|
|||||||
|
"إن حكومة نتنياهو (قررت) تنفيذ قرار تقسيم المسجد الأقصى زمانيّاً على مرحلتين: المرحلة الأولى- هي ملاحقة التواجد الفلسطيني داخل المسجد الأقصى من خلال اعتقال واستهداف العلماء والخطباء وطلاب مصاطب العلم والمرابطات واعتبارهم ملاحقين من الأمن الإسرائيلي. والمرحلة الثانية- تحديد مواعيد يومية إلزامية تسمح لليهود بدخول المسجد الأقصى، ومنع الفلسطينيين من دخول الأقصى في تلك الساعات، تمامًا كما حدث مع المسجد الإبراهيمي في الخليل". هذا ما قالته مصادر صحفية (إسرائيلية). إننا إذا تتبعنا الإجراءات (الرسمية) لحكومة نتنياهو, نجد أن المرحلة الأولى تسير باضطراد للوصول إلى أمر واقع يغيّر من طبيعة المسجد الأقصى وحق المسلمين في باحاته، وحق التواجد فيه على مدار الساعة كما يتواجد المسلمون في الحرم المكي، والحرم النبوي، فالأقصى هو ثالث الحرمين الشريفين وإليه تشدّ الرحال كما تشدّ للحرمين. في يوم الأحد 13/9/2015, كان هجوم جنود الاحتلال على المصلين واسعًا وقاسيًا، حيث أصيب بجراح مختلفة مائة منهم، وتم خلع بعض شبابيك الواجهة القبلية، واعتقلت الشرطة بعض المصلين. ويوم الاثنين 14/9, هاجمت قوات من الشرطة والجنود المصلين، وجرحت خمسة منهم بجراح بالغة، واعتقلت آخرين. ومن المنتظر أن يواصل جنود الاحتلال هجومهم على المصلين يوماً بعد يوم حتى يتعب المصلون ويرضخون للأمر الواقع. وفي السياق نفسه, أعلن يعالون وزير الحرب الصهيوني, حظر مصاطب العلم، واعتقال الطلاب والأساتذة، وهذه الأخبار والإجراءات تؤكد صحة ما قالته المصادر العبرية عن تولي نتنياهو شخصيًّا تنفيذ خطة تقسيم المسجد الأقصى. والملاحظ أيضاً أن المرحلة الثانية تسير (بالتوازي) مع المرحلة الأولى, حيث تمنع الشرطة المصلين من الدخول إلى الأقصى من السابعة وحتى الحادية عشرة قبل الظهر، وهي الفترة التي يسمح لليهود فيها بدخول الأقصى؟!. وقد أفاد الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى, بأن الشرطة (الإسرائيلية) أغلقت بوابات المسجد القبلي، بالجنازير، لتحاصر المصلين المتواجدين في داخل المسجد. وأن عناصر من الشرطة (الإسرائيلية) ينتشرون على سطح المسجد القبلي وفي ساحات المسجد؟!. مسلسل التدمير والتهويد في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م، وقعت القدس وفلسطين تحت هيمنة الاستعمار البريطاني، الذي تعهد بتنفيذ المشروع الاستعماري الصهيوني بإقامة الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، وما كان لبريطانيا أن تقدم على تنفيذ هذا المشروع الإجرامي وغرس هذا الكيان الغريب والبغيض في قلب الوطن العربي لولا حالة الضعف والتفكك التي آل إليها العرب خاصة، والمسلمون عامة، وقد اكتملت حلقات هذا الاستهداف في العام 1948م، بإقامة إسرائيل على مساحة 78% من أرض فلسطين بدون القدس، ليكتمل العدوان الإسرائيلي في حرب حزيران من عام 1967م، على الرغم من المقاومة الفلسطينية الشديدة لإقامة الكيان الصهيوني طيلة عهد الانتداب البريطاني، إلا أنها لم تحل دون سقوط فلسطين والقدس تحت سيطرة الصنيعة الاستعمارية الغربية وإقامة (إسرائيل) في المنطقة، ومع ذلك لم يتوقف الفلسطينيون عن مواجهة هذا المشروع، بشتى الوسائل الكفاحية المسلحة والشعبية، ولم يُخْفِ الكيان الصهيوني