|
|||||||
|
صعدت تركيا في الآونة الأخيرة ضد سورية مهددة من جديد بالتدخل العسكري بعدما فشلت في إقامة منطقة أمنية عازلة في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، وحجتها هذه المرة تقدم قوات وحدات حماية الشعب الكردية بعد تحريرها مدينة تل أبيض الحدودية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي... وبموازاة تهديدات المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان تزخر الصحف التركية بالعناوين التي تقول إن الوقت حان للتدخل العسكري في سورية، وبالتسريبات التي تتحدث عن خطط عسكرية أعدت لمثل هذا التدخل، وعن اجتماعات أمنية رفيعة المستوى عقدت وتعقد لهذه الغاية، ولعل السؤال هنا، هل حقا باتت تركيا مستعدة للتدخل العسكري في سورية أم ان لا جديد في الأمر لطالما سمعنا مثل هذا الكلام مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية ؟ تركيا ومحنة الصعود الكردي في الواقع، منذ أن احتضنت تركيا المعارضة السورية على أراضيها وقطعت علاقاتها بالنظام السوري عملت لتحقيق هدفين أساسيين. الأول: العمل على إسقاط النظام السوري عبر دعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة والضغط من أجل إقامة منطقة أمنية عازلة والعمل لاستجلاب موقف دولي وتحديداً عبر محاولة جر الحلف الأطلسي وحليفتها الولايات المتحدة للتدخل العسكري في سورية، وقد فشلت في تحقيق هذا الهدف، بل إن مجمل سياستها تجاه الأزمة السورية وصلت إلى طريق مسدود، وكشفت الحرب على داعش عن تناقض في الأولويات بينها وبين الولايات المتحدة، فواشنطن ترى أن الأولوية في المرحلة الحالية هي للحرب ضد داعش وأن الأزمة السورية يجب أن تحل من خلال حل سياسي وبتوافق دولي وإقليمي، فيما تركيا تؤكد على أولوية إسقاط النظام السوري، وهو ما أدى عمليا إلى فتور وشد وجذب في العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل اتهامات أمريكية متواترة عن دعم تركي للتنظيمات المتطرفة ولاسيما داعش في سورية والعراق لتحقيق أهداف تتعلق بالأجندة التركية تجاه دول المنطقة الثاني: عدم السماح ببلورة مكون كردي مستقل عن المعارضة السورية، ومحاولة دفع الأكراد للانضمام إلى العمل المسلح من أجل إسقاط النظام السوري، وقد كشفت العديد من الوثائق والمعطيات عن دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية ولاسيما داعش وجبهة النصرة في الحرب ضد الأكراد الذين نجحوا في حماية مناطقهم الغنية بالنفط والغاز من الوقوع تحت سيطرة داعش. وتركيا عندما تحارب المكون الكردي السوري على هذا النحو، فإنها في واقع الأمر تخشى من تفجر القضية الكردية في الداخل التركي، خصوصاً وأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي هو الأقوى بين الأحزاب الكردية السورية هو حليف لحزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي حقق انتصارا كبيرا في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، حيث للمرة الأولى حصل على ثمانين مقعدا في البرلمان وأنهى الأغلبية التي كان يتمتع بها حزب العدالة والتنمية والتي كان من خلالها يتفرد بحكم البلاد، وفي العمق، فان تركيا باتت تخشى من انعكاس الصعود الكردي في سورية على وضع قضيتها الكردية في الداخل خاصة في ظل تعثر عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني واحتمال تفجر العنف من جديد في ظل اتهام حزب العمال للحكومة التركية بأنها تحاول