"التغذية القسرية" للأسرى تشريع بالقتل

السنة الرابعة عشر ـ العدد 165 ـ (ذو القعدة - ذو الحجة 1436 هـ) أيلول ـ 2015 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أكثر من ستة آلاف معتقل فلسطيني، من الرجال والنساء والأطفال، يقبعون في المعتقلات الصهيونية، ويحرمون من حريتهم وحقوقهم الإنسانية والقانونية، ويناضلون اليوم من أجل استعادة حقوقهم التي سلبهم إياها الاحتلال، وإعادة مقتنياتهم التي استولت عليها إدارات السجون تحت حجج واهية وعنصرية..

ولهذا فإن مطالب الأسرى مشروعة في كل ما يناضلون من أجله، ولكيلا يبقوا وحدهم ونحن في موقف المتفرج أو المتفاعل الخافت أو المنتظر الكوارث لكي يعلو الصوت بالضجيج وأحيانا صوت بلا فعل، نؤكد على أن جزءاً من مطالب أسرانا البواسل هو عودة الأسرى للأقسام - الزيارة – حق الأطفال في الزيارة – إنهاء العقوبات - إنهاء قضية المنع من الزيارة – إنهاء العزل الانفرادي – الأسرى المرضى – التلفون العمومي – إعادة المطبخ والمخبز للأسرى – الكانتينا، وربما البعض الذي غير مطلع على حجم ما يعانيه الأسرى ينظر على بعض المطالب بأنها "ثانوية" أو "ترفيهية"، ولكن من عاشوا الاعتقال وذاقوا العذابات وويلات الزنازين الانفرادية يعرف تماما ما تعني حاجة الأسير وماذا تعني العقوبة من إدارات السجون في منعها لهذه الحقوق.

إن الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة التي يخوض منها 148 أسيراً فلسطينياً إضراباً مفتوحاً عن الطعام يواجهون حكومة احتلال متطرفة، قرّر رئيس حكومتها " بنيامين نتنياهو"، بناء وحدة في مستشفى "برازيلاي"، للتعامل مع الأسرى المضربين عن الطعام وإطعامهم قسريا وهذا القانون العنصري والخطير ينفذ لكسر إرادة الأسرى بإجبارهم على التغذية القسرية، من أجل إنهاء إضرابهم عن الطعام بالقوة، وهذا القرار الذي أقره الكنيست الإسرائيلي، في 30 تموز/ يوليو الماضي التغذية القسرية للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.

"التغذية القسرية" ومخاطرها

أكد مختصون خطورة قانون التغذية القسرية للأسرى الذي أقره "الكنيست" الصهيوني، وحذروا من أبعاده الخطيرة على صحة الأسرى المضربين عن الطعام.

وأوضح رئيس قسم الجهاز الهضمي والكلى في مجمع فلسطين الطبي حسام النادي، أن هذه التغذية ستتم بطرق غير تقليدية مثل الحقن عن طريق الجهاز الهضمي بمضخات كبيرة وتمرير المحلول عبرها، مبينًا، أن هذه الطريقة تؤدي للالتهابات في الرئتين لأن الطعام قد يدخل إلى مجرى التنفس بدلاً من الجهاز الهضمي.

أما الطريقة الأخرى للتغذية القسرية، فتتم عبر إدخال أنابيب عن طريق الأنف لتصل إلى المعدة، وهذا يؤدي إلى حدوث تمزق في جدار المعدة، موضحًا، أن هذا الأمر يعاقب عليه القانون.

وبين الدكتور النادي في تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أن الطبيب قد يلجأ إلى التخدير في حال استمر المريض في رفض الطعام، وإذا كان يعاني من مشاكل في الدم، أو التنفس، وتم تخديره، فهناك احتمالية أن يحدث عدم انتظام في دقات القلب، وهبوط حاد في الضغط.

وأوضح، أن التغذية القسرية قد تؤدي لما يسمى "تميه المعدة"، أي زيادة السوائل فيها عن الحاجة المطلوبة، نتيجة إعطائه المحاليل "الغلوكوز" بكثرة، ما يحدث خللاً في عمل الكلى، والقلب، والتنفس.

كما تتم التغذية القسرية تتم أيضًا من خلال إعطاء المريض سوائل في الوريد، وهذا يؤدي وفقاً للنادي إلى خلل في توازن الأملاح في الدم، خاصة البوتاسيوم والصوديوم، ما يؤدي لخطر مباشر على حياة المريض، كما يؤدي الحقن إلى إصابة المريض بفيروسات معدية والتهابات تنتقل من مريض لآخر.