أطماعه واستهدافه للمقدسات الإسلامية في فلسطين منذ اليوم الأول لوقوع فلسطين والقدس تحت سيطرته، وفي مقدمة ذلك استهداف المسجد الأقصى المبارك بالتدمير والتهويد، فقد قصفت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى بمدفعية الهاون يوم 06/06/1967م أثناء الحرب وقد سقطت المدينة المقدسة في يوم 07/06/1967م، وفي اليوم التالي له 08/06/1967م، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدم وإزالة حارة المغاربة في القدس القديمة والمكونة من 135 منزلاً كان يقطن فيها أكثر من ألف نسمة، والواقعة إلى الجانب الغربي الجنوبي من سور المسجد الأقصى، وخصصت كساحة لحائط البراق (حائط المبكى) لإقامة الطقوس التوراتية بالإضافة إلى مبانٍ إدارية وسكنية للمحتل الإسرائيلي، وفي 27/06/1967م صدر قرار حكومي إسرائيلي بتوحيد مدينة القدس الشرقية مع القدس الغربية، وحلت بلدية القدس الشرقية العربية، وصادرت صلاحياتها بلدية القدس الموحدة، لتتوالى سياسة وإجراءات الاستهداف والتهويد لمدينة القدس ومقدساتها، التي تضع الميزانيات الكبيرة البلدية والحكومية والشعبية، لتنفيذ هذه الإجراءات المخالفة لقواعد القانون الدولي التي تنظم حالة الاحتلال، وفي يوم 21/08/1969م أقدم المجند (مايكل روهان) على جريمته القذرة بحرق الأقصى، وتتداعى العرب والمسلمين بناء على النداء الذي أطلقه المرحوم الملك فيصل، وجرى تأسيس منظمة التعاون الإسلامي بغرض اتخاذ الإجراءات الحمائية والرادعة للاحتلال عن مواصلة خططه في تهويد القدس، وتدمير المقدسات الإسلامية فيها، ولكن هيهات أن يذعن الاحتلال لذلك، فقد تواصلت سياسته الإجرامية دون حسيب أو رقيب، سوى من هبات الفلسطينيين والمقدسيين، لمواجهة تلك السياسات، كما بدأت سلطات الاحتلال بحفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى بحجة البحث عن أساسات الهيكل المزعوم، حيث أكتشف حفر نفق في شهر 08/1981م، وفي نفس الوقت اتخذت حكومة الكيان الصهيوني قراراً بضم القدس الشرقية رسمياً وفرض الهوية الإسرائيلية على المقدسيين، وفي شهر 04/1982م أقدم المستوطن (هاري جولمان) على إطلاق النار على المصلين في المسجد الأقصى، فقتل اثنين وجرح ستة مصلين، وفي سنة 1996م أعلن فتح الأنفاق أسفل المسجد الأقصى للسياح، وقامت جماعة أمناء الهيكل وتحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، باقتحام ساحات المسجد الأقصى مما أدى إلى حدوث مواجهات أسفرت عن استشهاد 62 فلسطينياً وجرح المئات، وفي 11/03/1997م أصدر المستشار القضائي الصهيوني قراراً يسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وفي 28/05/1997م طالب عدد من الحاخامات بتقسيم المسجد الأقصى وحثوا أتباعهم للصلاة فيه وفي 02/12/1999م أصدر رئيس بلدية القدس أمراً بمنع الترميم في المصلى المرواني، وفي 28/09/2000م وتحت حراسة 3000 جندي قام المجرم آرائيل شارون باقتحام الأقصى، وفي اليوم التالي 29/09/2000م ارتكبت مجزرة بحق المصلين راح ضحيتها العشرات بين شهيد وجريح، لتنطلق انتفاضة الأقصى التي قدم خلالها الشعب الفلسطيني أكثر من خمسة آلاف شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين، وكل ذلك لم يثنِ الكيان الصهيوني عن سياساته وإجراءاته، التي تستهدف القدس، مقدسات وسكان، ولتتوالى