع حجم الإنتاج  من 19% من الإنتاج الكلي في فلسطين، إلى 53%،  وبلغت حصة اليهود من الاستثمارات 88%، ومن الإنتاج الصناعي 89%، بالرغم أن عدد اليهود كان آنذاك كان 30%.

ومع قيام إسرائيل كان طابع الملكية جماعياً (90% ملكية جماعية)، وكان النشاط الاستيطاني عبر الموشاف والكيبوتس، وكانت الهستدروت تدير مؤسسات اقتصادية وصناعية وصحية، وكان إيمان الأحزاب عميقًا بضرورة أن يشكل القطاع العام الآلية التي تحرك الاقتصاد الصهيوني.

وقاد نفوذ الأحزاب إلى تبني نظام  قريب من الديمقراطية الاشتراكية؛ بتحالف "رأس المال والدولة والعمال". وهذه الشراكة تلزم المنظمات العمالية بتقليص حجم مطالبها المتعلقة بالأجور وأوضاع العمل، مقابل تعهد رأس المال والدولة بإتباع سياسة توظيف كامل لليد العاملة، كما تعهد رأس المال بمراعاة حقوق العمال والاعتراف بالنقابات العمالية.

وفي الستينات مرت إسرائيل بضائقة اقتصادية؛ حيث انخفض حجم المساعدات الخارجية، كما انخفض تدفق المهاجرين عن معدلاته في الخمسينات؛ الأمر الذي أدى إلى انكماش اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ معدل النمو للناتج القومي الإجمالي، وأفلست المؤسسات الصغيرة.

مع انتهاء هذه الفترة برزت ثلاث مؤسسات عملاقة هي: "كور للاستثمارات"، و"الاستثمار المالي"، و"كلال". وشكلت كل واحدة من هذه الشركات مجتمعاً اقتصاديًا يرتبط بأحد البنوك الرئيسة الثلاث: ليئومي، وهابوعاليم، وديسكاونت؛ ما رفع دور رأس المال على حساب دور الدولة والهستدروت، وظهر اتحاد الصناعيين كمؤسسة متعاظمة النفوذ والقوة.

أعطت حرب 1967م  دفعة قوية للاقتصاد الرأسمالي الإسرائيلي؛ حيث أغرقت أسواق الضفة وغزة بالسلع الإسرائيلية، وحصلت إسرائيل على أيد عاملة عربية رخيصة، وقد أيدت الهستدروت والدولة اندفاع رأس المال المتعاظم؛ حيث دخلت الهستدروت في شراكات مع القطاع الخاص، وباعت الحكومة شركات حكومية للقطاع الخاص. المتغيرات المذكورة سميت (وحدة رأس المال) أي تعاون رأس المال الخاص والحكومي والعمالي في اتجاه إعطاء رأس المال الخاص سلطة قيادة النظام الاقتصادي بالتدريج.

وقد تمكنت الحركة الصهيونية "إسرائيل لاحقاً" من تحقيق نجاحات كبيرة على صعيد الاقتصاد الكلي دون التأثر بالإخفاقات، بفضل ثلاث عوامل:

1- حصول إسرائيل على موارد اقتصادية من الخارج وباستمرار؛ وشكلت مساعدات من يهود العالم ما نسبته 9% إلى 25% من الناتج القومي، فكان جزء كبير من التراكم الرأسمالي يأتي من هذا المورد.

2- القيام بمشاريع البنية التحتية الضخمة في المراحل الأولى من بناء الدولة.

3- وجود بيروقراطية عقلانية ذات علاقة عضوية بالاقتصاد الإسرائيلي وتتمتع بالاستقلالية العسكرية والسياسية والاقتصادية تأتي من حلقة الأحزاب العمالية.

منذ منتصف السبعينات أخذ مفعول هذه العناصر الثلاث (موارد خارجية، ومشاريع ضخمة، وبيروقراطية عقلانية مستقلة) يضعف، وفي سنة 1977 انتهت سيطرة الأحزاب العمالية على الدولة، ونجح تحالف الليكود اليميني في تأليف حكومة لأول مرة، وأصبحت سياسة الوزارات هي المتحكمة بالسياسة العامة؛ ما أفقدها تماسكها وتضامنها في توجيه النشاط الاقتصادي.

وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات أصبح نظام الديمقراطية الاشتراكية يعاني من أزمة مستعصية نابعة من عدم استمراره بالشكل الماضي. 

انعكاسات الأزمة العالمية

انخرطت الأزمة الاقتصادية العالمية، بأسبابها وتداعياتها ونتائجها في إسرائيل، ضمن سياق نقاشات ومشاحنات واسعة بين المحللين الاقتصاديين المختصين، ووصلت إلى دوائر التجاذبات السياسية بين القوى والكتل الحزبية المختلفة ضمن أجواء من التوتر والارتباك. وقد تمحورت هذه النقاشات بشكل أساسي حول مدى التدخّل الحكومي في الشأن الاقتصادي وآليته وضرورة ذلك أو عدمه، وحول الحاجة إلى تخفيض بنود الموازنة والمخصصات الحكومية فيها في بعض المجالات، مع ضرورة المحافظة على شبكة الأمان الاجتماعي. كما وصلت هذه النقاشات أيضاً إلى حد الحديث الإيديولوجي عن صواب طريق الرأسمالية بحد ذاتها. ورأى بعض الباحثين الإسرائيليين أن الأزمة بحجمها وخطورتها قد أعطت شرعية لعملية نقد ما يسمى "رأسمالية الكازينو" القائمة على التهور والمجازفة على غرار "وول ستريت" وليس الرأسمالية المتنورة والاجتماعية في فنلندا وهولندا على سبيل المثال.

واستخلص هؤلاء الباحثون أن السوق المالية المستقرة والباعثة على الثقة والأمل لا يمكنها أن تعيش من دون تدخل حكومي رعائي فيها وصولاً إلى حد امتلاك أجزاء منها، وهذا ما توصّل إليه أيضاً رجال اقتصاد بارزون في أمريكا نفسها.

اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولاسيما الصحافة، بتداعيات الأزمة الاقتصادية التاريخية التي اعتبرها مفوّض بنك إسرائيل بأنها "الأولى من نوعها منذ قيام الدولة, وقد أصابتنا من دون ذنب لنا فيها". وشدّد على ضرورة قيام الحكومة بالإجراءات الكفيلة بالتخفيف من آثارها المدمرة على المواطنين وخصوصاً الطبقات الفقيرة.

وفي هذه الأثناء تسود حالة من الترقّب والذهول بانتظار ظهور آثار خطة الإنقاذ المالي الأمريكية على أسواق العالم وإسرائيل. وهي خطة تشكّل، بحسب رأي المحلّل الاقتصادي سيفير بلوتسكر، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بداية علاج "طويل وشاق"، في حين تتراكم تداعيات الأزمة في مجمل مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي متسرّبة من مدخلات كثيرة, أهمها في قطاعات التصدير والاستثمار والعمالة والائتمان وانخفاض نسبة النمو السنوي وتقليص الاستهلاك الشعبي وتراجع الاستثمارات الخارجية وتناقص حجم الصادرات، ما أدى إلى إخراج بعض المؤسسات والشركات الصناعية من سوق العمل. وهذا بدوره رفع من نسبة البطالة من 6.1٪ العام 2008 إلى 7٪ العام 2009. وبحسب إحصاءات المكتب المركزي في إسرائيل, تراجع النمو من 5.2٪ في الربع الأول من العام الماضي إلى 1.5٪ من الفترة ذاتها من هذا العام، وهي النسبة الأدنى منذ العام 2002.