وحذر النادي من إمكانية تعرض المريض للوفاة نتيجة التغذية القسرية، خصوصاً إذا كان جسمه ضعيفاً ولديه مشاكل في القلب أو مصاباً بمرض السكري، قائلاً، إن للقضية بعداً صحياً وأخلاقياً.

من جانبه، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى عيسى قراقع، إن القانون يعتبر تشريعاً للقتل بحق الأسرى بطريقة غير مباشرة، مبينًا، أن اتحاد الأطباء العالمي الدولي استنكر القانون واعتبره محظوراً وغير قانوني، ومبينًا، أن بعض الأطباء الإسرائيليين يرفضون التعامل مع القانون خوفاً من الملاحقة الجنائية، لأن هذا القانون يعد جريمة حرب ضد الإنسانية، وفق قوله.

أما محامي نادي الأسير جواد بولس، فقد أكد بدوره على خطورة هذا القانون مشيراً إلى أن العديد من دول العالم أعلنت موقفها الواضح والرافض للتغذية القسرية، على اعتبار أن للأسير الحق في الإضراب، إذا كان دون إكراه، ويعي نتائجه من الناحية الصحية.

وأشار بولس إلى أن الفكرة هي احترام إرادة الأسير ووسيلة احتجاجه، وهذا القرار ملزم للدول التي اجتمعت على رفض التغذية القسرية، مؤكدا، أن "إسرائيل" لا تلتزم بالعديد من القرارات الدولية المتعلقة بالاعتقال الإداري واعتقال القاصرين وحقوق الأسرى.

يشار إلى أنه في عام 1980، شهد سجن "نفحة" إضرابا مفتوحا عن الطعام استمر 33 يوما، ارتكبت خلاله "إسرائيل" جريمة بحق الأسرى، عندما أجبرتهم على تناول الطعام عبر إدخال أنابيب من الأنف إلى المعدة بالقوة وبالقمع، ما أدى إلى اختناقهم، وارتقاء كل من علي الجعفري، واسحق مراوغة، وراسم حلاوة شهداء.

ولهذا الغرض قامت إدارة مصلحة سجون الاحتلال بتجهيز غرف طوارئ خاصة للأسرى المضربين عن الطعام لإطعامهم قسراً، تزامناً مع بدء الأسرى معركتهم بعد فشل الحوار لتحقيق مطالبهم، فيما علق أسرى سجن "نفحة" إضرابهم لـ 15 يوماً بعد مهلة لتلبية طلباتهم.

وأعلن الاحتلال من خلال جلسة خاصة عن تشكيل لجنة طوارئ بحضور مدير مصلحة السجون ونائب وزير الصحة الصهيوني وجهاز الأمن العام الشاباك، عن إنشاء غرف خاصة لاستقبال الأسرى المضربين يديرها طبيب عسكري تمهيداً لنقل أي أسير مضرب إليها، دون نقله لمستشفياتٍ خارجية مدنية أو عسكرية.

وتسود مخاوف كبيرة أوساط الأسرى المضربين بعد نقل الأسير المضرب منذ 56 يوماً محمد علان إلى مستشفى "برزلاي" للإطعام القسري، كما تواردت الأنباء.

وحذرت مراكز الأسرى من سياسة التغذية القسرية التي تعرض حياة المضربين عن الطعام للخطر وقد تصل إلى حد قتل الأسير بإطعامه قسراً عبر الوريد أو أنبوب من خلال الأنف.

وكانت الهيئة القيادية العليا قررت بدء برنامجها النضالي المتفق عليه سلفاً بعد حل التنظيم، من اليوم، مؤكدة أن مطالب التحرك ستصبح هي المطالب العامة بدءاً من العقوبات وانتهاء بأبسط حقوق الأسرى المسلوبة، بعد أن فشل الحوار مع إدارة السجون.

فيما علق أسرى سجن" نفحة"، إضرابهم لمدة أسبوعين، بعد حوار استمر مع إدارة سجون الاحتلال، وذلك لإعطائها مهلة لتلبية مطالبهم، وأبرزها إعادة الأسرى الذين تم نقلهم من قسم (10)، وكذلك وقف دخول قوات القمع إلى أقسامهم، والنظر في العقوبات المفروضة على الأسرى منذ ما يقارب العام.