الاقتحامات للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين، والجماعات المتطرفة وتتكرر أفعالها بشكل شبه يومي، ويتصدى لهم حراس الأقصى والمصلين، بالإضافة إلى فرض سلسلة من القيود على المسلمين لأداء صلاتهم في المسجد الأقصى، ليتوج اليوم وفي هذه الفترة استعار الإجراءات الإسرائيلية والاقتحامات للمسجد الأقصى، بهدف التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، كمقدمة لهدمه، وتدميره، وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، هذا عدا عن الإجراءات التي تستهدف الإنسان الفلسطيني، وتضييق سبل العيش والإقامة له في المدينة المقدسة، وتواصل وتيرة الاستيطان اليهودي داخل القدس وفي محيطها، وعزلها عن محيطها الفلسطيني، وإقامة الجدار العازل حولها، كل هذه الإجراءات المتواصلة والمتصاعدة تؤدي إلى نتيجة واحدة هي أن القدس مستهدفة سكاناً ومقدسات لتهويدها وإخراجها من أية تسويات سياسية يجري الحديث عنها، غير آبهة بردات الفعل العربية والإسلامية والدولية الخجولة، التي ليست على مستوى الحدث ورد الفعل المطلوب إلى غاية الآن، والتي لم تتجاوز مثلث (الشجب والإدانة والاستنكار) وإذا لم تنتقل ردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية إلى ساحة المواجهة الفعلية، وساحة الفعل الحقيقي، فإن سلطات الاحتلال سوف تستمر في مواصلة خططها الرامية إلى تدمير المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى، واقتلاع السكان العرب وإفقادها هويتها العربية والإسلامية، حتى يتسنى لها تشييد رموز توراتية مكانها لتدعم بها أساطيرها، التي تقول بوجود هيكل سليمان مكان أو أسفل الأقصى، وأن فلسطين أرض الميعاد تتوفر على مقدسات يهودية في تلك الأرض المقدسة، علماً أن كافة الأبحاث التاريخية الموضوعية وأعمال التنقيب التي قامت بها سلطات الاحتلال نفسها، لم تثبت أي من هذه الادعاءات الباطلة، والمزورة للتاريخ وللواقع. إن المسألة اليوم قد وصلت مرحلة الخطر، ومرحلة الحسم، ففي ظل انشغال العرب بالحروب والصراعات والنزاعات التي فجرها ما سمي بــ(الربيع العربي) تجد إسرائيل الفرصة السانحة لإكمال مخططاتها، فلابد أن يدرك العرب والمسلمون أن المأساة تتعمق وتتجذر يوماً بعد يوم ما لم يقدموا على خطوات عملية فاعلة ورادعة للكيان الصهيوني، لوقف مسلسل إجراءاته الجهنمية، بداية من الدول التي ترتبط باتفاقات مع الكيان الصهيوني مثل مصر والأردن، وبقية الدول التي تقيم معه علاقات تمثيل علنية أو سرية، واتخاذ سلسلة من الإجراءات العملية تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار والإدانة، بدءاً من إعادة تفعيل المقاطعة العربية من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، ودعم الشعب الفلسطيني وتثبيته في القدس خاصة وفي فلسطين عامة، ومواصلة الحصار السياسي والدبلوماسي للكيان الصهيوني والعمل على عزله سياسياً، واقتصادياً، على الساحة الدولية كي يكف وتتوقف عن هذه السياسات والإجراءات، ويسلم بضرورة تنفيذ الشرعية الدولية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبشأن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وإنهاء سياسة تغيير المعالم العربية والإسلامية وتغيير التركيب الديموغرافي للقدس والأراضي