|
|||||||
|
قد يكون من أهم التأثيرات الإيجابية للاتفاق النووي الإيراني عودة الاتصالات الدولية بشأن الأزمة السورية، كما لو أن النجاح الذي حققته الدبلوماسية الدولية في إيران شجع الأفرقاء الدوليين على استخدامه في سوريا. إن الاتصالات لم تتوقف في الأسابيع الأخيرة بين الإيرانيين والروس والأمريكيين والسعوديين من أجل إيجاد حل للنزاع السوري. لعل المحرك الأساسي لهذا التطور هو التقارب الروسي، بعد فترة طويلة من الحذر والشكوك بين الدولتين، وذلك على خلفية دعم روسيا للرئيس بشار الأسد ودعم الرياض لما يسمى ب " المعارضة السورية ". يبدو أن الوساطة الروسية هي وراء الزيارة الغامضة التي قام بها رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك للرياض. فهل هذه الزيارة بداية حوار بين دمشق ودول الخليج ومدخل لإعادة الاعتبار إلى الرئيس الأسد أم هي مجرد تنسيق أمني يتعلق بما يسمى بـ"الجهاديين السعوديين في سوريا". ثمة دبلوماسيون من روسيا والولايات المتحدة، إضافة إلى العديد من القوى في الشرق الأوسط ينخرطون في جولات دبلوماسية، في محاولة لوقف انهيار سوريا، والذي يصب في مصلحة تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث إن روسيا أكثر القوى الداعمة للرئيس بشار الأسد استطاعت بناء علاقات جديدة مع المملكة السعودية المناوئة للأسد، وتوسطت في عقد لقاءات بين كبار مسؤولي الإستخبارات السورية والسعودية. إن هذه الفورة الدبلوماسية تشير إلى أن روسيا والولايات المتحدة التي عرقلت خلافاتهما جهوداً طويلة لحل الصراع في سوريا، تتبنيان نهجاً مختلفاً حيال الأهداف المشتركة والمتمثلة في حل سياسي للأزمة السورية وتطوير استراتيجيات أفضل من أجل مكافحة تنظيم "داعش". روسيا أدت الدور العام الأبرز حتى الآن في المساعي الدبلوماسية الجديدة. يقول بعض المحللين أن المناقشات تعكس ليونة موقف إدارة الرئيس أوباما اتجاه الرئيس السوري، إذ كانت تصر على ضرورة رحيل الأسد، فضلاً عن مشاركتها الخوف مع روسيا بأن ضعف الحكومة السورية أو انهيارها يصب في مصلحة تنظيم "داعش" الإرهابي. بحسب مسؤولين روس وإيرانيين، فإن الرياض وواشنطن وحلفاء آخرين مثل تركيا، أصبحوا يدركون أن مكافحة الإرهاب أكثر أهمية من الإطاحة بالرئيس الأسد، على الرغم من أن وزير خارجية السعودية عادل الجبير أصر عقب لقائه بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف أنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. هل تعتبر هذه التحركات إعادة مقاربة للأزمة السورية أم هي مناورة جديدة؟ إن الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، سواء سلبا أم إيجابا، أدركت أنه ليس هناك حل عسكري لها، وأن المزيد من المعارك يعني مزيدا من الدمار والخراب. إن كثرة المبادرات المطروحة لا يعني بالضرورة أن قطار الحلول السياسية لمشكلات المنطقة وأزماتها قد انطلق، بدليل أن الكوابح السياسية وغيرها لا تزال تعمل بأقصى طاقاتها. توقف الحرب في سوريا شرط أساسي للحراك الحالي يجب انتهاء الحرب الدائرة على الأرض السورية أولا لتحقيق المصداقية للحراك الحالي لحل الأزمة السورية، فتنحو السياسة الغربية، وخصوصاً الأمريكية منحى احترام سيادة الدول والمجتمعات القائمة، بعيداً عن فرض الهيمنة عليها، بحجة نشر الحضارة، ورفع مستوى الشأن الديمقراطي فيها. إن الحقائق على الأرض تفرض دوراً للرئيس الأسد وحلفائه في البحث عن الحل السلمي الذي يشكل المخرج الوحيد من الأزمة. فالأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة والمنخرطة في الصراع داخل سوريا، بدأت تتحرك فيما يبدو وفق هذه الحقيقة. إن الحل لن يكون منعزلاً عن تسويات إقليمية أخرى، تتبادل فيها الأطراف الأوراق وتحفظ المصالح، إذ إن التسوية الكبرى المطلوبة في سوريا هي بين السعودية وإيران، وكذلك بين أمريكا وتركيا، ووفق معادلات تقبلها موسكو وتغطي قضايا خلافية خارج سوريا. إن إنهاء الأزمة في سوريا يتطلب قبل كل شيء تجفيف منابع الإرهاب وإخراجه من رعاية من دعموه وحضنوه. إن ما يجري من تحركات من أجل حل الأزمة في سوريا ليس بالأمر البسيط ، في ظروف يبدو أنها في طريقها إلى النضوج. فهناك محاولات هادفة لحل هذه الأزمة، وذلك من خلال اللقاءات والزيارات والتحركات الموصوفة، كاللقاءات بين وزيري الخارجية الأمريكية جون كيري والروسية سيرغي لافروف، وزيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى كل من طهران وسلطنة عمان وغيرها من الزيارات والتحركات. في إطار ما تتناقله وكالات الأنباء بشأن الاتفاقيات الجديدة بين أنقرة وواشنطن لحل الأزمة السورية، فإن تركيا لم تخطط يوما لمهاجمة عصابات "داعش"، وكل ما يقال في هذا الشأن هو للتغطية على التحركات التركية ضد الأكراد في تركيا وسوريا، بدليل أن الحكومة التركية منعت تقديم أية مساعدة لمدينة عين العرب /كوباني الكردية داخل سوريا عندما هاجمتها تلك العصابات المجرمة، في محاولة يائسة للنيل من سكانها خدمة لأنقرة. اليوم، فإن ما دفع بأنقرة لإطلاق ادعاءاتها من جديد بمحاربة عصابات "داعش" الإرهابية هو الخوف من تقدم المقاومة الكردية في سوريا على تلك العصابات الإرهابية في المناطق الحدودية الشمالية من سوريا وسيطرتها على كل تلك المناطق . إن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" أصبحت عملياً الحليف غير الرسمي لتنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يعتبر أكبر وأغنى التنظيمات الإرهابية في العالم. رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان راهن في بداية الأزمة في سوريا على تنظيم "الإخوان المسلمين" المقرب منه، ثم دعم مختلف التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي كانت تتدفق عبر أراضيه إلى سوريا، وعالج جرحاهم في المستشفيات التركية. إن أردوغان، وبعد أن ازدادت وتعززت قوة تنظيم "داعش" استمر في الدعم غير الرسمي لهذا التنظيم الإرهابي الذي يعد من أكثر التنظيمات تطرفاً.
إن حلم أردوغان بتحقيق طموحاته حول العثمانية الجديدة قد تبدد، في ظل التطورات الأخيرة الجارية في المنطقة، حيث إن اللعبة الجيو/سياسية التي يلعبها بدأت تخرج من بين يديه، ولذلك، بدأ التظاهر بمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي. إن أردوغان لا يهتم بمواجهة "داعش"، بل يصب جهوده العسكرية من أجل مواجهة " حزب العمال الكردستاني "، فتركيا لن تتورط في جبهتين، مكتفية باستهداف المقار والمراكز التابعة لـ"حزب العمال" في شمال العراق، والمصنف كتنظيم إرهابي من قبل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. إن تركيا لا ترى في "داعش" تهديداً لأمنها القومي، فهي قد سمحت بدخول ١٢ ألف مقاتل عن طريق حدودها مع سوريا للانضمام إلى كل من تنظيمي "داعش" و "جبهة النصرة" التابع للقاعدة. مجلس الأمن يدعم خطة للسلام في سوريا في خطة سياسية تعتبر الأولى من نوعها منذ عامين، أعلن مجلس الأمن الدولي دعمه بالإجماع خطة سلام جديدة في سوريا. الدعم الأممي تم تعزيزه في بيان رئاسي يؤكد أن حل الأزمة السورية هو سياسي بقيادة سورية تلبي تطلعات الشعب السوري. مجلس الأمن استثمر اجتماع الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين ليعلن أيضا عن قلقه وتخوفه بعد سيطرة جماعات إرهابية على أجزاء من سوريا على شاكلة "داعش" و "النصرة" الإرهابيتين، حاثّاً جميع الأطراف السورية والإقليمية على الانخراط في الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة والعمل لتنفيذ بيان جينيف. فنزويلا، الدولة التي اعترضت على مشروع قرار سابق لمجلس الأمن اتجاه سوريا، حذر مندوبها رافاييل كارينيو من انعكاسات الأزمة السورية على الوضعين الإقليمي والدولي، معتبراً أن مشاركة الحكومة السورية في الحل ضرورية لأنها تقاتل الإرهابيين. التحذير الفنزويلي قابله توصيف فرنسي أعلنه مساعد الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة أليكسي نميس، بأن التفاهم حول خطة سلام اتجاه سوريا تاريخي. إن الخطة المجمع عليها أممياً ستنطلق في أيلول، وتتضمن تشكيل ٤ مجموعات عمل حول الأمن، والحماية، ومحاربة الإرهاب، والمسائل السياسية والقانونية، وكذلك إعادة الإعمار. وأخيراً، أقر الجميع بأنه لا حل في سوريا إلا