الالتفاف على الحقوق القومية الكردية. السعي التركي للتدخل العسكري في سورية، رافقه تطلع دائم إلى خلق واقع أمني – عسكري على الحدود مع سورية من خلال الدعوة إلى إقامة منطقة أمنية عازلة، تكون بمثابة مأوى للنازحين السوريين من جهة بعد أن تجاوزت أعدادهم مليوني نسمة وبات وجودهم يخلق مشكلات اجتماعية داخل العديد من المدن والمناطق التركية، ومن جهة ثانية منطلقاً للمعارضة السورية المسلحة بغطاء جوي يشل قدرة طيران النظام السوري، إلا أن المساعي التركية هذه لم تلق تجاوباً من الغرب وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي، وبسبب كل ذلك باتت السياسة التركية تجاه الأزمة السورية في أزمة متفاقمة ومسدودة، ففي الوقت الذي يطلق أردوغان تصريحات نارية ويظهر بلاده وكأنها قوة إقليمية ضاربة وقادرة على التدخل وفرض أجندتها سرعان ما تظهر تركيا وكأنها نمر من ورق بحاجة إلى موافقة أمريكية في أي خطوة حتى لو كانت صغيرة، ولعل صمود النظام بدعم من حلفائه (إيران – حزب الله – روسيا...) كل هذه السنوات ونجاحه في البقاء وإدارة المعركة زاد من معاناة السياسة التركية الإقليمية لاسيما بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر والذي شكل ضربة كبرى للمشروع الإقليمي التركي تجاه المنطقة العربية، كما أن إستراتيجية تركيا بدعم الجماعات المسلحة في الشمال السوري بدأت تتعرض للانهيار مع إقامة أكراد سورية في المناطق الشمالية والشرقية إدارة ذاتية لها مؤسسات عسكرية وأمنية وإدارية واقتصادية، خصوصاً مع الانتصارات التي يحققها الأكراد ضد داعش وغيره من المجموعات المسلحة في هذه المناطق حيث باتوا يشكلون قوة تحسب لها الحساب لاسيما بعد أن باتوا حلفاء موثوقين لأمريكا وللتحالف الدولي في الحرب ضد داعش في سورية والعراق. وعليه باتت تركيا ترى بأن المستفيد الأكبر من الأزمة السورية حتى الآن هم الأكراد الذين نجحوا للمرة الأولى في تاريخ سورية من بسط السيطرة على مناطقهم وبلورة كيان سياسي خارج معادلة النظام والمعارضة، حيث ترى تركيا ان هذا الأمر يشكل تهديدا لأمنها القومي لاسيما وان أحداث معركة كوباني – عين العرب أظهرت مدى ارتباط أكراد تركيا بأكراد سورية وتواصلهم عبر الحدود. بعد سيطرة الأكراد على تل أبيض الحدودية مع تركيا والتي كان داعش يستخدمها معبراً لإدخال المسلحين الأجانب إلى محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين بات الطريق مفتوحاً بين كوباني – عين العرب والمناطق الكردية في أقصى الشمال الشرقي المفتوحة أصلا على إقليم كردستان العراق، ومع هذا التطور الميداني الكبير ثمة قلق تركي يتعاظم في أن يتمدد الأكراد أكثر ويحاولوا وصل هذه المناطق بمنطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي بما يعني احتمال الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وبالتالي احتمال تغير بعض خرائط تصدير النفط في المنطقة وتحديدا من شمال العراق ليتم تصديرها عبر هذه المناطق بعد أن كانت تصدر عبر ميناء جيهان التركي، وحقيقة فان تركيا باتت ترى أن حدودها الجنوبية أضحت مع كيان كردي في شمال شرق سورية، يستكمل ملامحه على الأرض على غرار ما جرى لإقليم كردستان العراق، ولعل ما زاد من المخاوف التركية هنا، هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني هو صاحب هذا المشروع، وهي تعتقد أن قيادة حزب العمال الكردستاني التي تتخذ من جبال قنديل مقراً لها تقف