الإرهاب اليهودي: جذوره ومنظماته وأدواته وأشكاله في إسرائيل

السنة الرابعة عشر ـ العدد 165 ـ (ذو القعدة - ذو الحجة 1436 هـ) أيلول ـ 2015 م)

بقلم: مأمون كيوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ارتفعت بشكل لافت خلال العقد الأخير  نسبة التطرف في التجمع الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين. وتكررت الهجمات ضد الفلسطينيين بشكلها الرئيس المتمثل في مهاجمة دور العبادة المسيحية والإسلامية بشكل يومي تقريبا. وتبنت هذه الأعمال الإرهابية عصابة تدعى "تدفيع الثمن".

وقد سجل 11 ألف هجوم خلال 10 سنوات، وتشير المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية "يش دين" إلى إغلاق نحو 85 في المائة من الشكاوى المقدمة إلى الشرطة الإسرائيلية من الفلسطينيين ضد المستوطنين.

وشكلت جريمة إحراق الطفل الفلسطيني الرضيع علي دوابشة في قرية دوما مدخلاً لسجال ساخن داخل النخب السياسية والأمنية والدينية والثقافية الإسرائيلية. وكان الرئيس السابق لإسرائيل شمعون بيريز أول من سارع إلى تغليف مكره السياسي المعروف بقوله: "أنا خجل.. أنا مصدوم.. أنا لا أصدق أننا وصلنا إلى مطارح ظلماء بهذا القدر". وأول من يعظ ويطلق التحذيرات. فقد قال: "نحن نواجه اليوم وضعاً يتعين فيه علينا جميعاً أن نحمل القلق العميق على مصير دولتنا. وفي دولة ديمقراطية يمكن عقد المساومات السياسية، ولكن محظور فيها عقد مساومات أخلاقية! الأخلاق غير قابلة للانقسام. الأخلاق هي تجاه كل مواطن بلا استثناء سواء كان يهودياً، مسيحياً، مسلماً، عربياً، درزياً، شركسياً، سواء كان شاباً أم شيخاً. والتوراة التي جاءت لنا من سيناء هي أولا وقبل كل شيء توراة قيم. اليهودي لا يمكنه أن يبقى يهوديا إذا خرق فريضة "لا تقتل"، واستبدلها بالتحريض على القتل. واليهودي لا يبقى يهوديا إذا تجاهل دعوة "وأحب لغيرك ما تحبه لنفسك"، حتى لو كان غيرك يحب طريقاً مختلفاً عن طريقك. محظور أن يأتي مسيحيو الكذب بدلاً من أنبياء الحقيقة".

أما الرئيس الإسرائيلي الحالي رؤوفين (روبي) ريفلين فرد على مقتل الطفل علي دوابشة فتمثل بقوله: "يفوق شعوري بالألم شعوري بالخجل.. ألم على قتل رضيع صغير.. ألم على أنّ أبناء شعبي قد اختاروا طريق الإرهاب وفقدوا إنسانيّتهم. وطريقهم ليست طريقي..‎ ‎طريقهم ليست طريقنا.. طريقهم ليست طريق دولة إسرائيل ولا طريق الشعب اليهودي. وللأسف الشديد، حتى الآن يبدو أنّنا تعاملنا مع ظاهرة الإرهاب اليهودي بتساهل(....) ومن أجل الوقوف ضدّ موجة الإرهاب التي تؤذي الأبرياء، تحتقر حياة الإنسان، تحتقر سلطة القانون، فإن دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي ملزمان بمحاسبة النفس. محاسبة النفس التي ترتكز على الأفعال وليس على الكلمات فقط(....) وعلى الرغم من الألم والأسف علينا أن نستمر وأن نؤمن بقدرتنا على بناء جسور التعايش، والحياة المشتركة. ويجب ألا نسمح للإرهاب بأن ينتصر".