المحتلة، وهنا يتأكد ضرورة التوجه للأمم المتحدة لاتخاذ إجراءاتها اللازمة بشأن إنهاء الاحتلال، بإصدار قرارات ملزمة من مجلس الأمن، وفق البند السابع، وبدون ذلك فإن الفلسطينيين لن ينتظروا كثيراً، وسيُفاجِئون الاحتلال ومعه العرب والمسلمين والعالم، بوقف وإنهاء سياسة التسويف والانتظار لأن تؤتي الجهود الدولية أُكُلَها، لأن القدس ومقدساتها هي جزء من العقيدة، والمس بها أمر جلل وخطير، لن يسكت عنه أحد، وسيشعل حينها حرباً دينية مقدسة لن تكون ساعتها تحت السيطرة، وسيتطاير شررها ليصيب الجميع، إن ما تقوم به سلطات الاحتلال من ممارسات واستهداف للمقدسات يمثل اعتداء على التراث الإنساني، وجرائم حرب يجب أن تتوقف فوراً، وأن يعاقب الاحتلال عليها أمام المحاكم الدولية، وعلى الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المختصة القيام بدورها في حماية هذا التراث الإنساني، وفرض الحماية الدولية للمقدسات الإسلامية والمسيحية على السواء، وللشعب الفلسطيني، من إجراءات وبطش الاحتلال بهم حتى يتم إنهائه وزواله. استهداف المسجد الأقصى يمر المسجد الأقصى في واحدة من أدق المراحل وأخطرها منذ احتلاله عام 1967 مع تصعيد السلطات الإسرائيلية من وتيرة اعتداءاتها على المسجد واستهداف مكوناته وعناصر الدفاع عنه والتصدي لمخططات التهويد والسيطرة عليه. وقد تجلى ذلك في سلسلة متلاحقة من الإجراءات استهدفت بشكل خاص النساء، وتجريم حركة الرباط، والتصويب على موظفي الأوقاف وإصدار قرارات بإبعادهم عن المسجد ومنعهم من الاقتراب من المقتحمين خلال ممارسة عملهم. وفي حين يتصرف الاحتلال بجدية وبخطوات مدروسة للسيطرة على المسجد يغيب الموقف الرادع للاحتلال الذي يتصرف براحة ومن دون التعرض لأي ضغط من الجهات المعنية بشكل أساسي بالدفاع عن المسجد. وفي ضوء تلاحق الإجراءات الإسرائيلية في الأقصى يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات تحكم المشهد في المسجد؛ الأول: انتقال الاحتلال إلى عملية تشريع التقسيم الزمني للمسجد في الكنيست، والثاني، اكتفاء الاحتلال بالإجراءات الإدارية لتثبيت "الوضع القائم"، والثالث اندلاع موجة جديدة من الحراك الشعبي في القدس تدفع الاحتلال إلى ضبط خطواته على إيقاعها. ترجيح أحد هذه السيناريوهات مرتبط بالعوامل المؤثرة في مسار الأحداث، وهي في المستوى الأول: الأردن، والمقاومة الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، والمقدسيون مع فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، ومجموع الأحزاب والمنظمات والعلماء والإعلام في العالم العربي الإسلامي، والموقف الإسرائيليّ. ويأتي في المستوى الثاني عوامل أخرى يتزايد تأثيرها في حال تضافرت في ما بينها. شكّل انتهاء عيد الفطر بداية التحول في التعاطي الإسرائيلي مع المسجد الأقصى مقارنة بالموقف والإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال في الأشهر السابقة والتي فرضتها الهبّة الشعبية التي شهدتها القدس في أعقاب قتل مستوطنين الفتى المقدسي محمد أبو خضير في 2/7/2014. فتداعيات الهبّة دفعت المستوى الأمني إلى فرض قيود على الاقتحامات، وصولاً إلى شهر رمضان ومنع الاقتحامات كليًا في العشر الأواخر وفي أيام الفطر. أمّا على المستوى السياسي فقد أكد نتنياهو تمسك