وراء كل ذلك، بيد أن ما يؤرق تركيا أكثر ليس الصعود الكردي فحسب، وإنما إحساسها العميق بأن حليفتها التاريخية، أي الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقف وراء ذلك، وان الهدف النهائي من وراء هذا الصعود الكردي هو إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة ستكون الخاسر الأكبر منها تركيا، وهو ما تقول أنقرة إنها لن تقبل به مهما كلفها الأمر، بما يعني أن أولوياتها تجاه الأزمة السورية قد تتعرض للتغير. سيناريو التدخل العسكري دون شك، ما سبق يعمق من محنة السياسة التركية تجاه الأزمة السورية، ويزيد من الجدل بشأن الخيارات المطروحة في كيفية التعامل مع التحدي الكردي ليس على الحدود مع سورية فحسب بل حتى في الداخل التركي خصوصاً بعد الفوز الكبير الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطية الكردي في الانتخابات البرلمانية والحديث عن انتهاء عملية السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، وعليه ثمة من يتحدث عن سيناريو للتدخل العسكري في سوريا، يحمل الملامح التالية: 1- القيام بعملية عسكرية محدودة وتحديداً في منطقة جرابلس نظراً لأهميتها الأمنية في منع إقامة تواصل جغرافي بين المناطق الكردية على امتداد الشمال الشرقي، وبما يشكل هذا التدخل رسالة دعم للفصائل السورية المسلحة كالجيش الحر وجيش الفتح للتحرك في مواجهة الصعود الكردي ومحاولة وضع حد له. 2- إيجاد أرضية للتواجد العسكري التركي في المنطقة الحدودية، ومحاولة جلب دعم أطلسي لهذه الخطوة بهدف خلق واقع أمني جديد على شكل رسالة حاسمة للأكراد بأن تركيا لن تسمح بإقامة كيان كردي، وبما يشكل دعماً إضافياً للمجموعات المسلحة التي تعرض هجومها على حلب إلى التراجع بعد أن اعتقدت أن السيطرة على إدلب ستجعل من السيطرة على حلب وغيرها من المناطق المجاورة سهلة، وهو ما يكشف الحضور التركي في الشمال السوري. 3- التحرك على المستويين الإقليمي والدولي من خلال القول إن تحركها هذا يهدف إلى منع تقسيم سورية عبر منع إقامة كيان كردي في المناطق الشمالية الشرقية، مع أنه في حقيقة الأمر أن السياسة التركية هي التي أوصلت الوضع في هذا المناطق على نحو ما هو عليه، إذ أن فتحها لحدودها أمام تدفق المسلحين ومدهم بالأسلحة والتدريب وغير ذلك... هي من جعلت الحدود السورية – التركية أشبه بالحدود الباكستانية – الأفغانية حيث الفوضى والفلتان وغياب الأمن، بما يشكل كل ذلك خطراً على أمن تركيا نفسها في الوقت الذي كان من المفترض أن تمنع تركيا هذه المجموعات من المرور عبر أراضيها حفاظاً على أمنها بالدرجة الأولى. 4 - إن التصور التركي للتدخل العسكري في سورية يقوم على أن الخطوات السابقة ستؤدي إلى إقامة منطقة عازلة، وبما تؤدي هذه الخطوات لاحقاً إلى إيجاد مخرج لأزمة اللاجئين السوريين الذين يتزايد أعدادهم حيث تزداد أعباء تركيا وتزداد حدة المطالبة الداخلية بإيجاد حل لمشكلتهم. مع أن ثمة تقارير تشير إلى أن هذا السيناريو بوشر به عملياً على الأرض من خلال الإجراءات الأمنية في المنطقة الحدودية وتحديداً المناطق الجغرافية التي سيتم الدخول إليها من قبل 20 ألف جندي، وهي بطول 150 كيلو متر مربع وعمق 35 كيلو متر مربع، تمتد من منطقة تل أبيض إلى غرب جرابلس بهدف قطع الطريق أمام المشروع الكردي، إلا أنه وعلى الرغم من هذه التفاصيل وغيرها، ثمة من يتحدث عن صعوبة تنفيذ سيناريو التدخل العسكري بسبب رفض المؤسسة