وفي سياق مهاجمته للسلطة الفلسطينية قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إننا "خلافاً لجيراننا، نحن ننبذ ونستنكر(الإرهاب) هم يسمون الميادين على أسماء قتلة أطفال". وهاتف نتنياهو الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، أبلغه خلالها بأنه زار عائلة الشهيد الرضيع علي دوابشة في المستشفى. تعهد بالعمل على إلقاء القبض على منفّذي العملية الإرهابية بحق عائلة دوابشة، غاضاً النظر عن كون العملية الإرهابية ناتجة عن تحريض مستمر من قبل حكومته اليمينية، وتساهلها مع اعتداءات المستوطنين المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.

وفي السياق نفسه، أكد ثلاثة من رؤساء الشاباك في الماضي، آفي ديختر ويعقوب بيري وعامي ايالون شعورهم بالقلق من تهديد الجماعات الإرهابية اليهودية على مستقبل إسرائيل، ومن مخاطر وقوع اغتيالات سياسية جديدة. ويشيرون لتنامي خطر الإرهاب اليهودي على إسرائيل بسبب العقوبة المتسامحة، والتحريض المتصاعد. وقال الجنرال (احتياط) عامي ايالون الذي تسلم رئاسة الشاباك بعد فترة وجيزة من مقتل رابين: "أنه لو تم تفعيل قانون الإرهاب ضد الإرهابيين اليهود لما وصلت إسرائيل اليوم إلى ما وصلت اليه. ويقول إنه كان يمكن وقف تحويل الأموال لأولئك الإرهابيين. وأكد بوضوح أن هذه مجموعة منظمة تحظى بدعم سياسي وبقيادة إيديولوجية وتدعم استخدام السلاح".

وقال رئيس الشاباك السابق النائب يعقوب بيري: "لم تنجح دولة إسرائيل بردع هؤلاء الذين نفذوا العمليات. ولكن خلافاً لعامي ايالون، اعتقد أن " تدفيع الثمن" ليست تنظيما هرميا سيتم القضاء عليه إذا اعتقلنا رئيسه". واعتبر"أن الحديث يدور حول متعصبين، مهووسين، متزمتين تحركهم الرغبة في تأجيج الصراع".

ويعتقد عضو الكنيست ديختر بأن الإرهاب اليهودي خمد في السنوات الأخيرة بالذات. وحسب رأيه فإن "الحديث الآن عن إرهاب يهودي يتعامل مع الزجاجات الحارقة، وليس كما في السابق، عندما زرعوا عبوات ناسفة تزن عدة كيلوغرامات تحت السيارات أو حافلات الركاب. وزعم أن التحول طرأ على الإرهاب اليهودي بسبب نشاط "الشاباك" والشرطة وبفضل العقوبات. واعتبر أن المشكلة هي أنه طالما لا تقع إصابات في الأرواح يكون العقاب متسامحاً.

ويختلف رؤساء الشاباك في الموقف من الاعتقال الإداري للمشبوهين بعمليات "تدفيع الثمن". ويقول أيالون "إن الاعتقالات الإدارية هي خطوة تدمر الديمقراطية ويشكك بقدرتها على الردع". أما بيري فيعتقد أن "وظيفة الاعتقال الإداري هي تحويل المعلومات الاستخبارية إلى أدلة قضائية ويؤمن انه عقاب رادع وفي نهاية الأمر سيحقق فائدة".

ويقول ديختر: "هذه أداة تسمح لسلطات تطبيق القانون بمعالجة قاعدة الإرهاب حتى لو لم تتصرف كتنظيم. إنها توازن بين رغبة المعتقل بإخفاء المعلومات ورغبة المنظومة بالتحقيق معه". ويرى أن "الشبكات الاجتماعية تؤجج أجواء التهديد والتطرف، وبعد أن سبق وقتل رئيس حكومة في إسرائيل، فإنه يجب الافتراض أن عملية القتل السياسي تقف خلف عتبة الباب".

وأكد عضو الكنيست ومؤسس حركة "السلام الآن"، أوري أفنيري، في مقال مطول نشرته صحيفة "هآرتس" أن خطر الخراب يحيق بإسرائيل، وأن المستوطنين ليسوا "عشباً ضاراً" أو هامشيين بل إنهم الخطر الحقيقي والمباشر على كل ما بني في هذه البلاد خلال الأجيال الأخيرة.