وقد انخفض إجمالي الصادرات الإسرائيلية بنسبة 13.4٪ بسبب الركود في الولايات المتحدة وأوروبا وانخفضت صادرات الصناعة بنسبة 57.5٪ والخدمات السياحية بنسبة 45.5٪, وهبطت أيضاً الاستثمارات في مجمل فروع الاقتصاد بنسبة 17.8٪. وعكست الأزمة نفسها في مجال الموازنة لجهة تقليص نفقات الحكومة في العديد من الميادين وأبرزها الرفاهية والخدمات. ويبدو أن قطاع التكنولوجيا العليا، وهو قطاع تعوّل عليه إسرائيل كثيراً لجهة أهميته التصديرية، كان من القطاعات الأكثر تضرراً، حيث أن إجمالي إنتاج صناعات التكنولوجيا العليا (High Tech) هبط بمعدل 11.4٪ في أيلول 2008 و16٪ في الربع الثالث من العام نفسه، الأمر الذي أدى إلى تسريح عدد كبير من العاملين في هذا القطاع الحيوي وتقليص إنتاجه وصادراته.

كذلك هي الحال بالنسبة إلى قطاع الصناعات العسكرية، التي طرأ عليها انخفاض ملحوظ في الطلب، فقد جمّدت الهند صفقت بقيمة 2.5 مليار دولار مع الصناعات الجوية الإسرائيلية وكذلك فعلت تركيا، مع العلم بأن إسرائيل تعتبر خامس أكبر مصدّر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا، وهي تسيطر على ما نسبته 5.2٪ من حجم التجارة العالمية بالسلاح. وقد ذكرت إدارة الصناعات العسكرية الإسرائيلية أن إسرائيل باعت العام 2006 على سبيل المثال ما قيمته 4.4 مليار دولار من الأسلحة والخبرات الأمنية, منها مليار دولار إلى الولايات المتحدة وحدها.

من ناحية أخرى تأتي مسألة المعونات الخارجية، حيث أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى تقليصها من ناحية والى تراجع قيمتها مع تراجع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية الإسرائيلية (الشيكل) وعملات أخرى في العالم.

أما على المستوى الشخصي للأزمة, فإن التقديرات تشير إلى خسارة الإسرائيليين أكثر من 15 مليار دولار من جراء الانهيارات المالية في البورصات وإفلاس بعض الشركات التي لليهود فيها حصص كبيرة. وتبيّن أن أغنى 35 ثرياً في إسرائيل تراجعت قيمة ثرواتهم بنسبة 40٪ إذ كانت نحو 40 ملياراً وهبطت إلى 26 ملياراً.

كما وأن الخسائر لم تلحق بكبار الأثرياء فحسب بل إنها ضربت المصالح الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة, ما جعل الحكومة تضع خطة طوارئ لإنقاذها مخافة تفشي البطالة وتفاقمها وخروج آلاف العمال إلى الشوارع، ومن ضمن ذلك جلب استثمارات جديدة وخفض النفقات الحكومية وتوفير السيولة النقدية في المصارف لمواجهة الاختناق الائتماني, وتحسين الامتيازات الضريبية للمستثمرين الأجانب وخفض معدلات الفائدة.

هذه الأجواء البائسة تذكِّرنا بأجواء الفرح الكبير الذي انتاب الإسرائيليين عشية الحرب الأمريكية على العراق نتيجة توقعاتهم بجني فوائد كثيرة من جراء ذلك. إلا أن تلك الأجواء ما لبثت أن تبدّدت في أعقاب الأزمة العميقة التي وصلت إليها سياسة إدارة المحافظين الجدد السابقة برئاسة الرئيس السابق بوش, مع ما رافقها من أموال طائلة أنفقت على الحرب التي كان لإسرائيل ضلع كبير في نشوبها.

وهكذا وبحكم ارتباط الاقتصاد الإسرائيلي بالاقتصاد الأمريكي, فإن تداعيات الأزمة انسحبت على التجارة والصناعة والزراعة والأمن وسائر مناحي الواقع السياسي - الاجتماعي, مما ينذر بمزيد من الركود والانكماش والتباطؤ الاقتصادي.

الاقتصاد الأزمة

أجمع محللون اقتصاديون على أن (إسرائيل) تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية حالياً، وذلك نظرا لحقيقة أن اقتصادها "متكامل مع الاقتصادات الأوربية والأمريكية"، وأن أي أزمة تعصف بها فإنها تنعكس سلباً وبشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي.