العسكرية وتحديداً رئاسة الأركان التي ترى في الأمر مغامرة بل ربما مؤامرة هدفها جر تركيا إلى مستنقع آسن كبير الهدف منه تركيا نفسها. جدل المفاهيم والحسابات والتداعيات ثمة من يرى أن لحظة التحرك العسكري التركي ليست سوى تعبير عن أزمة أدوات السياسة التركية في التعامل مع الملف الكردي في المنطقة ككل، وهي سياسة تحمل مفارقات كبيرة، إذ كيف تتعامل أنقرة بإيجابية كبيرة مع إقليم كردستان العراق في حين ترفض أي انفتاح على المكون الكردي في سوريا؟ أبعد من هذه المفارقة، يرى كرد سوريا بأن ثمة قضية غير مفهومة تتعلق بإصرار تركيا على إظهار نفسها وكأنها ضد تطلعاتهم بما يعزز الشعور لديهم بأنها تدعم داعش ضدهم، بل أنهم يرون أنها تتعمد إظهارهم وكأنهم انفصاليون يريدون تقسيم سوريا في وقت لم ترفع الأحزاب الكردية لا في المجلس الوطني الكردي ولا حزب الاتحاد الديمقراطي مثل هذه الشعارات، بل إن الأخير يرفض قضية الاستقلال الكردي في الأساس على اعتبار أن فلسفته السياسية هي ضد إقامة دولة كردية مستقلة على اعتبار أنها لم تعد تناسب واقع المنطقة ويطرح بدلاً من ذلك صيغة الحكم المحلي أو الفدرالي. لكن كل ما سبق لا يبدو مقنعاً لتركيا التي ترى أن أمنها بات مهدداً بفعل الكيان الكردي الذي يتحول إلى دولة أمر واقع، وأنه لا بد من التحرك على الأرض لوضع حد له، فيما يرى كثيرون أن الخيار العسكري سيفتح باب جهنم أمام تركيا بحكم التداعيات الكثيرة، ولعل أهمها: 1- أن التدخل العسكري سيضع نهاية لعملية المصالحة أو السلام مع حزب العمال الكردستاني الذي يرى في التدخل العسكري التركي بمثابة عدوان على المناطق الكردية السورية، وأن مثل هذا التدخل سيفجر العنف الكردي في تركيا من جديد في هذا التوقيت الحساس، ويزيد من الانقسام التركي في الداخل، وربما الصدام بين أردوغان والمؤسسة العسكرية التي لم تنسَ أن أردوغان هو من حجّمها وأخرجها من الحياة السياسية، وهي ربما لن تترك له هذه الفرصة للانقضاض عليها بعد تحميله مسؤولية السياسة الخاطئة التي يتبعها حيال الأزمة السورية. وقد أظهرت المدوالات بين رئيس الأركان التركي ورئيس الحكومة أحمد داود اوغلو رفض الأول القيام بالتدخل العسكري في سورية. 2- أن النظام في سورية ربما سيكون المستفيد الأكبر من هذا التدخل، إذ أن من شأنه جلب تعاطف شعبي عربي وربما رسمي معه من قبل بعض الدول العربية، باعتبار أن التدخل العسكري التركي سيكون بمثابة عدوان عسكري على دولة عربية ومحاولة احتلال أرض عربية، ومن شأن هذا الأمر زيادة النقمة على السياسات التركية في المنطقة، خصوصاً وأن دولاً مثل العراق ومصر والجزائر ستتحرك، بما يعني احتمال تغيير الموقف العربي العام لصالح سورية. 3- أن الرد الإيراني والروسي والعراقي قد لا يكون كما تتوقعه تركيا أي مجرد إدانات وتهديدات واستنكارات، بل قد تتعداها، إلى إجراءات ملموسة تفجر الوضع التركي في الداخل، ولعل خطورة هذا الأمر أن هذه الدول تجاور تركيا وتشكل طوقاً جغرافياً من حولها، بما يعني أن الرد على التدخل التركي سيكون سهلاً وبنفس الوقت صعباً لتركيا. إذ أن التدخل العسكري التركي يعني دخول الأزمة السورية مرحلة جديدة تحمل معها خلط للأوراق الإقليمية والدولية، نظراً لأن الأزمة السورية لم تعد أزمة محلية بل باتت أزمة إقليمية ودولية حساسة نظراً لتداخل السياسات والمصالح والاستراتيجيات في هذه المنطقة الحساسة من العالم. 