أوباما ونتنياهو.. سجال صاخب بانتظار "منازلة الكونغرس"

السنة الرابعة عشر ـ العدد 165 ـ (ذو القعدة - ذو الحجة 1436 هـ) أيلول ـ 2015 م)

بقلم: مأمون الحسيني(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في سياق الهرولة المتسارعة نحو "المنازلة الكبرى"، في الكونغرس الأمريكي مع إدارة الرئيس أوباما حول "الاتفاق النووي" الذي وقّعته إيران والدول الست الكبرى منتصف تموز/ يوليو الماضي، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خوض معاركه الدبلوماسية والسياسية والإعلامية لحشد أكبر عدد ممكن من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين للتصويت ضد الاتفاق الذي اعتبر في إسرائيل بمثابة "خطأ تاريخي" و"كارثة كبرى" من شأنها وضع المنطقة في مسار الحرب...

فيما يرتفع منسوب امتعاض الرئيس الأمريكي، ولأول في تاريخ العلاقات بين الجانبين، من هذا التدخل الإسرائيلي السافر في شؤون السياسة الخارجية الأمريكية، ومن الحملة الدعائية والكذب الصارخ الذي يسوَقه نتنياهو وجماعات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ولاسيما "إيباك"، عن هذا الاتفاق، وذلك على الرغم من إصراره على تكرار "اللازمة الأمريكية" المتعلقة بالعلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتزام أمريكا المطلق بأمنها.

جدول أعمال الحرب ضد الاتفاق المعتمد من قبل نتنياهو الذي يعتاش كيانه الإرهابي الغاصب على الولايات المتحدة، ويدين بوجوده وأمنه واقتصاده وقوته العسكرية للمساعدات الأمريكية، يتضمن رزمة من بنود الابتزاز التصعيدية ضد إدارة الرئيس أوباما على المستويات كافة، وخلق الانطباع في واشنطن، وبخلاف ما يؤكد أوباما، بأن الموافقة على الاتفاق في الكونغرس هي التي ستولَد الحرب وليس العكس. ويبدو أن هجوم الحكومة اليمينية الصهيونية، في هذا السياق، يتركَز في محورين أساسيين: الأول، السعي الحثيث لإعادة ما يسمى "الخيار العسكري" ضد إيران إلى صورة المشهد الإقليمي والدولي، وذلك من خلال اجترار المزاعم المتعلقة بما تسمَيه تل أبيب "الخطر الإيراني" وبارتفاع منسوب دعم طهران لدول الممانعة وحركات المقاومة في المنطقة، وفي مقدمها سوريا و"حزب الله"، ورفع سقف التهديد باللجوء إلى استخدام كافة الوسائل لـ "الدفاع عن النفس"، بما في ذلك شن هجمات موضعية ضد بعض المواقع التابعة للجيش السوري والمقاومة الإسلامية تحت حجج وذرائع متعددة، أو  العودة إلى التصفيات المركَزة لعلماء الذرة الإيرانيين التي كانت تتم سراً، حسب ما جاء في تصريحات وزير الحرب موشيه يعلون لوسائل الإعلام.

أما المحور الثاني والأهم، وبعيداً عن أية حسابات لكسب الرأي العام الأمريكي والإسرائيلي ووسائل الإعلام، فيتعلق بالصراع مع إدارة أوباما على النواب الديمقراطيين في الكونغرس، وتأمين العدد الكافي من الأصوات للاعتراض على "اتفاق فيينا"، وتجاوز الفيتو الرئاسي في حال استخدامه، وذلك في محاولة لتكرار واستنساخ ما يسمى "إنجاز" نتنياهو في أيلول/ سبتمبر 2002 عندما قدَم رئيس الوزراء الإسرائيلي شهادته أمام اللجنة الثانوية في مجلس النواب الأمريكي، وسط تردد أعضاء الكونغرس، حينذاك، بين تأييد الدخول الأمريكي إلى العراق أو معارضته، وعدم اليقين بتطوير نظام صدام حسين أسلحة إبادة شاملة، وأكّد وجود هذه الأسلحة، واقترح على الأمريكيين احتلال العراق، فيما ظهر جليا، فيما بعد، أنه لم يكن لدى العراق أية أسلحة للدمار الشامل، ولم يكن في طريقه إليها، كما لم يكن لنظام بغداد السابق، وعلى الرغم من إرهابه ضد مواطنيه، أي دور في عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وأن الحرب الأمريكية التي شنت على العراق في آذار/ مارس 2003، واستمرت تسع سنوات، دمّرت العراق وخلّفت وراءها 100 ألف قتيل عراقي و4800 قتيل من قوات التحالف، معظمهم من الأمريكيين، وأدخلت إلى المنطقة الكثير من الإرهابيين مثل "داعش" و"القاعدة"، ونقلت الولايات المتحدة من فشل إلى فشل.