دولة الاحتلال بـ"الوضع القائم" في الأقصى والحرص على عدم تغييره إذ إنّ المكاسب التي حقّقها اليهود في ظلّ هذا الوضع أكبر من أن تضيع، وفي حين أن الحكومة تعد اليهود بالسماح لهم بالصلاة في الأقصى إلا أنّها تتحسّب للتداعيات إن سمحت لهم باقتحامه والصلاة فيه رسميّاً. تمكّن الاحتلال من تخفيف "التوتر السائد في القدس"، بناء على نصيحة تلقّاها نتنياهو من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والعاهل الأردني عبد الله الثاني في اجتماع في عمان في تشرين ثانٍ/نوفمبر 2014، ومع انتهاء عيد الفطر عاد المشهد في الأقصى إلى ما كان عليه، مع تصعيد في استهداف حراس المسجد وحركة الرباط، وتجدّدت الاقتحامات السياسية مع "ذكرى خراب المعبد" واقتحام عضو الكنيست ووزير الزراعة أوري أريئل الأقصى في 26/7/2015. عقب ذلك تلاحقت الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف الأقصى، وبات الاحتلال يتصرف بحرية كبيرة في فرض القيود على المصلين، ومنع النساء من دخول المسجد، والتدخل في عمل الأوقاف من خلال محاولات منع الحراس من أداء عملهم وإبعادهم عن الأقصى. وفي 8/9/2015، أصدر وزير الجيش موشيه يعلون قراراً بتجريم ما أسماه تنظيمي المرابطين والمرابطات، وحلقات مصاطب العلم في المسجد الأقصى واعتبارهم مجموعات إرهابية، وقال مكتب يعلون إن القرار متوافق مع توصية من الشاباك (جهاز الأمن العام) ومع موقف الشرطة، واتهم المرابطين والمرابطات وطلاب حلقات العلم بـ"التورط في تحريض خطير ضد السياح والزائرين والمصلين في جبل المعبد، الأمر الذي يؤدي إلى العنف وتهديد الحياة". والنقطة اللافتة في بيان المكتب الإشارة إلى أن "هدف المرابطين والمرابطات هو تقويض السيادة الإسرائيلية على جبل المعبد، وتغيير الواقع والترتيبات الحالية، والإضرار بحرية العبادة". وقد حاز قرار يعلون موافقة المدعي العام يهودا فينشتاين. قرار يعلون كان سبقه في 24/8/2015، رسالة من وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال جلعاد أردان أوصى فيها وزير الجيش بإعلان "تنظيمي" المرابطين والمرابطات تنظيمًا غير قانوني. وقال أردان في التوصية إنّ أفراد "هذين التنظيمين يتعقبون زيارات اليهود إلى [الأقصى] ويصرخون بتهور وبعبارات تحريضية، ويحجبون طريق الزوار المؤدي إلى [المسجد]". وأضاف أنّ هدف الجماعتين هو مضايقة اليهود الراغبين بزيارة المكان من خلال اللجوء إلى العنف والترهيب مؤكدًا أنه يقوم بما في وسعه لوقف نشاطات هاتين "الجماعتين الخطيرتين اللتين تنتهكان التوازن القائم في [الأقصى]". وقال بيان لوزارة الأمن الداخلي إن الوزير أردان أجرى اتصالات ومشاورات مع الشاباك ومع النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة، وقد أبدوا جميعًا موافقتهم على الاقتراح. ليس الطرح الذي قدمه أردان بالجديد، ففي تشرين ثانٍ/نوفمبر 2014 كشفت هآرتس أن وزارة الأمن الداخلي وفروعًا أخرى من مؤسسة الدفاع الإسرائيلية (الشاباك والشرطة الإسرائيلية) سيتقدمون بمشروع قانون لتجريم المرابطين الذين يمنعون دخول اليهود إلى الأقصى. ووفق هآرتس فقد ناقش وزير الأمن حينها، يتسحاق أهارونوفيتش المشروع مع المدعي العام يهودا فينيشتاين كما قال قائد الشرطة الحنان دانينو في جلسة للجنة الداخلية في الكنيست