الاتفاق النووي الإيراني أكبر هزيمة لـ"إسرائيل"!!

السنة الرابعة عشر ـ العدد 165 ـ (ذو القعدة - ذو الحجة 1436 هـ) أيلول ـ 2015 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أكد الرئيس حسن روحاني، أن الاتفاق الذي توصلت إليه إيران ومجموعة 5+1 الدولية حول برنامج طهران النووي، أرعب الكيان الصهيوني. وأضاف في كلمة خلال زيارته مدن غرب العاصمة طهران أمام حشد كبير بمدينة إسلام شهر، بتاريخ 6\8\2015: "أتقدم للشعب الإيراني بالتهنئة على خلفية صموده وصلابته وشجاعته التي أظهرها على مدى سنوات، من أجل إثبات حقوقه بجانب استعدادكم لتطوير إيران".

وأشار إلى أن الشعب الإيراني اثبت عظمته أمام القوى العالمية اجتماعيا وسياسيا، وأهدى الاستقلال والحرية والعزة للبلاد.

وتابع أن الشعب الإيراني لم يخش أي قوة وأستطاع أن يرفع علم الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني على ارض إيران الإيمان والصمود. كما انه في مرحلة صمد أمام أعتى القوى العالمية وإمكانياتها، بقوة الإيمان والوحدة والتضحية وبمساعدة قوات التعبئة والجيش والحرس الثوري. وأردف إن الشعب الإيراني في حقبة ما اظهر قدرته العسكرية وقوته أمام العالم وانتصر، واليوم اثبت قدرته السياسية والدبلوماسية أيضاً.

وأكد انه خلال العقود الماضية ارتعبت "إسرائيل" ثلاث مرات، الأولى عند انتصار الثورة الإسلامية والثانية عند ما هبّ الإيرانيون للدفاع عن أرضهم إزاء حرب السنوات الثماني ضد إيران، والمرة الثالثة عندما توصلت إيران ومجموعة 5+1 الدولية إلى اتفاق فيينا النووي. واعتبر الرئيس الإيراني، أن جميع شعوب المنطقة والشعب الإيراني، ابدوا فرحة للاتفاق العظيم، باستثناء دعاة الحروب في أمريكا والكيان الصهيوني المحتل.

وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، 4\8\2015, أن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، أكد كون الاتفاق النووي الإيراني أكبر هزيمة لإسرائيل.  وأوضحت الصحيفة – في تقرير على موقعها الإلكتروني- أن جواد ظريف قال في خطاب بالبرلمان يوم الثلاثاء، إن الكيان الصهيوني كان معزولا من قبل، حتى بين حلفائه. وتابع قوله "لذلك يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى منع إتمام الاتفاقية بأي شكل من الأشكال، وبأي سعر"، مؤكداً أن هذا أكثر ما يغضبه. ورأى ظريف، في الاتفاق النووي الإيراني، أنه يقضي على الدعاية المضادة ضد إيران، والتي شنتها عليها إسرائيل لعقود.

القلق الإسرائيلي

لم تفلح توصيات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ورسمه للقنبلة الذرية ووضع الخط الأحمر، في وقف طموحات الجمهورية الإيرانية الإسلامية النووية وحسب، بل جاءت النتائج بضرورة الاعتراف بالعقلية الإيرانية الجديدة القادرة والحاملة للعلم والتكنولوجيا النووية في رؤوس العلماء، وبالتالي الحديث عن تأجيل الإعلان عن حيازة طهران للقنبلة النووية مسألة وقت فقط، ويمكن أن تتم في أي لحظة سانحة، والعالم كله يتذكر تهديدات الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون لكوريا الشمالية بعدم امتلاكه للسلاح النووي.