تصويت الكونغرس .. أية تداعيات؟

وقبل الإطلال على المعارك التي يشنها نتنياهو وطواقمه الدبلوماسية والإعلامية ومجموعات الضغط الصهيونية على الإدارة الأمريكية ومؤيدي الاتفاق، لا بد من إلقاء الضوء على بعض الشروحات القانونية والتقنية والعملانية المتعلقة بتصويت الكونغرس على "اتفاق فيينا". إذ يبدو، وفق ما يشرح روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لـ "معهد واشنطن" المقرب من الجمهوريين والمحافظين الجدد، أن الاتفاق النووي الإيراني، الذي يعرف رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، يشبه المعاهدة ولكنه ليس كذلك. ومن الناحية التقنية، لا يعتبر حتى "اتفاقا تنفيذيا"، وهو لا يحمل توقيع أي طرف. أي أنه عبارة عن مجموعة نقاط تم التفاهم حولها بشكل طوعي بين ثمانية أطراف هي: إيران وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع أنه (الاتفاق) لا يتمتع بوضع قانوني بحد ذاته، إلا أن الكونغرس قرَر ممارسة سلطة المراجعة عليه، استنادا إلى ما يسمى "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" لعام 2015 - المعروف بشكل غير رسمي بتشريع كروكر- كاردان. وبموجب هذا القانون الذي وقّع عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يحق لمجلسي الكونغرس التصويت على قرارات مؤيدة للاتفاق أو معارضة له، فيما يمكن للرئيس استخدام حق النقض ضد هذه القرارات؛ ولتجاوز هذا النقض، لا بد من تصويت ثلثي الأعضاء في كلا المجلسين.

وعلى الرغم من الأصداء السياسية التي يمكن أن تخلفها نتائج التصويت، إلا أن أثرها العملي سيكون محدوداً، فهو لا يسمح بتجاوز سلطة الرئيس أوباما من ناحية الالتزام بالاتفاق، ولا يحد من هذه السلطة إزاء المشاركة في معظم جوانب إنفاذ الاتفاق. وتتمثل النتيجة العملية الوحيدة لهذا التصويت، بالحد من سلطة الرئيس لجهة التنازل عن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي المفروضة على إيران. كما أن قرار الرفض لن يكون له أي سلطة على إرغام الرئيس على إنفاذ مثل هذه العقوبات بشكل فاعل. أما إذا أراد الرئيس ممارسة نفس "الاجتهاد الادعائي" الذي يتمتع به على بعض القضايا الجدلية الأخرى التي يختلف مع القانون حولها، فإن فعالية العقوبات ستتضاءل بشكل ملحوظ. أما على الصعيد العملي، ووفق ما يرى ساتلوف، فإن المجموعة الأولى من المسؤوليات المنصوص عليها في الاتفاق تقع على عاتق إيران، بما في ذلك التجاوب مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" حول مسألة "الأبعاد العسكرية المحتملة"، وتجميد عمل آلاف من أجهزة الطرد المركزي، وتقليص مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى 300 كيلوغرام، وإزالة صلب مفاعل آراك لإنتاج مادة البلوتونيوم. وحسب معظم الخبراء، فإن هذه العملية ستستغرق ما بين ستة إلى تسعة أشهر. وعندما تتأكد الوكالة بأن إيران قد وفت بهذه المتطلبات، يصبح تخفيف العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على إيران واجب التنفيذ. أي، بكلام آخر، لن يبرز أي أثر عملي للتصويت بالرفض حتى أوائل إلى منتصف عام 2016!