هذا ويواصل عدد من الأسرى الإضراب عن الطعام، أبرزهم الأسير محمد علان الذي يواصل لليوم الـ(56) على التوالي في حالة صحية حرجة جداً، والأسير فتحي الخطيب لليوم الــ 22 في عيادة سجن الرملة احتجاجاً على عمليات النقل التعسفي التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال بحقه.

كذلك الأسير المريض موسى صوفان يواصل إضرابه لليوم 22 على التوالي احتجاجاً على عدم تقديم العلاج له، والأسير عبد المجيد خضيرات لليوم الـعاشر على التوالي بعد أن تم تحويله إلى الاعتقال الإداري.

أما الأسير خيري دراغمة فيواصل إضرابه عن الطعام لليوم الــ 15 احتجاجاً على عدم إجراء عملية جراحية له.

وفي سياق منفصل، قام جهاز (الشاباك) بابتزاز الأسرى في سجون "رامون"، من خلال إجرائه مقابلات معهم في مقره بالقرب من محكمة سالم العسكرية، بادعاء أن هناك صفقة أسرى يتم الحديث عنها وبإمكانه شمل أسمائهم فيها بشريطة التعاون معه، ما دفع بأحد الأسرى أثناء المقابلة للهجوم على الضابط وتكسير مكتبه؛ ما أدى إلى اعتداء الجنود عليه ونقله للعزل.

خلفية عنصرية أمنية

بعد مرور ما يقارب الأسبوع على مصادقة الكنيست الإسرائيلي لمشروع قانون يجيز الإطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، سارعت مصلحة السجون التهديد بتنفيذ ذلك بحق الأسير محمد علان المضرب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله الإداري، مما يشكل هذا الإجراء خطورة حقيقية على حياته وقد ينذر بانفجار الأوضاع داخل السجون خلال المرحلة المقبلة.

وأعلن الأسير علان (30 عاماً) من سكان قرية عينبوس بنابلس دخوله الإضراب المفتوح عن الطعام منتصف شهر يونيو الماضي رفضاً لاستمرار اعتقاله الإداري علماً أنه أمضى مسبقاً ثلاث سنوات في سجون الاحتلال.

علان ما زال يواصل اضرابه حتى إلغاء قرار اعتقاله الإداري وهو بحالة صحية صعبة للغاية ويعاني من ضعف شديد في الرؤية، ويتقيأ الدم بشكل مستمر ولا يستطيع الحركة.

أقوال الأسير جاءت على لسان محامي هيئة الأسرى أشرف الخطيب الذي استدعي الجمعة الماضية إلى مستشفى "سوركا"، بعد أن أبلغته النيابة العسكرية الإسرائيلية أنها ستستخدم التغذية القسرية بحق علان.

وحسب القانون فإنه يتيح لإدارة السجون من ممارسة عملية الإطعام القسري في حال صرح الطبيب بذلك خشية من تعرض حياة الأسير للخطر خلال وقت قصير أو إصابته بإعاقة خطيرة غير قابلة للعلاج.

في ضوء هذه التطورات الخطيرة، اعتبرت حركة حماس على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري نية الاحتلال تنفيذ قرار التغذية القسرية ضد الأسير علان تصعيداً خطيراً ضد المعتقلين الفلسطينيين وتعريض حياتهم للخطر، محملا اسرائيل كل التداعيات المترتبة عليها.

وبحسب مختصين بشئون الأسرى فإن التغذية القسرية انتهاك لخصوصية الأسير وحقه في الإضراب عن الطعام وما يشكله ذلك من خطر جدي على حياته في ضوء التجربة السابقة التي أدت إلى وفاة عدد من الأسرى خاصة في إضراب عسقلان 1970 ونفحة 1980.

أمين شومان رئيس اللجنة العليا لمتابعة شؤون الأسرى أكد أن قانون التغذية القسرية جاء على خلفية عنصرية أمنية وفي سياق هجمة غير مسبوقة تستهدف الحركة الأسيرة في هذه الآونة من قبل الحكومة الإسرائيلية لكسر إرادتهم ومنع تحقيق أي انتصار يحسب لهم داخل السجون.

هذا الواقع كما يرى شومان يؤكد أن الاحتلال يسجل جريمة جديدة بحق الأسرى وأن تنفيذ تلك الخطوة تمهد لقتل الأسير علان.