وأيضاً، رأى يهودا بن مئير أحد كتاب صحيفة "هآرتس" أن " الإرهاب اليهودي يرفع رأسه. والحديث لا يدور عن أفراد أو شواذ أو أعشاب ضارة، بل هو عن ثقافة أشخاص سيئين. زرع مراع لأبناء فاسدين تركوا الله ودنسوا إسرائيل. العملية في قرية دوما وعملية الطعن في مسيرة المثليين هما ذروة جديدة في قائمة طويلة من الأعمال الإرهابية وجرائم الكراهية والعنف ليهود على خلفية إيديولوجية". ووجه الاتهام إلى جماعات قائمة وتعمل في هوامش الجمهور الحريدي أو المستوطنين، و"القاسم المشترك بينها هو رفض سلطة القانون ومؤسسات الدولة والديمقراطية وحتى الدولة نفسها وتبرير استخدام العنف من اجل "ارض إسرائيل" أو "التوراة"".

وطالب زئيف جابوتنسكي أحد كتاب صحيفة "إسرائيل اليوم" ب" فرض القانون على الجميع". لأنه "فقط إذا ما فرضت المحاكم التي يجلب إليها القاتل الشنيع لشيرا بانكي عقوبات متراكمة، وليس متداخلة، قصوى على القتل وعلى الخمس محاولات القتل التي ارتكبها في الماضي، يكون هناك احتمال ألا يتمكن من أن يسير حراً في أي مظاهرة في المستقبل ويعرض حياة المتظاهرين فيها للخطر مرة ثالثة. هذا بيد القضاة، ومسؤوليتهم عن منع القتل التالي يجب أن تجد تعبيرها فقط وحصرياً في قرار حكم لا يأخذ بالحسبان أي تخفيف يطلب به محاموه(....) وكقاعدة يجب أن يوضع في مكانهم كل أولئك الذين يستخفون بالقوانين مثل المادة 136 من القانون الجنائي ".

ويعتقد يعقوب عميدور، أحد كتاب صحيفة "إسرائيل اليوم" أن "الإرهاب اليهودي الموجه ضد العرب، وفقط لأنهم عرب هو إرهاب منظمة وهو يأتي من أوساط جماعة واضحة تدفعه إلى الأمام وتبرره، وليس له حدود ـ كل عربي هو ضحية محتملة، هذا الإرهاب مرفوض وضار على ثلاثة مستويات على الأقل:

1- مستوى صراع إسرائيل ضد محافل الإرهاب في العالم، إسرائيل ستجد صعوبة في أن تشرح لماذا عندما لا تنجح في تصفية الإرهاب الداخلي فيها، تنزل باللائمة على الآخرين ممن لا يفعلون ما يكفي كي يقاتلوا ضد الإرهاب الذي يعمل عندهم. والقول: "اعملوا عندكم قبل أن تزايدوا على الآخرين، سينطلق في العالم أكثر فأكثر. أما مطالباتنا بالحاجة إلى معالجة اكبر للإرهاب الإسلامي ضد اليهود في أرجاء العالم فستبدو اضعف، في الوقت الذي يوجد فيه عندنا إرهاب يهودي ضد المسلمين وتحرق مؤسسات دينية مسيحية.

2- المستوى الرسمي اليهودي في بلاد إسرائيل: إظهار سيطرة إسرائيل كدولة هام لكل من يريد استمرار وجودها في منطقة مفعمة بالاحتكاك كمنطقتنا. ناهيك عن أن هذا المبدأ هام حتى أكثر لدى كل من يحلم ويأمل ألا تقسم بلاد إسرائيل، وان تكون دولة إسرائيل صاحبة السيادة بين البحر والنهر. ولم تعترف أي دولة في العالم في حق إسرائيل بالسيطرة على الفلسطينيين. ولكن الكثير منها تفهم بأنه لا يوجد الآن بديل إذ لا يوجد عنوان للمفاوضات أو للاتفاق في الطرف الآخر. قسم (صغير) من دول العالم تفهم حتى مخاوف إسرائيل من تعاظم الإرهاب العربي، إن لم تسيطر إسرائيل على المنطقة. كل هذه الحجج الأمنية ستتبدد إذا ما وقعت أحداث إرهاب يهودي كثيرة في المنطقة، إذا ما شعر العالم بان حياة الفلسطينيين غير آمنة تحت الحكم اليهودي المفروض عليهم.