في كل الأحوال، وبعيداً عن الغبار الكثيف الذي يثيره نتنياهو ومناصروه الأمريكيون، فإن "قانون مراجعة الاتفاق النووي" بحد ذاته لا يسمح بأصوات "نعم مشروطة"، بل مؤيدة أو رافضة فقط، وإذا لم يوافق الكونغرس على الاتفاق وتجاوز حق النقض الرئاسي، فبإمكان الرئيس رفض التصويت المعارض باعتباره تدخّلا غير مجاز في السلطة التنفيذية، والمضي قدماً في التنازل عن العقوبات، والانتظار بأن يرفع الكونغرس القضية إلى المحكمة العليا، ناهيك عن أن التصويت بالرفض لا يبطل لتصويت مجلس الأمن المؤيد للاتفاق، والذي جاء بعد تأييد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي له، وحمل الرقم 2231، وتضمن آليات إلغاء سبعة قرارت اتخذها مجلس الأمن سابقا ضد إيران، وذلك بعد أن يتم تقديم تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التزام طهران بكافة تعهداتها، أما حظر الأسلحة التقليدية فيبقى قائما لمدة خمس سنوات، وامتلاك تقنية الصواريخ البالستية ثماني سنوات، فيما يتم رفع العقوبات بشكل تدريجي وتتم إعادتها إذا خالفت إيران الاتفاق النووي على أن تتولى اللجنة المشتركة المشكلة بموجب اتفاق فيينا التعامل مع أية مخالفات عبر آلية تتضمن بحث اللجنة أي شكوى يتم تقديمها من أي دولة حول عدم تنفيذ إيران تعهداتها، وإذا لم تبد تلك الدولة رضاها عن طريقة تعامل اللجنة مع شكواها، فيمكنها إحالتها إلى مجلس الأمن الدولي، وعندها يتعين على المجلس التصويت على قرار لاستمرار رفع العقوبات، أما في حال عدم تمكن المجلس من اتخاذ قرار في غضون ثلاثين يوماً من استلام الشكوى، فتتم إعادة فرض العقوبات الواردة في القرارات السبعة. وإذا التزمت طهران بجميع تعهداتها بموجب الاتفاق، فإن جميع قرارات وعقوبات الأمم المتحدة تنتهي بعد عشر سنوات من بدء تنفيذ الاتفاق، ويتم شطب القضية النووية الإيرانية من جدول أعماله.

الهجوم الإسرائيلي والهجوم المضاد!

المهم، بعد هذه الإضاءة، هو أن عمليات الاستقطاب التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية ورئيسها واللوبي الصهيوني وسفير تل أبيب في واشنطن رون دريمر  وبعض قادة الحزب الجمهوري، لمصلحة رفض الاتفاق في الكونغرس ما زالت على أشدها. ومرد ذلك لا يتعلق فقط بإفشال الاتفاق، وإنما أيضا ليحتل هذا الموضوع المكانة الأبرز في حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويتحول إلى كارثة بالنسبة لكل إدارة أمريكية تعارض إسرائيل. أما محطات هذه العملية الأبرز، حتى كتابة هذه السطور، فتتمثل في توجيه نتنياهو، قبل أيام، خطابا ليهود أمريكا طالبا منهم الاعتراض علنا على الاتفاق النووي مع إيران، والضغط على أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي للتصويت ضدّه. وللتغطية على استعداده لخلق الانقسام في أوساط اليهود الأمريكيين وتحويل "الأيباك" إلى لوبي أحادي الحزبية، شدد رئيس الحكومة اليمنية الصهيونية على أن زعيم المعارضة الإسرائيلية اسحق هرتسوغ الذي تنافس ضدّه في الانتخابات و"يحاول كل يوم إسقاط حكومته، أعلن في الشأن الإيراني أنه لا خلافات بيننا وهو يعارض هذا الاتفاق السيئ"! ما يعني، حسب نتنياهو، "ضرورة التسامي فوق الانتماء الحزبي، كون هذا الأمر ليس موضوعا حزبيا في إسرائيل وليس موضوعا حزبيا في الولايات المتحدة". وخلال لقاء مع 22 عضواً ديمقراطياً في الكونغرس زاروا إسرائيل، قبل تحو أسبوعين بتنظيم من جماعات اللوبي الصهيوني، قام نتنياهو باستعراض موقفه الرافض للاتفاق النووي مع إيران، آملا منهم التصويت برفض الاتفاق.