ونوه في الوقت ذاته أن إطعامه قسراً يعد خرقاً لما هو مقبول قانونيا في العالم ومحاولة لكسر إرادته عبر انتهاك حقه وحريته بجسده، مؤكداً أن حالة من التوتر الشديد ستشهدها السجون في حال استشهاد الأسير علان.

ويضرب عن الطعام في سجون الاحتلال سبعة أسرى فلسطينيين منهم من أضرب احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري، ومنهم المحتج على الإهمال الطبي والعزل الانفرادي.

عائلة الأسير علان الذي ما زال يرقد على فراش الموت أعلنت تضامنها معه بإضرابها عن الطعام واعتصامها أمام مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي، مطالبة في الوقت ذاته بالإفراج عن نجلها.

كما وناشدت عبر وسائل الإعلام المختلفة الحكومة والجهاتِ المعنية من أجل الضغط على سلطات الاحتلال لإلغاء قرار التغذية القسرية الذي يضع حياة ابنها في دائرة الخطر الشديد.

وتشير القناة الثانية الإسرائيلية إلى أن هناك خشية لدى حكومة الاحتلال من قضية الإضراب بعد انتصار الأسير خضر عدنان في معركة إضرابه عن الطعام بالإفراج عنه، مبينة أن "إسرائيل" تخشى أن يحصل كل أسير يضرب عن الطعام لفترة طويلة على الإفراج لذلك قررت إطعامه بالقوة.

عبد الرحمن شديد مدير مكتب إعلام الأسرى في غزة يرى أن الأسير علان هو الحالة الأولى لتطبيقه بعد المصادقة على القانون الذي يعتبر معارضاً للقانون الدولي الإنساني، قائلاً: "ننظر بخطورة بالغة لهذه الخطوة ونحمل مصلحة السجون تداعيات تنفيذ هذه الجريمة علماً أن الأطباء الإسرائيليين يرفضون تنفيذها خشية من عواقبها".

وأضاف شديد "مصلحة السجون لا تريد أن تعطي الأسرى حقوقهم وتمنعهم بالاحتجاج بالطرق السلمية وهي الإضراب عن الطعام بإجبارهم على تناوله لكسر إرادته ما يعني إغلاق الباب الذي يلجئون إليه من أجل انتزاع حقوقهم المسلوبة"، مطالباً الرئاسة تصدير ملف الأسرى المضربين عن الطعام إلى كافة المحافل الدولية وليس الاكتفاء بالتلويح به.

وكشف عن تنظيم فعالية خاصة بالأسير علان أمام الصليب الأحمر ضد قانون التغذية القسرية على الرغم من التقصير الواضح على المستوى الرسمي والشعبي في مواكبة ما يجرى من أحداث داخل السجون الإسرائيلية.

وفي حال تكرار سيناريو استشهاد الأسرى فإن لذلك تداعيات كبيرة داخل السجون وخارجها كما يؤكد مدير مكتب إعلام الأسرى في غزة لاسيما وأن الأسرى لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الجرائم الإسرائيلية، كاشفا عن تهديد وصل من الفصائل داخل السجون في حال استشهاد علان بالانتقام.

انتهاك خطير بحق الأسرى

أدان مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" مصادقة الحكومة الصهيونية على مشروع "قانون التغذية" القسرية للأسرى المضربين عن الطعام داخل سجون الاحتلال.

واعتبر المركز في بيان صحفي هذا الإجراء بأنه "خطير يمس حقوق الأسرى المضربين عن الطعام ويعرض حياتهم للخطر، وانتهاكاً لمبادئ حقوق الإنسان التي تجيز للأسير استخدام الإضراب عن الطعام كأسلوب للدفاع عن حقوقه الأساسية ومخالف لأخلاقيات مهنة الطب وفق ما جاء في إعلان طوكيو عام 1975".

ورأى المركز أن "إعادة تفعيل هذا القانون العنصري يأتي في سياق قيام الكنيست الإسرائيلي بسن من القوانين العنصرية التي تستهدف حقوق وحياة الأسرى وهو في الحقيقة تعبير صارخ عن النزعة العدوانية تجاه الأسرى".

وشدد على أن تغليف مشروع القانون المذكور بالحرص على حياة المضربين عن الطعام "خدعة لا تنطلي على أحد، وسلطات الاحتلال تسعى من خلال إقراره لقمع المضربين عن الطعام وإنهاء إضرابهم بالقوة والحيلولة دون اتساع نطاقه".