الحقيقة الجلية، أن واشنطن لم تعد ضابط الإيقاع الوحيد في العالم، والحسابات التي تشعر العالم من خلالها بأنها مفصل وملتقى السياسات في العالم، وبالتالي فإن التغيير في هذه العملية وخروجها من وجهة النظر الروسية والصينية والدول التي تسير في فلكهم، أصبحت كالدولة المبتزة فقط، وهي تعمل وفق السمعة أو الاستغلال التام للذاكرة التي حصلت بموجبها بقيادة العالم تحت مسميات كثيرة.

إن إدراك الولايات المتحدة لهذه الحقيقة لم تأت من فراغ فحسب، بل من المتغيرات التي فرضت نفسها والتحرك الروسي مثلاً في الأزمة الأوكرانية وضم جزيرة القرم جاء بمثابة الصفعة لواشنطن، وكل محاولاتها بتأليب الأوكرانيين على روسيا باءت بالفشل، والتزام موسكو بدعم الحكومة السورية حتى النهاية اعتبرته واشنطن صدمة، وجولات وزير خارجيتها المتكررة لن تزحزحها عن موقفها، وممارسة الضغط وعض الأصابع انتهى لموسكو بينما ترنح الموقف الأمريكي وسار كيري على عكازين في أفضل تشبيه لهذه السياسة الخرقاء والتي تعتمد على العنترية والغطرسة.

القلق الصهيوني من الاتفاق النووي والذي أسماه بـ"الخطأ التاريخي" نابع من إدراك حتمية القدرة الإيرانية على صناعة قنبلة نووية في أي وقت، وكل ما تحتاجه فقط رفع الضغط الخليجي والعالمي. وليس من المعقول وجود أكثر من أربع منشآت للتخصيب والتنضيب.. والقول بأن العملية في أولها، مع العلم بأن الغرب هو من ساهم في بناء وتشييد المباني مع الخبرات الإيرانية، فإسرائيل لا تنظر لوجود منشأة هنا أو هناك، بل كل ما يهمها في الوقت الحالي إحصاء عدد العلماء وضرورة التخلص منهم بكل السبل والآليات، وقتل الروح التي تتطلع للعلم والمعرفة.

إن التوصل لاتفاق إيراني غربي لا يعني منع الطموحات الإيرانية بحقها بامتلاك كل العلوم التي تخص البرنامج النووي السلمي، والمتغيرات كفيلة بإحداث ما يسمى الفرصة الذهبية لذلك، بل جاء نتيجة براغماتية إيرانية استجابة للحكمة والنظرة الثاقبة التي تتمتع بها الإدارة الإيرانية، وحتى لا تصبح طهران بين يوم وليلة، الدولة الوحيدة المارقة وبالتالي ضرورة التحالف الدولي ضدها، لأن الغرب بكل جلافته لا يقبل أبداً بامتلاك طهران السلاح النووي لحسابات أيديولوجية، وضرورة إبقاء العدو الصهيوني بالقوة التي عليها متميزاً عن بقية البلدان في الشرق الأوسط.

ومن هنا جاء الربط الخبيث الأمريكي بالأزمة السورية، وإدراجها في المفاوضات في عملية ابتزاز خبيثة وفاضحة، وبالتالي حاولت واشنطن وحلفاؤها الضغط بهذا الخصوص، وتجلى ذلك بالتفاهم الأمريكي التركي لاستخدام قاعدة (إنجرليك) التركية والتهديد بعمليات عسكرية ضد التنظيم الإرهابي (داعش) وضربات تتزامن للجيش العربي السوري، إلا أنه وبعد التوقيع تم التغيير، بضرورة منع تسلل المسلحين عبر الحدود التركية- السورية وتبني الحكومة التركية بناء سواتر بطول 900 كيلو متر على الحدود السورية التركية لهذا الغرض المعدل.

أما فيما يخص القلق الصهيوني أيضاً، جاءت الترجمة حرفياً بالتوغل الصهيوني للحدود السورية من جهة مدينة القنيطرة وإنشاء الحواجز مستغلة الوضع المتردي، فهذا الإجراء يأتي ضمن سياسة التحرك وترك سياسة الانتظار والترقب، من أجل فرض معطيات جديدة في حالة (انهيار) الدولة السورية، والمعارضة السورية الموجودة على الشريط الحدودي لا تقاتل الدولة العبرية، بل تستفيد منها في معالجة جرحاها في مشافيها!