وفي ما بدا أنه دعم لموقف نتنياهو، بعد مرحلة من التكهنات بشأن حقيقة تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، نقل موقع "يديعوت أحرنوت"، عن هذه الشعبة إشارتها إلى أن "أخطار (الاتفاق مع إيران) أكثر من فرصه". ومع أن ثمة نقاطا إيجابية في الاتفاق، حسب ما تشير مصادر وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات، من نمط أنه "لن يكون لدى إيران برنامج نووي عسكري، في السنوات المقبلة، وأن الولايات المتحدة ستدير حواراً إقليمياً مع طهران، يتعلق بترتيب المسائل الإقليمية، وصولاً إلى التقدير بأن إيران ستكون مكبوحة عن تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة ضد إسرائيل مثل تفجير السفارات"، إلا أن الأخطار التي ينطوي عليها الاتفاق أثقل وزناً من هذه الايجابيات، وتشمل، وفق الاستخبارات العسكرية: "الخشية من أن يكون مقدمة لبداية سباق تسلّح نووي، يضم دولا مثل السعودية ومصر؛ وسيدفع (الاتفاق) دول المنطقة إلى تعزيز شراء الأسلحة التقليدية من الولايات المتحدة وفرنسا بمليارات الدولارات، من منظومات دفاعية ضد الطائرات وطائرات "اف 16"، كما فعل العراق. كما تشمل المخاطر "الإقرار بحقيقة أن العالم بات ينظر إلى إيران كدولة شرعية وأنها لم تعد دولة منبوذة".

من جانبها، تستمر "ايباك" في حملتها المكثفة لـ "إقناع" النواب الديمقراطيين، سواء بالضغط والإكراه أو بالابتزاز وشراء الذمم وتقديم المغريات، برفض الاتفاق. وقد رصدت لحملتها الإعلانية الموزعة على 35 ولاية أمريكية لمعارضة "اتفاق فيينا" وحشد أغلبية الثلثين في مجلسي النواب والشيوخ ـ الكونغرس ـ لتجاوز الفيتو الرئاسي المحتمل، نحو 40 مليون دولار، إضافة إلى تمويل دعوة 58 عضواً من مجلسي النواب، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى إسرائيل للاستماع ليس فقط لمزاعم نتنياهو حيال موقفه المعارض للاتفاق، وإنما كذلك لتبريراته تجاه تدخله السافر والمعلن في الشؤون الداخلية للسياسة الخارجية الأمريكية، مع الحرص على "استضافة" أكبر عدد من الحزب الديمقراطي، حزب أوباما، للتأثير على قناعاتهم والتصويت ضد رئيسهم، والالتزام بالموقف الإسرائيلي الذي يتبناه نواب الحزب الجمهوري، ناهيك عن تمويل اللوبي الصهيوني آلاف النشطاء في أرجاء أمريكا  لغزو مكاتب أعضاء الكونغرس في واشنطن و"إقناعهم" بالتصويت ضد الاتفاق، فيما يتنقل  سفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، وحسب الوصف الأمريكي، من غرفة إلى غرفة في الكونغرس، ومن مكتب إلى مكتب، في محاولة لإقناع أعضاء الكونغرس معارضة الرئيس.

في المقابل، أوصل الرئيس أوباما سجاله مع نتنياهو و"ايباك" وبقية أذرع أخطبوط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، للذروة، حينما وجه رسالة إلى "إيباك" مفادها: كفوا عن نشر الأكاذيب حول الاتفاق النووي الإيراني. وحسب مراسلة صحيفة "يديعوت أحرنوت" في واشنطن أورلي أزولاي، فإن تهديد الرئيس الأمريكي الذي وجَه خلال لقائه بنشطاء "ايباك" كان حادا وواضحا. وخلال اجتماع آخر له في البيت الأبيض، لنحو ساعتين ونصف الساعة، مع أكثر من 20 من رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية، من بينها "ايباك" و"جي ستريت" والرابطة اليهودية ضد التشهير، شدَّد أوباما على أنَ ما أسماه "نضال" اللوبي الصهيوني والمنظمات المناصرة له ضدّ الاتفاق النووي ليس موضوعيا، ويمكن أن يقود إلى شرخ في الطائفة اليهودية، فضلا عن أنه سيضرّ بالعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، وأشار إلى أنه فوجئ، ورغم الكلام عن الخيار العسكري ضدّ إيران، باكتشاف أن إدارة بوش لم تعدّ أية خطة عملياتية لهذا الشأن. وقال: "أنا أمرت البنتاغون بإعداد خطة عملياتية لاستخدامها في حالة الضرورة". وأوضح أنّ رفض الاتفاق من جانب الكونغرس، قد يقود إلى حرب وهو يؤمن بأن ذلك سوف يحدث. ورسم أوباما أمام الحضور سيناريو يرفض فيه الكونغرس الاتفاق، وتتراجع إيران عنه، وينهار الاتفاق ويتجدد المشروع النووي الإيراني بكل قوته. وقال "أنا أعتبر أن رفض الاتفاق في الكونغرس قد يقود إلى سلسلة أحداث تقود إلى الحرب.. وسيكون على شكل أعمال "إرهابية" ضد إسرائيل وأمريكا وإطلاق "حزب الله" صواريخ على تل أبيب".

