أزمة "الأونروا".. بين الجذور والأهداف

السنة الرابعة عشر ـ العدد 165 ـ (ذو القعدة - ذو الحجة 1436 هـ) أيلول ـ 2015 م)

بقلم: عدنان أبو ناصر

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

خوف وتوتر وغضب في قطاعات الشعب الفلسطيني المختلفة من تهديد الأونروا وما يثار عن نواياها لتقليص بل إنهاء خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين في الضفة وغزة والشتات، هذا الخوف والغضب جاء متأخر فالوكالة منذ مدة زمنية طويلة وهي تعمل على تقليص الخدمات شيئا فشيئا، ولم يتبقَ إلا خطوتان حتى تغلق أبوابها وتنهي خدماتها بشكل كامل، وأعتقد أنها أدت دورها المرسوم لها بلؤم وخبث.

وتعاملت الوكالة بسياسة أمريكية طويلة المدى، فكان الهدف من تأسيسها وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 "دعم السلام والاستقرار"، أي أنها لم تسعَ في يوم من الأيام لإعادة حق الفلسطينيين الذين انتزعوا من أرضهم وديارهم وتشتتوا في بقاع الأرض، بل حاولت ترويض قضيتهم والعمل على استقرارهم بعيداً عن أرضهم وديارهم، ولهذا نحن أمام مشكلة مركبة منذ سبعة عقود ولم يتم حلها بل تزداد تعقيداً.

ومنذ قيام الوكالة وهي لا تستثني الكيان الصهيوني كدولة يجب التعاون معه والتشاور ومراعاة سياسته، رغم أنه كيان إحلالي احتلالي، ولهذا لم تتعارض الوكالة ولو لمرة واحدة مع الاحتلال أو تتواجه معه، بل كانت تجفف الروح الوطنية من مؤسساتها الخدماتية وتقوم بتهدئة أي إشكالية يمكن أن تؤثر على الاحتلال.

بين الأمس واليوم

تعتبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا) ومقرها الرئيسي في فيينا وعمان، وكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في كل من الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، ولقد أسست الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 1948منظمة تسمى "هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين" لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من طرف المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى، ثم عادت الأمم المتحدة وبتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر1949 وبقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتعمل كوكالة متخصصة ومؤقتة، لغاية "إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية".

وبدأت (الأونروا) عملياتها يوم الأول من مايو/ أيار 1950، وتولت مهام هيئة الإغاثة التي تم تأسيسها خلال عام 1948 وتسلّمت سجلات اللاجئين الفلسطينيين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتولت مهام هيئة الإغاثة التي تم تأسيسها سنة 1948 من قبل كما تسلّمت سجلات اللاجئين الفلسطينيين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من الجدير بالذكر أن تمويل (الأونروا) يتم من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول المانحة وتعتبر الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة والدول الاسكندنافية و دول الخليج العربي واليابان وكندا أكبر الدول المانحة للوكالة ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا هما أكثر دولتين إخلالاً بواجبهما تجاه الوكالة فيما تعتبر الدول الاسكندنافية أكثر الدول سخاءً حيث تدفع أعلى نسبة بين دول العالم من دخلها القومي كمساعدات (للأنروا).

ولقد عرفت (الأونروا) اللاجئ الفلسطيني بأنه الشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من أول يونيو/ حزيران 1946 حتى 15 مايو/ أيار 1948 والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948، وعليه فإن اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم تلقي المساعدات من (الأونروا) هم الذين ينطبق عليهم التعريف أعلاه إضافة إلى أبنائهم.

وتتمثل مهام الوكالة (الأونروا) في تنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين مباشرة بالتعاون مع الحكومات المحلية، وكذلك التشاور مع الحكومات بخصوص تنفيذ مشاريع الإغاثة والتشغيل والتخطيط.