على كل حال، الاتفاق النووي الذي تم لم يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي في المستقبل، على العكس تماماً جعلها أكثر تصميماً.. والدولة الصهيونية هذا هو حالها في حال التغيير والتطوير الحاصل في الدول التي تضعها من أهدافها الوطنية، فلا غرابة أبداً من قلقها، وكل ما هو مطلوب الحفاظ على الخبراء والعلوم النووية الإيرانية، فأمريكا لا يمكن أن تدوم طويلاً، وهي ليست بالقدر المكتوب على صدر الأمة العربية والإسلامية والأمل بالزمن والمتغيرات. 

الاتفاق يعزل إسرائيل!

حذر رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين من التهديد الذي يمثله الاتفاق النووي الإيراني على عزل إسرائيل، خصوصاً بعد وقوع خلافات بين واشنطن ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن الاتفاق. وقال ريفلين لصحيفة معاريف "أنا قلق جداً حيال المعركة بين أوباما ونتنياهو وعلى العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة"، مضيفاً أن رئيس الوزراء يقود حملة ضد الولايات المتحدة كما لو كنا متساوين، وهذا الأمر يهدد بإلحاق الضرر بإسرائيل. وتابع قوله "نحن معزولون إلى حد كبير في العالم اليوم لست متشائما، ولكن للمرة الأولى أرى أننا بمفردنا".

كما وأثارت كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في الجامعة الأمريكية في واشنطن، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، حفيظة العدو الإسرائيلي، حيث خرجت ردود فعل مستنكرة لما ورد فيها، وتحديداً على تأكيد أوباما أن "إسرائيل" وحدها في العالم، التي ترفض الاتفاق.

وصدر عن مقرّبين من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، وتحديداً عن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تساحي هنغبي، الذي يعدّ شبه متحدث رسمي بلسان نتنياهو، قوله إن "الأردن ومصر والسعودية، وكل دول الخليج، اتخذت موقفاً ضد الاتفاق مع إيران... لكن بخلاف إسرائيل، فإن العرب يعملون بشكل هادئ وغير علني ضده". وأضاف هنغبي أن "أوباما يعرف جيداً أن العرب ضد الاتفاق، وهم يعملون ضده، إلا أن إسرائيل هي الوحيدة الشجاعة التي تقوم بذلك في العلن". 

بدوره، رفض وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، ما ورد في كلمة أوباما، وقال إن إسرائيل "هي الدولة الوحيدة في العالم التي تدعو إيران إلى إبادتها، ما يحتّم عليها الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية"، مضيفاً أن "الاتفاق مع إيران لم يقضِ على أيّ من قدراتها النووية، بل إنه عزز موقع طهران".

في موازاة ذلك، كرّر مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، للإذاعة العبرية، انتقادات تل أبيب للاتفاق النووي، وأكد أن "رفض إسرائيل للاتفاق بات أكثر إلحاحاً، في أعقاب كلمة أوباما". وأشار إلى أن "إسرائيل لا تشكك في صدق نيّاته (أوباما)، لكنها تختلف معه في هذا الموضوع". وأضاف المصدر أن "الاتفاق النووي لا يمنع الحرب، بل يزيد من احتمالاتها، لأنه يضفي الشرعية الدولية على امتلاك إيران للبنى التحتية اللازمة لإنتاج السلاح النووي، فضلاً عن تحويل مئات المليارات من الدولارات إلى طهران لتمويل نشاطاتها الداعمة للإرهاب". وأكد هذا المصدر أن "رفع العقوبات الدولية عن إيران سيعرض إسرائيل والمنطقة والعالم بأسره للخطر".