وأوضحوا في أحاديث منفصلة لـ"فلسطين" أن الأزمة الاقتصادية أصبحت ظاهرة للعيان في كافة المناحي الاقتصادية بـ(إسرائيل) من خلال ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتصاعد الاحتجاجات المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتراجع الاستثمارات الخارجية بالإضافة إلى تدني مستويات التجارة الخارجية.

 وكانت وزارة المالية الإسرائيلية، قد أقرت بتأثر اقتصادها بالأزمة الاقتصادية العالمية، مبينة أن حركة التجارة مع الدول الأوربية "انخفضت بشكل ملحوظ"، مما يعني تراجع الدخل العام من الضرائب المستحقة على هذه الحركة التجارية، حيث بلغ النقص المتراكم في جباية الضرائب منذ مطلع العام الحالي مليارين وستمائة مليون شيكل.

ويؤكد المحلل الاقتصادي، الدكتور سامي أبو ظريفة أن الاقتصاد الإسرائيلي تأثر بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية العالمية خاصة أزمة الاتحاد الأوربي لارتباط الاقتصاد الإسرائيلي بالاقتصاد العالمي.

ويتابع قائلاً: "إن القيادة الإسرائيلية عمدت إلى إخفاء حقيقة الوضع الاقتصادي ومدى تأثره بالأزمة الاقتصادية العالمية، وذلك تجنبا لخروج احتجاجات شعبية عارمة قد تطيح بحكومة بنيامين نتنياهو. كما أن تأثر الاحتلال يظهر جليا من خلال تراجع الاستثمارات في الاقتصاد، وارتفاع معدل البطالة خلال الأشهر الأخيرة ووصوله إلى حوالي 16% من حجم العمالة الإسرائيلية".

كما يشير أبو ظريفة إلى أن "الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد على الاستثمارات الأجنبية، والتي تساهم في رفع معدل نموه الاقتصادي، والذي يتراجع بشكل ملحوظ كلما انخفضت تلك الاستثمارات، منوها في الوقت ذاته إلى أن "معدل النمو الحقيقي للاقتصاد انخفض وأصبح تقريبا 1% فحسب". 

كما يبين أبو ظريفة أن الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من حالة ركود تأثرا بركود الاقتصاد العالمي، ليشير إلى أنه "ركود جزئي يمكن أن يتطور ويصبح ركوداً كلياً في حال تفاقمت أزمة أوربا الاقتصادية "، حيث إن "حركة التجارة بين (إسرائيل) والولايات المتحدة والدول الأوربية تراجعت مما أدى إلى تراجع الميزان التجاري الإسرائيلي". 

ويستطرد بالقول: "إن تصاعد الأزمة قد يدفع بدولة الاحتلال إلى إعادة هيكلة الاقتصاد لدراسة نقاط قوته وضعفه وكيف يمكن تجنب المزيد من الخسائر، وكل ما تعلنه البيانات الحكومية الإسرائيلية الرسمية من "تحقيق نمو اقتصادي محدود" مجرد أوهام ليس إلا، والحقيقة الواضحة هي أن اقتصادها يعاني من ركود واضح وإن كان محدودا".

من جانبه، يوافق أستاذ الاقتصاد في جامعة الأقصى، الدكتور نسيم أبو جامع على ما قاله أبو ظريفة بأن الحكومة الإسرائيلية "تحاول إخفاء حقيقة أوضاعها الاقتصادية كإجراء احترازي، خوفاً من انعكاس سوء الأوضاع الاقتصادية على المجتمع الإسرائيلي بالسلب".

ويضيف بالقول: "إن تزايد الاحتجاجات الاجتماعية وخروج الجمهور في تظاهرات ناتج عن سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث إن المجتمع الإسرائيلي تعود على الرفاهية، مما يضع الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة أزمة لا يستطيع أن يصمد في وجهها، فضلا عن ظهور نذير أزمات مالية قد تعصف بالاقتصاد العالمي، الذي يرتبط به الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كامل".