أما أوجه إنفاق موازنة (الأونروا) فتتوزع على النحو التالي: برامج التعليم 54%, برامج الصحة 18%, الخدمات المشتركة والخدمات التشغيلية 18%, برامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية 10%.

بلغت موازنة (الأونروا) العادية لعامي 2012 و 2013 "1,93" مليار دولار وتعكس هيكلية موازنة (الأونروا) الإستراتيجية متوسطة الأجل للفترة الواقعة بين 2010-2015 والمستندة إلى خطط التنفيذ التي تم إعدادها لكل إقليم من أقاليم العمليات ولدائرة الرئاسة العامة والمقسمة بين أهداف التنمية البشرية التي تسعى لتحقيقها، ومن أصل 628 مليون دولار هي إجمالي ميزانية البرامج الرئيسة في عام 2013، فإن أكثر من نصفها خصصت للتعليم. وبالإضافة لمقري (الأونروا) الرئيسيين يوجد للوكالة ممثليات في كل من نيويورك وواشنطن والقاهرة والقدس المحتلة.

تشتمل خدمات (الأونروا) التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح . إن خدمات (الأونروا) متاحة لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها والذين ينطبق عليهم تعريف اللاجئ الفلسطيني المشار إليه أعلاه والمسجلين لدى الوكالة، ومن الجدير بالذكر أنه وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750.000 لاجئ فلسطيني أما اليوم، فإن حوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يحق لهم الحصول على خدمات (الأونروا).

يبلغ عدد الطلاب المسجلين في مدارس (الأونروا) حوالي نصف مليون طالب فيما يبلغ عدد اللاجئين الذين يتلقون الدعم من خلال شبكة الأمان الاجتماعي نحو 283 ألفاً كما تقوم المنظمة بمعالجة عشرات الآلاف من المرضى في 139 مركزاً صحياً إلى جانب 117 عيادة أسنان علاوة على تقديم الغذاء لأكثر من مليون و200 ألف لاجئ في مناطق خدماتها، إلى جانب توفير مساكن آمنة لأكثر من مليون و300 ألف لاجئ في 58 مخيماً رسمياً للاجئين.

وفي الأيام الأخيرة وبشكل فاضح ومريب قررت (الأونروا) تجميد خدماتها المقررة للاجئين الفلسطينيين وخاصة في مجال الصحة والتعليم ونيتها تسريح موظفيها مخالفة بذلك قرار تأسيس الوكالة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لسنة 1949 المشار إليه أعلاه وهو ما يضيف تخلي المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته، حيث سيضاف هذا القرار إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) والقاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم التي هجروا منها، حيث أعلنت (الأونروا) في بيان صحفي أنها "لن تستطيع فتح المدارس ومراكز التدريب المهني في مهلة أقصاها منتصف الشهر الحالي، في حال لم تقم الدول المانحة بسد العجز المالي في الميزانية العادية والبالغ 101 مليون دولار خلال الأيام القليلة القادمة".

ويهدد قرار (الأونروا) بإيقاف أو تجميد الخدمات الصحية والتعليمية بإيقاف حوالي ثلاثين ألف موظف يعملون في مرافق (الأونروا) المختلفة علاوة على أن برنامج التعليم يخدم نصف مليون طالب في مناطق عملها (الأونروا) الخمسة إذ سيهدد هذا القرار سير العملية التعليمية وبما يؤثر على مستقبل الطلبة، وتبين أرقام (الأونروا) المنشورة أن عدد الطلبة الملتحقين في مدارسها يقارب النصف مليون طالب منهم 225.000 طالب وطالبة في قطاع غزة موزعين على 245 مدرسة، و115.000 طالب وطالبة في الأردن موزعين على 172 مدرسة، بينما تدير الوكالة 99 منشأة تعليمية في الضفة الغربية تصل خدماتها لأكثر من 50.000 طالب، وفي لبنان يبلغ عدد طلاب مدارس الأونروا 31.753 طالباً في 69 مدرسة، أما في سوريا تقدم الأونروا تعليماً أساسياً ابتدائياً وإعدادياً لما مجموعه 65.479 طفلاً من أطفال لاجئي فلسطين وذلك عبر 118 مدرسة تعمل جميعها وفق نظام الفترتين، علماً بأن الوكالة قد قامت خلال السنوات الأخيرة بتقليص نوعية الخدمة المقدمة في التعليم، حيث عملت على استيعاب أكثر من 40 طالبا في الصف الواحد والتوقف عن طباعة مناهج جديدة وتدوير الكتب القديمة عبر الصفوف، هذا بالإضافة إلى تجميد العمل بالمراكز الصحية والعيادات التابعة للأونروا في مناطق عملها المختلفة.