في 2/10/2014 إنّ الشرطة ومكتب المدعي العام يعملون من أجل وقف الفلسطينيين المتورّطين في تنظيم تظاهرات في الأقصى والاشتباك مع القوى الأمنيّة في المكان. لكن القانون لم يسن، واختار أردان التوجه مباشرة إلى وزير الجيش. استهداف الرباط عبر الدعوة إلى تجريمه كان سبقه قرار لوزير الأمن الإسرائيلي السابق أهارونوفيتش في 3/9/2014 بإغلاق مؤسسة عمارة الأقصى في الناصرة في الأراضي المحتلة عام 1948، وهي ذات دور كبير في رعاية برنامج مصاطب العلم ورفد المسجد بالمرابطين، لاسيما في الصباح حيث تزداد الاقتحامات. وقالت الناطقة باسم الجيش تعقيباً على القرار إن المؤسسة "قامت، بالمشاركة مع حركة حماس في منطقة القدس، بإجراء نشاطات مختلفة في حيز الحرم القدسي سعياً وراء تعزيز وجود المسلمين بالحرم، إضافة إلى مراقبة نشاطات اليهود الزائرين وتحركاتهم في المكان، ومنع السيطرة اليهودية". وفي 8/9/2014، مدّدت الشرطة أمر إغلاق المؤسسة عاماً كاملاً. قرارات الإغلاق امتدت إلى عام 2015 حيث أغلق الاحتلال في 13/1/2015 ثلاث جمعيات تابعة للحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وهذه المؤسسات هي رواد الأقصى ومسلمات لأجل الأقصى في القدس، إضافة إلى جمعية الفجر في الناصرة، وذلك بموجب قرار من وزير الجيش يقضي بحظر هذه الجمعيات بتهمة تمويلها ما يسمى "منظمات الإرهاب" ودعم حركة "حماس". واعتبر قرار الإغلاق أنّ الجمعيات المذكورة أقيمت لتمويل النشاطات المناهضة لزيارة اليهود للمسجد الأقصى وتهديد أمنهم والتّسبب بأعمال إخلال بالنظام العام، والتعاون مع حماس لدعم المرابطين في المسجد. واستهداف الاحتلال لحركة الرباط هو جزء من محاولاته تحييد وعزل كل الأطراف التي يمكن أن تؤثر في "الوضع القائم" في الأقصى، لا سيما إذا عدنا إلى مناسبات سابقة متعددة تمكن فيها المرابطون من حمل الاحتلال على منع الاقتحامات كان أبرزها في عيد الفصح اليهودي في نيسان/أبريل 2014. ومنذ 24/8/2015 عمدت الشرطة الإسرائيلية إلى منع النساء من دخول الأقصى من الساعة السابعة والنصف إلى الحادية عشرة صباحاً، وهو الوقت المتاح لاقتحامات اليهود في الفترة الصباحية بموجب ما يسمى بـ"الوضع القائم". واستمر المنع إلى 3/9/2015 للنساء كافة بالتزامن مع منع نساء أدرج الاحتلال أسماءهن ضمن "لائحة سوداء" من دخول الأقصى إلى ما بعد انقضاء فترة اقتحامات المستوطنين الثانية، أي بعد الساعة 2:30 ظهرًا. وقد بدأ هذا التصعيد منذ حوالي 4 أسابيع بقائمة ضمت 20 اسمًا ووصلت إلى 45 اسمًا. وتوجت الشرطة ممارساتها ضد المرابطات بمداهمة منازل 5 منهن فجر الخميس 3/9/2015 واعتقلت إكرام غزاوي، وسلمت سماح غزاوي أمر استدعاء للتحقيق فيما سلمت عايدة الصيداوي أمراً بإبعادها عن الأقصى لمدة شهر، بعد تفتيش منازلهن. كما فرضت الشرطة على النساء تسليم هوياتهن قبل السماح بدخولهن إلى الأقصى وفرضت عليهن استرجاعها قبل الساعة السابعة والنصف (بدء الاقتحامات) وإلا سيكون عليهن تسلمها من مركز شرطة القشلة، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تعرّضهن للتحقيق، وربما التوقيف. وبالتوازي مع استهداف النساء ومنعهن من دخول الأقصى في الفترة الصباحية، كانت الشرطة تفرض قيوداً على الرجال، فمنعت من هم دون الخامسة والعشرين من