3- المستوى الأخلاقي، "لا تقتل" هو قول واضح ولا لبس فيه في الوصايا العشر، دون تمييز بين يهودي أو غير يهودي. ومنع سفك الدماء هو واجب أسمى حتى لبني نوح وليس فقط لليهود، وهو ينطبق على عموم أبناء البشر. وحتى حين كان مسموحا حسب القانون فرض عقوبة الموت على خطايا معينة، قرر حكماؤنا في سدة الحكم بان قرارا كهذا مرة كل سبعين سنة، يعتبر "قتلاً". وكتب الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان في صحيفة "هآرتس": "أن القيادة الإسرائيلية لم تفهم بعد ـ أو ترفض الاعتراف بالحقيقة ـ أن الإرهاب اليهودي في داخلها أعلن الحرب عليها، وأنها غير قادرة أو تخاف أو غير مواظبة في ما يتعلق بضرورة تحليل هذا الإعلان بكلمات واضحة. ومن يوم إلى يوم تتحرر هنا قوى ظلامية وأصولية وتؤجج النار بالإيمان الديني والقومي. وتتجاهل تماماً قيود الواقع وحدود الأخلاق والمنطق البسيط. الأنفس تتحد على الخطوط المتطرفة والأكثر هستيرية في النفس الإنسانية. كلما أصبح الوضع العام خطيراً وغير مستقر ـ فإنهم يزدهرون. ولا يمكن التوصل إلى حل وسط مع هؤلاء الناس. على حكومة إسرائيل أن تكافحهم كما تكافح الإرهاب الفلسطيني لأنهم ليسوا أقل خطورة وليسوا أقل تصميماً. إنهم أشخاص شموليون وقد يقومون بأفعال شمولية مثل الإضرار بالمساجد في الحرم، حيث تكون النتيجة كارثية لإسرائيل وللشرق الأوسط كله".

وأشار غادي غبرياهو في صحيفة هآرتس إلى أنه:" في الثمانينيات عمل تنظيم يهودي سري في دولة إسرائيل، وحينها أيضاً مر وقت طويل إلى أن قررت الحكومة محاكمة أعضاء التنظيم. عمل هذا التنظيم بدون إزعاج خلال ولاية مناحيم بيغن وتوقف خلال ولاية اسحق شامير. الزعامة الروحية للتنظيم السري لم تدفع الثمن واستمرت في قراءة التوراة في الكنس، والطلاب الخاضعون لسلطتهم تمت محاكمتهم وسجنهم إلى أن صدر العفو عنهم من رئيس الدولة". وأوضح أن "عصابات الإرهاب التي تسمى "شارة الثمن" تعمل بأمر من كتاب "نظرية الملك"ومقال "كفالة متبادلة"، اللذين صدرا في النصف الثاني من 2009. المسجد الأول الذي تم إحراقه، من بين 43 مكان عبادة للمسلمين والمسيحيين، أحرق في كانون الأول 2009. مقال "كفالة متبادلة" للحاخام يوسف التسور يصف بشكل مفصل إستراتيجية "شارة الثمن": "إذا غاب الهدوء عن اليهود – يجب أن يغيب عن العرب أيضاً؛ إذا انتصر العرب بسبب العنف ضد اليهود – اليهود أيضاً سينتصرون بسبب العنف ضد العرب... يمكن استغلال قوة النساء، الأولاد والشيوخ لإغلاق شارع معين – في هذا الوقت السماح بعمل أكثر فظاظة نحو جهات معادية في ذلك الشارع؛ يمكن القيام بأفعال صامتة وعميقة بالتوازي مع أفعال تخلق الفوضى في الميدان".