مؤسسة دولية خاضعة

إذن, "الأونروا" مؤسسة دولية خاضعة وتحكمها المواقف السياسية ويؤثر فيها نفوذ الدول المهيمنة عليها والداعمة مالياً ما يؤثر علي حياديتها واستقلاليتها وإخضاع تقديم الخدمات الاغاثية الحيوية لحساباتها الخاصة وفق ما تخططه ردهات السياسة الخلفية وهذا ما بدا تتضح خيوطه بقصد الضغط على اللاجئين الفلسطينيين والتنصل من الالتزامات المترتبة على بقاء المؤسسة الدولية ولا يحسب الالتزام مالياً وإنما يتعداه إلى الالتزام الأدبي والأخلاقي وإعانة اللاجئين لحين عودتهم وتعويضهم  وهو السبب الرئيس الذي أنشئت على ضوئه "الأونروا" والحديث عن 101 مليون دولار مبلغ مالي زهيد فيما لو تم مقارنته بالأموال الطائلة التي تُنفق في الاحتفالات والمهرجانات الدولية المختلفة وتنظيم الاولمبياد والمسابقات الرياضية وتمويل أحزاب وجماعات ومؤسسات تحقق سياساتها ولا تُشكل أي عبء أو عجز بموازناتها العامة أو الموجه لمشاريع لها مقاصدها والحديث يدور عن مجموعة اللوبي الاقتصادي الدولي ذات الاقتصاديات الكبيرة والاستثمارات والتبادلات التجارية بمليارات الدولارات وما يتم تداوله الآن من أخبار وتصريحات ومحاولات على أعلى مستويات..! لتأمين المبالغ المطلوبة لتغطية العجز في ميزانية "الأونروا" لاستئناف تقديم الخدمات وضمان استمراريتها مع اقتراب العام الدراسي الجديد بعد أيام وما سيترتب على تعطيل العام الدراسي وإغلاق 700 مدرسة في مناطقها الإدارية الخمس وبقاء مئات آلاف الطلبة في الأزقة والشوارع وما سينتج عن ذلك من تداعيات مجتمعية كارثية وتأثير على مستوي التحصيل العلمي ولن تكون القطاعات الخدماتية والاغاثية الأخرى خاصة الصحة والشؤون الاجتماعية والتشغيل والتوظيف بمنأى عما سيحدث في حال توقفت أعمال الوكالة وان كانت بشكل مؤقت لحين إيجاد الحلول من شأن ذلك أن يتكرر وتعود الأزمة المفتعلة تطل من جديد ما يستدعي حلاً جذرياً منعاً لي محاولات مشبوهة تسعي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال وجود وبقاء عمل "الأونروا" كوكالة تغيث وتُشغل الفلسطينيين أقرها العالم واعترف بها منذ نشأتها ومعنى بقائها أن قضية اللاجئين لم تُحل بعد ولم يعودوا إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم وهذا ما يؤرق دولة الاحتلال ويمثل تهديداً مستداماً وقائماً وفاعلاً تسعي جاهدة و بكل قوة لإنهائها والتأثير علي خدمات "الأونروا" وإيجاد بدائل للإغاثة وتقديم الخدمات تحت مسميات أخرى لا تحمل وزر قضية اللجوء والتشرد وهذا ما نشاهده بأم العين من الانتشار المتسارع للهيئات والمؤسسات الاغاثية الدولية الناشطة في بلدان عدة يتواجد بها اللاجئون الفلسطينيون وموجودة أيضاً في الضفة الغربية وغزة.