وصادقت حكومة الاحتلال على مشروع التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام وأحالته إلى اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات لطرحه على الكنيست الصهيوني للمصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة.

وحذر المركز من إقدام مصلحة السجون على تنفيذ هذا القانون "لما يشكله من خطر حقيقي على حياة المضربين عن الطعام وفق ما أثبتته التجربة السابقة عند إقدامها على استخدام الزوندا التي تعني إطعام المضربين عنوة والتي أدت إلى استشهاد عبد القادر أبو الفحم في إضراب عسقلان عام 1970 وعلي الجعفري وراسم حلاوة في إضراب نفحة عام 1980".

وأكد مركز حريات أن الحفاظ على حياة المضربين عن الطعام "لا يتحقق من خلال إقدام مصلحة السجون على إطعامهم بالقوة وإنما بتلبية مطالبهم العادلة خصوصاً إنهاء الاعتقال الإداري والعزل الانفرادي وتوفير شروط اعتقال تنسجم مع المعايير والاتفاقيات الدولية".

وطالب المركز المجتمع الدولي إدانة هذه الهجمة غير المسبوقة التي يتعرض لها الأسرى وإدانة التشريعات العنصرية بحقهم، والعمل على توفير الحماية القانونية لهم باعتبارهم أسرى حرية خصوصاً بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب.

وجدد مطالبته منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية الدولية التدخل لدى سلطات الاحتلال وإرغامها على وقف العمل بهذا القانون وغيره من القوانين العنصرية التي تمس حقوق الأسرى وتنتهك بشكل متعمد ومتواصل القانون الدولي الإنساني.

وبعد أن نقلت السلطات الإسرائيلية الأسير الفلسطيني محمد علان المضرب عن الطعام لليوم الـ 55 على التوالي، من مستشفى "سوروكا" في بئر السبع إلى مستشفى "برازيلاي" في مدينة عسقلان، بعد أن رفض الأطباء في بئر السبع تطبيق القانون الجديد وتغذية الأسير المضرب عن الطعام بصورة قسرية.

وقد اختار المسؤولون مستشفى "برازيلاي"، بالذات بعد أن لمسوا أن مديره حزاي ليفي يميل إلى الموافقة على تطبيق القانون وتغذية الأسير محمد علان بصورة قسرية، غير أن طاقم الأطباء في المستشفى أهابوا بالمدير ليفي بعدم الموافقة على تنفيذ عملية التغذية القسرية بحق الأسير محمد علان لأنه هذا يعتبر تعذيباً مباشراً للإنسان وفق ما تنص عليه الأخلاقيات الطبية.

من ناحيته قال رئيس نقابة الأطباء في إسرائيل ليونيد ايدلمان، إن نقابة الأطباء في إسرائيل ستتقدم بالتماس مستعجل إلى المحكمة العليا ليبت في شرعية القانون الجديد القاضي بالتغذية القسرية للسجناء المضربين عن الطعام كوسيلة للاحتجاج، ولكي تبت المحكمة العليا بمدى تعارض هذا القانون مع التزام إسرائيل بالمعاهدات الدولية ذات الشأن.

وقالت مصادر مطلعة أن الأسير علان لا يزال في كامل وعيه ولم يصب بحالة الإغماء نتيجة الجوع المتواصل منذ 55 يوماً وأنه مربوط بسريره بواسطة أصفاد منذ 16 يوماً.

من جانبها، أبدت مؤسسات فلسطينية رسمية وأهلية وتنظيمات، قلقها البالغ من إمكانية قيام السلطات الإسرائيلية تطبيق قانون التغذية القسرية وزاد هذا القلق بعد أن أبلغت السلطات الإسرائيلية رسمياً المحامي جميل خطيب، المكلف بالدفاع عن الأسير محمد علان بنيتها المباشرة في تطبيق التغذية القسرية على محمد علان لكسر إضرابه.

وطلبت النيابة العامة الإسرائيلية من المحامي جميل الخطيب زيارة موكله في غرفة العناية المركزة في مستشفى "سيروكا" في بئر السبع قبل نقله، وإبلاغه بنية السلطات الإسرائيلية استخدام التغذية القسرية.

وقال المحامي خطيب: "وضع محمد علان صعب للغاية، وجسمه بدأ يرفض المياه، وهو لا يقوي على الحركة لذلك تم نقله إلى غرفة العناية المركزة".