الحل السياسي، وهذا الموقف كانت قد أعلنته سوريا منذ اللحظة الأولى لتفجر الأزمة. لقد أراد البعض أن يغامروا، فكلفوا البلاد وقتلوا العباد وشردوا ملايين السوريين، ثم ها هم في النهاية عادوا ليقولوا إن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسياً وأن الدولة السورية هي التي يجب أن تعنى بهذه الأمور. هذه المغامرات التي قادتها بعض الدول الغربية والإقليمية كانت تهدف إلى ثني سوريا عن دورها المقاوم لإسرائيل، إضافة إلى تدمير الحضارة العريقة التي تفتخر بها سوريا. الآن، عادت فرنسا، وهي دولة عظمى، لتتذكر أنها يجب أن تقوم بواجبها كدولة عظمى، فباركت هذا البيان، وهي بذلك تعود إلى جادة الصواب وإن كان ذلك في وقت متأخر. هل يكفي تسارع الخطوات الدبلوماسية لحل الأزمة السورية؟ لا يكفي تسارع الخطوات الدبلوماسية بشأن الأزمة في سوريا ولا تعددها لفك خيوط التشابك أو في التخفيف من تراكمات الأزمة، حيث يبدو أن الشكوك لا تزال ترتسم حول غياب الإرادة الفاعلة لإطلاق عجلة الحلول السياسية. اللافت أن هناك تناغما واضحا في سياق الانحناء لعاصفة المبادرات، لكن من دون أن يعني ذلك الاستجابة لمتطلباتها أو الكف عن سياسة وضع العراقيل والقيام بتفخيخ المبادرات وصولاً إلى نسفها، وقد عرفت الكثير من الدول تلك الحالة بصورة مفصلة عندما وصلت الأمور إلى لحظة الاختبار الحقيقي. لقد أثبتت التطورات، بما فيها مناخ المبادرات، أن الإرادة المطلوبة لمواجهة خطر تنامي الإرهاب لا تزال بحاجة إلى نضوج حقيقي لدى الكثير من الأطراف، وتحديداً تلك التي كانت تقف ولا تزال خلف الإرهاب، والتي ساهمت في انتشاره وتزايد مخاطره، وأن تعاطيها مع تلك الأطراف يقوم على أساس منافع متبادلة، وهذا ما يتجلى في عودة بعض الدول إلى طرح الشروط المسبقة لأي حل سياسي للأزمة في سوريا. لقد تطلب هذا الموقف رداً روسياً صريحاً وواضحاً، شاطره في ذلك الموقف الإيراني لإدراكهما بأن هذه الطروحات تعني العودة إلى المربع الأول لتعطيل أي دور حقيقي وإعاقة أي خطوة باتجاه الحل السياسي. إن المداورة والمراوغة لم تعودا تجديا نفعاً، فكان لا بد من الحسم الروسي الإيراني كي يبدد مسألة التأويلات ويضع حدا للتلاعب بالتفسيرات كمقدمة لجذب الكثير من التحليلات، وفي المقدمة أن السوريين وحدهم من يقرر مستقبلهم، وما عدا ذلك لا يخرج عن إطار المماحكة التي بات من الضروري تجاوزها من أجل أي حل سياسي في المستقبل. فيما تنكفئ تركيا إلى الداخل وتستعد للانتخابات، كان لقاء وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ووزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في موسكو مناسبة للرد على الموقفين التركي والسعودي، وذلك بالتأكيد على أن الحل في سوريا يتم تحت راية الرئيس السوري بشار الأسد وما بعد الحل تصير الرئاسة شأنا سوريا خاصا تقرره صناديق الاقتراع. في سوريا، تحاول واشنطن وبعض الدول الإقليمية تعطيل الحلول السياسية وتدفع بحلول تدميرية. فهي تسوق للصراع المسلح بين أبناء الشعب السوري، فنراها تارة تلوح بتشكيل جماعات مسلحة تطلق عليها أسماء عديدة، وتارة أخرى تدعي محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي وأخواته، فيما في الخفاء تدعمه وتلقي له مساعدات من الجو، لأنها تريده ورقة ضغط بيدها. هذه المسيرة الأمريكية الصهيونية لم تأت في الفترة الأخيرة من فراغ. فمع التقدم الذي يحققه محور المقاومة، والانتصارات التي يفرضها الميدان السوري والعراقي، تحرك الذعر الإسرائيلي ومحور الحقد من خلال الأطراف العربية التي تغذي الإجرام في المنطقة لارتباطها القديم بالوهابية المجرمة، فكان ما كان من قتل وتدمير وقذائف حقد ضد المدنيين الآمنين في دمشق. إنجازات محور المقاومة بدأت من انتصار إيران في ملفها النووي، ومرت بانتصارات الميدان في سوريا والعراق. من هنا، يجب أن نعلم أنه مع تلك الأعمال الإرهابية يطل من المشهد ويلمع مع قطرات دماء الأبرياء بريق الأمل بأننا نقترب من نهاية الطريق وتحقيق الانتصار الكبير، وأن مشروع الأعداء الاستثماري في القتل والدمار بدأ بالانهيار واقتربت نهايته. |
||||||