دخول المسجد وصادرت بطاقات الهوية العائدة لكبار السن، واشترطت عليهم أيضاً استردادها قبل السابعة والنصف صباحًا لضمان عدم عرقلة الاقتحامات. بالتوازي مع استهداف الرباط، ركز الاحتلال على موظفي الأوقاف، وبشكل خاص حراس المسجد حيث أصدر أوامر بالتحقيق والإبعاد بحق عدد منهم، كان آخرها في 31/8/2015 مع إصدار أوامر إدارية بإبعاد 6 من موظفي دائرة الأوقاف في المسجد الأقصى عنه لمدة شهرين، والمبعدون هم موظفو دائرة الإعمار حسام سدر وبهاء أبو صبيح وثائر أبو سنينة، بالإضافة إلى الحراس عرفات نجيب وفادي عليان وطارق أبو صبيح. كما كشف الشيخ عمر الكسواني في 27/8/2015 عن توجيه الشرطة الإسرائيلية تحذيراً شفوياً إلى حراس الأقصى بوجوب عدم اقترابهم من المقتحمين مسافة تزيد على 15 متراً. وكشف الحاخام يهودا غليك لصحيفة تايمز أوف إسرائيل (1/9/2015) عن تفاصيل لقائه مع نتنياهو في 19/8/2015 لمناقشة التطورات في الأقصى وقال غليك إنه في حين لم يعد نتنياهو بحرية صلاة اليهود في الأقصى فإنه اعتبر أن الوضع الحالي الذي يتعرض فيه اليهود للمضايقات من قبل الناشطين والناشطات من المسلمين لا يمكن قبوله وقال غليك إن نتنياهو يدعم وزير أمنه في منع المرابطات من دخول الأقصى في ساعات الزيارة الصباحية. ووفقًا لغليك، فإن نتنياهو قال بوجوب طرد الناشطين المسلمين من المكان كما ناقش معه الارتدادات السياسية قائلاً إن هذا الوضع ينبغي ألا يستمر وإنه ينسق مع مكتب المدعي العام وكل المؤسسات الأمنية لحل القضية. ويعتبر إبعاد المرابطات عن الأقصى صباحًا من أهم إنجازات غليك وناشطي "المعبد" حيث اعتبر غليك أن هذه قد تكون الخطوة الأولى لتقسيم أوقات الزيارة بين المسلمين واليهود تمهيدًا لصلاة اليهود في المكان. وقال غليك إنه يشعر بأن "ثمة روحًا جديدة ترشد الشرطة فالوزير أردان مختلف عن سلفه أهارونوفيتش، حيث يطلق نشاطات ويفهم الوضع الفوضوي كما أنّه يتفهمنا"، وأضاف غليك أن أردان يريد أن يطور الوضع ولكن ذلك "لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها والشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى التغيير هو زيادة الوجود اليهودي في جبل المعبد، ونحن نحتاج إلى مزيد من الضغط من الحشود التي تصعد إلى المكان ومن السيّاح الشاهدين على الوضع". السيناريوهات المحتملة بالنظر إلى الإجراءات التي يتخذها الاحتلال والتصعيد في المسجد الأقصى واستهداف حركة الرباط وصولاً إلى تجريمها يمكن الحديث عن 3 سيناريوهات محتملة: 1- خطوات متلاحقة لتسريع التقسيم وصولاً إلى تشريعه بشكل رسمي في الكنيست، وكانت محاولات في هذا السياق تمت في وقت سابق مع تقديم عضو الكنيست السابق أرييه إلداد (حزب الاتحاد الوطني) اقتراح قانون لتقسيم الأقصى زمنيًا عام 2012، واقتراح تبناه كل من النائبين ميري ريغف (ليكود) وحيليك بار (وهو من حزب العمل، وقد سحب دعمه للاقتراح بعد الانتقادات التي وجهت له) في أيار/مايو 2014. 