وأضاف "تم ابلاغي من قبل النيابة العامة الإسرائيلية بان لديهم نية إجباره على الطعام، وهو ما أبلغته للمعتقل علان، ولم يبد أي اهتمام وهو مصر على مواصلة إضرابه". غير أن المحامي خطيب أشار إلى أن إسرائيل "لن تبادر بعملية التغذية القسرية، إلا بعد الحصول على قرار محكمة، موضحاً أن هذا الموضوع سيعرض على المحكمة".

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دعت، إسرائيل إلى السماح لعائلة الأسير الفلسطيني محمد علان بزيارته لأنه "مهدد بالموت الوشيك" بعد أكثر من 50 يوما من الإضراب المفتوح عن الطعام. وحسب مصادر فلسطينية، فإن إسرائيل وافقت أمس على السماح لوالدة المعتقل بزيارته في مستشفى "سيروكا".

فتوى مقاومة التغذية القسرية

أصدر الشيخ محمد حسين – المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية رئيس مجلس الإفتاء الأعلى فتوى حول حكم مقاومة الأسرى في سجون الاحتلال للتغذية القسرية، وذلك في أعقاب تهديد سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ التغذية القسرية ضد الأسرى الفلسطينيين المضربين في السجون.

نص الفتوى:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

فإن حفظ الإنسان لحياته وبقائه أصل واجب، وابتعاده عن كل ما يؤذي نفسه ويضر بها مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، التي جاءت لحفظ الضرورات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال.

لكن الإنسان قد يتعرض لضرورات وموجبات تتطلب منه القيام بأعمال تتعارض في ظاهرها مع هذا الأصل لكنها تستند إلى أدلة شرعية، يمارسها المرء لغايات عظمى وأهداف كبيرة، ومن ذلك امتناع الأسرى عن تناول الطعام، كوسيلة لمقاومة السجان الظالم الغاشم، وأسلوب ضغط على المحتل لتحصيل حقوقهم المشروعة، مما كفلته لهم الأديان السماوية، والمواثيق الدولية، فمنظمة الصحة العالمية، انتقدت بشدة اللجوء إلى التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، معتبرة أن اللجوء إلى هذا الأسلوب حق شخصي للأسير يمارسه في إطار المقاومة المشروعة لاعتقاله وظروف سجنه.

ومن ناحية شرعية؛ فإن إضراب الأسرى في سجون الاحتلال شكل باباً من أبواب الصبر والمصابرة لنيل مطالبهم العادلة، وأسلوباً من أساليب مقاومة المحتل ومقارعته في رفع الظلم والضيم عنهم، وهو جهاد مشروع، دلت على ذلك العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى:  ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾(الفتح: 29)، والإضراب سلاح يغيظ الاحتلال ويحرجه، وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾(التوبة:120)، فالآية شملت كل موطئ يغيظ الكفار؛ ومن ذلك الإضراب الذي يفضح جرائم المحتل، ويكشف ظلمه، ويحرجه على الملأ.

فإضراب الأسرى ومقاومتهم للتغذية القسرية إذا تعين كوسيلة لا بد منها للحصول على الحقوق المشروعة، بعد استنفاذ الوسائل الممكنة، وغدا أمراً لا بد منه، كوسيلة لرفع الظلم والاضطهاد، وكان يرجى تأثيره على العدو وفضح ممارساته، أصبح مشروعاً إلى أن يحقق الأسرى مطالبهم المشروعة في رفع الظلم عنهم.

والأسرى أدرى بظروفهم وأكثر فقهاً لأحوالهم، فشيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، يقول: " إذا اختلف دعاة الإسلام في الأمر، فالأحوط أن يكون رأي المجاهدين"، وقال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهما: "إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ماذا عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم، لأن الله عز وجل يقول:  ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾(العنكبوت: 69)".    

وعليه؛ فإن قيام الأسرى في سجون الاحتلال بمقاومة التغذية القسرية، كأسلوب ضغط على السجان يجوز إذا لم يجدوا وسيلة غيرها، لتحصيل حقوقهم الإنسانية المشروعة، وبناء عليه، فإن من يقضي نحبه من الأسرى وهو يقاوم بالإضراب عن الطعام لنيل حريته، فإنه يُعد من الشهداء، والله تعالى أعلم. 

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) 

اعلى الصفحة