4- أن الموقف الأمريكي نفسه يشكل قلقاً كبيراً لتركيا خصوصاً وأن أنقرة ترى أن التحالف الأمريكي مع الأكراد في العراق وسورية يتعزز يوماً بعد أخر على وقع التحالف في الحرب ضد داعش، وفي العمق ثمة من يرى أن الإدارة الأمريكية تأمل بأن تتورط تركيا في المستنقع السوري أكثر لأسباب تتعلق بتناقض أجندة الطرفين إزاء العديد من القضايا في الشرق الأوسط على اعتبار أن مثل هذا التورط سينتهي بإعادة النظر في مجمل السياسة التركية وربما التخلص من حكم أردوغان نفسه، وحتى في تركيا هناك من يشبّه تدخل تركيا العسكري في سورية بتدخل صدام حسين في الكويت والذي كان سبباً في حرب الخليج الأولى وشكل بداية النهاية لنظام صدام حسين. محاولة إغراء أمريكا بتقديم تنازلات تدرك تركيا أن قرار التدخل العسكري في سورية هو قرار أكبر منها، وأن تدخلها العسكري لوحدها سيكون بمثابة انتحار سياسي وانتقال الحرب إلى داخلها. إذ أن الثابت أن مثل هذا التدخل بحاجة إلى جملة موافقات وربما مشاركة عدة جهات، لعل أهمها: 1- الولايات المتحدة التي تعد حليفا قديما لتركيا، ولها قواعد كثيرة على الأراضي التركية أهمها قاعدة انجرليك التي تخزن فيها واشنطن أسلحة إستراتيجية، ومن الواضح أن سياسة واشنطن المعلنة ترفض حتى الآن أي حل عسكري للأزمة السورية وإنما تؤكد مراراً على الحل السياسي وتحديداً عبر صيغة جنيف واحد ومن خلال التوافق على مرحلة انتقالية. 2- الحلف الأطلسي والذي تركيا عضو فيه منذ عام 1952، فبموجب ميثاق الحلف هناك بنود ولاسيما بندي الرابع والخامس من الميثاق اللذان يمنعان دول الأعضاء في الحلف من القيام بتدخلات عسكرية في دول أو مناطق متفجرة دون موافقة الحلف نظراً لما يترتب ذلك من مخاطر على دول الحلف، والثابت أيضاً هنا أن الحلف الأطلسي يرفض أي تدخل عسكري في سورية على الرغم من المحاولات التركية المستمرة لجره إلى مثل هذا التدخل تحت عنوان إقامة منطقة أمنية عازلة أو أن أمنها بات مهدداً، كما حصل في أثناء إسقاط الدفاعات السورية طائرة عسكرية تركية فوق البحر في شاطئ اللاذقية قبل أكثر من عامين. 3- عدم توفر قرار دولي: إن التدخل العسكري في دولة عضو في الأمم المتحدة يحتاج إلى قرار دولي من مجلس الأمن، ومثل هذا القرار غير متوفر، بل وغير ممكن في ظل الفيتو الروسي والصيني المطلق لأي تدخل عسكري في سورية. ولعل ما يزيد من الحرص الدولي بهذا الخصوص، هو أن الحرب على سورية قد تتحول إلى حرب إقليمية مفتوحة إذا ما علمنا أن إسرائيل موجودة على الحدود السورية والتزام الغرب بأمن إسرائيل، في حين أن اندلاع الحرب لن يمنع خيار توسعها بما في ذلك إسرائيل، وهو ما يجعل من الحرب مغامرة لا أحد يعرف كيف ستنتهي، وكيف ستكون نتائجها. 4- على المستوى التركي الداخلي، يمكن القول إن المؤسسة العسكرية ترفض التدخل العسكري في سورية على الرغم من محاولة إظهار أردوغان – أوغلو أنه ليست هناك مشكلة بهذا الخصوص وأن المؤسسة العسكرية تتبع أوامر المؤسسة السياسية، لكن من الواضح أن هناك ثمة انقساماً كبيراً بهذا الخصوص، وقد يتحول إلى خلاف يتفجر في وجه أردوغان في أي وقت. في الواقع، تدرك تركيا أردوغان هذه العقبات بشكل جيد، كما تدرك عدم موافقة أو قرار دولي بمثل هذا التدخل، وهي في سبيل ذلك تكثف محادثاتها مع الجانب الأمريكي في محاولة لإقناعه بجدوى التدخل العسكري. وعليه قامت خلال الفترة الماضية بمجموعة من الخطوات بهذا الخصوص، لعل أهمها: 1- الموافقة على البرنامج الأمريكي لتدريب