2- استمرار الخطوات الإسرائيلية لجهة استهداف مكونات الأقصى كلها، ولاسيما الرباط، مع ما ينتجه ذلك من تقسيم للأقصى بحكم الأمر الواقع وتثبيت "الوضع القائم" بما يتيح للاحتلال استمرار التحكم بالمسجد وفرض شروطه وقواعد الدخول إليه والصلاة فيه. 3- تجدد الهبة الشعبية التي اندلعت في القدس واحتمال انطلاقها من الضفة الغربية خصوصًا بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها مدن الضفة وكان آخرها ما حصل في جنين وكذلك التحركات على خلفية إحراق عائلة الدوابشة في دوما بنابلس، ما سيدفع الاحتلال إلى ضبط اعتداءاته على الأقصى على إيقاع الحراك الشعبي. ويعتبر السيناريو الأول وإمكانية اتجاه الاحتلال إلى تشريع التقسيم في الكنيست احتمالاً ضعيفًا لاسيما أن الاحتلال يبدو قادراً على التحكم بالأقصى من خلال قرارات إدارية من دون الحاجة إلى القوانين، فضلاً عن أن الكلفة السياسية لهذا السيناريو باهظة على حكومة نتنياهو الضعيفة من حيث تكوينها وائتلافها. وهذا السيناريو سيحرج حكومة الاحتلال أمام العالم عمومًا، وأمام الحليف المهم "الأردن" على وجه الخصوص. وسبق أن طلب الأردن توضيحات بشأن مشاريع تقسيم الأقصى التي يسعى بعض أعضاء الكنيست لتشريعها فيه، فكان الرد الإسرائيليّ الرسمي أنه لا نية إسرائيلية رسمية لتغيير "الوضع القائم". ويعتبر السيناريو الثالث قابلًا للتحقيق بالنظر إلى هبة المقدسيين بعد إحراق الطفل المقدسيّ محمد أبو خضير وإحراقه في 2/7/2014. ولكنّ تقويماً سريعاً لهذه الهبة يفيد بأن الاحتلال تمكّن بشكل أو بآخر من استيعابها نسبيّاً من خلال إجراءات أمنية و"تسهيلات" مؤقتة وملاحقة للمرابطين والمرابطات وحراس الأقصى وتقييد حركتهم وإبعادهم واعتقالهم وغير ذلك. كما أن أسباباً موضوعية لها علاقة بطبيعة ومقومات صمود المجتمع المقدسي أدت إلى تراجع الهبة الشعبية عمّا كانت عليه في الأشهر الأولى لاندلاعها. ويبقى العامل المهم المتمثل بالغياب الواضح لفصائل وقوى المقاومة الفلسطينية عن الانخراط في صلب هذه الهبة تخطيطًا وتنظيمًا وتنفيذًا، والغياب القسري لحاضنة القدس البشرية المتمثلة بالضفة الغربية بسبب الاحتلال والتنسيق الأمني من قبل السلطة الفلسطينية معه، سببًا وجيهًا يدفعنا للترجيح بأن الهبة الشعبية في القدس قابلة للاستمرار على الوتيرة السابقة نفسها، ولكن حظوظ توسعها بما يتناسب مع حجم الاعتداءات على القدس والأقصى تبقى محدودة في ظل استفراد الاحتلال بما أسماه "الذئب الوحيد" أي شباب القدس الثائرين. وأما السيناريو الثاني المتمثل في تكريس هذا الواقع فهو الأرجح، فالاحتلال ماضٍ قدمًا في "تحقيق المكاسب" في ما يتعلق بالأقصى على أكثر من صعيد، وإجراءاته على الأرض خير دليل على عزمه فرض تقسيم الأقصى زمانيّاً ولكن بأقل ضجة ممكنة حتى يتفادى الخسائر والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن هذه الخطوة. ويبقى ترجيح هذا السيناريو أو ذاك مرتبطًا بتعاطي الأطراف المؤثّرة في مسار الأحداث، وكيفية تفاعلها مع الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة على المسجد والمواقف التي يمكن أن تتخذها والسقف الذي ستلزم نفسها به، وأهم هذه الأطراف هي الأردن لما لها من وصاية على المقدسات، ولاسيما الأقصى، والمقدسيون وفلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك المقاومة الفلسطينية بما لها من قدرة على إيلام الاحتلال ولجم جموحه، بالإضافة إلى الطرف الإسرائيلي ذاته ولاسيما تجاوبه مع "منظمات المعبد" التي قطعت شوطاً بعيداً في جعل مطالبها ضمن الاهتمامات المتقدّمة للمستوى الرسمي في "إسرائيل". |
||||||