وأولى الإعلام الإسرائيلي تغطية خاصة لكلمة أوباما، وكانت مدار تعليق وتحليل المراسلين والخبراء في بثّ حيّ مباشر. وقال المراسل السياسي للقناة الأولى، يئير فاينرف، إن "مصادر في إسرائيل أوضحت أن دولاً كثيرة من منطقتنا ترى الخطر نفسه الذي تراه إسرائيل في الاتفاق النووي، والمقصود هنا دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، التي تخشى من إيران". وأشارت القناة الثانية العبرية إلى أنهم "في إسرائيل تابعوا خطاب أوباما بترقب، ويبدو أنهم غير راضين عنه". وبحسب المراسل السياسي للقناة، أراد نير، فإن الجملة التي قالها أوباما "إما الاتفاق أو الحرب"، "أثارت الغضب بشكل خاص في إسرائيل، لأنها تقدر أن كلام أوباما عن أنه لا يرغب في الحرب، سيدفع الإيرانيين إلى مواصلة طريقهم العدائي". أما لجهة كون إسرائيل وحدها ضد الاتفاق، فقد أشارت القناة إلى أن "أوباما يعلم جيداً أن من يعمل ضد الاتفاق في واشنطن، ليس فقط منظمة آيباك أو السفارة الإسرائيلية، بل إن من يتحدث مع أعضاء الكونغرس هم سفراء دول الخليج، الذين يملكون بالفعل "لوبي" ضخماً وقوياً هناك". 

صحيفة "إسرائيل اليوم"، المقرّبة من نتنياهو، أشارت إلى أن "أوباما يستحق الثناء على اختياره توقيت الخطاب ومكانه، إلا أن مضمونه جاء مناقضاً لتسويقه، فأوباما أقنع المقتنعين وليس المشككين". ورأت الصحيفة أن أوباما "الذي لم يقرأ بصورة صحيحة الخريطة الدولية، منذ دخوله البيت الأبيض، وزّع علامات استفهام على نتنياهو فقط لأنه خالفه الرأي". وأضافت: "هل يجب أن نذكّر الرئيس أوباما بأنهما كانا مختلفين أيضاً بشأن حكم الإخوان المسلمين في دول مثل مصر وتونس بعد الربيع العربي؟ ومن كان محقاً سيدي الرئيس؟".  

وبحسب الصحيفة، فإن الرئيس الأمريكي "لا يستوعب أن الاتفاق بالنسبة إليه مقامرة، بينما هو شأن وجودي بالنسبة إلينا"، مضيفة أنه "أراد أمس أن يعطينا درساً في التاريخ. لقد أحببنا كثيراً ذكره (الرئيسين الأمريكيين السابقين جون كينيدي ورونالد ريغان). لكنه نسي فقط أمراً واحداً يختصر كل الفرق بين الاتحاد السوفيتي في حينه وإيران اليوم: عنصر الدين والجنون الإسلامي وكل المسألة حول عقلانية النظام الشيعي الثوري الإيراني".

أسباب الموقف الإسرائيلي

في سياق سعي الكيان الصهيوني إلى حشد جهود المجتمع الدولي لوقف البرنامج النووي لإيراني، ادعت أنّ المشروع النووي الإيراني يمثّل خطراً على وجودها، وهددت مراراً باستعمال القوة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وسيلة للضغط على المجتمع الدولي، للتحرك عسكرياً ضد إيران، أو على الأقل فرض مزيد من العقوبات عليها، وتعميق عزلتها الدولية.

وكان بنيامين نتنياهو من بين كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبين الأكثر تناولاً للمشروع النووي الإيراني، ومطالباته بوضع حد له، بيد أنّ نتنياهو، وخلافاً لمن سبقه من زعماء إسرائيليين، اختلف مع الإدارة الأمريكية ورفض علناً سياستها الهادفة إلى إيجاد حل سياسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي وتّر علاقات إسرائيل مع واشنطن بشكل غير معهود. إذ سعى نتنياهو إلى فرض رؤيته، المتمثلة بإزالة البنية التحتية للمشروع النووي الإيراني كليةً، إمّا بضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، تقوم بها الولايات المتحدة أساساً، أو بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية الخانقة على إيران، لإرغامها على تفكيك مجمل مشروعها النووي. لذلك، عارضت حكومة نتنياهو بشدة اتفاق جنيف التمهيدي الذي تمّ التوصل إليه في نوفمبر/تشرين ثاني 2013، واتفاق الإطار الذي أبرم في إبريل/نيسان من العام الجاري، واستتباعاً الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه أخيراً.