فيما لو تم فعلياً تقليص أو إنهاء خدمات تحت ذريعة عدم توفر الدعم التشغيلي للقيام بالمهام المنوطة بها وتقديم الخدمات المعتادة من شأن مثل هذا القرار أن يزيد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين ممن يعتمدون بشكل كلي على الخدمات المقدمة والتي تم تقنينها بالسابق على مراحل ولم تعد تفي بالحاجات الضرورية للزيادة الطبيعية في إعدادهم وحجم المساعدات والإعانات والخدمات والبرامج المقدمة ما يؤشر على المنهجية والخطط المعتمدة في أروقة القائمين عليها ومن يمتلكون القرار تجاه تصفية أعمالها وخدماتها الموجه لأكبر شريحة من الشعب الفلسطيني تشكل ما نسبته 70% منه في المخيمات وان التصريحات عن أزمات مالية بالكاد مفتعلة لها إبعادها السياسية البحتة جُلها طي صفحة اللاجئين الفلسطينيين للأبد وبقاؤها دون حلول عادلة وفق ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية المنادية بحق عودتهم إلى ديارهم وتعويضهم عن الأضرار النفسية والمادية دون أن يُكتب لبنود القرارات الصادرة عن الهيئة الدولية النجاح بفعل تعنت وصلف دولة الاحتلال حيث تضرب بعُرض الحائط كل ما صدر ويصدر من قرارات دولية ويُعينها تنصل دول العالم ذات الثقل السياسي الوازن ممن صوتت لصالح القرار الأممي آنذاك من تطبيقه ما يُفسر تساوق السياسة الدولية على مر العقود مع الرؤيا الإسرائيلية والمنهجية الضاغطة المتبعة لإنهاء ملف اللاجئين الشائك لصالح دولة الاحتلال وعدم عودة 5 مليون لاجئ فلسطيني إلى أرضه السليبة وهذا من شأنه أن يهدد المشروع الاستعماري الاستيطاني الاحلالي التهويدي المتبع بحق الأرض والإنسان الفلسطيني، وأي محاولة لتصفية أعمال وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين معناه تصفية القضية الفلسطينية وحق العودة المشروع الذي كفلته كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومن أجل هذا الحق سقط الشهداء والجرحى والمفقودين والأسرى والمشردين وتحمل الشعب الفلسطيني المآسي والمجازر وجرائم الحرب من القريب والبعيد وتعرض للإبادة ووقف صامداً في وجه كل المؤامرات التصفوية للقضية الوطنية وقاوم التوطين في البلدان العربية المضيفة رفضاً لأي وطن بديل غير الوطن الفلسطيني الحر ولا زال يُحارب في قوته وقوت أطفاله، وأبسط حقوقه