وذكر غبرياهو أنه :"منذ كانون الأول 2009 تعمل في المناطق وفي إسرائيل عشرات الخلايا من "شارة الثمن" دون إزعاج من أحد. فقد أحرقوا ودنسوا المساجد والكنائس والأديرة واقتلعوا آلاف أشجار الزيتون وأحرقوا السيارات وألقوا الزجاجات الحارقة على المنازل وأضروا بالأبرياء، وكما شهدنا مؤخراً – قتلوا. عصابة "شارة الثمن" التي تريد الحصول على ثمن كبير قد تقوم باستهداف هدف فلسطيني استراتيجي والتسبب للدولة بضرر لا يمكن إصلاحه".

الجيل الإرهابي الجديد

مناحيم بيغن وإسحق شمير، مائير كاهانا، وغيئولا كوهين، وموشيه ليفنغر وغرشون سلمون. هي أسماء قادة بعض التنظيمات الإرهابية الصهيونية التي ظهرت قبل وبعد قيام إسرائيل منها: و"الهاغاناه"، "البالماخ"، "الأرغون"، "إيتسل"، "شتيرن"، "غوش إمونيم" "تي إن تي"أي "منظمة إرهاب ضد الإرهاب"، "عصابة لفتا"، "دورية الانتقام"، "تنظيم بات عاين"، "كاخ"، "كاهانا حي"، "عصبة الخناجر"،

وقد قوننت إسرائيل "إرهاب الدولة" ورعت ومولت بأشكال مختلفة اعتداءات تنظيمات إرهابية لكنها تبرأت منها أو تنصلت وتهربت من تحمل أية مسؤولية سياسية أو قانونية أو أخلاقية لقاء تلك الاعتداءات بحق الفلسطينيين. ومن أبرز التنظيمات الارهابية الصهيونية الحديثة العهد  نذكر:

عصابات "تدفيع الثمن" التي ظهرت، للمرة الأولى، في مستوطنة "يتسهار" في العام 2008. ثم احتلت عناوين الإعلام في كانون الثاني 2009، حينما أقدم أفرادها على إحراق مسجد قرية ياسوف. وفي أعقاب هذه الجريمة، قام جهاز "الشاباك" باعتقال من اعتبرهم منفذي الجريمة، لكنه "اضطر" إلى الإفراج عنهم بعدما لم تفلح تحقيقاته معهم في انتزاع أي اعتراف من أي منهم. وعلى الرغم من تواصل الاعتداءات العديدة والمتكررة ضد الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية، لاحقا، إلا أن المبادرة إلى اعتبار "تدفيع الثمن" تنظيماً إرهابياً لم تظهر، للمرة الأولى، سوى في شهر كانون الثاني 2011، في أعقاب الأحداث التي وقعت في قاعدة للجيش الإسرائيلي عند مدخل مستوطنة كدوميم، حيث اقتحم عشرات المستوطنين القاعدة العسكرية في محاولة لمنع إخلاء وحدات استيطانية في بؤرة استيطانية مجاورة وقاموا، خلال ذلك، بإعطاب عدد من الناقلات العسكرية.

ولفت تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" إلى أنه في الفترة الواقعة ما بين الثاني من نيسان/ أبريل وحتى الخامس من أيار/ مايو2014 نفذت 16 جريمة عنصرية، مقابل 17 جريمة مماثلة نفذت خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالي، أي بارتفاع 200%.

كما أشار التقرير، بشكل عام، إلى انتقال ساحة جرائم "دمغة الثمن" من الضفة الغربية إلى داخل الخط الأخضر، ففي حين نفذ 23 اعتداءً عنصرياً في الضفة الغربية و7 في داخل الخط الأخضر في العام الماضي 2013، فمنذ بداية العام الحالي نفذ 4 اعتداءات في الضفة الغربية و 19 اعتداء داخل الخط الأخضر.