لا بد عند محاولة فهم السياسة الإسرائيلية من الاتفاق النووي الإيراني الإشارة إلى وجود فوارق جوهرية بين دوافع الموقف الإسرائيلي من المشروع النووي الإيراني ودوافع مواقف بقية دول المنطقة. فإسرائيل قوة نووية بحكم الأمر الواقع. وبموجب التفاهم الذي تم التوصل إليه عام 1969 بين الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، ورئيسة الحكومة الإسرائيلية حينها غولدا مئير، وافقت الولايات المتحدة على بقاء إسرائيل دولة نووية غير معلنة. وطبقًا لذلك الاتفاق، قبلت إسرائيل عدم الإعلان عن نفسها دولة نووية وعدم إجراء تجارب نووية، مقابل التزام الولايات المتحدة عدم الضغط عليها للانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، أو دفعها إلى الكشف عن منشآتها النووية، وفتحها أمام عمليات الرقابة الدولية.

ووفق كل المعطيات، تمتلك إسرائيل ترسانة كبيرة من القنابل النووية والهيدروجينية والنيوترنية، فضلاً عن وسائل إطلاقها من طائرات وصواريخ قادرة على الوصول إلى أهداف تبعد عنها آلاف الكيلومترات، ولها أيضاً قدرات ردع نووي، تتمثل في قدرتها على توجيه الضربة النووية الثانية بواسطة الغواصات التي زودتها بها ألمانيا في العقد الأخير، والتي بمقدورها تدمير المدن الإيرانية تدميرًا كاملًا. وهي تمتلك كذلك مركز قيادة وسيطرة محصناً ومحمياً من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى لإدارة حرب نووية.

ومن غير المتوقع، والحال هذه، أن يمثّل المشروع النووي الإيراني خطراً على وجود إسرائيل، حتى لو امتلكت إيران ترسانة من الأسلحة النووية، فالجهد الذي ما انفكت تبذله إسرائيل لإحباط المشروع النووي الإيراني لا يهدف إلى الدفاع عن وجودها، كما يدعي نتنياهو والقادة الإسرائيليون عموماً، وإنما يسعى إلى الحفاظ على احتكار إسرائيل السلاح النووي في الشرق الأوسط، ومنع إيران، وأي دولة أخرى، من الحصول عليه. وقد بات احتكار إسرائيل السلاح النووي جزءاً من نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، وهو أحد أهم العوامل المؤثّرة في تعزيز سياسة الاستقواء وبسط النفوذ والتوسع والعدوانية التي تتبعها إسرائيل في المنطقة، ويساهم في الحفاظ على مكانتها بصفتها أقوى دولة إقليمية في المنطقة.

اتسمت ردات فعل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزرائه بالتشدد في رفض الاتفاق النووي الإيراني، وبمجافاة الحقائق بخصوص آثاره السلبية على أمن إسرائيل، إلى الدرجة التي بدا فيها نتنياهو وكأنه يتحدث عن اتفاق آخر، إذ شرع فور الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بشن حملة ضده، ادعى فيها أنّ الاتفاق "خطأ تاريخي"، وأنّ الدول العظمى "تجازف بمستقبلنا الجماعي"، وأنّ "العالم أصبح، بعد هذا الاتفاق، أكثر خطورة ممّا كان عليه بالأمس"، وأنّ الاتفاق يمكّن إيران من "امتلاك القدرة على إنتاج ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية". وأكد نتنياهو أنّ إسرائيل ليست طرفًا في هذا الاتفاق، وليست ملزمة به، و"ستستمر في الدفاع عن نفسها".