المجموعات السورية المسلحة لمحاربة داعش مع أن تركيا كانت ترفض في السابق هذا البرنامج وكانت تشترط الموافقة عليه بان يشمل البرنامج محاربة النظام السوري أيضا وليس داعش فقط، وهو ما لم يحصل. 2- إطلاق حرب إعلامية مفادها: بأن الحكومة التركية انخرطت بقوة في محاربة داعش وغيرها من المجموعات المسلحة، من خلال القول إنها تمنع مرور المسلحين عبر مطارات تركيا وحدودها وتقوم باعتقال هؤلاء وترحيلهم حيث باتت وسائل الإعلام الموالية للحكومة تزخر بمثل هذه التقارير يوميا على شكل حملات مدروسة هدفها إيصال رسالة للخارج بهذا الخصوص. 3- الموافقة على استخدام قاعدة انجرليك من قبل طائرات التحالف الدولي ضد داعش بعد أن كانت ترفض تركيا في السابق هذا الأمر بشكل مطلق، وهي تبرر موافقتها هذه بوجود ضمانات أمريكية بعدم السماح لأكراد سوريا بالتمدد أكثر غرباً أي باتجاه عفرين، أو قصف طائرات التحالف المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر وجيش الفتح وغيرها من المجموعات المسلحة التي تدعمها تركيا، ومعظم هذه المناطق تمتد من جرابلس على الضفة الغربية من نهر الفرات وصولاً إلى بلدة أطمة الحدودية مع محافظتي إدلب وحلب على الحدود مع تركيا. 4- إعلان تركيا عن استعدادها الدائم لمساعدة العراق على تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش، مع أن بغداد أعلنت مراراً رفضها لتواجد أي قوات عربية أو تركية على الأرض العراقية. ربما ترى تركيا أن هذه الإغراءات وغيرها كفيلة بإقناع واشنطن بالتدخل العسكري في سورية أو على الأقل لتبرير تدخلها العسكري إذا تطورت الأمور أكثر ولاسيما في حال حصل تقدم كردي على جبهة الغرب، فأردوغان يدرك أن الصعود الكردي على الحدود الجنوبية لتركيا سيكون له تداعيات على الداخل التركي بما في ذلك احتمال تفجر العنف بداخلها، كما أن حسابات أردوغان بشأن احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة باتت حاضرة وقوية في ظل العقبات الكبيرة التي تعترض تشكيل حكومة ائتلافية وعدم قناعة أردوغان بنتائج الانتخابات التي أدت إلى فقدان حزبه الأغلبية البرلمانية ما شكل خسارة لمشروعه السلطوي في الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وانطلاقاً من كل ما سبق ربما يرى أردوغان أن التدخل العسكري في سورية سيزيد من رصيده الشعبي قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة يأمل منها استعادة بعض الأصوات التي خسرها، وعلى الأقل استعادة 18 مقعداً كي يتمكن حزبه من تشكيل الحكومة منفرداً ولا يقع تحت رحمة الأحزاب التي تشترط الدخول في حكومة ائتلافية مع العدالة والتنمية نسيان الانتقال إلى النظام الرئاسي. وعليه يمكن القول إن حسابات أردوغان من التدخل العسكري في سورية كثيرة ومتداخلة، وهي تتعلق بالحد من مخاطر الصعود الكردي على الحدود أولاً، وتقديم دعم إضافي للمجموعات المسلحة التي تعمل لإسقاط النظام السوري ثانياً، وتقوية شعبية حزب العدالة والتنمية في الداخل استعداداً للذهاب إلى الانتخابات المبكرة بهدف تحقيق أجندته السياسية ثالثاً. دون شك، محنة تركيا وتحديداً أردوغان كبيرة، وأينما تقف تركيا تجد نفسها خاسرة، فهي واقعة بين سندان الرد على الصعود الكردي على الحدود وبين جدل الخيار العسكري الصعب والخشية من تداعياته، أو الوقوف عاجزة وخسارة بقية مصداقية السياسة التركية في الداخل بعد الخارج. كاتب وباحث متخصص بالشؤون التركية(*) |
||||||