في ذات السياق، واستكمالاً لما عرضه أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية، قدّم أوباما رؤيته للاتفاق المبرم مع إيران في كلمة ألقاها في الجامعة الأمريكية في واشنطن، اعتبر فيها أنه (الاتفاق) الخيار الذي سيجنّب المنطقة حرباً طويلة، وحذَر من أن رفض الكونغرس للاتفاق "سيجعل أي إدارة أمريكية مصممة على منع إيران من حيازة سلاح نووي تواجه خيارا وحيدا: حرب أخرى في الشرق الأوسط". وأضاف "إذا أطاح الكونغرس الاتفاق، فسنفقد أكثر من مجرّد القيود على برنامج إيران النووي أو العقوبات التي فرضناها بدقة.. سنفقد شيئا أكثر قيمة: المصداقية الأمريكية كقائدة للدبلوماسية، وكمرتكز للنظام العالمي". وفي رد كان الأطول في المقابلة التي أجرتها معه شبكة "سي ان ان" حول تدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في السياسة الداخلية الأمريكية قال أوباما: "لا أتذكر تدخلاً كهذا في السياسة الأمريكية.. إن منظومة العلاقات بين أمريكا وإسرائيل عميقة جدا وتتجلى في سياستي. وأنا ملتزم بأمن إسرائيل وكررت موقفي هذا مرارا. وأنا أتعامل بجدية مع الأمر ولذلك في ولايتي توثَق التعاون العسكري والاستخباري بيننا وبين إسرائيل أكثر من أي وقت مضى". وأضاف: "إن نتنياهو مخطئ في تعاطيه مع الاتفاق النووي".

مقاربات احتيالية.. مرفوضة

تحت ظلال هذا الجدل، ومع احتدام النقاش المتعلق بتبعات الرفض المحتمل من قبل الكونغرس للاتفاق النووي، وعلى خلفية استمرار تدفق التصريحات المؤيدة والمعارضة، وما يليها من تحليلات وتقديرات للأصوات الموافقة والرافضة، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم 13/ 8 الماضي، تقريرا حاولت، من خلاله، الترويج لمقاربة جديدة تعتبر مرفوضة، مسبقا، من قبل إيران والأطراف الأخرى المشاركة في الاتفاق النووي، وهي أن الكونغرس الأمريكي، وحرصا على عدم تعميق الشرخ ما بين إسرائيل والولايات المتحدة، من جهة، وبين اليهود الأمريكيين، من جهة أخرى، يمكن أن يعدّل في الاتفاق النووي، وحتى أنه يمكنه إعادة كتابته بما يتناسب مع متطلبات الأوضاع الماثلة. وحيثية ذلك، وفق تقرير الصحيفة، هي أن الكونغرس الأمريكي كان قد رفض اتفاقات دولية وقعتها السلطة التنفيذية الأمريكية، وذلك لأكثر من 130 مرة على الأقل في التاريخ الأمريكي، مشيرة أيضا إلى أنه قد جرى التصويت على 22 معاهدة بالرفض، فيما قام أعضاء مجلس الشيوخ بشكل متواصل، وبناء على تقارير صادرة عن "خدمة البحث في الكونغرس" عامي 1987 و2001، بصدّ 108 معاهدات، على الأقل، من خلال رفض التصويت عليها، علاوة على إظهار أحد التقارير الذي يعود إلى عام 1987 تحديدا، أن أكثر من 200 معاهدة حائزة موافقة السلطة التنفيذية، تمّ تعديلها بعد ذلك بناءً على تغييرات طلبها مجلس الشيوخ، قبل إعطاء موافقته وإدخالها حيّز التنفيذ.