تتعرض للمصادرة لإرغامه للقبول بالأمر المفروض والواقع الذي تُساهم "الاونروا" بطريقة أو بأخرى في تمريره من خلال ما ترسمه أروقة السياسة وطموحات الساسة وتنفذه الأمم المتحدة وإحدى مؤسساتها المعنية باللاجئين الفلسطينيين تساوقاً مع مخطط سياسي لا ينفصل عما يحدث في الإقليم العربي وتقوده أمريكا والغرب ومن تتقاطع مصالحهم من دول إقليمية وعربية تكون دولة الاحتلال هي المستفيدة من تمريره وبالقطع لا يمكن مروره أمام حالة الوعي الوطني والإدراك لتداعيات تصفية أعمال الوكالة الأممية ولكن لمنع الحريق من الامتداد علينا بمحاصرته ومحاربته. وهنا الكل الفلسطيني بكافة فصائله وأحزابه وفعالياته ومؤسساته ولجانه الشعبية بحاجة مُلحة وماسة للوحدة الحقيقية ومُطالب بالوقوف الموحد في وجه المؤامرة, وتبني إستراتيجية وطنية موحدة قادرة على الوقوف أمام تصفية قضية اللاجئين التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية وعنوان الصراع المتواصل والمستمر مع العدو المحتل الغاصب ومنع تمريرها بأي ثمن كان حيث تُشارك في انجازه "الأونروا" التي كشفت عن وجهها الحقيقي وارتهانها للسياسة الدولية وبقائها بيد أمريكا المهيمنة وتأثير الدول الغربية التي تتقاطع مصالحها الإستراتيجية مع دولة الاحتلال.. وأصبحت عصا غليظة يتوجب كسرها قبل أن تبطش وهذا قد يُصبح ممكناً لو صمت الجميع وحينها لا نلومن إلا أنفسنا على صمتنا وعدم مقاومتنا لم يُحدث بكافة الُسبل الممكنة والمتاحة التي كفلتها قوانينهم الدولية وإسماع صوت الشعب الفلسطيني المدوي في كل دول العالم من خلال فعاليات موحدة في كل أماكن اللجوء والشتات لإرغامها عنوة على الإيفاء بحصتها المالية من تمويل "الاونروا" وعدم التوقف عند هذا الحد والانطلاق نحو انتزاع الحق الفلسطيني الكامل بدولة فلسطينية على حدود حزيران 1967م تُمثل جزءاً من فلسطين المحتلة تحقق التحرير النسبي نحو التحرير الكامل لكامل التراب الوطني الفلسطيني وتحقيق عودة ميمونة للاجئين من مخيمات اللجوء قد يكون الأمر مستحيلاً الآن مع الظروف السياسية والدولية السائدة لكن الأمل بإنجاز التحرر الوطني لا يقاس بسنوات النضال المستدام فقط وإنما بالرغبة الجامحة والإصرار على العودة حينها سنقول لوكالة الغوث "الاونروا" شكراً مع امتعاضنا.