من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي، الدكتور ماهر الطباع أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه العديد من المشاكل والتحديات في السنوات الأخيرة والتي لم ينجح في حل أي منها حتى الآن، ومن أبرزها ارتفاع معدلات البطالة والفقر، والازدياد الكبير في مستويات غلاء المعيشة، مبيناً أن المسئولين الإسرائيليين يحاولون إخفاء حقيقة هذه الأوضاع عن الرأي العام الإسرائيلي.

ويتمم الطباع قائلاً: "إن نتنياهو وأعضاء حكومته جميعا يدركون جيداً بأن معرفة الجمهور الإسرائيلي لحقيقة الوضع ستكون "بداية النهاية" لحكومتهم، التي ستواجه بثورة شعبية كاسحة لم يسبق لها مثيل، لأنهم يعلمون تماما قوة الشارع الإسرائيلي الذي يستطيع إسقاطهم متى علم بالحقيقة، ولذلك فإنهم يحاولون بشتى السبل إخفاء هذه المعطيات عن مواطنيهم".

ولفت الطباع النظر إلى أن المصانع والشركات الخاصة في (إسرائيل) لا زالت تتكبد خسائر اقتصادية متواصلة ولا يمكنها تحمل ذلك لفترة طويلة، ليوضح بأن "الاستثمارات داخل الاقتصاد تتراجع مما سيساهم قطعا في زيادة حالة الركود الاقتصادي".

وفي حال اللجوء إلى أسواق الضفة الغربية وقطاع غزة من أجل تعويض الخسائر الاقتصادية المستمرة، فإن الطباع يؤكد على عدم إمكانية هذه الأسواق لتعويض الاقتصاد الإسرائيلي عن خسائره في الأسواق الأوربية والأمريكية، بحكم صغر حجم هذه الأسواق الفلسطينية مقارنة بنظيراتها في كل من الولايات المتحدة وأوربا، فضلا عن تزايد حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وبخاصة المنتجة في مستوطنات الضفة الغربية، في الأراضي الفلسطينية وعدد من الدول الأوربية، مما زاد من عمق الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية. 

أزمة تصدير الغاز

كما هو معروف فقد اندلعت أزمة حادة داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي بسبب مسألة تصدير الغاز الطبيعي إلى كل من مصر والأردن، فمسئولون أمنيون وحكوميون يرون أن تصديره يعد أهمية إستراتيجية لتل أبيب، فيما يرى آخرون أنه يجب توفيره للاستهلاك المحلى لخفض أسعاره داخليا. ونشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية عبر ملحقها الاقتصادي "ذي ماركر"، يوم السبت 27\7\2015، تفاصيل الجلسة الحكومية المصغرة التي عقدت مساء الخميس 25\7\2015، والتي نشب خلالها خلاف حاد بين وزير الاقتصاد الإسرائيلي أرييه درعي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. خلاف بين أعضاء الحكومة حول مسألة احتكار الغاز وقالت هاآرتس، إن درعي جر اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشئون السياسية والأمنية "الكابينيت" الذى خصص لبحث احتكار الشركات الخاصة لقطاع الغاز المسئولة عن استخراجه وتصديره للخارج، لصدام كبير بعد أن أعلن أنه يرفض التوقيع على الالتفاف على صلاحيات المسئول عن تقييد الاحتكار، البروفيسور ديفيد جيلو. وأضافت الصحيفة العبرية أن بنيامين نتنياهو، غادر غرفة الاجتماع غاضباً، لكن الطواقم المهنية واصلت التداول حول بنود تسوية بحضور عدد من الوزراء الآخرين، حيث رد نتنياهو على درعي قائلاً: "قد سمعت تعليقك برفضك التوقيع على وثيقة المفوض لمكافحة الاحتكار علينا مكافحة مصالح أباطرة الغاز"، موضحة أن بعد مداولات استمرت لأكثر من نصف ساعة بمجلس الوزراء الأمني المصغر أعلن درعي أنه سيوقع على وثيقة التحايل على المفوض لمكافحة الاحتكار البروفيسور ديفيد جيلو. وأشارت هاآرتس إلى أن موضوع قطاع الغاز واحتكاره وتصديره يجرى بحثه في "الكابينيت" الذي يعتبر أهم هيئة سياسية وأمنية في إسرائيل، موضحة أنه تم استعراض أفراد طاقم المفاوضات الحكومي مع الشركات الاحتكارية تفاصيل الخطة التي يسعى نتنياهو إلى مصادقة الكابينيت عليها. أهمية جيو/سياسية لإسرائيل لتصدير الغاز لمصر والأردن وخلال الاجتماع، استعرض مسئولون أمنيون إسرائيليون رفيعو المستوى الأهمية الجيو/سياسية لدفع عقود تصدير الغاز الطبيعي المكتشف حديثاً بالبحر المتوسط إلى مصر والأردن.