إضافة إلى ما سبق، وبهدف زيادة الضغط على الرئيس الأمريكي ذكّرت "وول ستريت جورنال" بأن إدارة أوباما، هي نفسها، قامت فعلاً بإعادة التفاوض على اتفاق دولي واحد على الأقل بناءً على معارضة الكونغرس. ففي كانون الثاني 2009، مثلاً، وقّعت وزارتا الخارجية الأمريكية والإماراتية اتفاقاً للتعاون في المجال النووي، إلا أن عدداً من أعضاء الكونغرس، من بينهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هوارد برمان، اعترض على أن الاتفاق لا يؤكد أن "الإمارات لن تتبع خطى إيران وتدخل في مجال تخصيب اليورانيوم..."، ما استدعى قيام إدارة أوباما بإعادة فتح المفاوضات، وفي أيار 2009 حصلت من الإمارات على التزام قانوني بعدم الدخول في تخصيب اليورانيوم، بعدها دخل الاتفاق الذي جرت مراجعته حيّز التنفيذ. وعليه، يستنتج تقرير الصحيفة بأنه يمكن إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران من خلال مشروع قرار يتضمن معارضة على الاتفاق أو تشريعا منفصلا قد يتضمن ما هي التعديلات التي يجب القيام بها من أجل الحصول على موافقة الكونغرس. وبما أن الكونغرس، حسب الصحيفة، "يمكنه، وفق القانون، رفض الاتفاق، فإن إيران وشركاءنا المفاوضين يجب ألا يفاجأوا إذا ما اتخذ الكونغرس خطوة أقل تطرّفا، بإرجاع الاتفاق إلى الرئيس لإعادة التفاوض عليه"!!

ومهما يكن من أمر، وبصرف النظر عن قدرة هذه المعارك والضغوط على الـتأثير على إدارة أوباما، وعلى أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، فإن أحد العناوين البارزة التي طفت على سطح منازلة أوباما ونتنياهو المتدحرجة حول الاتفاق النووي مع إيران، والتي تلخص الفجوة السياسية المتسعة ما بين المصالح الإستراتيجية الأمريكية وقدرة إسرائيل على إعادة إنتاج دورها الوظيفي في المنطقة، هو ظهور إشكالية اليهود الأمريكيين الذين باتوا أمام لحظة تحديد الولاء: هل هو للولايات المتحدة ورئيسها الذي يحاول بكل قوته تحقيق الاتفاق، أو للكيان الإسرائيلي الذي يقود رئيس حكومته حملة إقناع متعددة الضغوط على أعضاء الكونغرس للتصويت ضد أوباما، وهل أن إبراز ما يسمى "القوة اليهودية" في هذا النزال، من خلال خدمة مصالح دولة أجنبية (إسرائيل) هو لمصلحة يهود أمريكا فعلا؟

في واقع الحال، ثمة انقسام بين يهود الولايات المتحدة بشان الاتفاق، حيث تؤيده مجموعة "جاي ستريت" التي توصف باليسارية، بينما تعارضه اللجنة اليهودية الأمريكية وكذلك لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) التي تتمتع بنفوذ وتردد أنها تنفق عشرات الملايين على حملة معارضة الاتفاق. وهذا لا علاقة له بحقيقة إن ما يسمى "القوة اليهودية" هي مجرد وهم، على الرغم من أن اليهود الذين يمثلون بقدر أكبر بكثير من نصيبهم النسبي بين السكان، يحتلون مواقع أساسية ومهمة في كافة المجالات والمفاصل. ولكن في مقابل المؤسسة اليهودية، والتي هي بشكل عام مؤيدة لإسرائيل، هناك اليهود في مجالات الصحف وفي الأكاديميا وغيرها، والذين تتراوح مواقفهم بين العداء التام لإسرائيل وبين انعدام التأييد الصرف لها. ولعل المثال الأكثر بروزاً، في هذا السياق، هو توجيه 340 حاخاما يهوديا أمريكيا من مختلف التيارات، يوم 17/ 8 الماضي، رسالة إلى أعضاء الكونغرس يحضونهم على دعم الاتفاق النووي الدولي مع إيران وعدم الرضوخ للضغوط نتنياهو و"إيباك"، ما يؤكد أن كل الأحاديث عن "القوة اليهودية" في سياق التأييد التلقائي لإسرائيل هي مجرد هراء.

كاتب فلسطيني(*)

اعلى الصفحة