استهداف حق العودة

تثير الأزمة المالية الحالية التي أعلنت عنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) في الأوساط الفلسطينية والعربية تساؤلات كثيرة قد تتجاوز في مدلولها وطرحها طبيعة هذه الأزمة المعلنة عن كونها أزمة مالية تتعلق بحاجتها إلى مبلغ مالي زهيد يقدر بمائة مليون دولار أمريكي باستطاعة أن تسدده أي دولة عربية من دول الخليج لتصب هذه التساؤلات جميعها في الهدف السياسي من وراء إثارة هذه الأزمة والحماس الغربي والصهيوني في تسويقها وكذلك التوقيت الذي تجيء فيه والذي يشهد تغيرات نوعية في المنطقة العربية والشرق الأوسط مما يوحي بوجود بعد استراتيجي دولي يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين تمس حق العودة الذي أقرته الشرعية الدولية والتعاطي مع الأفكار التي تدخل في إطار ما تسمى بالواقعية السياسية والتي تجيء على رأسها مبدأ القبول بخيار التوطين والتجنيس أو على أقل تقدير تحويل الخدمات التي تقدمها الوكالة إلى مسؤولية السلطة الوطنية الفلسطينية أو إلى الدول العربية المضيفة مما يعني عمليا انهاء خدماتها التي تقدم إلى ما يقارب من ستة ملايين لاجئ فلسطيني وهي خدمات جليلة خاصة في مجالي التعليم والصحة استمرت منذ عام 51 من القرن الماضي إلى يومنا الحالي وطيلة هذه المدة كانت لا تحظى هذه الخدمات بارتياح الكيان الصهيوني والمنظمات الصهيونية لأنها أنشأت جيلاً من المتعلمين وعملت على تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية وبذلك حافظت على الهوية الوطنية الفلسطينية وعمقت الشعور الوطني بالتمسك بحق العودة في مواجهة مشاريع التصفية.. في أوائل عقد الخمسينات من القرن الماضي كان قد أثير موضوع توطين اللاجئين الفلسطينيين لأول مرة وكان المكان المقترح هو شبه جزيرة سيناء غير أن نصيب هذا المشروع التآمري كان هو الرفض المطلق من جماهير شعبنا في القطاع لأن المخطط التآمري كان يستهدفهم بالدرجة الأولى بحكم علاقة الجغرافيا التي تربط القطاع بسيناء المصرية وقد لعبت الأحزاب القومية والإسلامية واليسارية والشخصيات الوطنية في القطاع في تلك الفترة دورا كبيرا في استنهاض جماهير القطاع في إفشال هذه المؤامرة التي عارضتها مصر أيضاً بقيادة الزعيم عبد الناصر.. مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء وفي دول الجوار العربية وفي بعض دول العالم مثل كندا وبعض الدول الاسكندينافية كان لفترات طويلة ومنذ حدوث النكبة هو الشغل الشاغل لاهتمام السياسة الأمريكية التي كان يهمها دائماً تصفية آثار القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وعنوانها البارز وجود المخيمات وكانت تسعى هذه السياسات لتحقيق ذلك للحفاظ على وجود وأمن الكيان الصهيوني الذي يقوم بدور وظيفي في خدمة المصالح الحيوية الأمريكية الرأسمالية وكذلك في ترتيب أوضاع الشرق الأوسط تحقيقا لمشروع ملء الفراغ وهي نظرية وزير الخارجية الأمريكي فوستر دالاس في ذلك الوقت لوراثة نفوذ بريطانيا وفرنسا في دول المشرق العربي والذي كان قد تراجع بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 56 من القرن الماضي وقد تجد هذه النظرية طريقها للتطبيق الآن في صورة ترتيب بناء شرق أوسط جديد ما فتات الولايات المتحدة تخطط له منذ أعوام يقوم على تهميش الرابطة القومية للشعوب العربية بدمج الكيان الصهيوني فيه وتحويل دول المنطقة إلى أطراف مهمشة تابعة للمركز الرأسمالي الامبريالي الأمريكي والغربي.

هكذا ظلت قضية اللاجئين الفلسطينيين محل اهتمام صانعي الإستراتيجية الأمريكية على المستوى الدولي وكذلك محل إزعاج للدوائر الثلاثة: الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية العالمية الذي شكل استمرار وجود الوكالة وتقديم الخدمات للاجئين شاهد عيان على وجود المأساة الفلسطينية ثم دول الغرب الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أخذت تقود المعسكر الغربي الرأسمالي بعد انتصار دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وكذلك بريطانيا كونها تتحمل المسؤولة عن النكبة باعتبارها دولة الانتداب.

أما الدائرة الثالثة فهي الدول العربية المضيفة التي تأوي على أراضيها أعداداً كبيرة من اللاجئين والذين ينظر إليهم منذ اللجوء وحتى اليوم بأنهم غرباء عن البلاد وعامل تهديد ديموغرافي للنسيج الاجتماعي القبلي العشائري كما هو الحال في الأردن والديني والمذهبي كما هو الحال في لبنان..