ولم يقبل نتنياهو تطمينات الرئيس أوباما في الحديث الهاتفي الذي تم بينهما، غداة الإعلان عن الاتفاق بأنّ بنود الاتفاق تغلق الباب بالكامل أمام إمكانية حصول إيران على سلاح نووي، ودعا إلى اجتماع طارئ للمجلس الوزاري السياسي – الأمني الذي قرر، بالإجماع، رفض الاتفاق، وأعلن أنّ إسرائيل غير ملزمة به. كما قرر المجلس شن حملة سياسية إعلامية تستهدف الرأي العام والنخب والقادة في أمريكا وأوروبا، وتركّز على مخاطر الاتفاق النووي ضد إسرائيل والمنطقة والعالم، وتؤكد ليس فقط إمكانية أن تصبح إيران دولة نووية أو دولة حافة نووية بسبب هذا الاتفاق، وإنّما أيضاً أنّ الاتفاق يعزّز كثيرًا قوة إيران في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وكذلك في مجال إنتاج الأسلحة التقليدية المتطورة. وأوضح نتنياهو في الاجتماع أنه سيستمر في العمل بكل قوة ضد الاتفاق، وسيبذل كل جهده لإقناع ثلثي مجلس الشيوخ الأمريكي بمعارضة الاتفاق، من أجل التغلب على فيتو الرئيس أوباما.

تداعيات متوقعة إسرائيلياً

في مقابل شبه إجماع الأحزاب الصهيونية في موقفها الذي عدّ الاتفاق سيئًا، رأى خبراء عديدون شغل أغلبهم، في الماضي، مناصب عليا في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أنّ الاتفاق يمثّل الخيار الأفضل من بين الخيارات المطروحة، ويغلق بالفعل الباب أمام إيران في الحصول على سلاح نووي في السنوات المقبلة. وقد فضح هؤلاء بذلك مزايدات الأحزاب الصهيونية في الحكم والمعارضة ودوافعها السياسية، بمعنى غير الأمنية، لمعارضة الاتفاق.

فقد كتب رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية الجنرال (المتقاعد) يتسحاك بن يسرائيل، الحائز على جائزة إسرائيل للأمن، أنه استخلص بعد قراءته جيداً أنّ الاتفاق يضمن لإسرائيل سنين عديدة من الهدوء النووي، ويزيل أحد أكبر التهديدات التي تستهدفها، إذ أنّ التهديد النووي الإيراني لم يعد قائماً. وأكّد بن يسرائيل أنّ الرئيس أوباما محق في قوله إنّ الاتفاق يعزّز أمن إسرائيل من هذه الجهة، لكنه أضاف أنّ الأخطار والتحديات التي تواجهها إسرائيل من الاتفاق ليست في إمكانية امتلاك إيران السلاح النووي، وإنما في قدرات إيران غير النووية، والتي ستتعزز كثيراً بعد هذا الاتفاق. أمّا عامي أيلون، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات العامة الإسرائيلية (الشاباك)، والذي كان قبل ذلك رئيساً لسلاح البحرية الإسرائيلية، فقد أكد، في تصريح له، أنّ هذا الاتفاق هو الخيار الأفضل من أي بديل آخر، وأفاد بأنّ وزراء أمن سابقين ورؤساء سابقين لأجهزة الأمن الإسرائيلي يشاطرونه هذا الرأي. وصرّح عوزي عيلام الذي شغل منصب رئيس لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية في السنوات 1976 – 1985، وشغل بعد ذلك عدة مناصب أمنية مهمة، في مقابلة مع راديو إسرائيل، إنّ الاتفاق النووي جيّد، لأنه يحكم إغلاق جميع الطرق أمام إيران للوصول إلى السلاح النووي. وانتقد أفنير كوهين، وهو أحد أهم الباحثين الإسرائيليين المختصين في السلاح النووي، موقف الحكومة وقادة الأحزاب الإسرائيلية بشأن الاتفاق، ووصف موقفها بالسخف وبمحاولة لعب دور الضحية. ورأى كوهين أنّ الاتفاق يمثّل حلًا وسطًا معقولًا وواقعيًا، وهو وإن كان يمنح إيران شرعية لمكانة نووية خاصة، تختلف عن مكانة الدول غير النووية الموقعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، إلّا أنّ إيران، وبخلاف ما يدعيه إسرائيليون كثيرون، يضيف كوهين، لن تكون دولة حافة نووية بالمعنى العلمي للكلمة، قبل مرور عقدين.