وقالت هاآرتس إن المسئول عن تقييد الاحتكار جيلو، حضر الاجتماع بشكل مفاجئ، واستعرض أمام الوزراء أسباب معارضته للتوقيع على تسوية مع محتكرى الغاز، وهم شركتى "ديلك" التى يملكها رجل الأعمال يتسحاق تشوفا، المقرب من بنيامين نتنياهو، وشركة "نوبل إنرجى" الأمريكية. وعقب إبداء جيلو لمعارضته، أيد الوزراء بالإجماع التسويات السياسية – الأمنية لتسوية قطاع الغاز بين الحكومة والشركات الاحتكارية، لكن عندما تمت مطالبة درعي بالتوقيع على بند الالتفاف على تقييد الاحتكارات رفض ذلك، وأعلن عن تنازله عن صلاحيته هذه، الأمر الذي أذهل الحاضرين في الاجتماع وخصوصا نتنياهو، وفى أعقاب ذلك ستتنقل مناقشة الموضوع إلى الهيئة العامة للحكومة بكامل هيئتها. ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن اجتماع الكابينيت عقد يوم الخميس الماضي عقد من أجل بحث الخطة الحكومية لتفكيك احتكار الغاز على مدار العامين المقبلين، فيما كان موقف المسئول عن تقييد الاحتكارات هو تفكيك هذا الاحتكار فورا، وطالب الوزراء بمعاينة تفاصيل الخطة الحكومية والمصادقة عليها بادعاء أنها تنطوي على جوانب تتعلق بالسياسة الإسرائيلية الخارجية أو أمن الدولة، وذلك لأنه لهذه الأسباب فقط، بحسب القانون، بإمكان وزير الاقتصاد الالتفاف على صلاحيات المسئول عن تقييد الاحتكارات. وتقضى الخطة الحكومية بالصفح عن شركتى "ديلك" و"نوبل إنرجى" لأنهما عملتا في حقول الغاز بالبحر المتوسط خلافا لقانون تقييد الاحتكار، وفى المقابل وضع قيود أمام عملها في المستقبل، لكن هذه القيود تم تليينها. مستشار نتنياهو يرحب بخطة الحكومة لترتيب مسألة الغاز الطبيعي وفى السياق نفسه، نقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية، عن مستشار رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية البروفيسور يوجين كنديل، ترحيبه بالاتفاق الذى تمت بلورته، مؤكدا أن الإسرائيليين هم الرابحون من الخطة التي قامت الحكومة ببلورتها لترتيب مسألة استخراج الغاز الطبيعي وبيعه للخارج. وأوضح كنديل، أن تطبيق الخطة سيسهم في خفض أسعار الغاز وزيادة عائدات الدولة من مبيعاته مما سيؤدى إلى خفض مستوى الضرائب بشكل عام. من جهته انتقد عضو الكنيست عامير بيرتس من "المعسكر الصهيوني" اليساري المعارض الخطة قائلا: "إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتخذ إجراءات من شأنها إرضاء الجهات التي ستسيطر على مرافق الغاز الطبيعي في إسرائيل".  

اعلى الصفحة