وادعى التقرير أن الانتقال الجغرافي لساحة عمليات "دمغة الثمن" من الضفة الغربية إلى داخل الخط الأخضر جاء بسبب الضغط الذي يمارسه الشاباك والشرطة على ناشطي اليمين المتطرف في "يتسهار" ومحيطها، حيث أبعد بعض منهم من الضفة الغربية بموجب أوامر إبعاد إدارية، في حين يفضل بعضهم ارتكاب جرائمهم العنصرية داخل الخط الأخضر باعتبار أن الملاحقة هنا ليست متشددة.

وسبق للكاتب الإسرائيلي عاموس عوز وصف عصابات "دمغة الثمن" بمجموعات من النازيين الجدد العبريين. وذكرت صحيفة "هآرتس" إنه على الرغم من الارتفاع الحاد في الجرائم العنصرية التي ترتكبها عصابات "دمغة الثمن" والذي وصل إلى 200%  فإن مرتكبي غالبية هذه الجرائم لا يزالون يتجولون بحرية. وعزت تفاقم هذه الجرائم العنصرية إلى التماشي الهادئ للمؤسسة الاستيطانية مع هذه الظاهرة، أو بسبب عجز سلطات فرض القانون على الجرائم التي يرتكبها يهود عنصريون.

وبحسب تقديرات الشاباك، فإن نحو 100 ناشط عنصري متورطون في "أعمال عنف يمينية متطرفة"، وعلى رأسها جرائم عصابات "دمغة الثمن"، إضافة إلى بضعة مئات يعتبرون ضمن الجهاز المساند والمساعد لتنفيذ الهجمات.

"شباب التلال"، هي مجموعات متطرفة من الشبان تتراوح  أعمارهم بين 13- 20 عاماً، وهم من غلاة المتطرفين اليهود، ويجاهرون بمحاربتهم عملية السلام، ورغبتهم في إقامة دولة يهودية على الأرض الفلسطينية، خالية تماماً من الفلسطينيين والعرب. وهؤلاء "مدربون على مسح الآثار وتضليل الشرطة والمخابرات الإسرائيلية"، كما أنهم يعملون تدريجياً على تصعيد عنف عملياتهم بزخم وقوة أكبر مع المحافظة على السرية المطلقة، فهم يلوذون الصمت في التحقيق وينجون بفعلتهم كل مرة. وهنا يظهر تواطؤ أجهزة أمن الاحتلال معهم، إذ إنها تمارس العنف المفرط مع الأسرى الفلسطينيين لانتزاع الاعترافات منهم، فيما تتساهل مع أي معتقل إسرائيلي لديها متهم بتنفيذ جرائم ضد الفلسطينيين، وكأنّ هناك غطاء رسمياً وحكومياً لأفعالهم، رغم مزاعم الإدانة التي تصدر عن الحكومة بعد كل عملية ضد الفلسطينيين.

وتطلب منظمة "حنانو" التي تدعم المتطرفين من المستوطنين المعتقلين على خلفية تنفيذ عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين، عدم الحديث والتزام الصمت خلال جلسات التحقيق، وعدم التفوه ولو بكلمة، وذلك عبر قناعة بأنه لو كان لدى الشرطة أدلة كافية لما ضيعت الساعات من وقتها على استجوابهم، وبالتالي سيخرجون بلا تهمة ويتم عرضهم كأبطال نجحوا في تضليل الشرطة.

"تمرد"، هو تنظيم يرأسه المستوطن مئير إيتينغر، حفيد مؤسس حركة "كاخ" الإرهابية مائير كاهانا. وعلى الرغم من أن عمره لا يتجاوز 24 عاماً، اعتبره "الشاباك" الإسرائيلي من أخطر الشخصيات، إذ يقف على رأس تنظيم "تمرد"، وهو تنظيم يضم عشرات الفتية، ونسخة أكثر تشدداً وتنظيماً، ممن كانوا يُشكلون "فتية التلال" ومجموعات "تدفيع الثمن". يتم اختيار أعضاء التنظيم بعناية فائقة، ويعقدون اجتماعاتهم بسرية تامة في الجبال من دون أجهزة المحمول أو غيرها. مخاوف "الشاباك"، التي تكشفت هذا الأسبوع، نابعة من كون التنظيم يستهدف إسرائيل أولاً من خلال استهداف الفلسطينيين، إذ يسعى لتنظيم اعتداءات وإثارة اضطرابات عنيفة في الضفة الغربية، وإشعال الوضع إلى حين انهيار النظام في إسرائيل متأثرا بالأحداث، وذلك انتقاماً من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، التي هدمت بعض البؤر الاستيطانية. ومن أبرز خصائص "تمرد" التالي:

1- هدف نشاطها الإرهابي لا يقتصر على إخافة الفلسطينيين أو الانتقام منهم، ولا يأتي جرّاء إخلاء مستوطنات أو هدم بيوت فيها، إنما هو أكبر من ذلك، فهم يريدون إشعال المنطقة.

2- أفراد هذه الجماعة لا يخافون الموت وهم على استعداد لتقديم التضحيات، وإن أدت عملياتهم إلى قتل المدنيين مثلما حصل في عملية دوما التي أسفرت عن مقتل رضيع وإصابة أفراد العائلة بحروق خطيرة، فالأمر لا يهمهم. لا توجد سلطة دينية ولا زعيم ديني يفرض سلطته على أفراد هذه الجماعة، فهم لا يخضعون إلى إملاءات أحد. ما يجعل نشاطهم دون رادع.

3- تتألف هذه الجماعة من عشرات الشباب اليهودي، بعضهم قاصرون، إذ تتراوح أعمارهم بين 22 وحتى 23 عاماً. يأتون من جميع أنحاء إسرائيل قاصدين البلدات الاستيطانية في الضفة الغربية بعد أن قذفتهم الأطر الاجتماعية والتربوية حيث ترعرعوا، وهم لا يستقرون في مكان ما، بل يتنقلون من بقعة إلى أخرى.

4- تظهر عقيدتهم في وثيقة ليهودي يدعى موشيه أورباخ من مدينة "بني براك"، اسمه متصل بالمجموعة التي قامت بإضرام النار في كنيسة "الطابغة" بالقرب من طبريا. ويظهر في الوثيقة أنهم غايتهم هي: ضرب الأماكن الحساسة في المجتمع الإسرائيلي بُغية توليد الفوضى ومن ثم الدمار. وقد علّموا 5 نقاط تخدم هذه الغاية وهي: إشعال خلاف في مسجد الأقصى، طرد "الأغيار" (غير اليهود)، القضاء على الوثنية (حرق الكنائس والمساجد بالنسبة لهم)، إكراه ديني وتقويض سلطة القانون.

5- لا تقوم الجماعة في الراهن بهجمات مسلحة، بل تكتفي بخلق الفوضى ولا تهتم فيما إذا أدت نشاطاتها إلى مقتل البشر. عمليتهم الأولى كانت في أواخر عام 2014، حين حاولوا حرق منزل في جنوب "هار حفرون" (جبل الخليل). وقام جهاز الأمن باعتقال المنفذين لكن تم إطلاق سراحهم لعدم وجود أدلة تدينهم.

وهناك منظمة "ليهافا"، التي يتزعمها بنتسي غوبشطاين، المؤيد بصورة علنية لحرق الكنائس، وتم توثيق أقواله التي جاءت رداً على سؤال أحد الحاضرين، في شريط مسجل خلال ندوة عُقدت في معهد ديني يهودي في القدس، لكن إلى اليوم لا تعتبر السلطات الإسرائيلية هذه المنظمة إرهابية، بل إن "الشاباك" زعم في الآونة الأخيرة، عدم وجود أدلة ضد منظمة "ليهافا" تسمح بالإعلان عنها كمنظمة إرهابية.

ختاماً، لا بد من وصف السجال الإسرائيلي حول الإرهاب اليهودي بأنه لغو أو ثرثرات موسمية تعيد إنتاج مهزلة ذرف دموع التماسيح للتهرب من الاستحقاقات الأخلاقية والقانونية والسياسية وبالتالي تجميل وجه إسرائيل القبيح، وتدوير أسطوانة "طهارة السلاح" المفبركة للتغطية على الخروقات الكثيرة للقانون الدولي.

اعلى الصفحة