بعد هزيمة يونيو 67 طفت على السطح مرة أخرى قضية اللاجئين وظهر مشروع التوطين والتجنيس بهدف تصفية الثورة الفلسطينية حيث شكلت مخيمات اللجوء في الأردن ثم في لبنان مصدرها وينبوعها الأول ومركز قيادتها في الشتات وظهرت أفكار كثيرة في هذه القضية ولكن أهم هذه الأفكار ما كانت تطرحه بعض المشاريع الصهيونية والأمريكية كمشروع الوطن البديل الإسرائيلي ومشروع ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق الذي ينص على ضم قطاع غزة والضفة الغربية للأردن وإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين ثم الحديث عن حل قضية اللاجئين من خلال توطينهم في منطقة الأزرق بشرق المملكة الهاشمية قريباً من الحدود مع العراق بسبب الوفرة في المياه في تلك الأرض الصحراوية وغير ذلك من الأفكار والمشاريع التصفوية لحق العودة والتي ما زالت تطرح حتى اليوم بصيغ وأفكار مختلفة وكلها ترسم سيناريوهات بخصوص حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أهمها ما أشيع في وسائل الإعلام المصرية منذ أواخر عهد مبارك وعهد مرسي عن مشروع تم تداوله في الأوساط الأمريكية عن مشروع توطين لاجئي قطاع غزة في أرض من شمال سيناء يتم ضمها للقطاع بهدف توسيعه ليشكل في المستقبل كيانا مستقلا مقابل مساحة مضاعفة من صحراء النقب تضم إلى مصر وهي القضية التي ما زالت تشغل بين الفترة والأخرى هواجس أجهزة الأمن القومي المصري وتعليقات بعض الإعلاميين المصريين المعروفين بعنصريتهم وبحقدهم وكراهيتهم وانتمائهم الإقليمي المعادي لفكرة عروبة مصر لإثارة حفيظة الشعب المصري ضد القضية الفلسطينية .. جاءت المبادرة العربية للسلام الذي أقرها مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2000 .. لتفتح مجال التفكير واسعا في مشاريع التوطين وتصفية حق العودة من خلال الإشارة في بنودها إلى قضية اللاجئين على انه يجب تسويتها في إطار (حل متفق عليه )وهي عبارة بعيدة في مدلولها السياسي عن قرار الأمم المتحدة الذي ينص على حق العودة والتعويض وهكذا تأتي الآن الأزمة التي تمر بها وكالة الاونروا كجزء من مخطط استراتيجي دولي يقف من خلفه بعض الدول المانحة خصوصاً الولايات المتحدة وكندا وبعض دول الاتحاد الأوروبي والهدف السياسي من وراء ذلك تفريغ المخيمات من اللاجئين والقبول بفكرة التوطين والتجنيس وقد يكون هذا الوقت مناسباً في تقديرات الدول المانحة الذي لا يوجد قرار ملزم من المجتمع الدولي لإجبارها على استمرار دفع الأموال التي تعهدت بها.. قد يكون الوقت مناسباً عندها للبدء بتنفيذ هذا المخطط تمهيدا لتصفية قضية اللاجئين من خلال التنصل من مسؤوليتها المالية وحيث لم تعد قضية اللجوء الفلسطيني المستمرة منذ عام النكبة قبل سبعة وستين عاماً هي قضية اللجوء الوحيدة في الشرق الأوسط التي تثير تعاطف المجتمع الدولي وتوقظ مشاعر الضمير الإنساني فقد ظهرت في الواقع السياسي والاجتماعي والإنساني الآن قضية لجوء متعددة أخرى أهمها هروب ونزوح إعداد كبيرة من السوريين بلغ تعدادهم بالملايين خرجوا من بلادهم للبحث عن ملاذ آمن بفعل الصراع الدموي المسلح على السلطة إلى دول الجوار مع سوريا كالأردن ولبنان وتركيا وقبرص ومصر.. لكن الحقيقة التي يجب أن تقال بخصوص أزمة الوكالة هي أنه ما كان هذا التراجع في موقف الدول المانحة ليحدث لولا أن رأت حكومات هذه الدول ميلاً عربياً ودولياً للتخلص من قضية اللاجئين التي طالت بدون أن يظهر أي أمل لتحقيق تسوية سياسية عادلة قريبة للقضية الفلسطينية.

اعلى الصفحة