يتفق الإسرائيليون، مؤيدين للاتفاق النووي أم معارضين له أم متحفظين منه، على أنّ هذا الاتفاق يدخل إيران والمنطقة في مرحلة جديدة، تحمل بين ثناياها تحديات وتهديدات لإسرائيل عليها الاستعداد لمواجهتها. فالاتفاق يضع حدًّا للعقوبات ضد إيران، وينهي عزلتها الدولية ويفتح أمامها مرحلة جديدة في علاقاتها الدولية والإقليمية، ما يقود إلى تعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وإلى تطوير مختلف صناعاتها العسكرية التقليدية، وخاصة تلك التي تعتمد على التكنولوجيا المتطورة. وسيعزّز ذلك مكانة إيران ودورها ونفوذها في المنطقة، وسينعكس ذلك أيضًا على قوة حلفائها في المنطقة من دول وميليشيات وفواعل لا-دولتية. إلى جانب ذلك، يمنح الاتفاق المشروع النووي الإيراني الشرعية الدولية، ويجعل من إيران أو يقرّبها من أن تصبح "دولة حافة نووية" بالمعنى العلمي للمصطلح، وإن لم يكن قبل مرور عقدين على الاتفاق. خلال هذه الفترة، سيكون صعباً على إسرائيل توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، لأنّ ذلك سيعدّ خرقًا للقرارات الدولية وللإجماع الدولي. وقد يفتح الاتفاق سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، إذ من المتوقع أن تسعى دول أخرى في المنطقة للوصول إلى وضع إيران النووي، مثل المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا.

وهكذا فشل نتنياهو في منع التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران بشأن مشروعها النووي، ومن المستبعد أن يتمكن من استمالة عدد كاف من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، لمعارضة الاتفاق النووي، والتغلب على فيتو الرئيس أوباما. ويبدو أنّ نتنياهو سيضطر، في نهاية الأمر، إلى التعايش مع الاتفاق والعمل، في الوقت نفسه، على الحصول على تعويضات من الإدارة الأمريكية، بعد أن يقرّ الكونغرس الاتفاق في آخر سبتمبر/أيلول المقبل. وتسعى إسرائيل إلى الحصول على مزيد من الأسلحة النوعية الأمريكية المتطورة التي تعزّز قدراتها لا سيما قدرات سلاحها الجوي. ويشمل ذلك طائرات V22 المتطورة، والتي لم تحصل عليها إسرائيل بعد، وطائرات الشبح F35، وأنظمة رادارات متطورة، وأنظمة أسلحة تخترق التحصينات والملاجئ، وأسلحة نوعية أخرى، كانت أمريكا قد رفضت في السابق منحها لإسرائيل.

إلى جانب ذلك، من المتوقع، أن تسعى إسرائيل إلى التوصل إلى اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة، يضمن استمرارها في الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري النوعي على جميع دول المنطقة، ويجدد التأكيد على الضمانات الأمريكية بعدم الضغط على إسرائيل لفتح منشآتها النووية للرقابة الدولية، ويحدد بدقة الخطوات التي تعد خرقًا للاتفاق من إيران، ويتناول بدقة كيفية مواجهتها والرد عليها، فضلًا عن تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدولتين، لمتابعة المشروع النووي الإيراني والمشاريع النووية لدول أخرى في المنطقة، قد تتجه نحو تطوير مشاريعها النووية. 

اعلى الصفحة